الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدرة الشباب على قيادة منظمات المجتمع المدني: أي دور للذكاء مفاهيميا وإجرائيا وعاطفيا؟

سارة منصوري

2012 / 6 / 12
المجتمع المدني


أصبح شباب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة أكثر اندماجا في منظمات المجتمع المدني، بل أصبح الشباب في هذه المنطقة يقود بعض هذه المنظمات، مما يطرح أسئلة جوهرية حول نوعية شخصية الشاب القيادي ومدى قابليته لقيادة المنظمات غير الحكومية جمعيات وأحزابا ونقابات. وتحاول هذه الورقة البحثية الإحاطة بهذا الموضوع مركزة على أهمية توفر الشباب على قدر من الذكاء مفاهيميا وإجرائيا وعاطفيا حتى يستطيع قيادة سفينة المنظمات غير الحكومية إلى بر الأمان.

يمكن أن نصنف الذكاء اللازم توفره لدى قياديي منظمات المجتمع المدني إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي الذكاء المفاهيمي (Conceptual Intelligence) والذكاء الإجرائي (Operational Intelligence) والذكاء العاطفي (Emotional Intelligence). إلا أن هذه الأنواع للذكاء ليست دائما وراثية كما قد يظن البعض، بل ترتبط غالبا ارتباطا وثيقا بما اكتسبه الفرد من معارف وتجارب ومؤهلات خلال حياته. كما أن الأنواع الثلاثة للذكاء عكس ما يظنه الكثيرون، ترتبط بعلاقات وطيدة في ما بينها. فطبقا للمقولة الشهيرة، "لا نظرية بدون ممارسة ولا ممارسة بدون نظرية"، يحتاج الذكاء الإجرائي إلى الذكاء المفاهيمي الذي ينميه الفرد عبر استيعاب المفاهيم النظرية المختلفة وفهم العلاقات التي تربطها. كما أن الذكاء الإجرائي يمكن الفرد من الاستفادة من تجارب واقعية يساعد خوضها على التفاعل مع أفراد ومجموعات مختلفة، مما يكسبه مهارات التعامل الوجداني والانفعالي والعاطفي مع الغير داخل الأسرة وأماكن الدراسة والعمل والمجتمع ككل.

طبقا لتصنيف الذكاء المبين أعلاه، تتحدد قدرة الشباب على قيادة الجماعات كالجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات:

- بدرجة غزارة وجودة المعارف النظرية المكتسبة، وهذا ما نسميه بالذكاء المفاهيمي؛

- بالتجارب العملية التي اكتسبها الشاب على أرض الواقع، وهذا ما نسميه بالذكاء الإجرائي الذي يرتبط أساسا بالذكاء المفاهيمي لأن استيعاب المفاهيم والعلاقات بينها يساعد الشاب على فهم أحسن للواقع المعاش؛

- بشخصية الشاب القيادي على المستويين العاطفي والانفعالي، وهذا ما نسميه بالذكاء العاطفي الذي يرتبط هو الآخر بالمعارف النظرية والمفاهيمية كما التجارب العملية المكتسبة.

إن الذكاء المفاهيمي يمكن الشاب القيادي من فهم أحسن لديناميكية الجماعات (Dynamics of Groups) وتقنيات التواصل (Communication Techniques) مع الجماعة والمناهج المتوفرة لمواجهة الصراعات والأزمات التي من شأنها أن تعصف بمستقبل الجماعة وكيفية إيجاد الطرق الملائمة لحل المشاكل الجمعية (Collective Problems) العالقة حتى تدار الجماعة بفعالية ونجاعة وتعيش في تجانس وتكامل.

إلا أن الذكاء المفاهيمي لا يكفي لوحده لمواجهة التحديات التي تضعها قيادة الجماعة أمام الشباب. فلا بد من توفر الشاب على أدوات ومناهج عملية وإجرائية تمكنه من تطبيق وأجرأة المفاهيم النظرية (Operationalization of Theoretical Concepts) التي تعلمها، وذلك من أجل تدبير أحسن وأنجع للجماعة. ولذلك فإن الّذكاء الإجرائي يكمل الذكاء المفاهيمي في تناسق بديع ليقوي قدرات الشاب القيادي على التسيير الأمثل للجماعة.

غير أن الذكاء الإجرائي رغم ارتكازه على الذكاء المفاهيمي يبقى عاجزا أمام حاجة الشاب إلى تسيير ملائم لشؤون الجماعة ما دامت البنية الانفعالية والعاطفية لا تناسب التحديات المرتبطة بالتوفيق بين أفراد الجماعة وحل مشاكلهم البينية وإيجاد حلول أمثل للصراعات الداخلية وتلك المرتبطة بالعلاقات بين الجماعة ومحيطيها الجزئي والكلي (Micro-environment and macro-environment).

إن الشاب القيادي بتوفره على شخصية متزنة يتناسق فيها الذكاء مفاهيميا وإجرائيا وعاطفيا يستطيع أن يقود الجماعة بكل حنكة سواء كانت هذه الجماعة جمعية أو حزبا سياسيا أو نقابة. هذا التوازن بين العناصر الثلاثة للذكاء هو الذي يخلق الشاب القيادي الذي يمكن نعته بالشخص الموصل (Orchestra Person). وفي هذا الإطار، يجب النظر إلى مكونات الذكاء الثلاثة مجتمعة على أنها نظام أو بنية (System or structure)، أي مجموعة عناصر مرتبطة في ما بينها ارتباطا جدليا وثيقا بحيث أن إزاحة أي عنصر من عناصر الذكاء الثلاثة سيؤدي حتما إلى تغير جدري للبنية وبالتالي التأثير سلبا على قدرة الشاب على قيادة منظمات المجتمع المدني. ويبقى مدى توازن شخصية الشاب بين ما هو مفاهيمي وما هو إجرائي وعاطفي منوطا بنظم القيم والمعرفة السائدة داخل الأسرة وخارجها بما في ذلك دور المنظومة التربوية (Educative System) ومدى نجاعتها وملاأمتها لحاجات الطالب مفاهيميا وإجرائيا وعاطفيا. هذه المنظومة التربوية هي التي يجب على بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إصلاحها لتتناسب وحاجيات الشباب الذي يعتبر الساعد الأيمن للمجتمع ومفتاح تقدمه ورقيه.

مراكش في 10 يونيو 2012.
سارة منصوري، طالبة جامعية بالسنة الثانية علوم اقتصادية، كلية الحقوق، جامعة القاضي عياض، مراكش/المغرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل