الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الفكر الغربي/ غونار شيربك

حنان بكير

2012 / 6 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


غونار شيربك، المفكر والفيلسوف الذي تجاوز اسمه حدود النرويج وانطلق عالميا، لنشر الفلسفة والفكر العالميين. موضحا اسهامات كافة الثقافات في رفد وإمداد الفكر الذي ندعوه اليوم بالفكر الغربي. ولا يستثني أمة او شعبا إلا ويتوقف عند اسهاماتها مهما بلغ حد تواضعها، وقد تعرض بالبحث والتدقيق لإسهامات المفكرين العرب مثل ابن رشد. ولا يتوقف عند حدود الشرق شرق والغرب غرب! فالقضية تعتمد على الزاوية التي ينظر منها!
قدم شيربك وجهة نظر شاملة ومعتدلة لمفهوم الثقافة والحداثة، التي يرى انها مجموعة من " الحداثات" ان جاز لنا جمعها على هذا النحو. هو مجادل دقيق وعنيد في تتبع التفاصيل وشموليتها...
وقد صدر في بيروت كتاب" تاريخ الفكر الغربي" لهذا المفكر والفيلسوف النرويجي/ العالمي. وقد تزامن صدور الكتاب باللغة العربية مع وجوده، في بيروت ضمن فعاليات، الأسبوع الثقافي النرويجي/اللبناني، الذي ترعاه مؤسسة "نحن" الثقافية، بدعم من السفارة النرويجية في لبنان ومؤسسة نورلا، في أوسلو. ترجم الكتاب الى ستة عشر لغة عالمية وبضمنها اللغة العربية.
ولكن لماذا نال هذا الكتاب ذلك الانتشار العالمي، رغم كثرة الكتب التي تطرح موضوع تاريخ الفكر او الفلسفة الغربية؟ التقيت الفيلسوف غونار في بيروت ودارت بيننا احاديث وجدالات حول الكتاب، وهو اي شيربك مولع بالجدل، وقد قام كتابه بالأساس على جدالات دامت سنوات طويلة، وتحديدا منذ عام 1970.
الكتاب هو مقدمة شاملة لتاريخ الفكر الغربي، من فترة ما قبل سقراط. ويتضمن نقاشات عميقة لكل الحركات الفلسفية الرئيسية، مع التركيز أيضا على العوامل التي أثرت في الفلسفة الغربية وبضمنها العلوم الطبيعية والاجتماعية والانسانية، بالاضافة الى الأيديولوجيات السياسية، مثل الليبرالية والاجتماعية والفاشية. وهو مقدمة مثالية، لأي دارس أو مطّلع على الفكر الغربي لأول مرة. قال المفكر البروفسور آلاستير هناي: " إن هذا الكتاب ليس فقط دراسة ممتازة للفلسفة الغربية، لكنه يفتح أيضا الباب الواسع للكثير من المفكرين".
عن خلفية الكتاب والأسباب التي دعته لكتابته. في عام 1962، عمل شيربك مساعد أستاذ في مؤسسة ثقافية في جامعة بيرغن. حيث قام بجمع محاضراته والجدالات التي دارت بينه وبين طلابه، الذين أثروا محاضراته، ثم ما لبث أن تطور المشروع الى كتاب، وأخذ شكله النهائي كمقدمة شاملة لدراسة الفلسفة الغربية، وقد أصبح أحد تلامذته، وهو " نلز جيلي" مساعد مؤلف. وقد اعتمد الكتاب كمادة إلزامية في المرحلة التحضيرية، لطلاب الجامعة الذين يدرسون في كافة الاختصاصات.
المقدمة التمهيدية للكتاب تبدأ من الفكر الصيني والهندي، ثم تدخل في عوالم الفكر الاوروبي، ابتداء من سقراط والسفسطائيين، ثم يشرح دولة أفلاطون المثالية، وعقيدة الفكر، وأفكار ارسطوطاليس، النظام الطبيعي، وبعد العصر الهليني المتأخر، يدخل في عالم القرون الوسطى، وتطور العلوم الطبيعية، ويتحدث عن عصر النهضة.. وكذلك السياسة الواقعية، و حين يتحدث يعرض افكار مكيافلي و هوبسن. وكيف وضعت الفلسفة الانسان كمركز للحياة، يتجاذبه الشك والايمان. ويقدّم افكار العقلانية والنظام.. ثم يتحدث عن فيلسوف التسامح " جان لوك"، وموضوع التنوير والمساواة. مرورا بتفاصيل عصر التنوير وعن افكار العقل والتقدم، شارحا ما هيّة الليبرالية عند" كانت" و"هيغل" و"كيركيجارد"، وفكرة الوجودية، ونظرية داروين ونيتشة والبراغماتية والاشتراكية والفاشية، وعن فرويد والتحليل النفسي، وعن ازدهار العلوم الاجتماعية، ثم يتوقف عند فلسفتنا الحالية أو العصرية، ويفصّل في الحداثة والأزمات.
من العوامل التي أثرت فكر شيربك، هو دراسته وتنقله في العواصم الاوروبية واطلاعه على المدارس الفلسفية فيها. فأثناء دراسته للفلسفة الوجودية في فرنسا، التقى بالفيلسوف المعروف " غابرييل مارسيل".. ثم انتقل الى ألمانيا حيث التقى ب" هايدجر"، وراح يشتغل على فلسفته. ثم عاد الى " بيرغن" ودرّس الفلسفة مدة اربع سنوات قبل أن ينتقل سان دييغو، للتدريس في جامعة كاليفورنيا. تزامن ذلك مع حرب فيتنام التي كانت جارية آنذاك، وكان شيربك يتابع محاضرات " هربرت مركيز"، التي تركز على الفلسفة السياسية، بسبب حرب فيتنام. بدأ شيربك التفكير بتجديد تعليم الفلسفة، بحيث تتضمن طريقة " آرنه هس" النرويجي، وبنفس الوقت تجمع اليها ما كان يجري من تطور فلسفي في العالم الغربي، وخاصة الفلسفة السياسية. بإختصار، كان شيربك على قناعة بأن تدريس الفلسفة يجب ان تربط بين تاريخها وحججها والاحداث الجارية في عصرنا، آخذا بعين الاعتبار تطور العلوم، ليس فقط العلوم الطبيعية ولكن أيضا، القانون والتكنولوجيا وعلم الاجتماع والانسانيات والنظريات السياسية، وأيضا لمحات عن فلسفة الهند والصين والفلسفة العربية وعلومها.
يتميّز الكتاب بما يجعله مختلفا عن باقي الكتب التي عالجت ذات الموضوع بأنه: كتب بطريقة سهلة تساعد أولئك غير الفلاسفة والمحترفين، على فهمه. قال فيه المفكر محمد زيناتي" ان شيربك جعل الفلسفة في متناول الجميع". ثم عرضه للموضوعات بطريقة جدلية. ثانيا: ان العرض كان شاملا، فقد بدأ من الحقبة القديمة لمفكري اليونان امتدادا الى مفكري أيامنا هذه، ولم يتوقف عند " كانت" و "هيغل" أو اي من المفكرين الكلاسيكيين، بل يغطي جدالات المفكرين المعاصرين.
ثالثا: أن العرض كان شاملا، بطريقة انه لم يتعاط معالجة الفلسفة من خلال فكرة ضيقة، بل تعاطى معها من خلال نظرة شاملة تتضمن عرض التطورات الرئيسية في العلوم والإنسانيات والعلوم الاجتماعية بالاضافة الى العلوم الطبيعية ولا ننسى فلسفة التشريع وعلم اللاهوت. بالاضافة الى النظرة الشمولية التي تركز على كيفية أخذ الفكر والافكار مكانتهم الاجتماعية والتاريخية، متداخلة مع التقدم الفلسفي، آخذا بعين الاعتبار الاسئلة والجدالات بجدية، في مواجهة القيم، وهي وجهة نظر من زاوية تاريخية واجتماعية، في معالجة الافكار الفلسفية والمناقشات.
قدّر الصينيون حق التقدير دراسة مفكريهم من ضمن الفكر العالمي، وكذلك فعل الروس، اذ ثمّنوا دراسة فكر ماركس والماركسية وعرضها بنفس طريقة عرض المفكرين الآخرين، ولم تدرس وتعرض كعقيدة، كالمدافعين عن" الحقيقة الاخيرة". لذا فإننا نفترض أن القارىء العربي سوف يثمّن العرض الفلسفي والديني والعلمي في القرون الوسطى، وبضمنهم المفكرين والعلماء العرب كجزء متمم لتاريخ الفكر الغربي.
ومن هنا يمكن استحضار الديانات الثلاث: اليهودية والمسيحية والاسلام، وظهورها" كديانات غربية"، عند معالجتها من خلال رؤية صينية. ولم لا؟ ففي يومنا هذا لا نحتاج الى دليل على ما بات يسمى بمركز العالم. من حيث يعتبر الاخرون ان العالم يرى من وجهة نظر" الشرق والغرب".
ويضيف شيربك نقطة ذات علاقة بالموضوع" هل هناك طريقة واحدة لنكون حداثيين؟ أم أن هناك حداثة مزدوجة أو متعددة؟ ماذا يعني أن تكون هناك حداثة صينية وحداثة عربية، أو حداثة نرويجية؟ هذه كلها اسئلة ملحة تفرض نفسها في يومنا هذا، وتمثل اهتماما رئيسيا بنص عرضنا الشامل، لتاريخ الفلسفة، ونرى فيها تاريخا شاملا للأفكار الاساسية والنقاشات، وهي تهتم بالأفكار والجدالات، وكيفية مساهمتها في تطوير حضارة العالم. وهي تهتم بالإجراءات التي شكلت حداثة العالم، بإختلافها ومجهودها، ولكن وبنفس الوقت التركيز على المشترك فيما بينها، غربية وغير غربية..
ويشير الفيلسوف شيربك الى ملاحظة تجدر الاشارة اليها وهي: أنه في الدول الغربية الكبيرة مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، هناك محاباة وطنية عندما يتعلق الأمر بالفلسفة. ففي فرنسا هي فرنسية بإمتياز، وفي المانيا هي المانية بامتياز، وفي بريطانية هي بريطانية بامتياز.
ولكن، على اي حال ففي شمال اوروبا فعلى الواحد أن " يقايض أو يبادل" مع الآخرين حتى فلسفيا! ويكون التآلف مع الأمم الكبيرة ومع طقوسها الثقافية، لذا فإن الواحد يكون أقل فرنسية وأقلا بريطانية وأقل ألمانيّة، ولكن بنفس الوقت أكثر أوروبية من غيرها. ولمتابعة هذه النقطة، يمكن التعاطي مع الفرضيات التالية: أن أولئك الذين ينظرون الى العالم والفلسفة العالمية من الدول الاسكندنافية، أي شمال الامم المستعمرة في أوروبا، يمكن أن تشكل موقعا مختلفا مع انتباه ذاتي أكثر. وتعتمد على القارىء، اذا ما كان يعتقد أن هذا الكتاب استطاع أن ينقل وجهة نظر غربية أكثر اعتدالا من الأفكار الغربية الأخرى.
حظيت أفكار شيربك، بتقبل الشباب الذين ناقشوه ضمن المحاضرات والحوارات التي شارك بها، وخارج القاعة لساعات طويلة. مما جعلنا نتفهم أكثر كيفية تعاطيه مع طلابه في الجامعات الأوروبية والأمريكية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان