الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الولادة

ابراهيم هيبة

2012 / 6 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كل مرة انتهي فيها من قراءة جريدة، تترسخ لدي القناعة بأنه لا يجب أن أنجب أبدا. نحن نعيش في عالم ينضح بالبؤس والخشونة؛ وأن يكون المرء السبب في مجيء احدهم إلى هذه الدنيا لهو تصرف أحمق وخطأ لا يغتفر. أحيانا تتملكني الرغبة في أن أكون مثل الآخرين- أي أن أكون أبا- لكن عندما أتأمل فيما تنطوي عليه ذاتي من العيوب والإختلالات، أحمرّ خجلا من إمكانية نقلها إلى خلف محتمل. ولادة المرء في هذا العالم كارثة ما بعدها كارثة. وفي كل مرة انظر فيها إلى عيني طفل بريء، أقول في نفسي:"كم ياترى من الآلام والأحزان تنتظر هذا المسكين في الطريق؟ !" وهكذا فلا يقبل بلقب الأبوة إلا شخص خشن أو صاحب قلب متحجر.
في صبيحة أحد الأيام كنت في عيادة لطب الأسنان، وبينما كنت في غرفة الانتظار، كان يجلس بالقرب مني طفل في العاشرة من عمره ومعه أمه بجانبه. كان الطفل يتلوَّى من شدة الألم الذي كان يحدثه ضرسه المريض؛ وأنا انظر إلى ذلك المشهد قلت في نفسي : " لماذا كل هذا الألم؟ ماذا فعل هذا البريء ليمر بكل هذا الجحيم؟" بعد تفكير عميق وتأمل طويل فيما كان يحصل، توصلت إلى جواب مبدئي وبسيط: إنه يتألم لأنه وُلد. في الحقيقة، يجب أن أقول بان هذا الجواب هو الذي أسعفني في الإجابة عن كل الأسئلة التي طرحتها على نفسي في ليالي الأرق وأيام المرض.
عندما كان يهجرني النوم وأبدأ في عد الثواني والدقائق، أو عندما كان يعذبني عضو من أعضائي، أسأل نفسي: "لماذا كل هذا العذاب؟ لماذا يجب أن تكون ذاتي مسرحا لكل هذه التمزقات؟" ويجبني صوت خفي يصعد من أعماق ذاتي قائلا: " أنت تتعذب لأنك ولدت، أنت تتمزق لأنك أتيت إلى هذا العالم."
بوذا على حق:"الولادة معاناة"، ومعها يبدأ الوجود الإنساني في التدهور والانحدار نحو المرض والشيخوخة والموت وتفاصيل أخرى في الشر لا تحصى ولا تعد.
من يحدِّق جيدا فيما يحصل في السيرة الذاتية لكل إنسان، من بدايتها إلى نهايتها، لا بد وأن يتوصل إلى الاستنتاج التالي: ولادة المرء لعنة ما بعدها لعنة، والعناية الإلهية هي اكبر خرافة ابتدعتها التيولوجيا. البشر، الآن، يرون البؤس والقسوة في كل مكان ومع ذلك قلما تجد فيهم شخصا واحدا يتخذ من العقم رؤية وعقيدة؛ بل الأنكى من هذا أنهم يقومون بكل شيء من اجل إنجاح الإنجاب والتكاثر، وبهذا يثبتون بأنهم بالكاد يختلفون في شيء عن الكلاب، حيث يخضعون، مثلها، لإرادة الطبيعة بكل خصوبتها الفاحشة وتكاثرها اللامعقول.
لقد انغمست في مجلدات الفلسفة لوقت طويل، لكنني لم أجد ولو حجة واحدة تقنعني بأن الوجود أفضل من العدم؛ بل يمكنني القول بأن المرء يفقد أشياء كثيرة عندما يأتي إلى هذا العالم أكثر منه عندما يغادره. والحق أنه لولا الأنانية وغريزة حفظ النوع، لأتضح لكل واحد منا بأن مجيئه إلى هذا العالم ليس ضروريا على الإطلاق؛ فمن وجهة نظر موضوعية، كل حياة هي إما صدفة أو حادث عرضي. وفي كل مرة أصادف في طريقي شيخا يسحقه المرض أو شابا تشلّه الإعاقة أو طفلا مشردا ينام على الرصيف، لا يتبادر إلى ذهني إلا سؤال واحد: "فيماذا أفاده المجيء إلى هذا العالم؟"
فيما مضى كنت اطرح هذا السؤال على نفسي كلما نظرت في وجه إنسان سيّء الحظ؛ الآن، اطرحه في كل مرة انظر في وجه إنسان حي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الامر بسيط
منجى بن على ( 2012 / 6 / 17 - 01:23 )
فى كل مره يتحفنا السيد ابراهيم بموضوع فلسفى دون ان يخوض فى التفاصيل او حتى يقدم حلول مقنعه.. ومن شدة خجله وتواضعه انه يكتفى بمشاهدة التعليقات دون ان يكلف نفسه عناء الرد او التوضيح...ربما يظن ان هذا الموضوع قد كتبه شخص اخر
نعم الحياه لاغايه ولاهدف لها فهى مجرد نظام عشوائى خليط بين الفوضى والنظام وكل شى فى الحياه هو مجرد تكرار ممل للصدفه او الحظ فلا احد يصنع الحدث ولكن الحظ هو الذى يفعل ولاشى غير هندسة العناصر الكيميائيه فى الفراغ وطريقة تراتيبها مع شى من التوفيق او الحظ هى التى تنتج كل شى ومن ضمن هذه الاشياء نحن البشر..حتى لو كانت الارض ليس فى مكانها الحالى او بشكل وحجم مختلف فان الماده ستصنع حياه بشكل مختلف فقط الامر يحتاج للقليل من الحظ والتوفيق ..وبما ان الماده تعمل بشكل عشوائى او كما اتفق اذا الانسان السعيد هو سعيد لانه اتفق وان كان كذلك ويمكننا ان نطبق نفس الشى على الانسان التعيس او سىء الحظ..والانسان المتفائل او الانسانى او الرومانسى والعاطفى والى غير ذلك هم كذلك ليس لانهم هم ارادوا ذلك بل لان الماده وحظوظم اتفق وان كانت كذلك..وببساطه علينا ان نسلم بكل ذالك


2 - كلمه
مجدي زكريا الصايغ ( 2012 / 6 / 17 - 09:10 )
تحية للأستاذ ابراهيم
اتابع مقالاتك منذ فترة
لكن مقالاتك ياصديقى يائسة محبطة عدمية وحباتك تظهرها فارغة جوفاء
لماذا كل هذا الالم والبؤس
اكاد اتخيلك يوما مقدما على الانتحار وقد اعربت عن هذه الفكرة فى احدى مقالاتك
انت كاتب موهوب وشخصية رائعة حساسة
لماذا لاتنظر الى الحياة بمنظار مختلف
الحياة برغم كل شئ مليئة بالجمال والخير وروائع الخليقة الجديرة بالتمتع والانبهار بها
لملذا لاتقرأ الكتاب المقدس وتدرسة ربما تجد فيه رسالة تعزية ورجاء
اصدقنى انا لا ادفعك الى دين معين
واتمنى من كل قلبى ان اجدك فى المرة القادمة شخصا مختلفا
اتمنى ان ارى ابرهيم هيبة الحى والجدير بالحياة


3 - التكاثر المقيت
ماجدة منصور ( 2012 / 6 / 23 - 14:37 )
أتفق مع الأستاذ ابراهيم بمسألة التكاثر و هذا الهوس المرضي بتكاثر لا معنى له سوى أننا نزيد من شواهد القبور!!0
فعلاً..ماهي القيمة بتكاثر يتكالب عليه الفقراء أكثر من الأغنياء!! هل لزيادة أعداد البائسين وما هي المتعة الحقيقية بإنجاب أطفال هم عبارة عن وحوش صغيرة ..يأكلوننا وهم صغار و يرثونا عندما نموت..ما المتعة في هذا و ما الذي ننتظره من أولاد نربيهم ونستهلك أعمارنا في القلق عليهم..و عندما نكبر قليلاً فإنهم سيعتبروننا عدداً زائداً يتشوقون للخلاص منه مهما ادّعوا غير تلك الحقيقة
وللكاتب احترامي

اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د