الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتصوف المتمرد ... 3

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2012 / 6 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حدثني الصوفي المتمرد عن اللوحة الناقصة .. وذلك حين سألته عن طابع هذا العالم

هذا الماتريكس .. التجربة الواعية الذاتية المنفصلة ... التي ينفرد بها كل واحد منا ... فهي عالمه .. هي كل ما هنالك بالنسبة له ..

فقال لي:

إن هذا الواقع الافتراضي مشروط بالانفصال ... وجود تجارب واعية ذاتية منفصلة ينتج عنها لكل واحد منا إيجو أو (أنا) تخوض العالم بنفسها ...

وحين سألته : هل من سبيل إلى اللاعنف المطلق .. أو اللاحكمية المطلقة ... أو اللاسلطة المطلقة .. أو المحبة المطلقة ... أو المعرفة المطلقة؟

أجابني:

إن هذه هي كلها سبل الاستنارة وجوهر ما هنالك .. ولكن شرط هذا العالم أن لا تكتمل هذه السبل ..

فاللاعنف سبيل ... امض فيه قدر استطاعتك ... تجنب العنف .. لكن اللاعنف المطلق لا يمكن تحقيقه كاملا في هذا الواقع ... فبعض العنف مشروط من طبيعة الواقع الافتراضي نفسه .. مفروض بقوانين الطبيعة التي تفرض سلما غذائيا وكائنات تسبب الأمراض منها ما هو مجهري .. عنف لا غنى عنه .. وألم لا غنى عنه .. حتى عند غلي الماء قد تموت بعض الكائنات .. عند العلاج ... وإقناع الكائنات الأخرى باللاعنف غير ممكن ... اللاعنف المطلق لا يمكن تحقيقه ضمن هذا الواقع إلا بالموت .. بالكف عن الفعل .. أي أن شيئا من العنف هو من شروط الحياة

واللاحكمية سبيل ... لا تخرج منه ما استطعت ... لكنه أيضا لا يكتمل كلية إلا بالكف عن الفعل والانفعال ... أي بالموت .. وضمن هذا الواقع الافتراضي أو العالم، ستكون بعض الأحكام من شروط الحياة نفسها ...

وكذلك السلام الكامل .. والعدالة الكاملة ... واللاسلطة الكاملة

المحبة اللامشروطة مثلا ،، ستفلت منك حتما في بعض الأحيان لأن استحضار اللاشيء الذي هو كل شيء لن يكون بوسعك دائما ...

كل هذه السبل لا تعرف الكمال ضمن هذا العالم ... وكأن البشرية هي –كما يخلص البير كامو في "السقطة"- لا يمكن أن تتخلص من الخطئية ...

ولما سألته: كيف نمضي في هذه السبل قدر استطاعتنا

قال لي:
لست حرا ما دمت تسعى .. لا تسع إلى الخير .. وبقدر ما تكون صادقا في كل شيء في شهادتك على التجربة الذاتية الواعية التي أنت محصور فيها طالما كنت "أنت" فقط.. وفي حالة الانفصال.. أي في الحياة ... بقدر ما تمضي في تلك السبل دون أن تسعى إليها

والأهم .. أن لا تسعى إلى إثبات أي شيء ...

ولكن مهلا... أليس الحرص على عدم محاولة إثبات شيء .. سعيا .. يتحول في النهاية عادة إلى محاولة لإثبات أنك لا تحاول الإثبات
ان شيئا من كل ذلك هو شرط هذا الوجود المنفصل في تجربته الواعية ... لا يمكن الافتكاك من الايجو تماما الا عند الموت

لذا فالعيش بتلقائية كبيرة .. وعدم محاولة الظهور بأي مظهر ... وعدم الحرص على أي شيء .. هي سمات الصوفي المتمرد.. الذي لا يمانع أن يموت في سبيل الحق .. ويذكره التاريخ على أنه أخس خسيس ... ويبصق الناس على قبره كل يوم ... ان يعيش في سبيل اللاعنف.. فيموت على أيدي من يزاودون عليه بالإنسانية .. الصوفي المتمرد يصل إلى الحياد إزاء نفسه ... فهو الشاهد أبدا ... ولو أنه يرى حياته تعرض أمامه من موقع ال"هو" .. فقد يدين نفسه ألف مرة قبل الآخرين ... ويتلذذ ويشفى صدره حين يعاقب على شيء ما ... فالأنا لسيت حقيقية ... بل هي ورطة الشهادة ... هذه التجربة الواعية الذاتية هي ما "قدر له" أن يشهد عليه... لكنها ليست هو .. لأنه لا هو .. فالكل هو.. وهو الكل

هو لا يهمه أن يظهر بمظهر الحكيم ... او بمظهر من لا يشتهي .. حتى أخس الأشياء .. أو بمظهر من يبالي لوجع الآخرين دائما .. أو بمظهر ما لا يحقد ... فإذا كره .. بدا عليه .. ولما يزعجه ذلك ... وفي سبل تمرده التي يسير فيها بتجرد .. قد يحب أضعاف ما كره .. وتبقى عند "الآخر" صورته ككاره هي ما رسخ وبقي .. أو ربما صورته كقاتل حتى ... وهذا لا يخدشه ولا بالحد الأدنى...

وبهذا فإن عدم محاولة ترك أي شيء للذكرى ... بل عدم محاولة حمل أي ذكرى .. هي من سمات ذلك الصوفي

هذه الشهادة المجرد ،، تصبح هي الجوهر حين يأتي الاتصال ... وينتهي الانفصال ... ويسقط كل شيء دونها ...

ولما سألته: ماذا يريد الصوفي المتمرد... هل يريد أن لا يريد ؟ أم لا يريد أن يريد؟

قال:

هو لا يريد شيئا .. وهو مع ذلك يريد كل شيء


يتبع
http://1ofamany.wordpress.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا