الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأسلم فى السودان.. مجرد نماذج

رفعت السعيد

2012 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




1
ثمة كتاب أكثر من جميل سواء فى صياغته أو أسلوب عرضه أو دقة مصادره عنوانه «يوميات الدولة فى السودان» المؤلف عبد الماجد عليش، والناشر دار الثقافة الجديدة.

والكتاب، كما قلت، هو عبارة عن سرد موثق لوقائع محاولات أسلمة الحكم فى سودان النميرى. ونقرأ:

فى ٢٣-٥-١٩٨٤- جريدة الصحافة- القائد والأمة إحياء سنة البيعة. اليوم فقط تنهض الخلافة الراشدة من ظلمات القرون، وتقف وهى تبسط يدها للبيعة. ارتفعت الأيادى وهى تردد بحنجرة واحدة كلمات البيعة الوطنية، انعقد فى الأفق كل التاريخ الزاهر بالإسلام.. وأيقنت القلوب أن السودان يستشرف عهداً جديداً. وقفت جموع النساء، إلى جانب صفوف الرجال تردد البيعة، كما وقفت الصحابيات من قبل يبايعن الرسول [لاحظ المقارنة بالرسول] وانهمرت الدموع وهى تستعيد ذكر السيرة العطرة وموقف الصحابة فى بيعة الرضوان. ولم تكن البيعة فعلاً سياسياً مجرداً ولا مراسيم لا جوهر لها، فقد انتهى زمن المسخ الحضارى وأشرق علينا فجر جديد، انتهى الزمن الذى كانت فيه الأمة تعطى عهدها فى السياسة بـ«بلا» أو «نعم» وهى تدفع بأوراقها إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء. كان هذا فى لحظة الانفصام النفسى والحضارى، أى فى أوان الهزيمة التاريخية، فكان ذلك ما تضاهى به الكفرة. أمر البيعة أمر دين بل أمر لا يستوى إيمان المؤمن إلا به، البيعة عهد سياسى يقوم على ركائز الدين. وهكذا لم يعد هناك استفتاء ولا انتخابات رئاسية وإنما هى بيعة أبدية لا تنقض لأن من مات وليس فى عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية.

جريدة الأيام ٢٤-٩-١٩٨٣ قيام جمعيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الإحياء.

١٨/٨/١٩٨٣: تعديل المادة ١٧ من قانون أمن الدولة «أى شخص ينظم أو يدبر أو يحرض أو يشجع على الاشتراك فى إضراب أو توقف عن العمل أو امتناع عنه أو ترك جماعى له ولو فى صورة استقالة جماعية، أو قفل لمكان العمل، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد، ويعاقب كل من يشارك فى ذلك الإضراب أو الامتناع عن العمل بالسجن مدة لا تتجاوز ١٤ سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.

١٩-١٠-١٩٨٣ جريدة الصحافة: نميرى يشهد حفل تخريج أول دفعة من ضباط التوعية الدينية. الدفعة الأولى حاصلة على دبلوم الدعوة الإسلامية، وسيقوم الضباط فى اليوم نفسه بإلقاء محاضرات دينية بمساجد وحدات العاصمة.

١٩-٤- ١٩٨٤ تأييد أول حد يقطع يد السارق بقطع اليد اليمنى من مفصل الكف وتعليق الجزء المقطوع فى عنق المتهم لفترة من الزمن بعد ثبوت سطوه على أحد المنازل وسرقة ملابس بقيمة ٢٥٠ جنيهاً [الدولار يساوى حوالى ألف جنيه سودانى].

جريدة الصحافة ١٧-١-١٩٨٤ تنفيذ ثالث عقوبة حدية: تم أمس بساحة العدالة الناجزة تنفيذ عقوبة السرقة الحدية بقطع اليد اليمنى من مفصل الكف فى المحكوم عليه لسرقة حقيبة يد من داخل باص بالسوق الشعبية وقد تم تنفيذ القطع بكفاءة عالية. (!)

جريدة الصحافة ٢٥-٧-١٩٨٤ تقرر قفل محال الكوافير، لحين وضع ضوابط جديدة لإعادة فتحها بحيث يمنع العمل فيها على الرجال. وقد سبق أن حكم بالجلد على هارون يحيى وآخرين وحكم عليهم بالجلد والغرامة لأن عمل الرجال بتصفيف الشعر فساد ومنافٍ للشرع.

جريدة الصحافة ٢٩-٤-١٩٨٠ صدر حكم بقطع اليد اليمنى من مفصل الكف على المتهم سايمون مايكل لسرقته مسجل سانيو وجردل سكر.

٣٠-٤-١٩٨٤: أعلن نميرى فى خطاب إلى الأمة قراراً جمهورياً بإعلان حالة الطوارئ فى البلاد حماية للعقيدة والوطن، وقال نميرى فى خطابه (نبى الإسلام) هو أول من أعلن حالة الطوارئ فى الإسلام تطبيقاً لنصوص القرآن الداعية إلى الحذر، فحين دخل مكة فاتحاً أعلن (من دخل بيته وأغلقه عليه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن)، وهذا إعلان باللغة العسكرية ليس فقط بفرض حالة الطوارئ بل هو أمر بفرض حظر التجول، وعندما يفسد المجتمع وينحرف انحرافاً شديداً نعلن الطوارئ وندخل البيوت نضبط ونفتش عمن يشرب الخمر فى الخفاء ومن يزنى. كل بيت سندخله ونفتشه فالإسلام أمرنا بذلك».

«الرأى العام» ١٩٩٩ قالت «فى يوم ٢٤-٥-١٩٨٥ شهدت شوارع الخرطوم موكباً فريداً من نوعه عشرات المواطنين بعضهم قطعت أيديهم والبعض الآخر قطعت أرجلهم ومنهم من فقد عينه بسبب التعذيب وقدر عددهم بما لا يقل عن ٦٠٠ وقدرت أعمارهم من بين ١٨ و ٢٥ عاماً».

تصدى لهذه الممارسات محمد محمود طه وجماعة «الإخوان الجمهوريون» مؤكدين أن هذه الممارسات لا علاقة لها بصحيح الإسلام وصدر الحكم بإعدام محمد محمود طه وعدد من رجاله، وعندما وقف طه تحت حبل المشنقة صاح «ما زلت عند رأيى. قوانين سبتمبر ليست من الإسلام فى شىء، بل شوهت الشريعة الإسلامية، والغرض منها هو إرهاب وإذلال الشعب، والقضاة الذين يقومون بتطبيقها ضعاف وغير مؤهلين».

وبعد أن نفذ حكم الإعدام عقدت فى ١٩-١-١٩٨٥ محكمة استتابة أذيعت على الهواء وتقول جريدة الصحافة ٢٠-١-١٩٨٥ «أعلن المتهمون الأربعة التوبة والرجوع عن أفكار محمود طه وإقرارهم بردته وكفره فشطب الاتهام وأسقطت العقوبة».

وبعد.. هكذا طبقوا تأسلمهم.. وهكذا عاقبوا معارضيهم.

ولا تعليق.

2

ونواصل مطالعتنا لكتاب موثق بقدر ما هو مفزع.. «يوميات الدولة الإسلامية فى السودان - إعداد عبد الماجد عليش» ونتابع مع الوثائق نماذج من كوارث المرحلة الثانية من محاولات أسلمة الدولة فى السودان. فى المقال السابق تابعنا مرحلة النميرى والآن نتابع مرحلة البشير.. ونبدأ:


الدكتور حسن الترابى وكان يمتلك منصب النائب العام فى حديث لجريدة الشرق الأوسط السعودية «سبتمبر١٩٧٩»، وكان آنذاك الشخص الأقوى فى عملية أسلمة الدولة بالسودان. يقول: «رئيس الجمهورية سمح لتنظيم الإخوان المسلمين بالعمل كتنظيم وبنشر الإسلام فى السودان، وإذا حاول أحد أن يمنعنا أو قمعنا فسوف نبدأ ثورة مثل الثورة الإسلامية فى إيران. أنا مقتنع أن السودان سيصبح إسلامياً بالتدريج أو بالانقلاب، ومخاوف الجنوبيين من الإسلام مردها حقدهم ضد الشمال». انتخابات الجمعية التأسيسية التى بدأت عملية التصويت فيها ١/٤/١٩٨٦ سبقتها حملة إعلامية كانت شعارات الجبهة الإسلامية فيها «صوتك لحماية الدين والشريعة والعقيدة، قوانين الشريعة لحماية الأرض والعرض»، وفى مؤتمر انتخابى قال الترابى «١٤/١٢/١٩٨٥»: لم نأتكم مبشرين بدعوة انتخابية وإنما جئتكم بوعد الله الذى لا يخيب. وشعار آخر: صوتك للجبهة الإسلامية تكن مع الله وصوتك ضدها تكن مع قرنق زعيم النصارى الجنوبيين.


وهزمت الجبهة الإسلامية هزيمة شديدة فحصل مرشحها لرئاسة الوزراء على عثمان محمد طه على ٤٩ صوتاً، بينما صوت ضده ١٦٨ عضواً، ورغم هذه الهزيمة المريرة كتبت جريدة ألوان «٢٩/٢/١٩٨٣» اليوم يصوت نواب الشعب على قوانين الشريعة، لا مساومة على قانون الشريعة والذين لا يريدون الشريعة عليهم أن يبحثوا عن وطن آخر، ويستمر الجدال فى برلمان أغلبيته ضد الحاكم ويجرى تصويت آخر وترفع ذات الشعارات «إما (نعم) مع محمد رسول الله ص أو (لا) مع قرنق النصرانى».

وفى ١٠/٤/١٩٨٩ تقرر الجمعية التأسيسية تأجيل التصويت على القانون المقترح من الجبهة الإسلامية ويغادر نواب الجبهة قاعة الجمعية مهددين: «سنذبحكم.. سنذبحكم»، وبالفعل دبر الإخوان المسلمين انقلاباً عسكرياً فى ٣٠/٦/١٩٨٩ بقيادة العميد عمر البشير وأطاح بحكومة الصادق المهدى المنتخبة انتخاباً ديمقراطياً.
جريدة الصحافة ١٦/١٢/١٩٨٩ عمر البشير يصرح «نحن أعضاء أصليون فى الحركة الإسلامية وانخرطت فيها وأنا طالب بالسنة الأولى الثانوية، ونفذنا كل أوامر الحركة ومنها ثورة الإنقاذ».
عقد مؤتمر سمى «الحوار الوطنى» وتنشر جريدة «الإنقاذ الوطنى فى ١٧/٩/١٩٨» قال البروفيسير عمر بليل «نحن فى الإسلام لدينا الوطن ليس للجميع بل لله وحده، وعلى إخوتنا فى الجنوب أن يدركوا أن الحدود جزء من العبادة، وإذا رفض قرنق فما علينا إلا الحرب». جريدة الإنقاذ الوطنى ١٤/١١/١٩٩٠ - قرار جمهورى بتدريب جميع موظفى الخدمة المدنية فى معسكرات الدفاع الشعبى وحضور المحاضرات الدينية ومن يتغيب يفصل.

الإنقاذ الوطنى ١٤/٥/١٩٩٠ تنشر حواراً مع البشير بعد تنفيذ حكم الإعدام فى ٢٨ ضابطاً فى الأيام الأخيرة فى رمضان بتهمة الانقلاب بما سمى مذبحة ليلة العيد ويجيب البشير: هذا حديث عاطفى وينافى مطالب الشعب بأن تكون الثورة حاسمة مع أعداء ثورة الإنقاذ، والثورة لا تكون جديرة بالبقاء لو لم تأخذ الانقلابيين بهذا الحسم»، الرأى العام ٤/١/١٩٩٩ صدر قرار بتوحيد الزى لجميع طالبات الجامعات على أن يكون زياً شرعياً وإلزام كل العاملات بمؤسسات الدولة بهذا الزى، ومنع أى امرأة من دخول المؤسسات الحكومية بغير هذا الزى، مع ضرورة إلزام المسيحيات بذلك والتنويه داخل الطائرات بذلك، ووضع الحجاب شرط لمنح التأشيرة مع توفير بيع الخمار فى المطار لغير المسلمات لارتدائه عند دخول السودان. وتبدأ حملات أسلمة العلوم فالدكتور محمد الحسن إخصائى الباطنية والقلب يكتب فى جريدة الصحافة ٨/٢/١٩٨٥ داعياً لعودة الطب الإسلامى ولا بد من أسلمة الطب عبر دراسة فلسفة الإسلام فيما يصيب الإنسان فى السراء والضراء.

وتنشر جريدة الراية ٢٥/١١/١٩٨٨ فقرة من برنامج الجبهة الإسلامية «فى اتجاه معالجة الجفاف نحن لا نقول بمحاربة التصحر، لأن الطبيعة لا تحارب فالحرب ضدها تعنى الحرب على الله، فكل ما يحدث وفقاً لمشيئة الله ومعالجة الجفاف تتم بالرجوع إلى الله باختيار دستوره منهجاً لنا فى الحياة، وعدم الردة برفض تشريعاته والاحتكام إلى أهواء البشر ممثلة فى القوانين المدنية.

ويمضى سودان البشير ليغرق فى الفساد والإفساد والاتجار فى البشر بحجة أنهم أسرى وسبايا.. وتسود ديكتاتورية طاغية تمزق السودان، ورغم ذلك يجد البشير من يسانده هنا فى مصر وتنشر جريدة الإنقاذ الوطنى فى ١٨/١١/١٩٨٩ «المفكر الإسلامى فهمى هويدى قال: أضع الحركة الإسلامية فى السودان وتونس على رأس أنضج الحركات فى العالم العربى فى مستوى النضج فى تعاليمها».
وبهذا نكتفى، أما نتائج حكم التأسلم، فهى ما نراه فى السودان من انهيار اقتصادى وسياسى وفساد بغير حدود وتفكك الوطن الواحد بما يهدده بالزوال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah