الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لغة الإسلام السياسى

داود روفائيل خشبة

2012 / 6 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لغة الإسلام السياسى

اللغة والفكر جانبان من كل عضوىّ واحد، اللغة تشكـّل الفكر بمثل ما يشكـّل الفكر اللغة. ويمكننا القول بأن التقدم الثقافى للجنس الإنسانى عامة وللجماعات البشرية المختلفة يتحقـّق فى مفاهيم تأتى متجسّدة فى لغة محدّدة.
وليسمح لى القارئ بأن أستشهد هنا بتجربتى الخاصة. لأسباب ليس هذا مجال شرحها كتبت كتبى كلها أولا بالإنجليزية قبل أن يتاح لى مؤخرا ترجمتها إلى العربية، وقد توليت بنفسى ترجمة كتبى، باستثناء كتاب واحد ترجمَتـْه الكاتبة الروائية سحر توفيق. وعند ترجمة كتبى وجدتنى مضطرّا لخلق لغة جديدة لتجسيد المفاهيم الجديدة فى كتاباتى الإنجليزية. ومن بعد ذلك حين أخذت أكتب هذه المقالات لموقع الحوار المتمدّن لاحظت أن أسلوبى حين أكتب بالعربية رأسا يختلف عنه حين أترجم ما كتبتـُه أصلا بالإنجليزية، فاللغة تتحكـّم فى مسار فكر الكاتب. أعتذر عن هذا الاستطراد الهامشى ولأنتقل الآن للبّ الموضوع.
حفزنى إلى تناول هذا الموضوع الآن ما لاحظته من استشراء لغة الفكر الإسلامى فى الخطاب السياسى منذ أن تصاعد مدّ الإسلام السياسى فى بلادنا فى أعقاب التحرّك الثورى فى يناير 2011، وإن كان تسلل لغة الفكر الإسلامى إلى المجال السياسى قد بدأه، فى ظنى، أنور السادات فى تشجيعه لاستخدام مفهوم المبايعة، وفى تعديل المادة الثانية من الدستور، وفيما كان يبتدعه من عبارات مثل مصطلح ‘الرأى والرأى الآخر’ الذى كان فى حقيقته هروبا مراوغا من الحديث عن حرية الفكر والتعبير، وما أظن اختياره للفظ ‘الشورى’ اسما للمجلس النيابى الثانى إلا تملـّقا لفكر الإسلام السياسى.
فى أول جلسة عقدها مجلس الشعب المصرى الذى جاءت فيه أغلبية من تيار الإسلام السياسى تتكون من أكثرية من الإخوان المسلمين وفئة من السلفيين وغيرهم من التيارات الإسلامية، رأينا فى جلسة أداء اليمين الدستورية كيف حاول عديد من الأعضاء الإسلاميين إلحاق عبارة "بما لا يخالف شرع الله" بالصيغة القانونية للقسم. ومن الجلى أن هذه الإضافة ليست أمرا شكليا بلا مضمون، فهى تعنى أن العضو يقيّد التزامه بالدستور والقانون بما يراه هو أو ما تراه مرجعيته الدينية موافقا لشرع الله. ومن بعد الجلسة الأولى رأينا كيف كان الفكر الأصولى يتحكـّم فى أداء المجلس.
من بعد ذلك جاءت الانتخابات الرئاسية، وفى الحملة الانتخابية للمرشح الإخوانى محمد مرسى كم سمعنا من مبايعات، ناهيك عن حديث الفتح الإسلامى الثانى لمصر، وحديث تطبيق الشريعة، وحديث الخلافة الإسلامية. ومن قبل أن تعلن النتيجة رسميا رأينا من بعض الإسلاميين من يطلب أن يبايع المجلسُ الأعلى للقوات المسلحة الرئيسَ الإخوانى. وأخيرا أعلن رسميا فوز محمد مرسى رئيسا منتخبا، وألقى الرئيس خطابه الأول فسمعناه يقول: "أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لى عليكم." كلام حسن فى ظاهره، لكن لغة الخطاب الإسلامى فيه لا يمكن فصلها عن فكر المرجعية الدينية. إن رئيسنا المنتخب لا يلزم نفسه بإطاعة الدستور والقانون بل بطاعة الله، وطاعة الله شأن شخصى بين الفرد وربه، وحتى إذا ما استقرّ رأينا على أن الرئيس لم يطع الله فينا، فإننا نكون فى حِل من طاعته، ثم ماذا؟ إننا نريد رئيسا مدنيا ديمقراطيا يخضع للدستور الوضعى وللقانون الوضعى، فإن خالف الدستور والقانون حاسبناه.
ومرة أخرى تطالعنا فكرة المبايعة، فنقرأ أن مرشد الإخوان المسلمين يبايع مرسى رئيسا. علينا أن نفهم فى وضوح أن مفهوم المبايعة يناقض مفهوم الانتخاب الديمقراطى. ليس الأمر أمرا شكليا ولا هو مجرد وضع لفظ مكان لفظ آخر. اللفظ يجسّد مفهوما ومفهوم البيعة يتناقض مع مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية.
وينطبق هذا على كل لغة الإسلام السياسى التى تنطوى على مفاهيم لا يمكن التوفيق بينها ومفاهيم الدولة المدنية الديمقراطية. وإذا كنا لا نستغرب استخدام دعاة الدولة الدينية الثيوقراطية (وإن تستـّروا وراء دعوى دولة مدنية بمرجعية إسلامية، وهى دعوى تقوم على مغالطة صارخة وخداع خبيث) — إذا كنا لا نستغرب استخدام دعاة الدولة الدينية للغة الإسلام السياسى، فعلى الداعين للعلمانية والديمقراطية أن يتنبهوا لخطر هذه اللغة. — اللغة فكر. ولغة الإسلام السياسى تجسّد فكر المرجعية الدينية والدولة الثيوقراطية وتهدم مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية من الأساس.
اللغة فكر، وإذا كنا ننادى بدولة مدنية علمانية ديمقراطية تقوم على احترام القانون الوضعى وترعى حرية الفكر والتعبير والإبداع وتصون حقوق الإنسان التى هى للإنسان من حيث كونه إنسانا بدون اعتبار للنوع أو الجنس أو اللون أو العقيدة — إذا كنا ننادى بهذا فعلينا أن نتنبّه إلى أن لغة الإسلام السياسى بمثابة حصان طروادة الذى إن تسلل إلى ثقافتنا فإنه كفيل بأن يهدم كل ما نحلم بأن نبنى.

القاهرة، 25 يونية 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلمة إلى : داوود روفائيل خشبة
غـسـان صـابــور ( 2012 / 6 / 25 - 17:08 )
جـل ما أخشى يا سيد داوود, إن مقالك وصل متأخرا.. لا بل متأخرا جدا. حيث أن الأفعى قد دخلت دارنا. دخلت مــصــرنــا الحبيبة. من أيام مريرة طويلة. مخططة, مدروسة, منظمة. من أجل تصحير العالم العربي بكامله. تصحير طائفي. تصحير فكري. تصحير اجتماعي واقتصادي.. وخـاصـة تصحير سياسي. ولا حاجة أن ألفت انتباهك وتذكيرك بمحو كل إبداع إنتاجي أو جمال خلاق.
هكذا تريد ماما أمريكا. وما يحث في مشرقنا كله من غضب وتحركات ومنازعات ومحاولات تمسك بكراسي السلطة والمكاسب والمناصب. والفساد السرطاني الذي زرع في مؤسسات السلطة في جميع البلاد العربية منذ استقلالها, حتى هذه اللحظة, وما زال يتنفس ويزرع, سوى الجزء الظاهر والمخبوء من هذه المؤامرة ضد شعوبنا الفقيرة المسكينة...حتى تؤمن ديمومة وتوسع وامتداد وازدهار وأمن دولة واحدة : إســرائيل!!!...
ولك مني أصدق تحية مهذبة.. حــزيــنــة.
غــسـان صـابـور ـ ليون فــرنــســا


2 - حى على ألجهاد .. حى على ألتقسيم
‎هانى شاكر ( 2012 / 6 / 26 - 14:08 )


لن أرهق ألقارئ بتكرار خطايا ألأخوان و خديعتهم .. ألفضاء يضج ويعج بالحقائق ألصارخة وألدامغة ..

أقدم هنا مؤشرات إضطهاد ألأقباط وخطة عمل

ألمؤشرات : سلفى متحمس يتحدى مرسى بفرض ألجزية على نطاق واسع ، أو حرق بضع كنائس ، أو قتل عدد كبير من ألأقباط ، أو عمل كل هذه ألأمور ...

مرسى يتنطع .. أو يبارك .. أو يطنش ..


ألعمل : ليجهز ألأقباط كل ما لديهم من شجاعة و موارد و دعاية لسناريو ألتقسيم ... و ألأستعداد للعيش ألكريم فى دولتهم الحرة ..

ياروح مابعدك روح

اخر الافلام

.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني


.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم




.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran