الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب الكافرة

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2012 / 6 / 12
المجتمع المدني


كتاب الكافرة عبارة عن مذكرات أو سيرة ذاتية للكاتبة الصومالية (أيان هرسي علي) وهو من القطع الكبير ومؤلف من ثلاث مئة وخمسون صفحة. أثار الكتاب عند نشره موجة هائلة من النقد والتقريظ لأنه صدر عن امرأة وظّفت حياتها وثقافتها لنقد الإسلام كتعاليم ودين، وقد نشرت سابقاً كتاباً أثار أيضا زوبعة من ردود الفعل وانتشر كسرعة الرصاصة في المكتبات والجامعات (العذراء الحبيسة The caged virgin ). وبناء على هذا الكم الهائل من الجدل والحضور، صنفتها مجلة التايمز عام 2005 من المائة شخصية الأكثر تأثيراً في العالم، لذلك تتمتع كتابات "هرسي علي" بتداول بين المثقفين الغربيين، كما يعتبرها البعض مدخلاً لفهم البنية الإسلامية كدين وثقافة. من هذا المنطلق نٌظر إليها كضحية واقع ودين، إلا أنها وبشكل محتمل قد تكون ضحية الحرب الصومالية التي أكلت الأخضر واليابس في موطنها، لكن بناءً على كتاباتها تأكد (كما هي ترى) أنها ضحية في الدرجة الأولى للمعايير الإسلامية الباخسة للمرأة.
تروي لنا حياة مليئة بالمأساة، أشبه بحياة ميندي ناظر السودانية (أو نزار-نازر). حياة تعج بالآلام والمأساة. جزء منها هي صنعته، والجزء الآخر وجدت نفسها مغروسة فيه دون ارادتها، فحاولت فهم كل إحداثيات الحياة من خلال الدين وتركيبته الاجتماعية الضاغطة. طبعاً بعد مقارنته ووضعه كقيمة أخلاقية أمام القيم الغربية.
تبدأ القصة عند تخرج ابوها من إحدى الجامعات الأمريكية بشهادة الانثروبولوجية ثم عودته إلى بلده. لكن لم تطل إقامته حتى دخل السجن بعد أحداث الانقلاب السياسي. سافرت الأسرة إلى السعودية وهناك تروي لنا "أيان" المعاملة السيئة التي تلقتها مع أسرتها في السعودية، وتقول أن وجودها كان المفتاح الذي أدار وجدانها على نقد الإسلام، لأنها قالت إذا كانت السعودية حامية الإسلام ومطبقة الشريعة تظلم المرأة والآخرين، فلابد أنها استوحت ذلك من الدين الذي يضطهد المرأة والإنسان، ثم تضيف إلى أن كل شيء في تلك البلد مركُز على الخطيئة، الحرام ، والعقوبة الجسدية من قطع رأس إلى قطع يدين ( ص-42-43-44). فقد روت كيف يطلقون عليها اسم العبدة لسوادها. بعد السعودية ذهبت العائلة إلى كينيا حيث استمرت أياماً في المدرسة لتشرح كيف كان تركيز أستاذتها ( عزيزة ) على اليهود ووصفهم بأنهم قرود وخنازير (ص-49).
تزوج أبوها للمرة الثالثة عام 1981، حيث احدث ذلك الزواج شرخاً آخر في الأسرة وأضاف بعداً آخر إلى حياتها. في عام 1990 ترجع الأم مع أولادها إلى الصومال آتية من كينيا. هنا تشرح علاقتها الغرامية مع صديقها أبشير وهو إمام مسجد (ولابد أنها تريد أن تقول شيئاً غير المكتوب في هذه العلاقة). في فترة ما، تحكي أنها أرغمت من قبل أقاربها على الزواج من شاب دون علم أبيها أو أخيها، وكان وكيلها في الزواج رجل من العائلة ، ولم يثبّت الزواج في المحكمة - أي كان صوريا ً . سافر الشاب إلى الخارج بغية الدراسة، وعندما أتى أبوها وأخوها إلى البلدة استنكروا ذلك الزواج ولم يكن معها أو مع الشاب أي وثيقة تثبت الزواج القديم .
تروي أن أبوها أتى في أحد الأيام بعد صلاة الجمعة ليقول لها أن الله استجاب لدعائه بلقائه شاب في المسجد سيتزوجها وهو مغترب من كندا واسمه عثمان موسى وهو ابن ٌ لأحد الأقارب. رفضت في البدء لأسباب غير واضحة حيث وصفت الشاب المتقدم بأنه طويل القامة في العشرينات من عمره. بادرها بالإجابة عن سؤال هي طرحته، عن السبب الذي جعله لا يتزوج من صوماليات في كندا؟ فقال أن الفتيات الصوماليات هناك قد تطبّعن من طبائع البلد وساقطات أخلاقياً .بعد أن أمضى عثمان معها أسبوعاً رجع إلى كندا ليقوم بتقديم أوراق الزواج لمكتب الهجرة كي يحضرها إليه.
بعد فترة قصيرة، طلب منها الزوج الجديد الذهاب إلى ألمانيا وانتظار الفيزا، ففعلت وقام بإرسال كل ما تحتاجه من نقود ولوازم. في ألمانيا استضافها بعض أقاربها، وهناك فكرت في الهرب إلى دولة أوروبية أخرى، فسألت قريبها عن كيفية الذهاب إلى بريطانيا، فقال لها من الصعب فعل ذلك بسبب البحر، لكنه نصحها بالذهاب بالقطار إلى هولندا. اشترت بطاقة وغادرت إلى هولندا دون جواز سفر بسبب مزايا الاتحاد الأوروبي.
دخلت إلى هولندا وحاولت تقديم طلب لجوء سياسي، وفي المقابلة كذبت في طلبها فغيرت اسمها من ( أيان هيرسي ماغان ) إلى ( أيان هيرسي علي ) وغيرت تاريخ ميلادها أيضاً بسبب ،كما تقول، خوفها من التعرف عليها من أفراد عائلتها وتعرضها للأذى .
قُبل طلبها و أصبحت تحمل إقامة في هولندا وتتقاضى معاشاً. شاهدت هناك الكثير من الأجانب الذين يحاولون اللجوء السياسي وخاصة أناساً من الصومال. من هؤلاء الناس، تذكر فتيات كوسوفو المسلمات وقد لبسن الثياب الأوربية السِفور و لم يرتدين الحجاب، واستغربت من أنهن غير قادرات حتى على قراءة (الفاتحة).
هنا، تطرح سؤالاً على نفسها : لماذا تهتم هولندا بهؤلاء الأجانب و تهتم بحياتهم و ما الفائدة لهذه البلد من فعل ذلك. يجيبها أحد المسؤولين، أن قوانين هولندا وأوروبا في حقوق الإنسان تعمل على حماية حياة الأفراد بغض النظر عن العرق و اللون و القومية فيما إذا تعرضت حياتهم للخطر.
يأتي عثمان موسى زوجها من كندا إلى مكان إقامتها ويحاول أخذها معه، فترفض. يتوسط أحد أقاربها لإقناعها فيفشل ، مما يحدو به الاتصال بأبيها، حيث لا تنفع كل هذه الوساطات في تعديل رأيها والذهاب مع زوجها.
هناك، يطرأ عليها تحولات نفسية وفكرية، فتلحد كلياً وتترك الدين وتبدأ رحلتها في خدمة كل ما يُظهر عداوة للإسلام. تسأل، كيف كان الله يتركها، كما تقول ( وليس العكس )، وتتساءل عن توسلاتها التي لم تكن تسمع والغاية من وجودها أنثى قاصرة في مجتمع يذل المرأة ويعدها عبدة للرجل. أول نشاطاتها التطبيقية، كانت مع المخرج نيوفان جوخ في كتابة فيلم " الخضوع"وهو فيلم قصير يظهر فتاة، من المفترض أن تكون مسلمة وقد كتب على جسدها آيات من القرآن ، وليست المسلمة في ذلك الفيلم إلا أيان التي لا ترى في الإسلام سوى الخضوع والطاعة العمياء للدين والرجل .
بعد أن قُتل نيوفان جوخ برصاص شاب مغربي مسلم أصبحت تخاف على حياتها، ثم رشحت نفسها للبرلمان الهولندي ونجحت في الانتخابات،بعد أن كونت لنفسها تحالفات سياسية حيث غدت من أبرز الوجوه النسائية التي تتكلم عن " حقوق المرأة المسلمة " ومن أشهر الأفراد تأثيرا في العالم.
وبعد الفيلم وإثارة القلاقل بالنسبة لهولندا أثيرت مسألة سحب الجنسية منها لأنها كذبت في الطلب . واستمرت فترة طويلة في المحاكم وتدخل الكثير من المحامين الذين ساعدوها في إصدار التبرئة من التزوير في الطلب، إلا أن المحكمة رفعت عنها الحماية الدبلوماسية. عند ذلك لجأت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت تتنقل بين واشنطن ونيويورك وتعمل بمؤسسة ثقافية.
من هناك، شجعت إعادة نشر الرسوم الدنمركية مع صديقتها وفاء سلطان وهما تعملان يد بيد كما قالت وفاء سلطان لكشف الإسلام على حقيقته .
هذا الكتاب أصبح يدرس في الجامعات والمحافل الثقافية الأمريكية ، وقد وضع الناشر في نهاية الكتاب جملة من الأسئلة للتلاميذ الذين سيقرؤون الكتاب في الجامعة كدراسة. هذه الأسئلة كلها عن الإسلام وعن مدى صدق ومعاناة الكاتبة فيه. وهل سألت الكاتبة نفسها أنه لو كانت ديانة الصومال غير الاسلام ، هل ستنحل القضية؟ اليس التخلف وليس الدين هو من ينتج التعصب والعنف والارهاب؟
في نهاية هذه العجالة التي تحاول فهم كتاب لاقى رواجاً في المكتبات الامريكية، أود طرح عدة اسئلة عسى أن تجد اجابات: ماذا ينفع كل هذا التهجم على الدين الاسلامي! ونحن جميعاً نعرف أن المشكلة فينا وبظروفينا وتخلفنا الذي لم نستطع أن نتغلب عليه. فهل اتبع التيار الاسلامي التركي هذا التوجه المغالي؟ ومثله الاسلام المليزي والالباني. الدين هو لخدمة البشر. وهو الشيء الذي مازلنا نحن الشرقيين نخلطه بين العادات والتقاليد. فإذا اردنا الإتكال على النصوص، فهناك نصوص في التوراة تحتقر الاخر وترفضه وتتفاخر بالرزائل. فالنص هو رهينة البشر من تفاسير وفهم. وكما راجت كتب نوني درويش منها (يطلقون علي كافرة) بسبب مايسمى الاسلامفوبيا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، راجت كتب اخرى وشخصيات كثيرة، تنتهج كلها الهجوم على الدين الاسلامي وليس تثقيف الناس في مفاهيم حقوق الانسان وارساء مفاهيم الدولة المدنية.
لكن اجزم أن الثورات العربية والمشاركة لجميع التيارات الاسلامية في تداول السلطة سيخفف من النهج المتزمت والعمل السري المدمر الذي كانت تمارسه التنظمات الاسلامية. شيء آخر، هو أن التزمت الاسلامي ناصره التوجه الامريكي في الثمانينيات كي تقتص من العدو السوفياتي انذاك، خاصة في افغانستان عندما دعمت الولايات المتحدة تنظيم القاعدة ة وتزويدها بالخبرات والسلاح. ثم وانقلب السحر على الساحر.
----------------------------------------------
1. Infidel – Ayaan Hirsi Ali, Free Press, Newyork, NY, 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أيان هيرسي إنسانة فاقدة الهوية
سمير ابو عودة ( 2023 / 2 / 20 - 03:37 )
أظن أنها فاقدة للهوية. وهذا احد الأسباب تتهجم على الإسلام

اخر الافلام

.. اعتقال نتنياهو وغالانت وهنية والسنوار والضيف.. هل الأمر ممكن


.. قرارات المحكمة الجنائية الدولية.. ضغط على طرفي الحرب في غزة|




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - طلبات لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتن


.. مدعي الجنائية الدولية يطلب مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيل وح




.. بعد طلب أوامر ضد قادة إسرائيل وحماس.. آلية إصدار مذكرات الاع