الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تظلموا السيد البطاط

جمال الهنداوي

2012 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المواقف والتوجهات السياسية,خصوصا تلك التي تتعلق بشكل وطبيعة الحكم,لا تكون من بنات لحظتها ولا تتشكل هكذا بقدرة قادر،بل تكون عادة نتيجة لتراكم وتكتل التجارب واعتراكات الايام والاستقراءات المعمقة والالتزام الطويل بالثوابت،وهذا ما قد يجعلنا نلاحظ تعتق المواقف وتقادمها ورسوخها عندما يتعلق الامر برؤية العديد من الجماعات لما يجب ان يكون عليه الامر في مسألة الحكم الرشيد..وان الظروف,والظروف فقط,هي ما قد تدفع طرفا ما الى المواراة والتمويه على معتنقاته حتى حين,ان كان مداهنة او مداراة,او اتقاءً لغضب حكم ما او طمعا لما في يده..والاهم هنا هو الصبر, ففي هذه المساحة بالذات ليست نهاية العالم أن تفشل،ولكن العالم كله قد يكون لك مع النجاح..
وهنا قد نجد الكثير من المبالغة في ردود الافعال التي تنتحل الصدمة من تصريحات السيد واثق البطاط التي تتحدث عن انه"يقبل بالديمقراطية الحالية من اجل التمهيد لفرض نظام حكم ديني"و"مضطرون أن نتماشى مع الواقع وان نقبل الديمقراطية ومن خلال الديمقراطية نمهد للحكم الثيروقراطي".
فقد يكون هناك الكثير من التجني في بيانات الرفض او الانكار -او حتى تصنع الذهول- تجاه هذه التصريحات من قبل بعض الاحزاب الاسلامية في العراق والمشفوعة بالتأكيد على احترام الآليات الدستورية في التداول الديمقراطي للسلطة.. فالسيد البطاط لم يأت بجديد في كلامه هذا ان لم يكن يستحق الاحترام والتقدير لصراحته ووضوحه في تبيان المقاصد الحقيقية وراء انخراط احزاب الاسلام السياسي في العملية السياسية ومركزية ووثوقية وثبات هدف امتطاء واستغلال الآليات الديمقراطية كطريق افضل واسهل واقل خطرا للوثوب الى السلطة,وللاستيلاء على مسارات المشروع الديمقراطي الوطني الذي دفعت من اجله الجماهير الكثير من الدم والدموع والآلام لتحقيق وبناء الدولة المدنية التعددية الحرة.
بل قد يكون هذا التوجه هو من النوادر التي حظيت باجماع علماء المسلمين على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم,ومن فلتات الدهر التي اتفق عليها فقهاء السنة والشيعة وتحقق من خلالها تقاربهم الذي استعصى على القرون,فليس من المستغرب ان نجد ان خطبة عصماء لمن يعد مرشداً روحياً لحركة الإخوان المسلمين يقول فيها "لا تشهدوا لعلماني ولا للاديني"تجد صداها لدى فتوى احد كبار مراجع قم التي يحرم فيها" التصويت في أي مرفق من مرافق الحكم العراقي إلى جانب إنسان علماني"وبما يمكن ترجمته بقليل من التصرف بأن التصويت مقبول فقط اذا كان وسيلة لايصال الاحزاب الاسلامية الى الحكم,واذا لم يتمكنوا من الامساك بتلايب الحكم فمن الممكن استلال الاحاديث المقرعة للمشاركة الشعبية من تحت جبة الفقيه لدمغ العملية السياسية بالكفر والبهتان ..
ان ادبيات وممارسات احزاب الاسلام السياسي تتعارض مع قدس اقداس الديمقراطية الا وهي حرية التعبير والاعتقاد,وحق تكوين الاحزاب المعارضة للسلطة القائمة، وحق الاقتراع العام، وتداول السلطة بين أفراد الشعب، واعتماد مبدأ الأغلبية في اتخاذ ‏القرارات وسن القوانين.
كما ان الممارسة السياسية الديمقراطية تستدعي المشاركة في اتخاذ القرارات التي تستهدف الصالح العام وهو ما يستدعي احترام الاختلاف والقدرة علي تقديم تنازلات وقبول تسويات مع فاعلين آخرين بهدف صناعة التوافق العام.وهو ما يتعارض مع فكر الحركات الدينية التي تتعامل مع وثوقية الخير والشر المطلقة,والنظرة الاحادية المتقاطعة مع قواعد اللعبة الديمقراطية المبنية على التعددية والانفتاح على الآخر..والاهم,مع نظرية السيادة الشعبية المرفوضة إسلاميا لكونها وكما يقول الدكتور لطف الله خوجه:"نقيض لحكم الله سبحانه وتعالى ففي الإسلام الحكم لله وحده و الديمقراطية تعنى حكم الشعب".
يشير الدكتور سعد بن مطر العتيبي-ذاهلا على مايبدو عن انتم اعلم بشؤون دنياكم- الى:"أن مبدأ تحديد السلطات بثلاثة سلطات وفقا للرؤية التي تطرحها فلسفة الديمقراطية،يناقض الإسلام، لأن الديمقراطية ترى وجوب الفصل بين "السلطة التشريعية، والتنفيذية، و القضائية" بينما الإسلام لا يقر بوجود سلطة تشريعية على الأرض سوى سلطة الله عز وجل، لأن الله عز وجل هو المشرع وليس البشر،وأن هذا مبدأ علماني ولا يجب التعاطي معه.
اي اننا امام خطاب اسلامي ينتحل الالتزام بالتقاليد الديمقراطية دون مطابقة اطارها النظري لمنطلقاته الفكرية والمعتقدية ان لم تكن تتعارض معها..اي كما يقول السيد محمد بن شاكر الشريف:"لا يمكن في الحقيقة تصور أن يقوم نظام له أصول وقواعد تُتبع ويُحتكم إليها عند ‏الاختلاف، ولا تكون لهذا النظام جذور فكرية يرجع إليها هي التي حتمته وأوجبته، فهذا ‏أمر مخالف لطبيعة الأشياء، وما مثله إلا كمثل من يزعم وجود شجرة لها ثمار وهي مع ‏ذلك معلقة في الهواء من غير جذور ترتبط بها".
ان قوى واحزاب الاسلام السياسي لا ترى في الديمقراطية الا وسيلة لشرعنة العمل الإسلامي وتقديمه كنظام حكم مقبول للدول الكبرى كما في تجربة الاخوان المسلمين اوفرصة للتأثير على العملية السياسية في الدولة وعرقلة نمو الحياة المدنية كما في تجربة القوى السلفية في الكويت او كعامل فعال للاستيلاء على مفاصل الدولة والمشهد السياسي العام من خلال المقبولية العالية للخطاب الإسلامي في المجتمعات المحافظة كما في الديمقراطيات الناشئة في المنطقة.
ان الوضع السياسي السائد في الدول الإسلامية وخصوصاً العربية منها يؤكد حاجة المنظومة الفقهية الملحة للإصلاح الجذري والحقيقي من خلال القراءة الواعية لحركة التاريخ والتعاطي المسؤول مع الحقوق المدنية والحريات العامة للمواطن بطريقة منفتحة والانصياع للوعي الجمعي المتسيد في مجتمعاتنا بان الحكم الثيوقراطي لم يعد النظام المثالي أو الوحيد الذي يحقق رضا الله ورضا الرسول،بل هو مجرد وجهة نظر وقرار غير ملزم اتخذ في وقته لاعتبارات قد تحتمل الصواب او الخطأ ومحض اجتهاد لا يمثل الإيمان به أو محاولة مناقشته تناقضاً مع انتماء الفرد العقائدي.
كما ان هذا الانقضاض على المنجزات الوطنية للربيع العربي يجعل من الاهمية بمكان الوعي بمسارات الصراع في المنطقة التي تبشر بتحولها من مستوى التدافع السياسي المقبول الى درك النزاع المجتمعي الذي يستحضر التقاطعات الايديولوجية والمعتقدية كأدوات للتموضع على سدة الحكم المتمترسة خلف النصوص والتفاسير والملائكة كميليشيا لحماية السلطة الحاكمة من تذمر الشعب ومعارضته.وهو ما يستدعي التحرك من قبل القوى المؤمنة بالحرية وحقوق الانسان الى الانخراط الميداني المباشر بين صفوف الجماهير لقطع الطريق امام احزاب التقية السياسية في دأبها الحثيث لاجهاض المشروع الوطني التحرري الحداثوي الذي بشرت به ساحات التغيير العربية..وكما يجب ان لا نفترض ان حديث السيد حمادي الجبالي عن الخلافة السادسة كهفوة لسان..علينا ان لا نخدع بربطات عنق بعض قوى الاسلام السياسي ولا وجوههم الحليقة..
اعتقد باننا مطالبون باعتذار علني للسيد البطاط..بل وابداء كل التقدير لتوخيه الدقة والحرص في تصريحاته,فان كان بعض قوى الاسلام السياسي استغلوا طروحاته للتمويه على مقاصدهم الفعلية,فانه يبقى بينهم الانزه والاصدق لهجة والتزاما بمبادئه ومتبنياته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 61-An-Nisa


.. 62-An-Nisa




.. 63-An-Nisa


.. 64-An-Nisa




.. 65-An-Nisa