الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الأصولوية الإسلامية - .. والدولة المدنية

نجيب الخنيزي

2012 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ مطلع الثمانينات من القرن العشرين المنصرم شهدنا تصاعدا مطردا لدور حركات الإسلام السياسي ( بشقيه السني / الشيعي ) في العديد من المجتمعات العربية والإسلامية ، وقد وصلت غالبيتها إلى السلطة بطرق ملتوية ، سواء عن طريق اختطاف الثورة الشعبية ( المغدورة ) كما هو الحال في إيران ، أو تحت شعار مقاومة الاحتلال الأجنبي ( أفغانستان ) أو عبر الانقلاب العسكري ( السودان ) الذي أطاح بالحكومة المنتخبة ، أو كإفراز لحالة الاستقطاب الطائفي الناجمة عن سقوط النظام الديكتاتوري على يد قوات الاحتلال الأجنبية ( العراق ) ، و في المقابل شاهدنا حالة استثنائية استطاع فيها الإسلام السياسي ( حزب العدالة والتنمية ) المتصالح مع نظامه العلماني / الديمقراطي( على تشوهاته ) من الوصول إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع ( تركيا ) .
لدى التطرق إلى مواقف حركات الإسلام السياسي من مفهوم الدولة المدنية / الحديثة لا يمكن تجاهل التمايز النسبي في ما بينها على هذا الصعيد . وبالتالي لا يمكن تقييمها ككتلة صماء جامدة ، إذا يتعين ملاحظة التمايزات والحراك والصراع والفرز، على الصعيدين النظري والعملي ( وخصوصا بين مثقفيها ومنظريها ) في ما بينها ، وفي داخلها على حد سواء ، مهما بدا محدودا وشكليا ونفعيا ( براجماتيا ) ، مع ملاحظة الظروف المتغيرة ، التي تفرضها علاقاتها مع النظم السياسية الحاكمة ،وموازين القوى الداخلية ، وطبيعة الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة والمتباينة ، والتي التي سنتطرق لها لاحقا.
في ظل تفجر ما بات يعرف بثورات الربيع العربي ،نجد فجأة احتفاء غالبية حركات الإسلام السياسي ، بمطلب وشعار الدولة المدنية ، بآلياتها المعروفة ، وتحت هذا العنوان خاضت الانتخابات التشريعية والرئاسية في أكثر من قطر عربي ، محققة حتى الآن الصدارة المطلقة أو النسبية كما هو في مصر و تونس والمغرب ، كما اختفت أو توارت تلك الشعارات والعناوين الفاقعة التي شكلت مداميك صلبة للأصولوية الإسلاموية وحركات الإسلام السياسي على مدى أكثر من ثمانية عقود من تاريخها ، مثل شعارات ومقولات الجهاد ( الدفع والطلب ) ، والمجتمع الجاهلي ، الإسلام هو الحل ، والحاكمية لله ، والدستور الإسلامي الخ .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هو سر وحقيقة هذا التحول ؟ وهل يعبر فعلا عن نضج وتطور وتحول داخلي في تلك الحركات والجماعات بالمعنى الإستراتيجي والمبدئي ، وعلى الصعد الاجتماعية والسياسية والثقافية والأيدلوجية ؟ أم أنه يندرج في باب الانتهازية والتقية السياسية بهدف ضمان الوصول إلى السلطة ، و ترضية قوى وأطراف داخلية وفي مقدمتهم الشباب الذين فجروا وقادوا الثورات والاحتجاجات الشعبية التي أسقطت العديد من رموز النظم الحاكمة ؟ أم يصب في تهدئة مخاوف الأقليات الدينية ( كالأقباط في مصر ) والتيارات الليبرالية واليسارية والوطنية ، والفئات العمالية و الكادحة اللذين شاركوا بفعالية في العملية الثورية ؟ أم بهدف تقديم التطمينات والضمانات للقوى الإقليمية والدولية بأن مصالحها ( السياسية والعسكرية والاقتصادية ) الإستراتيجية في المنطقة لن تمس بأي حال من الأحوال ، والأمر ذاته يشمل احترام الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة وفي مقدمتها اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل ؟
قبل أن نناقش موقف حركات الإسلام السياسي من الدولة المدنية واستحقاقاتها في الماضي والحاضر ، نشير إلى إن الدولة المدنية بآلياتها المعروفة تتمثل ببساطة في حاكمية الدستور ، والفصل بين السلطات الثلاث ( التنفيذية والتشريعية والقضائية ) ، و أطلاق الحريات العامة و ضمان التعددية ( السياسية والثقافية والدينية والمذهبية والإثنية ) ، المستندة إلى مبدأ المواطنة الشاملة و المتساوية في الحقوق والواجبات، وحق التداول السلمي للسلطة . مع التأكيد على مبدأ العدالة الاجتماعية الذي كان أحد الشعارات المركزية في الحراك الثوري.
2
جماعة الأخوان المسلمين التي تشكلت في عام 1928 على يد حسن البنا ( 1906-1949 ) ، تمثل الحركة الأقدم والأبرز والأوسع نفوذا وانتشارا لما يُعرف ب " الأصولوية الإسلاموية " المعاصرة ، أو ما أصطلح على تسميته بالإسلام السياسي ، وقد تصدرت فصائل الحركة المشهد السياسي الراهن في العديد من الدول العربية ومن المحيط ( المغرب ) إلى الخليج ( الكويت ) . الأسئلة المثارة هنا : هل هجرت الحركة بالفعل شعاراتها وعناوينها الفاقعة والمتشددة حول ما تدعيه أسلمة الدولة والمجتمع ، وأقرت بالتالي بضرورة إرساء وترسيخ مقومات الدولة المدنية بآلياتها الحديثة المعروفة ، وبالتالي تجاوزت إرثها الأيدلوجي والسياسي المتسم بالتشدد والإقصاء للآخر ؟ وبالتالي لماذا يثير الصعود القوي ( رغم الانتكاسة الأخيرة ) للإخوان المسلمين ، ومعهم السلفيين ، مخاوف قطاعات واسعة من الناس ، وخصوصا الشباب والقوى الثورية ، ومعهم منظمات ومؤسسات وهيئات المجتمع المدني ، ناهيك عن التيارات السياسية ، الليبرالية والقومية واليسارية ، وكذلك الأقليات الدينية والإثنية ؟
المعروف بأن حركة الأخوان المسلمين ركزت منذ بداية تأسيسها على الجانب الدعوي والعمل على استعادة ما اعتبرته الإسلام الصحيح الذي يتعين على الأمة الإسلامية الأخذ به ، وبالتالي تصديها لأعداء الأمة المتمثل في ما أسمته الفكر التغريبي ، ودعاته ، والذي شمل رواد النهضة والمدنية والتنوير و الإصلاح الديني في العالم العربي ، حيث جرى العمل على تحجيم دورهم ومكانتهم. والملاحظ هنا تلك النزعة الشديدة لدى الحركة بوجه عام و منذ تأسيسها وحتى الآن، رغم تغيير خطابها الرسمي ، نحو إقصاء الأخر المغاير بما في ذلك الجماعات والشخصيات الإسلامية المستقلة الأخرى،والعمل الحثيث نحو تحقيق الهيمنة الاجتماعية والأيدلوجية في المجتمع ، والسعي لفرض السيطرة السياسية الشاملة .
هذه النزعة الجارفة نحو الهيمنة ، تلازم معها على الدوام ، منهج التقية ومهادنة وتزلف الأنظمة الحاكمة ، توسلا لحرية العمل والحركة واستجماع مكامن القوة ، تمهيدا لتحقيق الهدف النهائي في ابتلاع المجتمع والدولة في الآن معا . كتب مؤسس الحركة حسن البنا الذي كان يصنف في خانة الاعتدال " كان الأفغاني يرى المشكلات ويحذر منها، وكان محمد عبده يعلم ويفكر، ورشيد رضا يكتب أبحاثاً وهم جميعاً مصلحون دينيون وأخلاقيون يفتقدون الرؤية الإسلامية الشاملة " . وقد جاء في مقال منشور له تحت عنوان " بين السياسة والدين " نشره في مارس/ آذار 1945 في صحيفة الإخوان المسلمين " النذير " ما يلي " أتحسب أن المسلم الذي يرضى بحياتنا اليوم ويتفرغ للعبادة ويترك الدنيا والسياسة للعجزة والآثمين.. يسمى مسلماً؟ كلا إنه ليس بمسلم، فحقيقة الإسلام جهاد وعمل ودين ودولة " كما كتب في مجلة النذير (مايو/ أيار 1938) رافضاً السياسيين في الحكم، وفي الأحزاب المعارضة والمغايرة للإخوان تحت عنوان " أيها الإخوان تجهزوا.. ستخاصمون هؤلاء جميعاً في الحكم وخارجه خصومة شديدة لديدة إن لم يستجيبوا لكم" .
هذه الأطروحات المتطرفة والاقصائية لم تمنع انتهاج الانتهازية والمداهنة السياسية المؤقتة، إزاء السلطة (أياً كانت) وإخفاء المواقف والأهداف الحقيقية، بغرض الاستقواء، وقد ذكر حسن البنا ذلك بصراحة في رسالة المؤتمر الخامس، حيث قال " أيها الإخوان: لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها، واستخدموها، وحولوا تيارها، واستعينوا ببعضها على بعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ترجمة مقالتك
S. Ulph ( 2012 / 7 / 23 - 18:05 )
عزيزي د. الخنيزي
قد قرأت مقالتك الممتازة واود لو شرّفتنا بالاتّصال بنا للحديث عن ترخيصك لنا لترجمتها باللغة الإنجليزية .
الرجاء الاتصال بنا على هذا الايميل:
[email protected]
مع خالص الاحترام،
س. ألف

اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah