الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلط بين الديانة والقومية

فاروق عطية

2012 / 6 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بعد أن انتهينا من دوامة الانتخابات وما واكبها من صراع رهيب بين مرسى عاوز كرسى وشفيق ياراجل, والذى انتهى بفوز عاشق الكرسى, سيان كان باستحقاق أو بمؤامرة وصفقة محبوكة بين الأخوان والعسكر, ما علينا, المهم أن يصدق الأخوان وينفذوا بنود الاتفاق وإن كنت لا أظن أنهم فاعلون, فهم دوما يعدون ولا ينفذون. خرجت من دوامة الانتخابات ورحت أفكر فى أمر آخر طالما استولى على فكرى, وتساءلت بينى وبين نفسى لماذا نحن دائما نخلط بين الديانة والقومية, فقد دأبت صحفنا العربية كما هو الحال مع ساستنا ونخبنا ومدعى الثقافة منا بنعت مسيحى مصر وحدهم بالأقباط, وهوخلط فادح لا أدرى إذا ما كان مقصودا أو عن جهالة. فكلمة أقباط أو قبط تعنى المصريون جميعا مهما تعددت دياناتهم وهى منحدرة من كلمة كوبت الأسم القديم لمصر, وتحولت فى الإنجليزية إلى ايجبت, والإيطالة إجتتو, والألمانية إيخبت. وقد ذكر الرسول (صلعم) المصريين قائلا: أوصيكم باقباط مصر لأن لنا فيم نسبا. فكل سكان مصر الحاملين لجيناتها فى كروموزومات خلاياهم وتربوا على ثراها وشربوا من نيلها كلهم أقباط. فمسلوا مصر هم أقباط مسلمون, ومسيحيوها أقباط مسيحيون حتى الأقليات مثل البهاءيين والشيعة هم أيضا أقباط ولهم نفس الحقوق لأنهم يؤدون نفس الواجبات حتى لو لم يكونون من أصل مصرى. فمن عاش على أرض المحروسة وأحبها وضحى فى سبيل رفعتها صار منا لحما ودما قبطيا مثلنا. فمصر دائما كانت قادرة على صهر الغزاة الذي احتلوها واعتنقوا عاداتها وتقاليدها وتدينوا بدياناتها صاروا أقباطا مثلنا, على سبيل المثال اليونانيون الذين غزوا مصر بقيادة الاسكندر المقدونى عاش البطالمة بعده ملوكا أقباطا أى مصريين, ايضا العرب الذين جاءوا مع عمرو بن العاص وتزاوجوا فى مصر صاروا أقباطا, كما تحولت أسرة محمد على الألبانى (والى مصر من الباب العالى العثمانلى) إلى اقباط, ملوك أسرته أقباط يحبون مصر كما نحبها وآخر من حكم مصر منهم الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان, الذى وافق على التنازل عن العرش بعد حركة الضباط, وكان قادرا على الرفض والاحتماء بالاستعمار الإنجليزى ولكنه صرح أنه يتنازل بمحض إرادته حتى لا تراق نقطة دم من دماء بنى وطنه.
كما لفت نظرى بشدة إستمرار لغات قديمة مازالت تستخدم فى الحديث بالمنازل لبعض القوميات مثل الأثورية والكلدانية والبابلية والكوردية فى بلاد الرافدين, والأمازيجية والبربرية فى دول الشمال الأفريقى( ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وتشاد), والآرامية فى سوريا بجانب اللغة العربية ( اللغة الرسمية للدول الناطقة بالعربة), ولكن لغتنا القبطية (الهيروغيفية والديموطيقية) قد انقرضت تماما بين الأقباط (هناك عائلة واحدة مصرية تتحدث القبطية), وأعتقد أن اللغة النوبية هى مزيج من القبطية والزنجية القادمة من جنوب الوادى. ولحسن الحظ قد حافظت الكنيسة الأرثوذوكسية على لغتنا من الضياع التام باستخدام اللغة القبطية فى الصلوات والألحان الكنسية وتدوين تاريخ شهداءها. فى زمن الفراعنة كانت الكتابة بالصور وليست بالحروف مما صعب معه تداول كتابتها, وللتبسيط لجأت الكنيسة لاستخدام الحروف اليونانية بدلا من الصور, ولم تستخدم لحروف الرومانية كرها فى الرومان المستعمرون الوثنيون الذين أذاقوا المسيحيين أقسى أنواع العذاب والتنكيل. والغريب أن اللغة القبطية كدراسة علمية تدرس فى الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لكثير من دول العالم المتحضر, ما عدا مصر..!! وإننى من هذا المنبر أدعوا جميع أقباط مصر بالمطالبة بتدريس لغتنا الأصلية بمرحل التعليم العام والجامعى للحفاظ عليها من الضياع, بل والمحاربة من أجل النهوض والاعتزاز بها بجانب لغتنا العربية الجميلة, لأن لغتنا تؤكد قوميتنا المصرية التى نعشقها وندافع عن هويتها. وحتى يتم نجاح إعادة اللغة القبطية والتيسير على الدارسين أتمنى أن تقوم الكنيسة وكل دارس ومتعمق للغة القبطية ببذل الجهد لكتابتها بحروف انجليزية لسهولة القراءة والنطق بدلا من الحروف اليوناية التى لا يجيدها طلاب العلم, وحتى نضمن سهولة الإقبال على تعلمها خاصة وقد انتفى الغرض من استخدام اليونانية الآن.
وما ملأنى غيظا أيضا أننى أرى الدول من حولنا لها زيها الوطني الخاص بها ما عدا مصرنا الحبيبة لا زى وطنى لها, فللخليجيين العباءة والدشداشة والعقال, وللسودانيين الجلباب والعمامة, وللليبيين الزى الذى كنا نراه على الأخ الفقيد فى تنقلاته. وفكرت لماذا لا نعود لزينا الفرعونى الجميل, ونحمد الله أن أجدادنا قاموا برسم مفصل لأزيائهم على تماثيلهم وجدران معابدهم وقبورهم. على الأقل نبدأ باستخدام زينا الوطنى فى الحفلات والمقابلات الديبلوماسية حتى يدرك العالم مدى فخرنا واعتزازنا بمصريتنا. قلت لنفسى لماذا لا أبدأ أنا بتنفيذ هذه الفكرة؟ واقتنعت وخططت, وذهبت لصديق مصمم أزياء وعرضت عليه الفكرة, فرحب مسرورا وفصل لى رداءا فرعونيا من الكتان باللون البيج وغطاء للرأس من الحرير المقلم باللونين الأسود والأصفر وحزام يربط على الوسط ويتدلى متسعا لأسفل من نفس قماش غطاء الرأس. أعجبنى الزى ولبسته وأنا فى قمة الفرح والمرح, وخرجت إلى الشارع أستعرض زيى الوطنى متمنيا أن يعجب به كل من يراه ويحاول تقليدى حتى ينتشر ويعم, ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن, فبمجرد خروجى إلى الشارع التف حولى الصبية الصغار ظانون أننى معتوه أو قادم من كوكب آخر, مهللون صائحون وهم يلتفون حولى: العبيط اهو.. المجنون اهو. أصابتنى الكآبة والإحباط لهذا التصرف المشين من أقباط صغار لا يعرفون شيئا عن قوميتهم المصرية وزيهم الوطنى, وصحت بهم وأنا أحاول إزاحتهم من حولى: ابتعدوا يا أولاد الأفاعى..! وفى محاولتى الاندفاع بعيدا عنهم, استيقظت على صوت ارتطام جسدى الواهن أسفل السرير, متأوها من الألم، وأم العربى تبسمل وتحوقل متحسسة عظامى داعية الله ألا يكون قد أصابنى مكروه....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالفعل كما ذكرت
معقب ( 2012 / 8 / 16 - 04:28 )
العرب والمصريين خصوصاً يخصون مسمى القبطية بالإخوة المسيحيين
مع أن جميع سكان مصر الدلتا أقباط عرقا ً مئة بالمئة وحالياً مستعربين مئة بالمئة أيضاً وساهموا بنصيب وافر في الحفاظ على قوميتنا العربية

لا يفوتني التنبيه على أهمية الحفاظ على الزي الوطني القومي وحبذا لو يكون لبسه في الأعياد والمناسبات


اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء