الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مستنقعات الارض الى مواخير السماء

مالوم ابو رغيف

2005 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تنظم المملكة السعودية مؤتمرا دوليا لمكافحة الارهاب يستمر لمدة ثلاثة ايام .ومن العنوان نستطيع القول ان المؤتمر سيبحث فى الطرق المضادة لمكافحة الارهاب التطبيقي والعملي وليس اساسه الفكري وركائزه ،وهذا ما تسعى اليه السعودية واغلب التيارات الاسلامية والدينية بمذاهبها المختلفة التي بدات بالتنصل والنأى بنفسها عن الارهاب بعد اشتداد الضغوط الدولية وليس كمبادرة ذاتية او موقف اختياري .ربما سينجح المجتمع الدولي في الحد من ظاهرة الارهاب على الصعيد العملي وذلك باعطاء دور اكبر لقوى الامن والاستخبارات ورجال الشرطة مما يعني عسكرة المجتمع والدولة واتباع اجراءات عنيفة تنعكس سلبا على المواطنيين الذين يعانون من تسلط الدولة ومن مذابح الارهابيين بنفس الوقت.
لكن تبقى مثل هذه المؤتمرات عاجزة عن المساس بالقاعدة والمنطلقات النظرية للارهاب ،ويبقى القضاء على الارهاب محدودا وقتيا اذا لم تتوفر الجراة والشجاعة في الاشارة الى اهم قواعد الارهاب التاريخية والتي تجد تعبيرا لها فيما يعرف بالصحوة الاسلامية ،اي بعث التاريخ المزيف من جديد والنظر اليه كحقيقة موضوعية ومجد ديني وفخرقومي يجب التعامل على اساسة في كافة النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية.
كلما زادت الثقافة الاسلامية واعتمدت على انها اساس التربية والتعليم وكلما نظر الى التاريخ الديني او القومي كمقدس لا ينبغي المساس به او بشخوصه وحوادثه ،كلما زاد الميل نحو الارهاب واعمال العنف الديني والمذهبي وفرض ما يعتقد بقداسته ،ويزداد ميل الناس وتصوراتهم بإضفاء القداسة على أعمال القتل والذبح والتخريب في طقوس تشبه تلك التي يقدمها المؤمنون في معابدهم عند نحر ذبائحهم تقربا الى الرب.
ليس تعاليم الدين الاسلامي في الجهاد والقتال في سبيل الله هي وحدها التي تبعث على مثل هذه التصورات والميول ،وليس فقط الطمع بحور العين والغلمان المخلدون وانهار الخمر هي التي تجعل من الارهابي المسلم تواقا مشتاقا لمغادرة الارض الى مواخير السماء ،بل ايضا التقليد وتقمص الشخصيات الاسلامية التي تحاط عادة بهالة من التبجيل والتقديس والذود عن الدين والقتال في في سبيل الله . شخصيات طاغية مجرمة مغتصبة سارقة ناهبة ،حياة الانسان لا تساوي عندها شيئا في سبيل معتقد هو ليس الاساس في سلوكها انما قد اضيف عليها وحجبت الاسباب الحقيقة وراء اجرامها وعقوقها ودمويتها.
فهل يستطيع احد ان يمسح من اذهان الناس صورة سيف الله المسلول خالد بن الوليد كبطل اسلامي ويستبدلها بصورته الحقيقية كمغتصب سادي وقاتل مجرم .؟هل يستطيع احد ان يستبدل صورة من سقط بسيف اسلامي مقدس كضحية لا تستحق هذا المصير .؟ هل نستطيع رد الاعتبار الى اللحاج الذي لو عاد اليوم لصلبه كافة المسلميين مرة ثانية وامعنوا في التمثيل بجثته .؟ هل نستطيع القول ان مئات الاف الناس الذين سباهم المسلمون في غزواتهم وفتوحاتهم الظالمة كانو بشرا لا يستحقون ما جرى لهم من سبى ما كان الا سلوكا همجيا كفعل الأمم الغابرة.؟
اسامة بن لادن مثلا لا ينظر اليه وفق نظرية الجهاد في سبيل الله او مقاتل من اجل الاسلام بقدر ما ينظر اليه كبطل اسطوري شبيها بابطال اساطيرهم الاسلاميه المزيفين وما اكثرهم في التاريخ وما ابعد من ان يمسهم الانسان بسوء ان لم يسلخ جلده وهو حي يرزق .
قد لا يدعو خطيب الجامع الى الجهاد بشكل سافر ،بل حتى يمتنع عن ذكر الايات التي تحث على الارهاب وتصور بشاعة القتل وقطع الاطراف على انها قصاص رحيم وجب ايقاعة بالعاصين والمجرميين ،بل حتى يمتنع عن ذكر الاحاديث النبوية التي تدعو للقتال وتوعد من يُقتل في ساحة المعركة المقدسة بالجنة ،لكن بمجرد ما يتطرق الى التاريخ فانه سيذكر مئات الامثلة لرجال ارتكبوا اعمال القتل والبطش والذبح والتقطيع ثم حصلوا على الجنة ثوابا لما اقترفته أيديهم ،ولا زالت صورهم حية عند جماهير المسلمين وخاصة الوهابية منهم ،صور تعج بالتعظيم لرموزهم الدينية وتحث على اتباع منهجهم تقربا لمكانة زائفة العظمة عند الله .
ما يحدث عند المسلم هو اتباع لرموز و شخصيات تاريخية وليس لمبادئ فقط ،ليس من الصعب العثور على مبادئ انسانية في الاسلام او ايجاد مرتكزات للرحمة والعدالة الانسانية وحتى المساواة ،فالقرآن حمال اوجه مثل ما يقول الامام علي ،لكنه التقديس لاشخاص امتازوا بدمويتهم وساديتهم واعتداءاتهم على شعوب واديان بكاملها وبلورة سيرتهم كسيرة مقدسة ينبغي اتباعها كمنهج اخلاقي وتربوي واجتماعي .
السعودية التي تود اقامة مركز دولي لمكافحة الارهاب تتبع نفس الاسلوب الارهابي في التكفير لمعالجة المشكلة ،فهي تنظر الى المارقين كما تود ان تدعوهم على انهم خوارج على ولاة الامر،ومن يخرج على ولي لامر يستحق القتل والتعذيب .ويتساوى حين ذاك من يطالب باجراء الاصلاحات وارساء اسس اليمقراطية في الحياة العامة والمطالبة بالكف عن النظر الى المراه كمخلوق منتقص ليس له دور الا القيام بواجبات الرجل ،يتساوى مع الارهابي الذي يمتهن القتل ،فكلاهما قد خرج عن طاعة أولى الأمر .وهنا يجب الانتباه الى ان الخروج على ولاة الامر تعني فقط الخروج عن طاعته في السعودية نفسها وليس خارج البلد .فالسعودية لم تتخذ موقفا حاسما ضد من دعى الى الجهاد في العراق وضد من دعى الى قتل الشيعة والاكراد ،ولم توقف ادعيية وتضرعات أئمة المساجد الذي يدعون ليل نهار في انزال العقاب والخراب على اليهود والنصارى والرافضة وجميع من خرج عن الخط الوهابي.
السعودية التي تود مكافحة الارهاب ترتكز في مبادئها الاساسية على جملة من المبادئ والنظريات الدينية المتطرفة التي تبنى اساسا على تمجيد الشخصيات الإجرامية مثل يزيد والحجاج وعبد الملك بن مروان وغيرهم وتطبع مئات الاف الكتب في تكفير بقية المذاهب الاسلامية وتشويه التاريخ الى درجة بتر الوقائع وتزييفها فى كتب التاريخ القديمة والتي اذا ما درست ودققت تكشف الوجه الحقيقي للتراث .
تستطيع السعودية ان توقف او تحد من الاعمال الارهابية في مملكتها،ولكنها لا تستطيع وقف العفن المستفحل فى برك هائلة من التراث لا يبعث الا الروائح النتنة ومن مستنقعات دينية راكدة منعزلة عن اية مياه جديدة جارية مهما تغيرت شروط الحياة واحلام البشر .ما تفعله السعودية الان هو مجرد مناورة سياسية لا اكثر ولا اقل لتخفيف الضغوط الدولية المسلطة عليها ،همها الاول ان تظفر بالسلام في ديارها ولا يهمها ان حل الخراب في العالم اجمع ،حتى وان اخلصت النية في مكافحة الارهاب فان القوة وحدها لا تستطيع وقف الارهاب اذا لم تمس الاسس النظرية له ولدعاته من الوهابية ،وعكسه لا يعني الا ان يكون الجمر متقدا تحت الرماد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام


.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى




.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي