الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافة-إذا الإيمان ضاع فلا أمان،و لا أمان لمن لم يحى دينا-

سامح سعيد عبود

2012 / 6 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أكذب ما غنته أم كلثوم هو هذا البيت للشاعر الهندى محمد إقبال من قصيدة حديث الروح "إذا الإيمان ضاع فلا أمان، و لا أمان لمن لم يحى دينا"، وهو أبعد ما يكون عن الحقائق المؤكدة لعلوم الأحياء والنفس والاجتماع، وأبعد ما يكون عن حقائق الحياة والواقع، وخطورته أنه يروج لخرافتين شائعتين تستند عليهما الأصوليات الدينية فى العالم، وهو الربط التعسفى بين الإيمان الدينى وتحقق الأمان الاجتماعى بين البشر، والربط المغالط بين حسن الأخلاق والإيمان الدينى.
أما عن حقائق علم الأحياء، فإن كل من الذكاء كما ونوعا، والعواطف تجاه الآخرين إن حبا أو كرها، والأخلاق إن خيرا أو شرا، تنافسا أو تعاونا، موجودة لدى كل من الطيور والثدييات، وإن بشكل أولى وغامض وبسيط لدى أدناها فى سلم التطور، ثم يزداد كل منهم رقيا وضوحا وتعقدا، كلما أرتفعنا فى سلم التطور، عندما نصل لقمته فى الإنسان العاقل، وكما أن الذكاء ملكات متعددة لفظى وميكانيكى، ذاكرة وتحليل وربط، لا يتساوى البشر بالتمتع بأى منهم، لا من حيث الكم و لا من حيث النوع، فيوجد بجوار العباقرة العاديين والمعاقين ذهنيا، فإن الطيور والثدييات كأفراد أو أنواع تتفاوت أيضا فيما بينها فى فى الذكاء والأخلاق والعواطف، فهناك عباقرة أخلاقيا وعاطفيا، وعاديون ومعاقون أخلاقيا وعاطفيا.
و كالذكاء تماما يتحكم فى العواطف والأخلاق لدى كل من الطيور والثدييات، الموصلات الكهروكيميائية فى المخ، وكيمياء الجسم فضلا عن الجينات الوراثية، وهى أصول مادية للأخلاق والعواطف، و قد نشأت تطوريا من ضرورة الرقود على البيض لدى الطيور حتى فقس البيض، ورعاية الصغار، فضلا عن بناء العش، وضرورة تعاون الزوجين فى كل ذلك، وفى الثدييات ضرورة إرضاع الأطفال ورعايتهم لفترة بعد الميلاد، فضلا عن الضرورات التى أملتها الحياة المشتركة الجماعية فى أسراب الطيور وقطعان الثدييات، التى تسببت فى نشوء عواطف القطيع، وظهور ما يمكن أن نطلق عليه التعاون وتقسيم العمل فيما بينها سواء للبحث عن الطعام أو حماية السرب أو القطيع، وإن كانت رعاية الصغار لدى معظم الثدييات والطيور لا تتجاوز أسابيع أو شهور، فإن احتياجها لمقادير و أنواع من الذكاء والعواطف والأخلاق تكون قصيرة المدى ومحدودة بتلك الحدود، ولما كانت هذه الفترة تطول لدى القردة العليا فتتجاوز ثلاث سنوات، جعلها أكثر تطورا وتعقدا وتنوعا فى هذا الخصوص، وبسبب أن رعاية الصغار لدى البشر تزيد عن عشر سنوات، وقد تدوم العلاقة فى القطيع والعشيرة لعدة أجيال، فأن كل من الذكاء والعواطف و الأخلاق تزداد تطورا وضوحا وتعقدا لتصل لقمتها لدى الإنسان العاقل.
يكتسب الحيوان الثديى أو الطائر سلوكياته وصفاته ومهاراته أيضا من الارتباطات الشرطية، فكلما كذبت فقدت ثقة الناس واحترامهم، فتتعلم تحرى الصدق لتكتسب الثقة والاحترام، وهكذا، وهو أساس إمكانية ترويض الحيوانات فى السيرك،وأساس عمليات التعلم والتربية،والإنسان ابن بيئته الاجتماعية، فيمكن أن يكتسب صفات سلوكية، خيرة أو شريرة، تعاونية أو تنافسية، غيرية أو أنانية، من مجمل التجارب التى يتأثر بها فى أسرته ومجتمعه الأكبر، وهو ما ليس له علاقة بعقيدته الدينية.
يؤثر فى تحديد سلوكيات البشر، أنماط العلاقات الاجتماعية السائدة، تعاونية أم تنافسية، سلطوية أم لاسلطوية، طبقية أم لا طبقية، ويتأثر سلوك الإنسان بوجود الملكية الخاصة أو عدمها،بالحرمان أو الاشباع، ويتأثر سلوكه بموقعه الاجتماعى، سيدا كان أو عبدا، حاكما كان أو محكوما، فقيرا كان أو غنى، وهو ما لا علاقه له بعقيدته الدينية.
العقيدة الدينية فى أصولها ظاهرة اجتماعية منفصلة عن الأخلاق ، وهى فى جوهرها الإيمان بقوى غيبية تؤثر فى حياة البشر والطبيعة، وتقوم على أداء طقوس، وعبادات والإلتزام بتقاليد وعادات وسلوكيات استرضاءا لتلك القوى، دفعا للشر وجلبا للخير، للفرد أو الجماعة، وقد تضمن الأديان أوامر ونواهى أخلاقية، ليس من الضرورى أن تكون خيرة بل ان بعضها يكون شريرا أحيانا، والحقيقة أن البشر غالبا ما يقصرون تدينهم على الجانب العبادى والطقوسى أكثر من التزامهم بالجانب الأخلاقى، ولم يثبت تأثر البشر بتلك الأوامر والنواهى الأخلاقية، فما سبق ذكره من مؤثرات فى الفقرة السابقة هو الأقوى تأثيرا فى سلوكيات البشر بصرف النظر عن إيمانهم من عدمه، وبصرف النظر عن عقائدهم الدينية.
هناك مصالح مؤكدة للبشر مرتبطة بغرائزهم الحيوية فى البقاء والأمن، وهى لن تتحقق لهم دون أن يلتزموا بأخلاقيات خيرة وغيرية وتعاونية فى علاقاتهم الاجتماعية، تحافظ على استمرار تلك العلاقات فى تلبية احتياجاتهم المشتركة،فلو كان شىء مباح لكل فرد منهم، ومع اختلاف الرغبات الفردية، فلن تستمر تلك العلاقات و ولن تحقق المصالح الحيوية للبشر فى البقاء والأمن، ومن ثم فعلى البشر بصرف النظر عن عقائدهم، أن يتعلموا أن لرغباتهم حدودا لا ينبغى لهم تخطيها، وإن الإباحة تنتهى عندما تبدأ مصالح الآخرين، وإلا فإنه لا أمان و لا بقاء لكل الأفراد، ومن يقولون أنهم لو فقدوا ايمانهم فسوف يفعلون كل ما يحلوا لهم بلا رادع واهمون، لأنهم سوف يجدون أمامهم روادع أخرى غير إيمانهم الدينى، كالسجون والنبذ الاجتماعى والكراهية، وسوف يخسرون أشياء كثيرة كالاحترام الاجتماعى وراحة الضمير وحب الناس.
أما وقائع الحياة فهى تكذب القول أنه بضياع الإيمان فلا أمان، وأنه لا أمان لمن لم يحى دينا، على مستوى الأفراد والمجتمعات، و تنفى أى علاقة حتمية بين التدين من عدمه وبين حسن السلوك والأخلاق. فليس كل المتدينين ملتزمون بحسن الأخلاق و محلا للثقة رغم تدينهم، وليس كل اللادينين يتصفون بسوء الأخلاق و لا محلا لعدم الثقة رغم عدم تدينهم، فهناك لا دينيين يقتربون من مستوى القداسة، وهناك متدينون أقرب للشيطنة،فالسلوك الإنسانى المعقد للغاية تجد منابعه من مستويات مختلفة، تجعل كل فردا منا فريدا من نوعه، و لا يجوز الحكم عليه من جانب محدود التأثير فى سلوكه، وهو التدين من عدمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائع
عواد ( 2012 / 6 / 8 - 22:51 )
تحياتي اليك أيها الرائع ولكن في مجتمعاتنا الشرقية الاسلاموية الحال يختلف ؟ينظرون لكل متدين أنه محل ثقة وهو صادق القول وهو يمثل النبي في كل خطواتهُ, في حين الواقع يقول عكس ذلك وبالتجارب , والخوف من التدين او المتظاهر بالتدين اكثر من الغير متدين لان المتدين يسرقك بأسم الدين ويقتلك وينصب عليك وكله بأسم الدين والتدين وخصتاً الموجة العارمة من التدين السطحي الساذج , ماهو الحل ؟ نرجو من حضرتك البحث عن الحلول .


2 - ملاحظات أخلاقة من شمال أوربا
أحمد عثمان محمد ( 2012 / 6 / 8 - 23:51 )
اُقيم و أعمل في شمال في شمال لمدة تقارب العقد من السنين، وخلال هذه الفترة تكونت لدي فكرة مفادها أن هناك تناسب طردي بين الإبتعاد عن الدين وتحسن أخلاق الفرد والجماعات. اقصد بذلك أنه كلما قل التدين لدي الفرد والجماعة وزادت نسبة الملحدين واللادينيين كلما إرتفعت نسبة الأخلاق الحميدة عند الفرد والجماعة.
فنسبة الكذب بين الأطفال في مدارس شمال أوربا أدني بكثير عن نسبة الكذب بين أطفال المدارس في المجتمعات الشبه متدينة مثل المجتمعات الكاثوليكية في جنوب أوربا. وهي دون شك ادني بكثير عن نسبة الكذب بين أطفال المدارس في المجتمعات الإسلامية في آسيا وإفريقيا.
إحترام المواعيد في شمال أوربا مقدس، ومن يتخلف عن الموعد ولو لمدة لخمس دقائق يرسل إليك إشعاراً مفاده أنه سيتاخر عن الموعد لخمس دقائق مع تقدم تبرير معقول لهذا التخلف من الموعد. إحترام المواعيد في المجتمعات المتدينة يعتبر نوع من الغباء، الشطارة هي عدم إحترام المواعيد لأن من الجائز أن يتغيب الأخر عن الموعد دون عذر مقبول! يتبه أدناه.


3 - ملاحظات أخلاقية من شمال أوربا (2)
أحمد عثمان محمد ( 2012 / 6 / 8 - 23:54 )
النظافة المذهلة لكل من الأماكن العامة والخاصة. يستحيل تقريباً أن تري موا طن من شمال أوربا يرمي عقاب السجائر أو يتفل على الأرض.
الأمانة: إذا ضاعت منك محفظة نقودك وكانت تحوي علي ما يدل على شخصيتك مثل رخصة السواقة أو بطاقة المكتبة العامة فإن إحتمال عودة هذه المحفظة إليك بكل ما حوت من نقود ومستندات تصل نسبتها إلى 100% هذا إلى لم تقع في يد شخص مغترب من شعوب شرق أوربا أو العالم الثالث. يتبع أدناه. يتبع أدناه
إنعدام التسول، وأطفال الشارع، والنشل، وبيوت الدعارة وغيرها من أعراض الأمراض الإجتماعية ذات الصلة بأخلاق الفرد والجماعة.
يوصف الشعب المغربي بأنه شعب متدين، إلا أنه يسمح بالدعارة المنظمة في بلاده. شعوب شمال أوربا شعوب لا دينية وملحدة في غالبيتها العظمي ومع ذلك لاتسمح بالدعارة المنظمة أي أن تسترزق المرأة من بيع جسمها لكل من هب ودب في سبيل تحصيل لقمة العيش. أي أن سلوك وأخلاقيات هذه الشعوب الملحدة – فيما تجارة الجنس وإهانة المرأة – أرقي بمستوات خيالية عن سلوك وأخلاقيات الشعب المغربي المتدين. تبع أدناه


4 - ملاحظات أخلاقية من شمال أوربا (3)
أحمد عثمان محمد ( 2012 / 6 / 8 - 23:58 )
التكاتف السريع مع الشعوب المتضررة من الكوارث الطبيعية مثل التسونامي في إندونيسيا حيث قدم الشعب النرويجي الذي لا زيد تعداد سكانه أربعة مليون ونصف أضعاف ما قررت تقديمة جامعة الدول العربية للشعب الإندونيسي قعب إجتماع وزراء خارجية الدول العربية لهذا الغرض بعمان في الأردن.
قدم لنا كاتب مقال دراسة علمية رائعة أثبت فيها فيما لا يقبل الدحص نفي وجود أي علاقة حتمية بين التدين من عدمة وبين حسن السلوك والأخلاق إلا أن كاتب هذه الأسطر وجد علاقة إيجابية بين عدم التدين وحسن السلوك والأخلاق. أي كلما قل التدين عند الفرد والجماعات كلما إرتفع منسوب حسن السلوك والأخلاق. هذه الدراسة القائمة على الملاحظة الشخصية لمدة تقارب العشرة سنوات تمت في كل من فينلاندا، السويد، النرويج، الدنمارك و هولاندا.


5 - المتدين والاخلاق
سلام صادق ( 2012 / 6 / 9 - 10:50 )
أحسنتِ يا سيدي سامح سعيد عبود..ولكن أنتظر رد المتدينين لتستمتع بالقراءة .. ومتابعة خطب الجمعة التي سيلقونها
سيقول أحدهم .. نعم توجد عندنا معاصي وانحلال أخلاقي .. ولكن هذا الإنحلال
بسبب المؤامرة الصهيونية العلمانية الليبرالية الشيطانية الإلحادية المريخية ضد الإسلام والمسلمين ....
هل الدين يجعل الإنسان فاضلاً و إنسانيا و ذو أخلاق سامية؟
قد يفعل الدين ذلك .. وان فعل ذلك فيكون الانسان قد قام بها طمعا في الجائزة(حور عين وولدان مخلدون) وخوفا من العقاب...
اما الملحد او اللاديني او العلماني الذي يملك الاخلاق فهو يقوم بها حبا لأثر الاخلاق بالمجتمع و احتراما للأنسان بمجتمعه ...تحياتي






6 - تعقيب
سامح سعيد عبود ( 2012 / 6 / 10 - 07:10 )
السادة الأفاضل عواد وأحمد عثمان وسلام صادق شاكرا لكم المرور والتعليق وأعذرونى على تأخرى فى التعقيب
فيما يتعلق بالحلول فإنى أرى أننا نمر بنفس المرحلة التاريخية التى مرت بها الشعوب المتطورة من قرنين أو يزيد وربما مع ثورة الاتصالات قد نجتازها فى زمن أقصر لكن المهم فى رأيئى أننا لا نواجهة بالقوة الكافية الظلاميين عندنا وإن معظم المواجهات فى الحقيقة استفزازية وغبية لأنها لاتحمل منهجا مختلفا عن من تهاجمهم ففى هذا المقال مثلا تم الحديث انطلاقا من حقائق العلم المؤكدة أما أن تستند على أساطير تاريخية فى مواجهة أساطير وأنت تعلم أن التاريخ ما قبل العصور الحديثة إما زائف أو ضائع فهفهو لامعنى له
.... وأنا فى انتظار ردود المخالفين


7 - تعقيب
سامح سعيد عبود ( 2012 / 6 / 10 - 07:10 )
السادة الأفاضل عواد وأحمد عثمان وسلام صادق شاكرا لكم المرور والتعليق وأعذرونى على تأخرى فى التعقيب
فيما يتعلق بالحلول فإنى أرى أننا نمر بنفس المرحلة التاريخية التى مرت بها الشعوب المتطورة من قرنين أو يزيد وربما مع ثورة الاتصالات قد نجتازها فى زمن أقصر لكن المهم فى رأيئى أننا لا نواجهة بالقوة الكافية الظلاميين عندنا وإن معظم المواجهات فى الحقيقة استفزازية وغبية لأنها لاتحمل منهجا مختلفا عن من تهاجمهم ففى هذا المقال مثلا تم الحديث انطلاقا من حقائق العلم المؤكدة أما أن تستند على أساطير تاريخية فى مواجهة أساطير وأنت تعلم أن التاريخ ما قبل العصور الحديثة إما زائف أو ضائع فهفهو لامعنى له
.... وأنا فى انتظار ردود المخالفين


8 - شكر وتقدير
طالب طالب ( 2012 / 6 / 11 - 07:47 )
لللاخ سامح على المقال الجميل الرائع -اعتقد كاتب القصيدة باكستاني -ومادام اصبح الموضوع قصائد ام كلثوم فياريت يكون هناك مقال منكم حول هذا البيت (وَعَلَّمَنا بِناءَ المَجدِ
حَتّى- -أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي- -وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
واعتقد ان هذا البيت هو قدوة ودستور اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق -والعلمو عند هبل تعالى


9 - إلى طالب طالب
سامح سعيد عبود ( 2012 / 6 / 12 - 08:35 )
شكرا لتعليقك هو شاعر هندى لأنه توفى قبل انقسام الهند ونشوء باكستان أما عن اقتراحك فسوف أفكر فيه


10 - تعليق
زينب ( 2012 / 6 / 12 - 12:35 )
انى اتفق معك فى هذا المقال لى تجربة بحكم عملى التقيت بامثال ذلك كثير ان التدين الظاهر لبعض الناس ماهو الا غطاء يخفون سلوكياتهم الدنيئة ولكن لا يخفى ان بعض المتدينين لهم سلوك متوافق مع الاخلاق الحميدة كما قال الله سبحانه وتعالى

اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت