الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عفوك يا سماحة المفتي 2

عبد المجيد حمدان

2012 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عفوك يا سماحة المفتي 2
مدخل :
في مقالي السابق " تسونامي إسلامي ......" ، أشرت لمقال للدكتور علي جمعة ، مفتي جمهورية مصر العربية ، حول الزواج المتعدد ، نشره في جريدة المصري اليوم ، عدد25 / 5 . للمقال ، كما سبق وأشرت ، علاقة بموضوع الكاريكاتير ، الذي تسبب في موجة التسونامي ، التي ضربت جامعة بيرزيت . وبسبب أهمية الموضوع ، وإعادة طرحه من قبل شخصية إسلامية ، على هذه الدرجة من سمو المكانة ورفعة المقام ، وعدت القارئ بتخصيص مقال له ، وها أنا أفعل .




يواصل سماحة المفتي ، منذ مدة ، نشر سلسلة مقالات ، في المصري اليوم ، موحدة العنوان ،" المرأة في الحضارة الإسلامية " ومتنوعة الموضوعات ، يحتاج كل منها ، كما أرى ، لوقفة مطولة . لكن وكما سبق ووعدت القارئ ، سنقصر الوقفة اليوم على مقال تعدد الزوجات بين الحقيقة والأباطيل ، المنشور يوم 25 / 5 الماضي ، أي قبل يوم واحد من البيان سيء الذكر ، الذي أثار تسونامي جامعة بيرزيت .
يفتتح سماحته مقالته بالقول :" من باب تصحيح المفاهيم وإرساء الحقائق يجب علينا أن نعلم أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات ولم يأت بالدعوة أصالة إلى تعدد الزوجات كما يظن غير المتخصصين " . وللبرهنة على صحة ما ذهب إليه ، أورد حكاية غيلان الثقفي الذي أسلم وتحته عشر زوجات ، وكيف أمره النبي قائلا :" اختر منهن أربعا " . وبعد ذلك يذهب إلى تذكير القارئ بحقيقة أنه لم يرد – لا في القرآن ولا في السنة - أمر لمن تزوج بواحدة أن يتزوج بأخرى ، " وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودا لذاته وإنما يكون تزوج الرجل مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة " . ينتقل سماحته بعدها لإيراد الآية التي حملت رخصة التعدد ، وحتى أربع زوجات ، وهي :{ وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } سورة النساء الآية 3 . يتوقف سماحته هنا عند الخلاف في تأويل هذه الآية والذي رافق مسيرة تطبيقها ، منذ لحظة نزولها وحتى يومنا هذا . يقول سماحته أن التعدد ورد هنا مقرونا باليتامى ، وحيث جرى انتزاع { فانكحوا ما طاب .....} دون القول السابق والذي ورد بأسلوب الشرط ، وكذلك دون اللاحق الذي يقيد الإباحة بالعدل .
ينتقل سماحة المفتي بعد ذلك لإيراد أسباب إباحة التعدد ، مشيرا إلى أن نظام التعدد هذا كان قائما بين العرب والفرس واليهود ، إضافة إلى أن العادات والتقاليد ، عند هؤلاء ، كانت تسمح بتقديم النساء هدايا للآخرين . ومثل كل من تصدى لهذا الموضوع ينتقل سماحته لمهاجمة الغرب ، وما تشهده أممه من تفكك للأسرة وانتشار للفاحشة . ومثل من سبقوه – العقاد مثلا – يستشهد بذات الفلاسفة والمفكرين الغربيين – وهم اثنان أو ثلاثة الكل يستشهد بهم – الذين هاجموا وحدانية الزواج الغربي ، وأشادوا بصحة التعدد .
ويختتم سماحته مقالته قائلا :" ما سبق – الاستشهاد بالمفكرين الثلاثة – يؤكد لنا أن نظام تعدد الزوجات ، أو إباحة التزوج بأكثر من واحدة ، تحقيقا لمقاصد الشريعة التي نص عليها الشرع الإسلامي ، ليس منقوضا عند معظم المفكرين ، وقد رأينا شهادة بعضهم ، بل هو في حقيقته تكريم للمرأة ، لأن الإنسان لا بد أن تكون نظرته متكاملة ، فقََصْرُ النظر على المرأة التي يتزوج عليها الرجل ليس إنصافا ، فإن التي يتزوجها الرجل هي امرأة كذلك ، كرمها الشرع بأن سمح للرجل بأن يتزوج منها لعلاج ما يعانيه المجتمع من مشكلات اجتماعية واقتصادية ......"
وملاحظتان :
إذن وقبل الذهاب لمحاورة سماحته فيما كتب ، يتوجب إبداء ملاحظتين . وقبل الملاحظتين أرجو من القارئ الكريم التوقف مليا عند السطرين الأخيرين من مقالة سماحته . إذ لا أدري كيف يكون سماح الشرع للرجل بأن يتزوج امرأة ثانية هو إكرام وتكريم لهذه الثانية . ولا أدري كيف يوجب إكرام وتكريم الثانية ، غض النظر عن القهر الذي يقع على الأولى ، وكيف أن هذا الإكرام والقهر يُكَوَِّن متوالية هندسية مع الثالثة فالرابعة ، فتطليق الأولى إن أراد الخامسة ، وتطليق الثانية إن أراد السادسة وهكذا مما يعلمه سماحته . وبالعودة إلى الملاحظتين ، نسأل في الأولى :
ما حاجة سماحته ، وغيره من العلماء والفقهاء إلى الاستدلال برأي مفكرين غربيين – هم ثلاثة دائما أحدهم الفيلسوف الألماني شوبنهاور من القرن التاسع عشر – لإثبات صحة هذا التشريع عن الزواج المتعدد ؟ وهل يليق بعالم القول أن رأي هؤلاء هو رأي معظم المفكرين ؟
والملاحظة الثانية تتعلق بهذا التمحك بما يوصف بالحضارة الإسلامية . ويحق لنا أن نسأل :أهو نوع من الاعتذار والتكفير ، ما زلنا نفتقد الشجاعة لنعلنه صريحا وواضحا ، عما جنته أيدينا – أيدي علماء وفقهاء وأئمة تيار النقل – على هذه الحضارة ؟ ذلك لأنني لا أظن إلا أن سماحته يعرف تمام المعرفة ، أن الحضارة الإسلامية لم تقف عند حدود تقدم وتطوير علوم الدين على أهميتها ، بل تعدتها إلى المساهمة في ، وبناء وتطوير العلوم الأخرى ، من فلك وطب وفلسفة وعلوم ورياضيات وآداب وموسيقى وغيرها وغيرها . ويعرف سماحته أن العلماء الذين درس على أيديهم ، على مر القرون ، هم من حرَّض العامة ، وقاد عمليات مطاردة هؤلاء العلماء وإذلالهم ، وحرق وإبادة إنتاجهم . ويعرف أن الأوروبيين هم من حرص على إنقاذ ما أمكن إنقاذه من ذلك الإنتاج العظيم . وأنهم - الأوروبيون - بعد أن استوعبوه أضافوا له وبنوا فوقه . أما نحن فاكتفينا بالتفاخر بأننا نحن الذين أخرجناهم من ظلمات العصور الوسطى ، في وقت أبقانا أسلافه نرسف في جهلنا ، وأخرجنا من جنة هذه الحضارة العظيمة صفر اليدين . وأسال مجددا : هل هذا التمحك بالحضارة الإسلامية ، يبشر باحتمالية وقفة مراجعة مع الذات ، فمقدمة ربما للاعتذار عن الجريمة التي ارتكبناها تجاه هذه الحضارة ؟
سجال :
وبعد أستأذنك عزيزي القارئ في مساجلة مع سماحته ، أعرضها ، لمساعدة القارئ ، في نقاط .
1. ففي هذه المقالة ، كما في غيرها ، يبدأ سماحته – مثل أكثرية علماء الدين العاصرين ، وحتى سابقيهم من القرن الماضي - بتذكير القارئ ، بما يصفونه بالحقائق التي تغيب عن المتخصصين ، ومنها حقيقة أن الإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات ، ولم يأت بالدعوة إلى هذا التعدد ، لأن الأصل في الزواج هو وحدانيته . ومثل غيري ، من غير المتخصصين ، أتفق مع سماحته . فالباحث لن يعثر في القرآن على آية ، تدعو بصورة مباشرة أو غير مباشرة للتعدد . والأمر عينه للسنة . ومع ذلك ليسمح لنا سماحته بالقول أن هذه نصف الحقيقة . والنصف الثاني ، الذي يواظب سائر العلماء على القفز عنه ، أن تعدد الزوجات كان عرفا قائما – قبل الإسلام - في الحجاز ، وربما في بعض أجزاء الجزيرة الأخرى ، لم يلغه الإسلام ، كما فعلت المسيحية ، بل وثبته بالتشريع الذي نصت عليه الآية .
2. يبرهن سماحته على صحة ما ذهب إليه بإيراد حكاية غيلان الثقفي ، الذي أسلم وعنده عشر نساء ، وأن النبي طالبه بتسريح ستٍ منهن ، والإبقاء على أربع . والحادثة صحيحة ، لكنها مرة أخرى نصف الحقيقة . لم يذكر سماحته ، ربما لضيق المساحة ، أن غيلان أسلم قرب نهاية السنة العاشرة للهجرة ، أي قبل وفاة النبي بقليل . النبي طالبه بتسريح بعض زوجاته والإبقاء على أربع . هذا صحيح . لكن مصادر التراث تختلف حول استجابته للطلب ، خصوصا وأن النبي انتقل للرفيق الأعلى بعدها بقليل . بعض المصادر قالت أنه استجاب ، وبعضها قال أنه لم يستجب ، وأنه توفي عن زوجاته العشرة . لكن ليس ذلك بذي أهمية كبيرة .
3. في بحوثي استرعت اهتمامي هذه المسألة . ونقبت فيما وقع بين يدي من مصادر التراث ، ولم تكن قليلة أو محدودة ، فلم أعثر إلا على ستة ، بينهم غيلان الثقفي ، جمعوا بين أكثر من أربع زوجات . ومن حسن حظي أن الباحثين الإسلاميين ، الذين اهتموا بهذه المسألة ، والذين هم على اطلاع أكبر مني ، سيد قطب ، وعباس العقاد مثلا ، لم يوردوا عددا أكبر . وإذن دعونا نفترض أن عدد هؤلاء الذين جمعوا بين أكثر من أربع زوجات ، وصل إلى عشرة ، إلى خمسين ، وحتى إلى مائة . يبقى عددهم محدودا ، ولا يوجب هذه المجاملة من التشريع . هم بالطبع من كبار الأغنياء ، يقابلهم آلاف ، وحسب النص القرآني ، من الفقراء الذين لا يجدون سبيلا إلى الزواج ، ولو من واحدة ، وحيث عرض النص الحل بالزواج مما ملكت أيمانكم . ودليلنا الآخر ، أن أغنياء مكة ، وهم سنام أغنياء العرب ، لم يعرفوا هذا الجمع مثل غيلان الثقفي . وكان تثبيت الوحدانية ، كما فعلت المسيحية ، واستجاب لها العرب ، يقضي بحظر هذا التعدد . وحجة أن التعدد لم يكن مقصودا لذاته ، وإنما يكون التزوج مرة أخرى لأسباب ومصالح عامة ، حجة غير مقبولة ومردود عليها ، كما سنبين لاحقا .
4. ويقول سماحته أن الإسلام جاء ونظام التعدد قائم بين العرب والفرس واليهود ، وأن الأغنياء كانوا يبنون القصور لحريمهم ، كما كانوا يقدمون النساء هدايا للآخرين . ونقول ذلك صحيح ، ولكنه أقل حتى من نصف الحقيقة . فالتعدد كان قائما بين بعض العرب وليس كلهم . وهو لم يكن كذلك لا في مكة ، ولا في المدينة ، ولا حتى في الطائف . كانت هناك ممالك عربية ، الغساسنة والمناذرة ، سكان كل منها أكبر من سكان الحجاز ، تأخذ بوحدانية الزواج ، ببساطة لأنها كانت تدين بالمسيحية . وبالإضافة كان هناك العديد من القبائل ، مثل طيء – أميرها حاتم الطائي – بني حنيفة ، تغلب وبكر ، وقبائل نجران ، وأهل تبوك والعقبة ....الخ تأخذ بوحدانية الزواج ، لأنها مسيحية . وتؤكد العديد من مصادر التراث أن بني أسد بن عبد العزى ، أحد بطون قريش ، عشيرة خديجة ، زوج النبي ، وابن عمها ورقة بن نوفل، كانت مسيحية ، وأن خديجة نفسها كانت مسيحية ، وإلى هذا يرجع الباحثون ، عدم زواج النبي عليها .ولا أظن إلا أن سماحته يعرف ، وبكل تأكيد أن اليهود رجعوا عن التعدد ، ألغوه ، ولم يلحق ذلك ضررا بدينهم .
5. والأهم من ذلك ، وحيث أن الإسلام جاء للناس كافة ، للعالمين ، وليس للعرب وحدهم ، أو للفرس معهم ، فقد كانت جزيرة العرب ، وقت نزول الدعوة ، محاطة ، ومن كل الجهات ، بشعوب وأمم ، تعدادها أضعاف تعداد العرب والفرس واليهود ، تأخذ بالزواج الأحادي ، وترفض المتعدد . كانت الهند من الشرق . وكانت الإمبراطورية الرومانية ومصر ولاية من ولاياتها ، من الشمال والشمال الغربي . وكانت الحبشة من الجنوب الغربي . وقبل الرومان كان الإغريق ، وإمبراطوريتهم الواسعة – السلوقيون في بلاد الشام وتركيا والعراق ، والبطالسة في مصر – وكلهم يأخذون بالزواج الأحادي ويحظرون ويرفضون التعدد . ومعنى إقرار الإسلام للتعدد ، مع إقصاره على أربع ، ومعنى أن الإسلام كان سينتشر ، بعد الفتوحات في تلك البلدان ، يتبعه بداهة إحداث ردة عند تلك الشعوب ، بإعادتها عن الوحدانية إلى التعددية ، وهو ما حدث فعلا . والقول بأن ذلك تطلبته دواعي اجتماعية واقتصادية ، هو مجرد فذلكة ، لأن تلك الشعوب والأمم كانت متقدمة كثيرا على عرب الحجاز ، ولم تبرز فيها تلك الدواعي على مر قرون وقرون .
6. الأهم من كل ذلك أن سماحته ، مثل كل العلماء ، تجاهل الجانب الأهم ، وهو أن الحديث يجري عن النساء الحرات ، ويتجاهل النساء العبدات ، أو الإماء ، أو ملك اليمين ، ، الجواري ، السراي ... الخ حسب التسميات القرآنية . والأخيرات لا ينبس عنهن سماحته ببنت شفة ، رغم أن الأمة ، ملك اليمين ، العبدة ، قد تكون قبل عبوديتها غير مسلمة ، لكنها تصبح مسلمة مؤمنة بعد ذلك . هذه المرأة ، المسلمة المؤمنة ، يعاشرها المالك معاشرة الزوجة ، ولكن بدون عقد زواج . والإسلام لم يشرع له ذلك فقط ، بل وشرع له حق امتلاك أي عدد تسمح به ثروته . وكل ذلك إلى جانب زوجاته الأربعة الحرات . والشرع لا يشير إلى اية حقوق لهؤلاء الإماء ، والعدل بينهن أمر غير وارد على الإطلاق ، ببساطة لأن العبدة ، والعبد ، شيء ، سلعة ، عقار ، مال ...الخ ، وكل ذلك لا يتطلب حقوقا ولا ما يحزنون . والسؤال : تحت أي تصنيف تقع ملكية الإماء ، ومعاشرتهن معاشرة الزوجات ، تحت مصنف الزواج المتعدد ، أم تحت مصنف الزواج الأحادي ؟
7. ونصل أخيرا إلى الآية ونصها : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . سماحته أشار إلى عدم جواز اقتطاع { فانكحوا ...} من سياق الآية كونها جواب الشرط الذي سبقها والمتعلق باليتامى ومعاملة اليتيمات . وفي كتابي " حقوق المرأة بين شريعة القبيلة ورداء الشريعة " ، وفي الصفحة 120 توقفت عند هذه الآية وتفسيرها . وقلت أنه على الرغم من أنني لست فقيها ولا مفتيا ، ولا حتى متخصصا ، إلا أنه يمكنني القول ، أن أي عارف باللغة العربية ، يمكنه ، وبسهولة ، أن يرى أنها جملة مركبة من أربع جمل بسيطة ، وأنها معا تشكل كلا واحدا . وهي من حيث التكوين ، شرط فجواب للشرط ، فشرط ثاني قائم على الجواب الأول ، فجواب للشرط الثاني . وقلت : وأخذها منفصلة يجعل ل { فانكحوا ما طاب ....} معنى ، لكنه يفرغ الباقي من أي معنى . مثلا ما معنى { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } لوحدها ؟ واضح أن لا معنى لها . وأخذ هذه الآية ككل لا يتجزأ ، يعني رفض التعدد ، والقول بالوحدانية ، حتى بدون الرجوع إلى الآية 129 من نفس السورة ونصها :{ ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم .....} . وإذن يصبح حكم الشرع واضحا بعدم جواز التعدد ، وهو ما وصل إليه سماحته ، وإن عاد وتراجع عنه تعللا بالدواعي الاجتماعية والاقتصادية . ومرة أخرى تجاهل أن تعداد كل من حابتهم هذه الآية من أغنياء الحجاز لم يتجاوزوا عدد أصابع اليدين .
8. لكن يبقى الأهم تلك الكيفية التي طبق الصحابة بها حكم التعدد هذا ، كما نصت عليه الآية ، في وجود النبي وبعد غيابه . فقد قدم التطبيق ، والذي نال موافقة النبي ، شرحا للآية ، أو أسلوبا للتعامل مع هذا الشرح ، حكم فهم هذا التشريع ، وتطبيقه ، لاحقا ، أي في كل العهود ، وبما في ذلك يومنا هذا . الصحابة كلهم ، وبعد أن أثروا ، بعد تدفق الغنائم على المدينة ، منذ غزوة بني قريظة ، وفتح خيبر وفدك ، مارسوا الزواج المتعدد . وكلهم بلا استثناء ، جمعوا مع الزوجات كماً غير محدود من الإماء المسلمات المؤمنات . ونعود لنذكر أن الصحابة ، وسائر المسلمين ، حتى منتصف القرن الماضي ، ظلوا يقتنون هؤلاء الإماء بطرق مختلفة ، ويعاشروهن معاشرة الزوجات ، لكن بدون عقد زواج ، وفي إطار الشرع ، حسب نصوص العديد من الآيات التي تعرضت لملك اليمين . وفي كتابي "المسلمة الحرة " ، أوضحت أكثر من مرة ، أن فقهاء المسلمين ، وبعد وفاة النبي مباشرة ، قدموا أكثر من تفسير للآية ، وبالتالي للحد الأعلى من الزوجات اللاتي يستطيع الرجل الجمع بينهن . الاتجاه الأعم قال بأربعة . وهناك من فسر حرف الواو في " ... مثنى وثلاث ورباع " على أنه حرف عطف ويفيد الجمع ، وبالتالي يكون الحد الأعلى تسعة . ومنهم من فسر حرف الواو بأنها حرف بدل ، وتفيد الجمع ، وليصبح الحد الأعلى 18 . ومنهم من فسر الآية بجواز التزوج من اثنتين معا ، أو ثلاثة معا ، أو أربعة معا ، وفي ليلة واحدة . واشتهر بهذا التفسير وتطبيقه المغيرة بن شعبة كاتب رسائل الرسول ، ووالي البصرة والكوفة فيما بعد . وأكثر من هذا أتاح الثراء ، الوافد مع الفتوحات ، للصحابة فرصة تغيير الزوجات . فكان الطلاق والزواج أشبه بلعبة يمارسها هؤلاء الأثرياء . وكتب التراث تعج بالأمثلة ، ومنها أن عبد الرحمن بن عوف تزوج عشرين امرأة ، في أقل من ثلاثين عاما. وكان المغيرة بن شعبة يتفاخر بأنه أحصن – تزوج – 300 امرأة . ومعروف عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ، وهو معصوم عند الشيعة ، أنه تزوج 99 امرأة . كل ذلك غير الإماء اللواتي وصل عددهن عند بعض الصحابة – طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، وحتى الخليفة عمر بن عبد العزيز - أرقاما فلكية .
9. وينحو بعض الفقهاء والمفسرين ، إلى القول بأن الزواج المتعدد يحمل فضيلة تحصين الرجل ضد ارتكاب الفاحشة . وهذا القول ، رغم ما يقوم عليه من وجاهة ، ينقصه الدليل ، فالبرهان ، على صحته . ولنا أن نسأل : هل صحيح أن جمع الرجل لأكثر من زوجة ، في بيت واحد ، يوفر له الوقاية ، فالحماية والحصانة ، من وسواس ارتكاب الخطيئة ؟ الوقائع تقول عكس ذلك ، والشواهد كثيرة في السياحة الخليجية ، وغير الخليجية ، سواء في آسيا ، تركيا أو أوروبا ، أو الكاريبي . وحتى أيام الصحابة ، لم يقدم التعدد هذه الحصانة . وللتأكيد أحيل القارئ إلى قصة المغيرة بن شعبة ، مع أم جميل الهلالية ، وشهادة أربعة من كبار الصحابة ، ومن رواة الحديث ، ومحاكمة الخليفة عمر بن الخطاب له . صحيح أن عمر برأه لكن الواقعة تقول بوضوح ، أن التعدد لا يقدم قطعيا هذه الحصانة .
خاتمة : وفي الختام نقول ، أن مقالات سماحته تستدعي نقاشا موسعا لكل منها . وربما أفعل ذلك لاحقا . لكن السؤال العاجل الآن : لماذا يطالعنا سماحته الآن بهذه المقالات ؟ هل ليقول لنا ، وسط أجواء التشدد ، التي تشهدها مصر الآن ، أن الوسطية ، التي يرفع الأزهر لواءها ، هي الأكثر تلاؤما وتواؤما مع روح العصر ؟ هل بصفته مفتي الجمهورية ، يتجه إلى إصدار فتاوى تعزز من هذه الوسطية ، وتعمل على مواكبة العصر ، وفتح الأفق أمام مصر ، والعالم العربي ، للحاق ب، فالدخول في ، ركب الحضارة ؟ ربما هو كذلك ، لكنني بكل أسف ، لم أن أنجح في التقاط الخيط ، الذي رمى به سماحة المفتي لي ولغيري من القراء . رأيت في مقالاته لعم لمواءمة العصر ، ولم أر فيها نعم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انهم يلوون عنق الايات
أبو لهب ( 2012 / 6 / 23 - 20:23 )
ان اخطر الامور في السجالات الدائرة بين الشيوخ والفقهاء والناقدين أن الشيوخ والفقهاء،تلجأ الى التأويل في التفسير وفي اعتقادي كان ذلك هو الخطر الاكبر في لي عنق الايات لتتلائم مع الاهواء التي يريدونها، وما التطرق الى هذه المواضيع الا مضيعة للوقت، فلا هم سيعترفون بأن الاصرار على هذه المواقف لايتناسب والتطور الاجتماعي، ولا الاخرين سيقدرون على اقناع المجتمع بصحة انتقاداهم، لذا فالموقف الاكثر فائدة هو تركهم على غييهم،والعمل على اعادة تعميم الفكر التقدمي الاجتماعي الذي سيتعمق مع التطور الاقتصادي الذي سيدفع دياليكتيكيا الى ثقافة اجتماعية جديدة، والى أن يحين ذلك ما رأيك بالزواج محدود المدة الذي يعطي الحق المتساوي للزوجين في تجربة كل منهما للاخر فن انسجما واتفقا استمرا والا فتسريح باحسان
مع الاحترام


2 - التعدد مباح
عبد الله اغونان ( 2012 / 6 / 23 - 21:18 )
لاأجد في مقالك هذا اية حجة نقلية او عقلية, الاكتفاء بزوجة واحدة اصله ديني من المسيحية
ولما تبنوا العلمانية اقروه ونعرف بان المسيحي المثالي هو من لايتزوج مطلقا اقتداء بالمسيح
يمنعون التعدد في الغرب لكنهم يبيحون العلاقات بل والشذوذ واللواط والسحاق
المرأة الثانية امرأة ايضا ولو وجدت زوجا لما قبلت انتكون ضرة والاف العانسات والمطلقات
ملطا يفعلن؟ في الغرب يمكن المعاشرة سنوات دون زواج يمنعون التعدد فهل يفرضون الزواج
سمعنا من يقول لماذا أتزوج واقيج نفسي بامراة واحدة طول حياتي ويمكنني ان البي رغباتي كل مرة مجانا او بأجر فأنوع كما اشاء
التعدد ناذر اوكثر اذ قليلا مانعرف من تزوج عن قدرة اربع زوجات او ثلاث الاعن نزوة في الغالب المشكلة العويصة هي العزوف عن الزواج وانتشار العلاقات الاباحية والتجارة الجنسية
العنوسة هي المشكلة والطلاق
لله في التعدد حكمة بالغة لايعرفها الا العالمون
يوت الحكمة من يشاء ومن يوت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا


3 - الحكمة التي لايعرفها الا العالمون
محمد البدري ( 2012 / 6 / 24 - 08:05 )
يقزل الاستاذ عبد الله اغونان لله في التعدد حكمة بالغة لايعرفها الا العالمون - ما احلاها من مبرر لاشباع الغرائز علي حساب الكرامة . فهل ثقافة الاسلام مؤسسة علي متطلبات الفروج والقضيب وخافية علينا نحن ولا يعلمها الا الله رب القضبان والفروج؟


4 - محمد البدري, تأدب في الحوار
عبد الله اغونان ( 2012 / 6 / 24 - 15:09 )
اولا تأدب في حوارك اذ الشطط اللغوي لايقدم حجة .الغرائز شيئ واقع لسنا ملائكة ولاشياطين بالجنس ولدنا وهو رغبة مشروعة لكن نضع لها ضوابط .وفكرتي ان التعدد شيئ نادر خذ عينة من تعرفهم انت كم منهم متزوج اربعا؟ وثلاث؟ واثنتين؟ احسبهم وقارنهم بمن هم وهن في سن الزواج ولم يستطيعوا الزواج او ان بعضهم يخاف على حريته كما يقول كم عددهم؟
موانع الزواج المادية وقسوة التقاليد هو المشكلة وليس التعدد لان من يجوز لهم حسب القدرة
اقلية
قم بحساب هذه العينة واعطنا النتيجة ايها الاديب الاريب


5 - ذوات الخدر فقط للجنس وللانجاب
لا مبالي ( 2012 / 6 / 28 - 20:50 )

واضح انه الكاتب شبيه بي ، اي فقراوي او غاوي فقر
لماذا يا صديقي انت زعلان، اذا كان كل ذوات الخدر راضية بما هي عليه
فما يغضبك اذا كانت نساء المسلمين راضية ان يكون لها نصف ما للذكر في ميراث ابيها
ما يغغضبك اذا كانت هي راضية بوصف الذكور المسلمين لها بانها ناقصة عقل ودين
ما يغضبك اذا كانت هي نفسها تتغنى وترتل الايات في صلاتها وذكرها- وانكحوا من النساء ماطاب لكم مثنى وثلاث ورباع
ما يغضبك اذا كانت هي تتغنى وترتل الايات - وان خفتم نشوزهن فاضربوهن واهجروهن في المضاجع
ما يغضبك اذا كانت دكتورة جامعية تقيل بان لا تقبل شهادنها اسوة بالذكر، و تقر بانه لا يجوز لكل نساء المسلمين ان تخرج من البيت الا بتيس معها
لا ينقصك يا صديقي الا بعض المال لتسافر لبعض الدول الاسلامية وتشتري لك بعضا من النساء وتلحقهن بملك يمينك ، ولك ان تفعل بهن ما تشاء، بما فيه ما تقشعر له الابدان وبما حلله الله ،كما جاء في الاية التالية في سورة النور -
ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا، والله من بعد اكراههن غفور رحيم
وهل من فتاوي بعد هذه الاية --


6 - ذوات الخدر فقط للجنس وللانجاب
لا مبالي ( 2012 / 6 / 28 - 20:51 )

واضح انه الكاتب شبيه بي ، اي فقراوي او غاوي فقر
لماذا يا صديقي انت زعلان، اذا كان كل ذوات الخدر راضية بما هي عليه
فما يغضبك اذا كانت نساء المسلمين راضية ان يكون لها نصف ما للذكر في ميراث ابيها
ما يغغضبك اذا كانت هي راضية بوصف الذكور المسلمين لها بانها ناقصة عقل ودين
ما يغضبك اذا كانت هي نفسها تتغنى وترتل الايات في صلاتها وذكرها- وانكحوا من النساء ماطاب لكم مثنى وثلاث ورباع
ما يغضبك اذا كانت هي تتغنى وترتل الايات - وان خفتم نشوزهن فاضربوهن واهجروهن في المضاجع
ما يغضبك اذا كانت دكتورة جامعية تقيل بان لا تقبل شهادنها اسوة بالذكر، و تقر بانه لا يجوز لكل نساء المسلمين ان تخرج من البيت الا بتيس معها
لا ينقصك يا صديقي الا بعض المال لتسافر لبعض الدول الاسلامية وتشتري لك بعضا من النساء وتلحقهن بملك يمينك ، ولك ان تفعل بهن ما تشاء، بما فيه ما تقشعر له الابدان وبما حلله الله ،كما جاء في الاية التالية في سورة النور -
ولاتكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا، والله من بعد اكراههن غفور رحيم
وهل من فتاوي بعد هذه الاية --

اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر