الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو العلوم!!

سعد تركي

2012 / 7 / 1
المجتمع المدني


يمكنُ أن تكون الصدفة وحدها، أو ربما الرغبة في لمّ شمل لا يلتئم عادة إلاّ في الفواجع والمآتم، ما تجعل فرداً واحداً ـ على الأغلب ـ يأخذ على عاتقه المهمة الأصعب والأكثر حرجاً حين يتصدى للتبليغ عن موت اختطف أحد الأحبة. ليس الأمر بحاجة لتفويض فهو يكتسب هذا الحقّ، حق الإخبار عن الفواجع والمآسي، لقربه دائماً من حدث الغياب الدائم، ولكونه يحتفظ بعلاقات حسنة مع الجميع، وصلات يحرص على إدامتها.. لأنه يعرف، فضلاً عن أسماء جميع الأقارب كبيرهم وصغيرهم، عناوينهم وأماكن عملهم وأرقام هواتفهم مهما تغيّرت وتبدّلت.. لكلّ هذا له الحق، وحده، أن يفتض بكارة أيّ موت بالإعلان عنه، فهو، غالباً، لا يكون معنياً بالخبر والحدث السار، فالأخبار المبهجة قد تطيح بسمعة اكتسبها بالجهد والخبرة والمران وتنفي عنه صفة ولقب (أبو العلوم)!!
في عائلتي، كان عمله موظفاً في بدّالة وتتبعه لكلّ صغيرة وكبيرة من أخبار الأقارب وذاكرة تصلح دليل هاتف تختزن تسلسل جميع الأرقام التي زوّلتها أصابعه الناعمة، ما جعلت (جاسم) ينفرد بهذا اللقب منذ عقود.. منذ عام 1987 حين رنّ هاتف بعد منتصف ليل قائض ليأتي صوته المبحوح معلناً فقدان أخي إثر تعرّض اللواء الذي يخدم فيه لهجوم مباغت. لاحقاً، أضحينا قادرين على معرفة حجم فجيعة المأساة ودرجة قرابة من اختطفه الموت وعمر الفقيد، بل وجنسه، من حشرجة ونشيج صوت لم يعد صالحاً للفرح. أضحينا نعرف، حين يتمتم بلا صوت، حجم مأساة علينا مواجهتها، فنحن ندرك أنّ بعض الأحزان تخنق الكلمات وتحبس الدموع في المآقي. بين عامي 2006 و 2008 تكرر رنين يحمل رقم هاتفه بما جعله ينقل (عِلْم) منْ كان قبل يوم فقط قد واساه.
جاسم، الذي اقترب من عقده السادس، ظنّ أنّ في السنوات الأخيرة ـ ببعض أمنها القليل وبصيص نور أمل شعّ في القلوب ـ سلام وحبّ يخطوان ببطء في الطرقات والدروب، ظنّ أنهما سيحيلانه حتماً إلى تقاعد طالما حلم به.. ظنّ أن صوته قادر على تمرير الأفراح بدل الهموم والأحزان.. جاسم، وهو يرى شبحاً كريهاً عاد يطلّ من جديد، يتمنى الاّ تكون هناك حاجة بعد اليوم إلى (أبو العلوم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري


.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو




.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين


.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما




.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب