الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة باعتبارها سيرة الفيلسوف

محمد بقوح

2012 / 6 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لعل ما يميز الفلسفة عن باقي المعارف و العلوم هو فعلها النقدي و طابعها الفكري العقلاني المدهش و الجريء. لهذا قبل أن نتعامل مع الفلسفة على المستوى الفهم و التفهيم يلزمنا أولا أن نعرف كيف نفكر. فربّ متسائل يقول : و من منا لا يعرف أن يفكر.؟ لكن دولوز يجيبه بطرح السؤال من جديد. فما التفكير؟ فإذا استطاع المتسائل أن يجيب عن سؤال هوية التفكير هذا.. حتما يستطيع فهم و تفهيم الفلسفة باعتبارها علم يفكر بدون منازع. يعني فكر حر. وظيفته الوحيدة و الجوهرية هي قول الحق الذي لا يستطيع أصحاب العقول الأخرى غير الحرة قوله و لا حتى التلميح إليه. و طرح الأسئلة الفلسفية الصعبة التي يغطيها البعض الآخر بغربال من ضباب. إنها الممارسة النقدية الملازمة لكل تفلسف حقيقي. الحقيقي هنا بالمعنى الفعلي و الواقعي. فمهما كانت طموحات الفيلسوف، و مهما كانت مرجعياته و توجهاته و محركاته و أهدافه الخاصة به. فهو في أصله إنسان يفكر. و هذا التفكير النابع من قوة العقل هو الذي جعله ينتقد.. و لا يهادن و لا يسلّم بما يصل إليه من آراء.. و يرثه من الغير من وقائع و نظرات ذهنية.. إلا بعد تفكير عميق و تمحيص شديد و بحث و تنقيب دقيقين.. نستحضر هنا فلسفة ديكارت. ونقد الفيلسوف قد ينصبّ على الأفكار و النظرات الفكرية في زمنه. و قد ينصبّ كذلك على النظريات الفلسفية السابقة على زمنه. كاشفا عن محدوديتها و انغلاقها حينا.. و منتقدا أسسها و منطلقها الخاطئ حينا آخر.. موضحا تناقضاتها التي تبدو له.. و قد لا تبدو لغيره من الناس و القراء العاديين. معتمدا في كل ذلك على كيفية جديدة في إعمال فكره و تفكيره. إنه آلة العقل الفلسفي المختلف و المتجاوز ( بجر الواو ) للعقل الفلسفي القديم المتآكل. أو العقل الذي يفكر فلسفيا بطريقة تقليدية باتت قديمة و متجاوزة ( بنصب الواو ) بالنسبة للفيلسوف الحديث. الحديث هنا بالمعنى الجديد و المختلف. و يبقى فعل النقد و طبيعة المعارف و التجارب المتميزة التي تسلّح بها الفيلسوف هي معطى أساسيا في إنجاح فعل التفلسف الجديد. و أيضا كيفية تلقيه من قبل الآخرين بالشكل المرغوب فيه. رغم أن تلقي الفلسفة الجديدة لا ترضي دوما المجتمع حيث يعيش الفيلسوف. خاصة إذا كان هذا المجتمع غير مهيأ في أصله لتلقي الفكر الفلسفي المختلف و الجديد. و كيفما كان الحال فالعقل التقليدي الميتافيزيقي المنغلقة أفقُه.. يقاوم دوما و في جميع الأزمنة و الأمكنة الفكر الجديد و المختلف ببساطته و تميزه و جرأته. مهما كانت طبيعة هذا الفكر فلسفية أو علمية أو تاريخية أو إبداعية. فهو فكر في نظر العقل التقليدي المحافظ غير مرغوب فيه.. و لن يرحب به. و يجب أن تسد في وجهه جميع الأبواب و النوافذ. نعرف كيف حورب الفيلسوف الكبير سبينوزا. لأنه عالج المسألة الدينية بعقل فلسفي نقدي تجاوز به الطرح اللاهوتي السائد و المهيمن. و نفس المصير ووجه به الفيلسوف الجينيالوجي نيتشه حين أحدث انقلابا مدهشا على مستوى مبحث القيم. و عمل على تطويع فلسفته العقلانية خدمة لتنوير زمنه ( المريض ) و أزمنة العصور اللاحقة عليه.. بخصوص قضية العلاقة بين الأخلاق و القيم و مسألة الأصل و الأصول و التقويم و التأويل.

كما توجد عندنا الأمثلة الصارخة في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية التي تعادي كل فكر علمي نقدي و فلسفي مختلف، عن ما هو سائد و مهيمن من أفكار و معارف و علوم.. لا يتماشى مع النص ( محنة بن رشد و بن حنبل و أبو حيان التوحيدي.. مع السلطة العربية الإسلامية ). أما فيما يخص الفلسفة.. فقد تم إقبارها منذ صرخة سقراط الفلسفية الشهيرة. أي منذ اهتم الفيلسوف بالموجود و أهمل الوجود بتعبير هايدغر. تلك الصرخة المدوية في عالم الفكر البشري التي أثرت و حولت مسار التفكير الفلسفي.. من فلسفة ( جسدية ) تخدم الحياة و الوجود و الإنسان.. كما مارسها الفلاسفة الطبيعيون و الذريون و الفيتاغوريون و السوفسطائيون.. إلى فلسفة ( حالمة ) مفارقة اكتفت بخدمة ذات الإنسان.. تلك الغارقة في البحث داخل أدغال قضايا متمركزة حول الإنسان.. كذات عارفة تبحث عن السعادة حيث الشقاء الأبدي. حين طلب من سقراط أن يعطي رأيه في فلسفة الحكماء / الفلاسفة الطبيعيين ما قبل الفلسفة السقراطية. قال : ما معناه ( كان الأجدى أن يهتم هؤلاء الفلاسفة بالإنسان و عقله و أصله و مصيره الذي ينتظره.. بدل البحث و التفلسف حول قضايا تهم الحجارة و الماء و النار.. ) . يعني فلسفة طاليس و هيراقليطس. ألم يكن سقراط يمهد هنا للفكر ( اللاهوتي ) الذي يمكن اعتبار فلسفته بمثابة البذرة الأولى في الحقل الفلسفي برمته. من تم يمكننا الحديث هنا عن ميلاد بؤس الفلسفة أو غربة التفكير الفلسفي. إنه البؤس الفكري الذي كان مع ميلاد فلسفة الميتافيزيقا. العقل الفلسفي الذي أدخل الفلسفة إلى نفق مظلم. أو لنقل سجنها فيه. و لم تقدر حتى الآن على الخروج منه. حيث حل العقل الفلسفي المفارق بعبارة دولوز، محل العقل الفلسفي التراجيدي بتعبير نيتشه. فحين نقول الفيلسوف أو الشاعر أو العالم.. بصيغة معنى الاختلاف و التجديد و التقدم و التحديث.. و تجاوز الممارسة الفلسفية بشكلها التقليدي.. و تجاوز الممارسة الشعرية برؤيتها النمطية العتيقة.. و الممارسة العلمية بنظرياتها العلمية المحدودة و المغلوطة في كثير من الأحيان.. فإننا حتما نقول بالفكر الثوري الحر.. و المؤمن برسالته النقدية و الجذرية.. و أيضا تجاوز التلميذ النجيب لأستاذه الذي هرم في جميع فروع المعرفة. نستحضر هنا القولة البليغة التي قالها أرسطو في حق أستاذه أفلاطون. نعني بها ما معناه ( أحترمك يا أستاذي على المستوى الشخصي. لكن من حقي أن أختلف معك فلسفيا في أغلب ما جاء في فلسفتك..). يعني خاصة نظرية المثل.
إن شأن الاختلاف الفكري بين الفلاسفة سواء المعاصرين أو المنتمين إلى لحظات تاريخية متباعدة ليعتبر من الظواهر الطبيعية جدا في مسار التاريخ الطويل للفلسفة. بل هناك من يعتبر مسألة بقاء نفس الفكر الفلسفي، و الطروحات الفلسفية أوالعلمية، لهو نوع من المؤشر القوي على الجمود الفكري و التخلف الفلسفي. باعتباره يفتقر إلى تلك اللمسة الإبداعية المختلفة المطلوبة في كل عمل فلسفي جاد و جيد كما يؤكد دولوز على ذلك.. في علم يؤمن بالحرية الفكرية و الاختلاف الفكري و تجاوز السائد.. و شق الطريق إلى كل ما هو جديد و مدهش و جميل.. إنه بالضبط علم الفلسفة و الفكر الفلسفي بالمفهوم العقلاني النقدي المختلف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال