الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعنت الكنسي في فهم وصية السيد المسيح حول الطلاق

محمد وجدي
كاتب، وشاعر، وباحث تاريخ

(Mohamed Wagdy)

2012 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن الكتاب المقدس لا يمكن فهمه في إطار الحرف وحده القائم على التفسير الواحد الوحيد المعصوم ... فكلمات رب المجد يجب فهمها في إطار الروح دوما ً ... وشريعته السماوية نبرأ بها أن تأتي لتضع قيودا ً على حياة الإنسان ... فإنه له المجد قد جاء ليعطي الحرية للأسرى " لانادي للمسبيين بالعتق وللماسورين بالاطلاق " ... تلك هي شريعته ، ولم يكن هدفه يوما ً أن يضع الأثقال والقيود على الانسان بل إنه جاء ليفك قيود الناموس .

والسالكون بالحرف يتناسون كلمات بولس الرسول " الحرف يقتل ولكن الروح يحيي " ( الرسالة الثانية إلى كورنثوس الأصحاح الثالث الآية 6 ) ؛ لهذا فلا يصح أن نفهم الكتاب المقدس بطريقة " ولا تقربوا الصلاة " ، وإلا فقد شابهنا الفريسيين والكتبة في فهمهم .


أولا : - قراءة في النص الذي تعتمده الكنيسة في تحريم الطلاق لعلة الزنى فقط : -

" من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني "

إن هذا النص يتضح ويفسره المسيح في نفس الإنجيل في الإصحاح 19، إذ يقول إنجيل متى، وجاء إليه الفريسيين ليجربوه (أي المسيح) قائلين له: هل يحل لرجل أن يطلق امرأته لكل سبب؟ وكان هذا السؤال لأن الرجل اليهودي كان يطلق امرأته بالإرادة المنفردة لكل سبب وأي سبب، لذلك كان السؤال عن الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل.

وكانت إجابة السيد المسيح: "من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزن"، والرد هنا إن ليس على الرجل أن يطلق امرأته بالإرادة المنفردة إلا إذا وجدها متلبسة بالزنا، أما الطلاق لأسباب أخرى فلابد من الحوار مع الزوجة، وهذه إجابة السؤال .

وبنفس المنطق، فمقولة المسيح "من ينظر لامرأة ليشتهيها فقد زنا بها في قلبه"، وإذا طبقنا حرفيا هذه الكلمات يصبح الطلاق في المسيحية سهلا جدا، يضيف لمعي.

وإن القول بعدم زواج المطلق بسبب الزنا مدى الحياة يتنافى مع حقوق الإنسان، وليس من المناسب القول إن مبادئ حقوق الإنسان أعلى من الوحي المقدس الذي جاء لأجل الإنسان.

ثانيا ً : كيف نفهم وصايا المسيح ؟ ولماذا نفهم كل وصاياه بالروح ما عدا الطلاق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ : -

هناك وصايا للمسيح فهمتها الكنيسة بغير نصها ، فمثلا ً :

أ- "إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ" (إنجيل متى 5: 29) .. وقد فهمت الكنيسة معنى تلك الوصية بأنها تعني أن ننفي عن العين كل ما يعثر الروح من شر لا أن يتم قلع العين حرفيا ً ، وقد خطأت الكنيسة فهم القديس سمعان الخراز عندما فعل هذا ... إذن فالوصية في إطار الروح تفهم وليس في الحرف .

ب- " هناك أناس خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات " ... إن الكنيسة قد فهمت هذا القول اليسوعي بأنهم قطعوا عن أنفسهم الشهوات الجسدية ، قطعوها عن أنفسهم ، ماتوا عنها ، وكل هذه التعبيرات بالمعنى الروحى وليس بالمعنى الجسدى الأحمق

فعندما يقول الكتاب المقدس : أميتوا شهواتكم ، فليس المعنى القتل الفعلى ، بل أن يجاهد الإنسان ضدها حتى النفس الأخير ، بقمع الشهوات ، مثلما يقول بولس الرسول : أقمع جسدى واستعبده

هذه هى إماتة الجسد فى المفهوم الروحى ، فإنها تعنى قمع الجسد بكل قوة .

ولذا فقد أدانت الكنيسة ما فعله المعلم أوريجانوس عندما خصى نفسه وخطأت فعله .

ج - " وإن كانت يدك اليُمنى تُعثِرك فاقطعها وأَلقِها عنك. لأنهُ خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقَى جسدك كلهُ في جهنم "

ولم تفهم الكنيسة هذا الأمر قط على أنه دعوة لقطع اليد عند عمل خطية بها ... بل فهمت أن اليد اليمنى تشير إلى الشخص الذي يساعد ويعمل في الأمور الروحية، فالتبصر في الأمور الروحية له مكانته في العين كذلك العمل في الأمور الروحية له مكانته في اليد ... ولذا فالكنيسة فهمت هذه الوصية اليسوعية بالرمز ، ولم تفهمها بالحرف ... فلماذا اقتصرت الكنيسة على فهم كلامه له المجد في موضوع الطلاق بالحرف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .

ثالثا ً : التطبيق الكنسي عبر العصور وقوانين الطلاق :

إن الكنيسة كانت على مدار تاريخها تسمح بالطلاق لأكثر من سبب ولم تقصره أبدًا علي الزنا فقط كما هو حاصل حاليًا، ومنها على سبيل المثال :-


أ- قوانين البابا غبريال الثاني سنة 1131 التي وضعت أسباب متعددة للطلاق مثل الضرب وإدخال البيت سحر أو مسروق أو زانية والصرع والبرص.

إذن فالكنيسة لم تقتصر في قوانين البابا غبريال الثاني على سبب علة الزنا وتغيير الديانة كما تفعل الكنيسة الآن ... بل إنها فهمت الوصية الربانية بحسب الروح ، وليس بحسب الحرف .

ولكن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل كان البابا غبريال الثاني من الضالين المضلين عندما أباح الطلاق لتلك العلل المتنوعة مثل الضرب ؟ أم أنه فهم الوصية بما يجوز أن تفهم به ؟؟؟


ب -قوانين البابا كيرلس الثالث سنة 1238، والتي وضعت أسباب متعددة للطلاق، مثل الشروع في القتل والعجز الجنسي لمدة 3 سنوات والرهبنة برضا الطرفين والجذام والبرص والهجر سبع سنين والزنا.

نفس السؤال السابق : هل تم الفهم بما يخالف شريعة المسيح وهل كان البابا كيرلس الثالث ضالا ً هرطوقيا ً أم أنه فهم النص فيما يمكن أن يُفهَم فيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .

ج - ورد في قوانين المجموع الصفوي لابن العسال سنة 1238، أن هناك أسباب متعددة للطلاق، مثل الرهبنة برضا الزوجين والشروع في القتل ومضاجرة الطرف الآخر( يعني استحالة العشرة ودوام المشاكل ) بما يفوق الاحتمال، والأسر خمس سنوات، وكان هناك رأيان في الصرع والجذام؛ أحدهما يبيح والثاني يمنع الطلاق واستحالة العشرة.

د - قوانين المجموع الصفوي لابن العسال سنة 1238، أن هناك أسباب متعددة للطلاق، مثل الرهبنة برضا الزوجين والشروع في القتل ومضاجرة الطرف الآخر بما يفوق الاحتمال، والأسر خمس سنوات، وكان هناك رأيان في الصرع والجذام؛ أحدهما يبيح والثاني يمنع الطلاق واستحالة العشرة.

إذن فالأمر جائز وممكن ، والكنيسة قد تداولت على تطبيق أسباب متعددة للطلاق ... فلماذا تم التحريم الآن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

هـ - ذكر أيضا كتاب مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة لابن كبر كاهن كنيسة المعلقة مقر البطريركية المتوفى سنة 1326 نفس أسباب المجموع الصفوي.

و - أما لائحة سنة 1938 التي وافق عليها البابا يؤانس التاسع عشر فقد وضعت أسباب متعددة للطلاق، مثل الرهبنة برضا الزوجين واستحالة العشرة ثلاث سنوات والزنا والارتداد والغياب خمس سنوات والسجن أكثر من سبع سنوات والجنون ثلاث سنوات أو مرض معد والعجز الجنسي ثلاث سنوات والشروع في القتل وسوء سلوك أحد الزوجين ( سوء الخلق مثل العصبية الدائمة واللسان السيء والمشاجرات وليس معنى سوء الخلق السلوك الجنسي السيء ) .

والقول بأن لائحة عام 1938 تم إقرارها بسبب ضعف البابا يؤانس التاسع عشر فغير صحيح لأنها استندت أساسًا إلى لائحة 1867م التي أعدها القمص فيلوثاؤس عوض، واعتمدها البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح، والتي اعتمدت على المجموع الصفوي للشيخ ابن العسال من القرن الثالث عشر، والذي اعتمد بدوره على تاريخ طويل بدءًا من القرن الأول.

ولو كانت لائحة مثل هذه موجودة الآن لما وجدتَ الآلاف من حالات الطلاق مرفوعة أمام الكنيسة ، ولا أناسا ً وصل بهم الحال لانهيار سلامهم وضياع أمانهم .

إن الكنيسة تفتح الباب للزنا على مصراعيه عندما تحيد عن فكر المسيح الأمثل في الرحمة وتضيق الواسع ، وتحيد عن جادة الصواب عندما تضرب عرض الحائط بكل اللوائح السابقة التي وضعها بطاركة سابقون للكنيسة المرقسية الأرثوذكسية القبطية ، والقول بأحادية الرأي يجعلنا أمام ديكتاتورية لعينة تنتهي بنا إلى حرفية الفريسيين وتدقيق الكتبة المقيت ؛ لذا فعلى الكنيسة أن لا تضيق واسعا ً وضعه رب المجد ... ولا يقفوا أمام الباب ليسدوه فلا يدخلون وأيضا ً لا يدعون الداخلين يدخلون .



إنني أعلم أن كلماتي هذه قد تضيع سدى ، ولكن لو استنار بها إنسان واحد فيكفيني ما تعبت في تجميعه من مادة وما أرهقت فيه يداي من كتابة .

ومجد المسيح من وراء القصد .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah