الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين.. والاختيار

وديع العبيدي

2012 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدين.. والاختيار
الأصل في الحقّ هو الاختيار..
والأصل في الاختيار هو الحريّة..
والأصل في الحريّة هو الاقتدار..
والأصل في الاقتدار هو الخير..
والأصل في الخير هو المحبة!..
عملية خلق الكون كانت ملء رغبة حرّة.. قرار حرّ.. والقرار الحرّ هو الاختيار..
والكائنات ليست مجردة من الحرية.. لأن لها خاصة الحركة.. ولماذا تبدو بعض الخلائق كأنها جامدة لا تتحرك.. فالوجود /(الكون) ليس مجرد معمل كبير تعمل آلاته بشكل متناسق لغرض انتاج سلعة أو مواد محددة سلفا.. واندراج الأجرام في نظام (ذبذبي) لا يعني أنها خاضعة للعبودية.. لأن العبودية هي (قتل) للمعنى.. ولا بدّ من تنزيه (الخالق) من العبودية (واللامعنى) لاحقاق حقّ ذاته!.
ان مدينة الحرية أرقى من مدينة العبودية!. وما لا يليق بالبشر، لا يجدر بالخالق.
ما من شخص سليم يرغب أن تكون زوجته (عبدة) وأطفاله (عبيدا) بين يديه!.
كيف يمكن اتهام السيد الأكبر بالعبودية إذن؟..
الاقطاعي أو التاجر يحتاج العبيد لحمايته وخدمته، وهذا من علامات ضعفه وانحطاطه. فلو كان قادرا على حماية نفسه، لما احتاج إلى الحراس. ولو كان مكتفيا بذاته، لما احتاج أن يعمل له الآخرون ما يعجز عنه. ولو كان واثقا من نفسه، متمتعا باحترام ذاته، لعامل الناس كما يريد أن يعاملوه. فتاجر العبيد والاقطاعي شخص غير سليم/ يعاني من تشوّهات نفسية وعقلية، فيعمى عن ادراك معنى انتمائه الانساني، وادراك قيمة الآخرين بالنسبة له، لأنه عاجز عن الحياة والوجود بدونهم.
والكائن الحرّ.. لا يحتاج أن يؤذي أو يعتدي على سواه في الظروف الطبيعية. أما سبب الأذى والعدوان الحاصل فهو الطمع والجشع. والطمع.. ليس الحاجة الماسة، وانما ما يزيد عن الحاجة، بغاية التراكم أو التسلط.
علينا أن نفكر في الأرض.. ونتأمل في الحياة والوجود.. وما لا نعقله/ نقبله لأنفسنا، [بعقولنا المحدودة].. لا يجوز نسبته للخالق الأعظم!.

الانسان تاج الخليقة.. سيّد الموجودات.. صنعه الصانع على صورته.. كمثاله.. على شبهه!..(تك 1: 27).. جعله حرّا.. لأنه هو (السيد) حرّ.. جعله مفكرا.. لأنه هو (السيد) يفكر.. جعله مقتدرا.. لأنه هو (السيد) مقتدر..
ليس السيد تاجر عبيد.. ولا يليق/ يجدر/ يجوز للمرء أن يكون تاجر عبيد.. لأنه أفضل له أن يأكل من تراب قدميه.. من أن يأكل لقمة مغمسة بدم سواه وكرامته!..
الشخص الذي يكرم سواه.. يكرم ذاته .. ويعمل على السمو بها فوق مستوى العادة..
والشخص الذي يهين سواه.. يحتقر ذاته.. وينتقم من نفسه في صورة الآخر..
يروى عن الكاتب اليوناني كازانتزاكي أنه طيلة حياته الزوجية كان يخاطب زوجته بالسيدة (فلانة).. وكان يحافظ على الخصوصيات ولم يخطئ مرة.. هل كان كازانتزاكيس متكلفا في حياته الزوجية.. أم كان يحقق ذاته.. ومثاله الانساني.. أي يتطابق مع ضميره الأعلى في حياته اليومية.. دون رياء أو انحطاط.. هذا الأمر ليس بالسهولة.. أنه ينسجم مع الشخصية الراسخة.. المحكمة.. الأصيلة.. الممتلئة فكريا وعاطفيا ونفسيا.. ولا تضعف أمام المادة أو الغريزة، وانما تسمو فوقها وتتعامل معها بسمو.. الضدّ منه هو الشخصيات الهشّة.. الضعيفة.. المشوّهة.. غير الممتلئة.. هذه تستسهل طرق الحياة وتبتذل الغاية والوسيلة.. وليس في نظرها قيمة عليا.. لأنها لا تدرك جوهر الأشياء وانما تسبح على السطح وتتعلق بالقشور!..
الانسان السليم يرفض أن يكون عبدا..
ومن لا يكون عبدا لا يستعبد غيره.. فالانسان مرآة الآخر..
عندما ترى طفلا.. تتذكر طفولتك.. وعندما ترى شيخا.. فكر في شيخوختك..
عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك..
لماذا تجعل سواك عبدا.. سواء للخدمة أم للمتاجرة..
[أن ما يؤسفني حقا.. أني في كلّ التواريخ والمصنفات التي اطلعت عليها وتعرضت لتاريخ العبيد والعبودية والمتاجرة بالبشر عبر التاريخ، لم أجد الكاتب أو المترجم، يذكر كلمة استنكار او احتجاج على فكرة الاستعباد!، "فكل ما فعلتموه بأحد هؤلاء، فقد فعلتموه بي"، يقول يسوع المسيح!].. فالتواطؤ، ليس أقل من اقتراف الفعل، لأنه (التواطؤ) هو نوم الضمير [أو انحطاطه] وهو حال الشرّير- عدوّ الانسان.
*
تمتلئ نصوص التوراة بإشارات تدل على العنجهية ونقص الوعي الانساني.. والمبالغة في تأكيد التراتبية وعدم المساواة بين البشر..ولكي نبقى في الموضوع، أركز على فكرة العبودية الذميمة..
"فقال: ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لأخوته. وقال: مبارك الربّ إله سام. وليكن كنعان عبداً لهم. ليفتح الله ليافث، فيسكن في مساكن سام. وليكن كنعان عبداً لهم."/ (تك 9: 25- 27).
تكررت دالة العبودية أربعة مرات في سطرين!.. كيف يكون الأخ عبدا لأخيه.. وكيف يمكن تمييز الأخوة داخل العائلة إلى سادة وعبيد. وكيف ارتضى الأب (نوح) مثل هذا الأمر!.. مثل هذا التعليم ينسف الفكر التربوي والانساني، سيما ان الدول والمؤسسات وأغلبية البشر يزعمون الاعتراف بمواثيق حقوق الانسان.
لكن الأولى من هذا.. أن الخالق الأعظم لا يمكن أن يكون بمثل هذا الانفعال والفكر الهزيل.. فيسمح لمن جعله على صورته في (تك 1: 27) أن يتحول إلى عبد ملعون في (تك 9: 25).
وعندما يراد تكريم شخص اجتماعيا أو اسباغ مظاهر الجاه عليه يقال عنه.. "صار له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء وأتن وجمال"!/ (تك 12: 16). هذا يتناسب مع بيئة زراعية رعوية (قبلية بدوية) تعتمد الحياة فيها على منتجات الماعز والبقر، ومواصلاتها تعتمد الحمير والجمال، ونزواتها تستغرق العبيد والاماء.
الرعي والبداوة مراحل بدائية في تاريخ تطور الحياة الاجتماعية، أو الفكر البشري. وقد توطن البدو في الغرب واحترفوا وتغيرت أنماط حياتهم وفكرهم، وصار لهم مجتمع حرفي ومدنية صناعية، كما تطورت الزراعة والمجتمع الزراعي، واستفاد من الثورة الصناعية والمجتمع المدني وثورة الكمبيوتر. صار الانسان أكثر قدرة على تنظيم أموره وحياته، ولم يعد يبلغ الليل بالنهار في دوامة الشغل والمشاغل. قسم يومه ساعات [ثمانٍ] متساوية بين النوم والعمل وقسما ثالثا للراحة والاجتماعيات وممارسة هواياته الخاصة.
وشمل نظام الضرائب كل مقتنيات الفرد، فلا يطمع في الملكية ولا يتباهى بالحيازة. كما أن قانون التأمين الاجتماعي والصحي يلزم الفرد الاهتمام بحياته وحياة الموجودين في مسؤوليته. وقد أصدرت المحاكم البريطانية حكما بوقف الاتجار بالعبيد عام 1808 ولكنها لم تمنع استخدام العبيد لأغراض غير المتاجرة.
لقد تعدّدت أغراض العبودية وأوجه استخدامها، بما فيها الأغراض الدينية ونشر الدين. وقد كانت بداية انتشار الاسلام بشراء العبيد وأسلمتهم، ولم يتم تحريرهم، لأنهم دخلوا في خدمة جديدة وعبودية جديدة [إضفاء غطاء ديني لا يلغي أصل الممارسة]. وكان ينبغي تنزيه الخالق من العبودية، وليس استمراء الخلط اللغوي بين [عبادة- عبودية]، لانتاج مجتمع من عبيد [الله]!. وقد استمر حكام مسلمون وتجار في دعم ظاهرة [ترقيق] البشر بغزوات عسكرية أو قرصنة أو تجارة والعمل على أسلمتهم والمتاجرة بهم*.
لكن عبودية الدين لا تقف عند الظاهرة التجارية والشوفونية، وانما تدخل في تسخير كلّ ما يمكن لأغراضها. ومنه تسخير العلاقات الاجتماعية والزوجية وتحويلها إلى معامل لدعم المؤسسة الدينية. ومنذ وقت مبكر مسخ الدين نظام العائلة والزواج لصالحه. وذلك عندما ألزم طرفي الزواج بوحدة الانتماء الديني، وعارض الزواج خارج الدين. وما يزال تسخير نظام الزواج ومبدأ الوراثة (الدينية) ضمن حالة قهرية لمصادرة حرية الفرد قبل أن يولد، حتى ما بعد الموت.
وبذلك جرى الاعتداء على أهم عنصر في سمات الوجود الانساني، إلا وهو الحرية. وكان من سخف الأنظمة المدنية أن تعتبر خانة (الدين) من العلامات الفارقة لتعريف الفرد وتمييزه. وعلى الرغم من تأكيد الميثاق الدولي للحقوق والحريات على اعتبار (الدين) أمرا شخصيا، فما تزال البيانات والوثائق الرسمية تتداول التمييز الديني وتستحثه، في عالم لا تنقصه الأزمات والاضطرابات الدينية.
اتركوا الاطفال يولدوا أحرارا..
"أطفالكم ليسوا لكم!.."*
اتركوا الناس يتعلموا معنى الاختيار والقرار الشخصي
لنعمل سوية من اجل استعادة الحرية.. من أجل الوجود* الحقيقي!.
*
ـــــــــــــــــــــــــــــ
• طريف سردست- دور العبيد في صعود وسقوط الأندلس- (ترجمة عن الكاتب الألماني فرانك ويستنفيلدر، مع أضافات من مصادر أخرى)- الحوار المتمدن ع 3766- 22 يونيو 2012.
• جبران خليل جبران
• (الحرية من أجل الوجود) عنوان كتاب لبول تيليش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الروعة
بلبل عبد النهد ( 2012 / 6 / 25 - 15:01 )
كلام رائع لا ياتي الا من عقل حر رائع لك مني الف تحية وسلام


2 - شكر وامتنان
Wadi Obeadi ( 2012 / 6 / 25 - 19:23 )
أشكرك عزيزي ولك مني تحية الجمال والود

اخر الافلام

.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري


.. 166-An-Nisa




.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام