الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف اسبحت اللغة العربية لغة اهل العلم؟

مجدي زكريا الصايغ

2012 / 6 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


سادت اللغة العربية طوال قرون بين العلماء والمثقفين. فمنذ القرن الثامن بعد الميلاد اخذ علماء يتكلمون بالعربية من من مختلف مدن الشرق الأوسط يترجمون ويصححون مؤلفات علمية وفلسفية ترجع حتى ايام بطليموس وأرسطو. وهكذا حفظوا واغنوا اثار المفكرين القدامى.
شهد القرنان السابع والثامن من عصرنا الميلادى ظهور دولتين جديدتين فى الشرق الأوسط : الدولة لأموية ثم العباسية. وقد بسطت هاتان الدولتان سلطتهما على مناطق تاثرت بالحضارتين اليونانية والهندية مثل شبه الجزيرة العربية اسيا الصغرى مصر فلسطين بلاد فارس والعراق. لذلك وصل الى يد هؤلاء الحكام الجدد تراث عظيم من العلم والمعرفة. ولما بنى العباسيون عاصمتهم الجديدة بغداد. اصبحت هذه المدينة بوتقة انصهرت فيها ثقافات عريقة. فهناك احتك العرب بالارمن والبربر والاقباط واليونان والهنود واليهود والفرس والاتراك والصينيين والصغد من بلاد وراء نهر جيحون (اليوم نهر اموداريا فى اسيا الوسطى). فتبحروا جميعا فى العلوم ودخلوا فى مناظرات مما ادى الى تفاعل هذه الثقافات المختلفة.
وشجع الحكام العباسيون فى بغداد المفكرين الموهوبين من مختلف الاماكن ان يساهموا فى التقدم الفكرى والثقافى فى الامبراطورية. فبذلت جهود منظمة لجمع وتعريب الالاف والالاف من الكتب فى شتى الميادين مثل الكيمياء علمى الحساب والفلسفة الطب الموسيقى الفلسفة والفيزياء.
مثلا اوفد الخليفة المنصور الذى حكم بين سنتى 754 و 775 ب.م رسلا الى البلاط البيزنطى طالبا كتبا فى علم الرياضيات باللغة اليونانية. كما حذا حذوه الخليفة المأمون (813 - 833 ب.م) واعطى حركة الترجمة من اليونانية الى العربية زخما وقوة. وقد دامت هذه الحركة اكثر من قرنين.
وهكذا بحلول نهاية القرن العاشر نقلت الى اللغة العربية الأغلبيىة الساحقة من الاثار الفلسفية والعلمية اليونانية المتوفرة انذاك. لكن ماثر العلماء العرب لم تقتصر على الترجمة فحسب بل شملت ايضا الوضع والابتكار.
عمل العديد من المترجمين العرب بدقة وسرعة مذهلة. لذلك يستنتج بعض المؤرخين انهم كانوا ملمين حتما بالحقول التى تناولتها ترجماتهم. علاوة على ذلك اتخذ عدد من العلماء العرب النصوص المترجمة نقطة انطلاق لأبحاثهم الخاصة.
على سبيل المثال احرز المترجم والطبيب المسيحى السريانى حنين بن اسحاق (808 - 873 ب.م) تقدما كبيرا فى فهم البصر. وقد اعتمدت كتاباته التى شملت رسوما تشريحية دقيقة للعين مرجعا فى طب العيون فى اوروبا والعالم العربى على حد سواء. كما وضع الفيلسوف والطبيب ابن سينا (980 - 1037 ب.م) عشرات الكتب فى شتى الحقول من علم الاخلاق والمنطق الى الطب وعلم ما وراء الطبيعة. واستند فى مؤلفه الفريد القانون فى الطب على المصادر الطبية المتوفرة فى ذلك العصر. بما فيها اعمال المفكرين اليونانيين المشهورين جالينوس وارسطو. وظل كتاب القانون المرجع الأساسى فى دراسة الطب طوال 400 عام تقريبا.
فضلا عن ذلك. اعتمد الباحثون العرب على البحث العلمى التجريبى الذى يعتبر قوام التقدم العلمى. وهكذا تمكنوا من اعادة حساب محيط الارض وتصحيح المعلومات الجغرافية فى اعمال بطليموس. حتى انهم تجرأوا فى التدقيق فى اعمال ارسطو نفسه. كما يقول المؤرخ بول لونديه.
وقد انعكس هذا التقدم العلمى على حقول تطبيقيه مثل بناء النواعير والخزانات وقنوات المياه. ولا يزال بعض هذه المنشات قائما الى يومنا هذا. كما ان الكتابات الجديدة فى علم الزراعة وعلم النبات مكنت المزارعين من اختيار افضل المزروعات لكل منطقة مما زاد من انتاجية الارض.
وفى عام 805 ب.م انشأ الخليفة هارون الرشيد مستشفى هو الاول فى امبراطوريته المترامية الاطراف. وسرعان ما انتشرت المستشفيات فى كل المدن الرئيسية.
اشتهرت مدن عربية عديدة بالمكتبات والمراكز العلمية والثقافية المختصة. ففى بغداد مثلا اسس الخليفة المأمون مركزا للبحوث والترجمة دعى بيت الحكمة. وكان بين العاملين فيه علماء يتقاضون رواتب ثابته. ويقال ان اهم مكتبة فى القاهرة ضمت اكثر من مليون مجلد. وفى الفترة نفسها وصل عدد المكتبات فى قرطبة عاصمة دولة الامويين بأسبانيا الى 70 مكتبة. واستقطبت العلماء والطلاب من جميع انحاء العالم العربى. فظلت هذه المدينة مركزا ثقافيا رائدا طوال اكثر من قرنين.
وشهدت بلاد فارس تفاعلا فى علم الرياضيات بين الفكر اليونانى والهندى. فالعلماء الهنود كانوا قد طوروا نظاما يستخدم الصفر والترميز الموضعى. وفى هذا النظام يكتسب كل رقم قيمة مختلفة بحسب مرتبته وطريقة استخدام الصفر. لذلك يعنى الرقم 1 مثلا 1 او 10 او 100 وهلم جرا. وهذا النظام لم يسهل العمليات الحسابية على انواعها فحسب. بل فتح الطريق الى تطوير علم الجبر. كما يذكر بول لونديه. كما ان العلماء العرب خطوا خطوات واسعة فى مجال الملاحة وعلمى الهندسة والمثلثات.
فى العصر الذهبى الذى بلغه العرب فى مجالى العلوم والرياضيات يتباين مع الجمود الفكرى الذى عاشته سائر الاقطار. صحيح ان جهودا مماثلة بذلت فى اوروبا فى القرون الوسطى وخاصة فى الاديرة لحفظ مؤلفات المفكرين القدامى الا ان النتاج الاوروبى لم يضاه النتاج العربى. لكن لم يمض وقت طويل حتى هبت رياح التغيير. ففى القرن العاشر بدأت ترجمات لمؤلفات باللغة العربية تتسرب الى الغرب. ومع الوقت تدفقت هذه المؤلفات ممهدة السبيل للنهضة العلمية الاوربية.
حين نرجع بالتاريخ الى الوراء نرى ان التقدم الذى بلغناه اليوم فى العلوم والحقول الاخرى ليس ثمرة جهود امة او شعب واحد. فالحضارات الاكثر تطورا تدين بالكثير لسابقاتها التى شجعت البحث العلمى ودققت فى الثوابت العلمية ودعمت العقول الخصبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وماذا
نيسان سمو الهوزي ( 2012 / 6 / 11 - 22:27 )
وماذا نحن فاعلين يا سيدي ؟؟ السنا في طريق الرجعة الى تلك الفترة الذهبية ؟؟ هذا ما نحن فاعلين ولهذا لا نتقدم لأننا في طريق الرجعة وعندما نصل الى البداية القديمة سنتقدم وبسرعة الى الأمام ... والله فكرة ..مع الأحترام ..

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا