الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (7)

ناصر بن رجب

2012 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في أصـول القـرآن :
مسائل الأمس ومقاربات اليوم (7)
ألفريد - لويس دي بريمار
 
Aux origines du Coran
Questions d’hier, approches d’aujourd’hui
Téraèdre, Paris, 2004
Cérès, EDIF2000, LE FENNEC, Tunis
 
ترجمة وتعليق
ناصر بن رجب

 
 
الفصل الخامس
 
الجدل حول القرآن ... في القرآن
إن الجدل الذي دار حول القرآن في فترات الإسلام الأولى لم يترك آثاره داخل كتب التاريخ ومُدوَّنات الحديث فقط. فنحن نجد أصداء هذا الجدل في القرآن نفسه. الأمر يتعلّق بجدالات يُخاطب فيها مُؤلِّف القرآن خصومًا لكي يردَّ على عدد من إعتراضاتهم. يمكننا أن نفترض أن هذه الجدالات كانت قد وقعت في الأوقات التي شهدت تأليف النصوص وذلك لأنّ هذه الأخيرة تُردّد صدى تلك الجدالات ولأنّ محرِّري النصوص حرصوا على الردّ عليها.
الجدل في معناه العام هو واحد من أنواع خطاب القرآن المهيمِنة[168]. والجدالات التي تهمّنا هنا تتعلّق مباشرة بالقرآن نفسه، وبوصف رسوله، وبأسلوب ومحتوى رسائله، وأخيرا بأصله، وبمصادره، وبتاريخه. هذه الجدالات موجَّهَة ضدّ أشحاص ذوي هويّة عامّة غير محدَّدة، والنصوص التي نعرف من خلالها هذه الجدالات لا تقول لنا أيّ شيء عن الظروف التي كانت السبب في إثارتها.
في كلّ مرّة يتدخّل فيها جدل حول هذا الموضوع، فإنّ القرآن يقع تقديمه على أنّه "كتاب" ويستنجد الرسول بكتابات مقدّسة أخرى – التوراة، الإنجيل، الزُبُر، إلخ ...- لكي يبرِّر إدِّعاءه بأنّه استلم كتابه المقدّس من السماء. إذن، سيقتصر التحليل هنا على النصوص التي يكون القرآن، بما هو كتاب، موضوعها بصورة دقيقة، وتستحضر كتابات أخرى كقاعدة للبرهنة.
 
مواضيع الجدل وديالكتيك الرّد
كاتب القرآن هو الذي يذكر إعتراضات ومنازعات خصومِه ويردَّ عليها. وهذه الإعتراضات والمنازعات، بعد تخليصها من لهجتها الحادّة التي تتّسم بها، هي التالية :
-         الرسول لا يعدو أن يكون إلاّ شاعرا أو كاهنا أصابه الجنون.  والإعتراض هنا يخصّ شكل تعبير الرسالة ومحتواها والوصف المُقابل للرّسول[169].
-         الرسول لم يقم إلاّ بتبليغ النصوص التي هي "أساطير الأوّلين"[170] نسخها (أو "اكتتبها" كما يقول القرآن. [المترجم])، ورتّبها على طريقته. والإعتراض يتناول مصادر النصوص القرآنيّة واستعمالها[171].
-         الإعتراض على "أساطير الأوّلين" يتّضِح بخصوص مسألة عقائدية : بعث الأجساد[172]، والحساب والعقاب[173].
-         مُؤَلِّفو القرآن يتصرّفون بحرّية في الآيات : فهم يبدّلون آيات مكان آيات أخرى، ويحذفون مقاطع ويُنْسونَها. والإعتراض يخصّ هنا التلاعب بالنصوص[174].
-         كما أنّ طابع القرآن المتَشَظِّي والمبعثَر يُوضَع موضع شكّ. والإعتراض هنا يتناول شكل القرآن العام : فهو شكل يُنافي شكل مجموعٍ مُوحَّد[175].
هذه بعد إختصارها وإعادة صياغتها بعض مسائل الجدل التي تظهر داخل القرآن نفسه مأخوذا كنصّ مكتوب.
إنّ دياليكتيك الردّ لا يتغيّر أبدا من نصّ إلى آخر. فهو مبنيّ على برهان سُلطوي : الله هو الذي أنزل هذه الرسائل "بلسان عربيّ مُبين"؛ الله هو الذي أنزل قرآنه مُنجَّمًا (أي متفرّقا) لكي يشُدَّ فؤاد رسوله؛ الله هو الذي يُغيِّر من القرآن ما يشاء حسب ما يشاء؛ وهو الذي ينسخ آية لكي يُبدِّلها بآية أخرى؛ الله هو الذي ينسخ أو يُقرّ ما يشاء من الكتب المقدّسة السابقة، فهو الذي عنده اللّوح المحفوظ ]مصدر الكتب المقدسة[. يأتي البرهان السلطوي مصحوبا بمواجهة الخصم بإقامة الحجّة عليه من خلال كلامه ad hominem : فالذين يُحاجّون هم أنفسهم المفْتَرون[176]، وهم الظالمون والممْتَرون وقد أعدَّ الله لهم يوم القيامة عذابًا أَليمًا.
فالطريق تبدو مُقفلَة أمام كلّ نقاش. ولكنّه بإمكاننا مع ذلك أن نتفحّص طبيعة الإعتراضات ولغة الردّ، وأن نحاول أن نتَلمَّس، في كلّ مرّة، ما هو جوهر الجدل الدائر وما هو ظرفه العام. ولكن للقيام بهذا يجب، قبل كل شيء، مجابهة صعوبتين هامّتين : معرفة من الذي يتكلًّم في هذه النصوص، ومعرفة من هم المجادِلون الذين تُقدِّم هذه النصوص اعتراضاتهم.
 
من الذي يتكلَّم ؟
يصتدم التحليل النصّي لخُطب القرآن الجدالية مرارا بصعوبةِ معرفة من يقع تقديمه، وذلك بحُكم السياق والتركيب اللّغوي، كمُتكلِّم رئيسي فيها : الله، رسول القرآن، أم شخص ثالث يمكن، على ضوء قراءة النصوص، أن تُغرينا أنفسنا بالتفكير فيه والذي من الممكن أن يكون مؤلِّفًا مجهولا ؟
 
غياب إطار سردي
فعلاً، هذه النصوص لا تنتمي لنوع من السرد الذي يتمّ فيه بالتّناوب تسميّة أطراف المجادَلة باسمائهم. فهي لا تُشبه مثلا قصص الأناجيل ذات الطبيعة الجدالية التي يُحدَّد فيها الأشخاص والفرق ويُشار إليهم بأسمائهم : المسيح، الحواريون، النُسّاخ، الفرّيسيّون، الصدّوقيّون، ... إلخ. فالنصوص القرآنيّة تتميّز بغياب كلّ إطار سردي. ولذلك نرى المفسِّرين المسلمين، تماشيا مع نظريّتهم حول الكتابة المقدّسة والنُبوَّة، يؤكِّدون أنّ الله هو عموما الذي يتكلّم في النصوص، ثمّ هو الذي يُقوِّل رسوله آمِرًا إيّاه بـ "قُلْ" وفي نفس الوقت يُملي عليه الجواب.
التأكيد المسلَّم به على أنّ المتكلِّم هو الله هو إدِّعاءٌ حاول مؤلِّفو القرآن أن يُطوِّعوا له بصورة عامّة التركيب النحوي واللّغوي للنّصوص خاصّة بواسطة الأمر "قُل!". غير أنّ النتيجة ليست دائما متطابقة مع الشيما schéma المنشود : فالتأكيد بأن المتكلِّم هو الله تُسفِّهُه، في الكثير من الحالات، التراكيب النحويّة، وفي بعض المرّات محتوى الخطاب. كما أنّ الأمر "قُل!" ليس موجَّهًا بالضرورة ودائما إلى الرسول، ويظهر غالبا في وظيفته الأصلية، أي ضربًا من ضروب المحسِّنات البديعيّة. وينتج من التحليل، في أكثر من مرّة، أنّ المتكلِّم الرئيسي في النصوص القرآنيّة ليس دائما هو نفس المتكلِّم[177].
 
الضمائر النحويّة الثلاثة (الاشخاص)
الإشارة إلى أنّ الله هو الذي يتكلّم تكمن في أغلب الأحيان في استعمال ضمير "نحن" التفخيميّة، بالرّغم من أنّ الضمير"أنا" يظهر في الآيات أحيانا. ومن هنا فإنّ الله، حسب النحو العربي، هو المتكلِّم (ضمير المتكلِّم). ولكن في حالات عديدة، يمكن لجملة تحتوي على "نحن" التفخيمية أن تكون مسبوقة أو ملحوقة بجملة يُشار فيها إلى الخالق باسمه مباشرة "الله" أو بـ "هو"، أو بالإثنين معًا. وفي هذه الحالات فإنّ الضمير يُشير إلى الغائب، حسب النحو العربي : وعليه فإنّنا أمام شخص آخر يتكلّم عن الله : الرسول نفسه، أو شخص ثالث قد يكون مُحرِّر النصوص. ولكن سواء أكان هذا أم ذاك، فإنّ كليْهِما يبقيان مجهولين. وهكذا فإنّ بعض النصوص هي عبارة عن جُمل يتلاحق فيها على التوالي، وبدون أيّ تحديد آخر، ليس فقط ضميرَا المتكلِّم والغائب ولكن أيضا ضمير المخاطَب وغالبا بصيغة الجمع "أنتم". ويبقى هؤلاء الاشخاص أيضا مجهولي الهويّة. فمَن يُكلِّم من وعن مَن؟ يتمّ هذا بحسب الظروف، وغالبا يأتي مُلتبِساً لُغويًّا.
 
عنصر مقارنة
لدينا، عن شرق الأوسط الألفيتين الثانية والأولى قبل الميلاد، كثير من شواهد مكتوبة لتصريحات نبويّة مثل تلك التي توجد في أرشيف المراسلات بموقع ماري[178]. إنّ إطار وأسلوب هذه التصريحات لا يتركنا أبدا فريسةَ نفس التردّد التي تضعنا فيه التصريحات القرآنية. على سبيل المقارنة، لنكتفي، بما أنّنا في إطار توحيدي، بتصريحات أنبياء الكتاب المقدّس. عند هؤلاء الأنبياء، يُعبِّر الله عن نفسه غالبا بواسطة ضمير المتكلِّم، ليس بواسطة "نحن" التفخيمية، ولكن المتكلِّم المفرد "أنا". كذلك يجب هنا ملاحظة إختلافين هامّين مع نوع التعبير القرآني.
الإختلاف الأوّل يكمن في أنّ نصوص الكتاب المقدّس النبويّة، المدموجة عامّة في السّرد القصصي، تُنسب لأشخاص نعرف انّهم ليسو الله : أشعيا، إرميا، عاموس، إلخ. يوجد من بينهم حتّى "أنبياء مؤلِّفون" مثل حزيقال وإرميا، كاهنان مثَّلت لهما لُفافات الرِّق المكتوبة دعائم هامّة تُكمِّل خُطَبهم الشفهيّة أو تُواكِبها.
الإختلاف الثاني يتمثّل في أنّ أقوال أنبياء الكتاب المقدّس بصورة عامّة يتخلّلها بانتظام الإعلان "قال السيّد الرّبّ" أو أيّ تعبير آخر يُشير إلى اللحظة المتكلِّمُ فيها هو الله أو ملاكه. هذه الإيضاحات، التي يمكن أن تكون من عند الخطيب أو من أحد النُسّاخ، تُجلي على أيّ حال الغموض عن هويّة المتكلِّم الذي يُصرِّح النبيّ أنّه الناطق بإسمه.
هذا السياق العام يضمن للقارئ والسامع إمكانيّة الحفاظ على نوع من المسافة الفكريّة بينه وبين المؤلِّف والنبيّ وبين ما يصرِّح به هذا الأخير على أنّه كلام الله.
 
نسق أسلوبي مُتَعَمَّد
أمّا فيما يخصّ القرآن، في مرحلة تأليفه النهائي، فقد تمّ ابتكاره وانجازه بطريقة بحيث نقرأه على أنّه "كتاب/كتابة الله"، وليس أبدًا على أنّه "كتاب محمّد". وهذا هو السبب في أنّه، داخل القرآن، يقع تنميّة نسقٍ أسلوبي تلتبس فيه الشخصيّات النحويّة (الضمائر)، وينتج عن ذلك، لدى القارئ أو المستَمِع، تعطيلُ إمكانيّة إقامة مسافةٍ مّا بينه وبين النّص. فخطاب الرسول وخطاب المؤلِّفين أنفسهم يمتزج مع خطاب الله. الغاية من هذا النسق هو الإحساس بانّ الله هو المتكلِّم الوحيد. كذلك، حسب المؤلِّفين، فإنّ العلاقة التي يريد نصّ القرآن إقامتها مع قارئه أو مُستَمِعه هي علاقة مع قولٍ سلطوي، مُطلَق وشمولي يقع تقديمه بالنهاية على أنّه القول الوحيد الجدير بالتعبير عن نفسه.
 
من هم المجادِلون؟
هناك صعوبة ثانية تقف حجر عثرة أمام أيّ حكم دقيق على الظرف الذي يُقدَّم لنا في كلّ حالة من الحالات، هذه الصعوبة هي معرفة من هم المجادِلون للرّسول، وما هي الظروف الحقيقيّة التي يتمّ فيها الجدل. إنّ النصوص لا تقدّم عامّة أيّة إشارة على ذلك اللّهم إلاّ إستثناءً واحداً أو إستثناءين يأتيان على شكل إيحائي جدّا. فما عدا الإشارة إلى المعترِضين ونعتهم بأنّهم منشقّون، عاصون، كافرون، مكذّبون، ظالمون أو سُفهاء، فإنّ النصوص لا تحدِّد مَن المقصود بـ "هم" الذين تتحدّث عنهم، أو "أنتم" الذين تخاطبهم. ونحن لا نعرف المعارضين إلاّ من خلال ما "يقولون" وذلك بالصورة التي يقدّمه بها المتكلِّم. وبما أنّنا لا نعرف شيئا عن المعارضين بواسطة النصوص نفسها فإنّنا نجد صعوبة كبيرة في تحديد مداخل الإعتراضات ومخارجها التي وجّهوها إلى رسول القرآن. هذه، في أغلب الحالات، إحدى السِمات المميِّزة للنصوص القرآنيّة من هذا النوع. فإذا كان القرآن لا يقول أبدا بصورة ملموسة من يُخاطِب، فهل يعني هذا أنّ خطابَه يكتسب جرّاء ذلك قيمة دائمة وشاملة وصالحة لكلّ البشر ولكلّ زمان ومكان؟
 
أسباب النزول
لم يكن هذا إنطباع قدماء المفسِّرين. فعلا، لقد حاول الكتّاب المسلمون، بدايةً من أواسط القرن الثامن (م)، وفي كلّ مرّة تعترضهم فيها هذه الصعوبة في النصوص التي كانوا يحاولون تفسيرها، أن يحدِّدوا هويّة الشخصيّات البارزة والظروف الواقعيّة التي كان الحديث يدور عنها. وقد ولّد هذا نوعا من الأخبار وقع الإتّفاق في النهاية على جمعها تحت اسم شامل "أسباب النزول"[179]. هذه الروايات لها بصفة عامّة الصّفات المشترَكة للأخبار[180]. توجد أسباب النزول في تفاسير القرآن القديمة : مثلا تفسير مقاتل بن سليمان (تـ 765 م)، وهو أقدم تفسير للقرآن نمتلكه بكامله[181].كما أنّ أسباب النزول تمثّل نسيجا للعديد من الروايات حول مغازي وسيرة النبيّ، وبالخصوص ما كان قد ألّفه منها ونقله ابن إسحاق (تـ 767 م)، وتمّ ترتيبها وتصنيفها في القرنين الثامن والتاسع (م)[182]. وأخيرا، ستمثّل أسباب النزول جزءًا من التفسير بالماثور المألوف من جملة تفاسير القرآن الكلاسيكية؛ وأفضل ممثِّل لهذا النوع من التفسير هو الطبري وقد سار على منواله كثير من المفسّرين من بعده[183].
إنّ مُصنِّفي أسباب النزول كانوا يريدون تزويد النصوص القرآنية بالإطار السردي التي كانت تفتقِر إليه. فقد كانت أخبارهم إذن غالبا روايات-أُطُر تهدف، بواسطة نوع من الإستعادة للأحداث الماضية، أَرْخَنَة هذه النصوص بتنزيلها في مجرى حياة نبيّ الإسلام. وسنتعرّض لبعض هذه الأخبار فيما يأتي من هذا الفصل.
 


[168] أنظر في الفصل 2 "خطابات جدالية"، ص 44-45 (الطبعة الفرنسية [المترجم])
[169] أنظر السور : 21، 1-10؛ 26، 192-226؛ 37، 35-37؛ 52، 29-34؛ 69، 38-43. (مثلا : في سورة الطور، 29-30 "فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ".وفي سورة الحاقة، 41-42 "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلأً مَّا تُؤْمِنُونَ، وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ". [المترجم])
[170] أنظر السورة، 25، 4-6.
[171] أنظر السور : 6، 25؛ 8، 31؛ 10، 37-40؛ 16، 24؛ 68، 15؛ 83، 13. (مثلا : في سورة الأنعام، 25 "... حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ". [المترجم])
[172] مسألة البعث الحسّي للأجساد كما كانت موجودة في الحياة الدنيا مسألة جادل فيها بعضُ الأنبياء الله نفسه. ومثال ذلك، التحدّي الذي وجّهه أبو الانبياء إبراهيم الخليل إلى ربّه لوُريّه كيفيّة إحياء الموتى : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" البقرة، 260. كما أنّ الأحاديث في هذا الموضوع كثيرة منها على سبيل المثال ما أورده البخاري، قال : "حدَّثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمَّا تكذيبه إيَّاي فقوله : لن يعيدني كما بدأني، وليس أوَّل الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إيَّاي فقوله : اتَّخذ الله ولداً، وأنا الأحدُ الصمدُ، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحدا". ولكنّ كعادتها فإنّ الأحاديث تذهب إلى أبعد من القرآن، وتعرف أكثر ممّا يعرف، فهي هنا تعرِّفنا حتّى على قطعة الجسد التي يبدأ بها الله عندما ينصرف في نهاية الوجود إلى عمليّة إحياء الموتى وتركيبها من الجديد. فقد جاء في صحيح مسلم من طريق معمر عن همام بن منبه قال : "هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث، منها : وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرضُ أبداً فيه يُركَّب يوم القيامة. قالوا : أيُّ عظم هو يا رسول الله ؟ قال : عَجَبُ الذَّنَب". وأخرج أحمد بن حنبل عن أبي سعيد قوله : "قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : يأكل الترابُ كلَّ شيء من الإنسان إلا عجبَ ذَنَبِه، قيل : ومثل ما هو يا رسول الله ؟ قال : مثل حبة خردل منه تَنْبُتون". و "عجب الذنب" أصبح اليوم ومنذ فترة الحجّة بامتياز عن الإعجاز العلمي في القرآن. فقد انبرى له فطاحل علماء القنوات الفضائية بالدرس والتحليل في ندوات علميّة عالميّة حاشدة، ولكن مستخدمين كالعادة، وللأسف الشديد لأمّة الإسلام، براهينَ عُلَماء اليهود والنصارى وكلّ كَفَّار عنيد. [المترجم]
[173] أنظر السور : 23، 82-83. // 27، 66-69 وانظر، 46، 17-18. (مثلا : في سورة المؤمنون، 82-83 "قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعِظَامًا أَءِنّا لَمَبْعُوثُونَ، لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ". وفي سورة الحجّ، 69 "اللَّهُ يَحْكمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ". [المترجم])
[174] أنظر السور : 1، 98-105؛ 2، 106؛ 13، 36-39. (مثلا ما جاء في سورة البقرة، 16 "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَاْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". [المترجم])
[175] أنظر السورة 25، 30-34. ("وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا". [المترجم])
[176] "فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ الَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ"، سورة الأعراف، 162. [المترجم]
[177] أنظر : Welch, « Kur’ân », E.I. V, 424b-425a (passage « dis ») ; Rippin, « Muhammad in the Qur’ân ».
[178] ماري Mari هي موقع أركيولوجي يقع على تلّ الحريري على نهر الفرات في أقصى الجنوب الشرقي لسوريا، يبعد 11 كلم عن قرية أبو كمال و 10 كلم عن الحدود العراقية. لمزيد من التفاصيل عن هذا الموقع الهام، يمكن زيارة الصفحات العديدة المخصّصة له على الأنترنيت. [المترجم]
[179] في هذا الهامش يعطي المؤلِّف المصطلح الفرنسي لـ "أسباب النزول" (circonstances de la révélation) ثم يعطي الترجمة الحرفية له بالفرنسية (causes occasionnelles de la descente). [المترجم]
[180] أنظر الفصل الثالث، ص 48-49. (من الطبعة الفرنسية للكتاب [المترجم])
[181] أنظر Glliot, « Les débuts de l’exégèse », p. 9 sq. ; « Muqâtil grand exégèse ».
[182] كانت المغازي قد مثّلت النواة البدائية للكتابة عن بدايات الإسلام. ثمّ أضيفت إليها لاحقا العناصر البيوغرافية لحياة المؤسِّس، أي السيرة النبويّة. عن ابن إسحاق، أنظر، Prémare, Fondations, p. 16 sq., p. 362-3 (n° 26).
[183] أنظر، الطبري، جامع البيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اتساءل فقط
بلبل عبد النهد ( 2012 / 6 / 6 - 15:45 )
اتساءل هل هذا الله في كتابه المحكم يقول الحمد لله رب العالمين الرحمان الرحيم الخ فهو هنا يحمد ويمجد نفسه اي اله هذا ادن


2 - إلى الأستاذ ناصر بن رجب
لطفي قاسم ( 2012 / 6 / 6 - 16:22 )
أولا : أشكرك جزيل الشكر على مجهودك في تعريب هذا البحث القيّم المفيد
ثانيا : لقد تحدّث الباحث عن المتكلّم في القرآن , و أظن أن السورة التي تطرح إشكالا في هذا المبحث هي سورة الفاتحة , فلو درسنا هذه السورة دراسة لسانية انطلاقا من التساؤل : من المتكلّم فيها لوقفنا على اشكالية حقيقية , و يقودنا البحث في سورة الفاتحة ( المعلوم أن عبد الله بن مسعود قد أنكر أن تكون هذه السورة من القرآن بل قال إنّي سمعت رسول الله يدعو بها و قد أنكر أيضا انتماء المعوّضتين إلى القرآن ) إلى فرضيتين : الأولى : أن الله هو المتكلّم فيناجي ربّه و يقول له الحمد لله رب العالمين ( باعتبار أن القرآن كلّه كلام الله ) , الثانية : أن محمدا هو المتكلّم فيناجي ربه في السورة , ممّا يجعل من الخطاب القرآني مزيجا بين كلام الله و كلام محمد أو هو كلّه كلام محمد منسوب إلى الله


3 - من هو المتكلم في القرآن
شاكر شكور ( 2012 / 6 / 6 - 21:56 )
شكرا استاذ ناصرعلى هذا المجهود الكبير والحقيقة غالبا ما كانت تشغلني قضية من هو المتكلم في القرآن ، فالآية ( 101 ) من سورة النحل ( وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنتَ مفتر) المعارضون لم يصفوا الله بالمفتري بل وصفوا محمد بالمفتر وهنا محمد هو المتكلم عن نفسه ، آية اخرى من سورة الأنعام تقول ( افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا) هل يخاطب الله الناس بضمير الغائب ويقول وهو ويقول افغير الله ابتغي اليس المتكلم هنا انسان ؟؟ لم يظهر من انبياء العهد القديم من تجرأ وحشر اسمه مع الله بل كانوا ينقلون الكلام على انهم مجرد ناقلي الوحي بينما تشير احكام القرآن بأن الله ورسوله يتقاسمان الصلاحيات في الطاعة والأحكام الألهية كالآية التي تقول (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون) وهناك عشرات الآيات التي يقترن اسم الله مع رسوله وهذا يدل الى ان مؤلف القرآن هو من البشر لأنه يستحيل ان يشرك الله بشر معه في اية احكام ، تحياتي للجميع


4 - هداكم الله - فانتم تفسرون على مزاجكم
مسلم ( 2012 / 6 / 9 - 12:59 )
ربما تعرفون اكثر مني بان القران منزل من عند الله وما اعجازه الرقمي والعلمي الا دليل بسيط على ذالك - فيجب ان تعرف التفاسير من اهل القران وليس من هؤلاء حيث اني عدت لكل الايات المذكورة ووجدت ان كلامكم لا يقنع احدا فانتم هدفكم معروف. اريدكم ان تجيبوني على هذه الاسئلة اذا امكن :
عدد الموحدين اليوم اكثر من 3 مليار بينهم اكثر من مليار مسلم فهل يعقل ان كل هؤلاء على خطا
اذا كنتم صادقين (وهذا مستحيل )فاننا سوف لا نخسر شيء فالايمان بالله يدخل الفرح للقلب دائما, اما انتم اذا كنا نحن الصادقين (وهذا حتمي ان شاء الله ) ماذا ستقولون لله عز زجل حين تعرضون على الله عز وجل

اخر الافلام

.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه


.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك




.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل