الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزارة التعليم العالي: التلويح بمحاربة الفساد باليمنى، و-التشجيع- عليه باليسرى

سعيدي المولودي

2012 / 7 / 2
التربية والتعليم والبحث العلمي


وزارة التعليم العالي
التلويح بمحاربة الفساد باليمنى و"التشجيع" عليه باليسرى
أطلقت وزارة التعليم العالي منذ شهور باقة شعارات تصب جميعها في دائرة مواجهة الفساد والتصدي لمظاهره في قطاع التعليم العالي، وهي شعارات تتناسب وسحر اللون الذي اختارته الحكومة واصطفته نبعا جديدا لها، ولا يمكن لأي مواطن متلهف إلا أن يهتف لهذه الشعارات ويتورط في دعمها إذا اتجهت الوجهة القويمة ولم تنحرف عن وهجها ومرماها، وتتحول إلى مجرد عجاجة صيف عابرة، أو تتلبس بمبدأ الثأر وتصفيات الحسابات السياسية وغير السياسية أو القريبة منها.
وعلى الرغم من أن تلك الشعارات اعترتها بعض سمات التسرع والارتباك، إذ يعود الوزير مجبرا في حالات خاصة إلى منطق التراجع عن سياق قوتها والتخفيف من وقعها، إلا أن وجود الإرادة قد يضمن، في حدود ما، بعض التقدم في كشف الحجاب عن واقع التعليم العالي والجامعة المغربية في بلادنا، واستخراج كنوزهما وخنوزهما. وحسب ما يتكشف من بعض الحالات والوقائع المتداولة فإن التعليم العالي منذ مطلع الألفية الثالثة يعاني من مشاكل هيكلية عميقة على المستوى المالي والإداري والعلمي والمعرفي، ودوامة الإصلاحات الرثة التي استغرقته طيلة العقد الأول من هذه الألفية مؤشر قوي على العقم والارتجال والاضطراب الذي يتخبط فيه ويتحكم في آليات تدبيره.ومن الجائز القول دون مبالغة أن أسوأ المراحل التي عاشتها الجامعة المغربية هي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إذ سجلت فيه أعلى مستويات التردي والتراجع والتدهور، وغدت الجامعة التي تم الرهان عليها لتكون قاطرة للتنمية، قاطرة للتعمية والتخلف وراعية للتقهقر المعرفي والعلمي والأكاديمي.والمرتكزات التي قامت عليها الإصلاحات المتتالية كانت هشة وأسهمت في تدمير كثير من مقومات التعليم العالي،إضافة إلى عجز الجامعات،كمؤسسات عمومية،عن القيام بدورها وتكريس وتعزيز استقلالها الإداري والمالي والعلمي والثقافي، وعن مواجهة الإكراهات المختلفة التي تواجهها على مستوى البنيات التحتية ونقص الموارد البشرية، في غياب استراتيجية وطنية واضحة للتوجيه والتكوين.
ومهمة تغيير هذا الوضع ليست سهلة، وتستوجب عملا جريئا وشجاعا يطرق أبواب المستحيل ويقوي مبادئ المسؤولية الوطنية والمحاسبة والحوار والشفافية والديموقراطية التشاركية الحقيقية. غير أن آخر ما روجت له إحدى "الجمعيات" التي تدعي أن الوزارة تأتمر بأوامرها، والوزير مغرم على ما يبدو بوضع خاتم وزارته على كل بيان صغير تتولى إصداره، يصب في الاتجاه المعاكس، ويفيد أن تلك الشعارات لم تكن إلا زينة لحظات وساعات.إذ أعلن الوزير عزمه على إلغاء المباراة الخاصة بالتوظيف في إطار أستاذ التعليم العالي المنصوص عليها في المادة 12 من المرسوم رقم 2.96.793 بتاريخ 19 فبراير1997 والمحددة إجراءات تنظيمها بموجب قرار وزير التعليم العالي رقم 1124.97 بتاريخ 04 يوليوز1997، وهو ما يعني بالواضح إلغاء المادة والقرار المشار إليهما وما يتصل بهما.
ويبدو قرار الإلغاء في هذه الحال نشازا وإجراء ارتجاليا غير محسوب العواقب، بل هو مظهر صريح لإرادة مبيتة لإفساد التعليم العالي وهدر ما تبقى فيه من قيم علمية وأكاديمية. علاوة على ذلك فإن طبيعته لا تعدو أن تكون تلبية لنزوات"انتهازية" ولمطالب تسعى إلى تكريس ظاهرة "الريع الأكاديمي"، فبعد أن "تصدَّقت" الوزارة بشهادات التأهيل الجامعي على فئات من الأساتذة الباحثين ضدا على المعايير العلمية والأكاديمية وخارج دائرة أي استحقاق علمي،ها هي تواصل سخاءها العلمي وكرمها الأكاديمي الطافح، لتتويج الجميع أساتذة للتعليم العالي بدون قيد أو شروط، لنجد أنفسنا أمام فئات من رجال التعليم الباحثين استطاعوا بشهادة جامعية وحيدة وفريدة أن يحرقوا المراحل والإطارات الثلاثة للأساتذة الباحثين بدون أي مجهود علمي ملموس، بينما فئات أخرى ملزمة بالخضوع والخنوع والانضباط للمقتضيات التشريعية المعمول بها في هذا الباب.
والبديل المقدم عن المباراة هو الاعتماد على الاستحقاق العلمي والأكاديمي والبيداغوجي، وهو بديل واهٍ، ومضلل وغير ذي مغزى، لأنه في واقع الأمر يحيل إلى أن المباراة لاتضع في الاعتبار هذا الاستحقاق العلمي، وهو أمر لا يمكن التصديق أو التسليم به، لأن المباراة عمليا هي"الأداة" أو "الوسيلة" الأكثر ضمانا وتحصينا لهذا الاستحقاق، وإلغاؤها سيفتح الباب على المصراعين لخلق "ميليشيات علمية" أو ما شابه، لن تسهم في كثير من الأحوال إلا في ترسيخ منطق استحقاق الزبونيات والمحسوبيات، وإغراق ثقتها في مهاوي كل أطياف الموالاة والمحاباة وما يتصل بهما.
على أن هذا الإلغاء في جوهره يتعارض جملة وتفصيلا مع ما التزمت به الحكومة بشأن اعتماد نظام المباريات في كل عمليات التوظيف، لمواجهة شعار "التوظيف المباشر" الخادع، ومن ثم يشكل خطوة متسرعة وسقطة في الاتجاه المعاكس لخياراتها والتزاماتها وستكون له عواقب وخيمة على واقع التعليم العالي ببلادنا.
إن منظومة التعليم العالي برمتها بحاجة إلى إعادة نظر جذرية وإصلاح عميق على المستوى التشريعي والتنظيمي والبيداغوجي، وفق نظرة شمولية متكاملة تراعي التطورات السريعة التي تشهدنا بلادنا ويشهدها العالم من حولنا، خاصة وأن كثيرا من الآليات المعتمدة في هذه المنظومة أثبتت الوقائع الملموسة فشلها وعدم نجاعتها، وإضافة "دال" أو "هاء" أو كل حروف الأبجدية إلى خانات الإطارات أو إلغاء المباراة أمام المهرولين وراكبي الدراجات، بقدر ما يحقق مصالح آنية فانية، خاصة، وفئوية ضيقة، يُفقد التعليم العالي والبحث العلمي جدواهما ويقودهما إلى عرين الفساد ويدمر عنفوانهما.وإذا كانت الوزارة تلوح بمحاربة الفساد بيُمناها، فهي ،على ما يبدو، كأنما "تحرض" عليه بيُسْراها؟
سعيدي المولودي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا