الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهى عصر المعجزات

نافذ الشاعر

2012 / 7 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن نزول القرآن كان إرهاصا بانتهاء عصر المعجزات وابتداء عصر العلم وثورة العقل وانفجار المعلومات، وليس هذا معناه أن المعجزات سترتفع من الأرض وتختفي؛ إنما معناه أن المعجزات ستكون موجودة لكن الإنسان لم يعد ينظر إليها كمعجزات؛ لأن الخوارق أصبحت تجري على يد الإنسان متى أراد ووقتما شاء!
لقد كان التعجب سهلا على أبائنا الأولين، حتى أنهم حصروا عجائب الدنيا في سبع لا أكثر، وحسبوا من هذه العجائب على سبيل المثال (برج بابل) الذي كان سكانه لا يتفاهمون لأنهم يتكلمون بلغات كثيرة.
وهل هذا البرج القديم قد بلغ من العجب أكثر مما بلغته ناطحات السحاب الذي يسكنها على الأقل شخص من كل دولة من دول العالم، والذين بالطبع لا يفهمون لغات بعضهم البعض!

إننا لو جئنا إلى آبائنا الأولين وحدثناهم عن طائرة تطير في السماء، وتقذف بحمم اللهب والكبريت، أو مركبة تجوب الفضاء وتحط على النجوم والمجرات، أو عن قنابل ذرية تدك البحار والمحيطات وتشطر الأرض شطرين، أو عن صندوق صغير ينقل إلى أقصى الشرق، بالصوت والصورة، في نفس اللحظة ما يحدث في أقصي الغرب..
إن هذا كله سيكون من أكبر المعجزات بل سيكون من الأمور التي لا يكاد يصدقها العقل..
إن الناس في عالم اليوم قد تبلدت أحاسيسهم أمام الخوارق والمعجزات، وأصبحوا لا يشغلوا أنفسهم كثيرا بهذه الأمور، ولا يعيروها أدنى اعتبار أو اهتمام، إلا اهتمام اللحظة العبرة لأنهم ألفوها واعتادوا عليها..
إننا لو جئنا لمعجزات المسيح عليه السلام الذي قال الله فيها: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طيرا بِإِذْنِ اللّهِ) فمعناها لا يزيد عن قوله إني أقطع من الطين قطعا أشكلها كهيئة الطير فتطير في الهواء، ولم يقل أني أخلق لكم طيرا، إنما قال كهيئة الطير وليس طيرا!. وقد وصل الأمر اليوم بكثير من الدول أن تشكل من المعدن كهيئة الطير، ثم تتحكم به عن بعد فتجعله يطير، ومع هذا لا ينظر أحد إلى هذا الأمر كمعجزة..

إنني كثيرا ما يشدني القمر بضوئه المتألق البديع، وأنا أراقبه في أجواء السماء، وخصوصا عندما يشرق من الأفق الشرقي، في أول الليل، كما تشرق شمس الصباح، وعندها أسأل نفسي: هل صعد أحد من البشر إلى هذا القرص الصغير فعلا، وهل يوجد فيه بشر في تلك اللحظة، أم هي فرية كبرى، وأكذوبة عظمى افتراها شياطين البشر فصدقها السذج من الناس؟
إن الصعود إلى القمر يعتبر من أكبر المعجزات التي حققتها البشرية، وتصلح لأن تكون معجزة لنبي من الأنبياء، ومع ذلك قلما ينظر أحد إلى هذا الشيء كمعجزة تستحق الاهتمام!

لذلك كان مجيء القران إيذانا بانتهاء عصر المعجزات الإلهية، وابتداء المعجزات الإنسانية؛ لأن معجزة القرآن لم تكن على غرار معجزات الأنبياء السابقين التي كانت تقوم على إدهاش الناظرين وإعجاز الحاضرين، ثم ترتفع بموت النبي كأن لم تكن شيئا مذكورا، إنما كانت معجزة القرآن معجزة عقلية لا تعرف إلا بالتدبر والتفكر والروية.. ومن ليس لديه فكر ولا تدبر ولا روية فلن يدرك تلك المعجزة. وهذا كان إرهاصا بأن عصر ما بعد نزول القرآن سيكون عصر إعمال العقل وتدبر الفكر، ومن ثم ستبدأ المعجزات الإنسانية، من حيث انتهت المعجزات الإلهية؛ وهذا علامة من علامات آخر الزمان، حيث يقول الله عز وجل: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر:1) ويقصد بانشقاق القمر: انشقاق مجاله الجوي بواسطة سفن الفضاء، حيث اخترقت مجاله فشقته، فيقال شققت الثمرة، إذا علمت ما بداخلها ووقفت على محتواها وما هو مخبوء فيها.. وهذا ما لم يحدث من قبل، فكانت سفن الفضاء أول أثر إنساني يحط على سطح القمر..

لذلك فإن المعجزات الباقية هي المعجزات التي تؤثر في إحساس الناس في كل زمان ومكان، وهي المعجزات الروحية العقلية التي تستبين للإنسان من النظر بعد النظر، ومن إعمال الفكر وإجالة النظر، فكانت معجزة الإسلام الكبرى من هذا النوع من المعجزات، وهو القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة التي تدهش العقول والألباب، وتحير البلغاء والفصحاء والعلماء.

وكان نزول القرآن إيذانا وإعلاما بأن عصر المعجزات قد ولى وانقضى، وابتدأ عصر العلم والعقل، والقران هو المرحلة الفاصلة بين معجزات الأنبياء ومعجزات البشر، لأن معجزات الأنبياء تأتي من الله دون دخل للبشر فيها، أما معجزات البشر فتأتي بطريق خاص يتعلمه البشر، لذلك لو بقيت المعجزات القديمة لاختلطت على الناس، وأصبح الناس لا يفرقون بين المعجزات الربانية والمعجزات البشرية، لأن المعجزات البشرية ستفوق كل حد ووصف، ولا يعود الناس ينظرون إليها كمعجزات، ولذلك لم تأت معجزة الإسلام على غرار معجزات الأنبياء الآخرين، فكانت معجزة عقلية تشريعية غيبية بيانية.. تؤثر في النفس كالسحر دون إدراك لكيفية هذا التأثير، فهذا كله كان إرهاصا بانتهاء المعجزات الربانية وبدء المعجزات الإنسانية..
وربما هذا ما أشارت إليه النبوءة في إنجيل متى: (وحينئذ تظهر علامات ابن الإنسان في السماء وتنوح كل قبائل الأرض، ويرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء مع قوات ومجد كبير، ويرسل ملائكته مع صوت السافور العظيم)..
وليس المقصود بابن الإنسان هنا إيليا أو عيسى عليه السلام، إنما المقصود هنا هو الإنسان نفسه الذي تظهر علاماته وتأثيراته في الزمان والمكان وتصبح انجازاته ومخترعاته ذات أثر وخطر، حتى ليتمكن من اختراع الطائرات التي ستحمله على سحب السماء، وأجواء الفضاء، كما تقول النبوءة السالفة الذكر.. وفي نفس الوقت سيكون لهذه الاختراعات بلاء وشقاء على كل شعوب الأرض وقبائلها، فيجعلها تنوح على نفسها من الشقاء الذي سيلحقها من هذه الاختراعات..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحاجة للمعجزات الان اكثر
حكيم فارس ( 2012 / 7 / 2 - 22:10 )
السيد الكاتب المحترم
اعتقد اننا الان بحاجة للمعجزات اكثر من اي وقت مضى حيث اصبحت اعداد هائلة من البشر قرابة السبع مليارات وانقسم الناس لديانات مختلفة وكل دين اانقسم الى طوائف متعددة وكل منهما يقول انا الدين الصحيح كما ان هذه الطوائف اصبحت متناحرة فيما بينها لحد القتل والقتال
اعتقد ان الله المفروض لايبقى متفرجا على هذه الفوضى التي نتجت بسبب الرسل والانبياء الذين ارسلهم بل حتى اصبحت اعداد هائلة لادينية
يعني الايمان بالغيب ومفردات لغوية ومسلمات لم يعد يقبلها العقل الان اصبحت المسألة مستحيلة يا عزيزي لقد اصبحت القضية مثل مدرسة وزعت على تلاميذها مقررات مختلفة والامتحان سيكون بمقرر واحد فسيرسب كل من لم يدرس ذلك المقرر المعتمد بالامتحان
لو كانت الديانات او احدها صحيح لما ترك الله الامور هكذا
مثلا معجزة اراهيم او معجزة عيسى في احياء الموتى ستكون حاسمة لو تكررت الان
مثلا لو مكن الله بشرا او انزل ملاكا ودخل لمقبرة واحى الموتى وبدء الناس يخرجون من القبور ثم يقول عليكم اتباع الدين الاسلامي
هل تعتقد سيقى شخص واحد غير مسلم
وعندها تنتهي كل هذه المشاكل
اما اللغة والبلاغة ثانوية وغير مقنعة


2 - رد الكاتب
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 7 / 3 - 07:15 )
انا قلت يا سيد حكيم أن الناس تبلدت أحاسيسهم أمام المعجزات، فمهما رأوا من المعجزات لن يؤمنوا، لأنها لن تؤثر بهم أو تغيرهم، تماما كما يكون الشخص في محل عطور، فإنه لطول المكث يعتاد انفه هذه الرائحة فلا يعد يشمها ويتمتع بها.
ومن قال لك أن الله لا يرينا اليوم الكثير من المعجزات لكن لا احد يتأثر، فعلى سبيل المثال ما حدث في التسونامي وزلزال اليابان، أكثر مما حدث في طوفان نوح، كما أن العدد الذي مات به يفوق آلاف المرات العدد الذي مات بطوفان نوح، ولكن بدون فائدة كما ترى، فيرجع الناس يبنون مدنهم وكان لم يكن قد حصل شيء؟
أو كما قال الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر


3 - المعجزات الربانية والمعجزات البشرية
حكيم فارس ( 2012 / 7 / 3 - 09:57 )
السيد الكاتب المحترم
لا يوجد شيئ اسمه معجزات بشرية بل ابتكارات واكتشافات واختراعات تستند للعلم والبحث والتجربة والتطوير لذلك لا تدهشنا ولا ننسبها لقوة خفية قامت بها
اما المعجزات الربانية ان صحت فهي مختلفة تماما لانها افعال مخالفة لقوانين الطبيعة وتحدث اما نصرة لنبي ودعمه او الحاق الضرر بالمخالفين والرافضين له
ولا صحة ابدا لعدم القدرة بالتميز بين المعجزات الربانية والاختراعات العلمية
وكما ذكرت لك لو جاء شخص ما وبدء باحياء الموتى في المقابر هل سوف اعتبره مشابه لشخص يعرض على احدث نسخة من تلفون اي فون بالتأكيد لا
ولكن لو ذهب الشخص الحامل لهذا الجهاز لقبيلة بدائية ويعرض عليهم الجهاز اكيد سيخرون له ساجدين وسوف يؤمنون به لو قال لهم انا نبيكم
في القصص الديني لايوجد ما يدل على وقوع تلك المعجزات حقيقة بل هي روايات وتخيلات من خيال البشر نسجت واشيعت وبعضها ربط بحدث طبيعي حقيقي كقصة الطوفان وذلك لتمكين دين ما على الاستمرار لان لكل دين اصبح له مجموعة من البشر مصالحهم مرتبطة بذلك الدين واستمراره بالمحافظة على اتباعه وردعهم عن فكرة التخلي عنه ويصبح دفاعهم عن الدين هو دفاع عن مصالحهم


4 - احداث الطبيعة والمعجزات
فيصل ربيع ( 2012 / 7 / 3 - 10:39 )
سيدي الكاتب لايمكنك اعتبار احداث الطبيعة مثل الزلازل والبراكين والاعاصير ..الخ معجزات ربانية ذات مغزى لان هذه الظاهرة الطبيعية كانت تحدث على هذا الكوكب قبل وجود البشر عليه وتحدث كذلك في اماكن نائية لا يوجد فيها بشر لذلك ليست هي برسائل وتحذيرات الهية للبشر كما تروج الاديان
ثم حتى لو فرضنا انها رسائل واشارات الهية تحذيرية لبني البشر لردعهم واعادتهم لعبادته فهل حسمت ما هو الدين الصحيح الذي يتوجب عليهم اتباعه بالتأكيد لا
سيدي انت تتحدث عن المعجزة اللغوية الوحيدة الباقية وهي القرأن
اي معجزة فيه ونحن نرى ان السورة الواحدة تفسر بتفسيرات عديدة ومتناقضة ها انت مثلا تقول انك تستعمل عقلك والنصوص وخزينك اللغوي في التفسير وغيرك بنفس المبررات يعطي تفسير اخر فمن هو منكم الصحيح ؟ واللاديني بنفس المبررات يفند مزاعمكم انتم الاثنان لاحظ هذا فقط في طائفة واحدة فقط فما بالك بعشرات الطوائف والديانات اي منهما الصحيح لا ندري بفرض ان واحد منها صحيح
اعتقد نحن بحاجة الان اكثر من اي وقت مضى لمعجزة ربانية حقيقية قاطعة حاسمة لا تقبل الشك يوضح بها الله لعباده الدين او الطائفة الصحيحة الواجب اتباعها وينهي الجدل


5 - رد الكاتب
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 7 / 3 - 14:16 )
يا سيد حكيم الم تسمع بقول القائل إذا عرف السبب بطل العجب، أنت لا تتعجب من الاختراعات لأنك تعرف أسبابها، ولذلك في القديم انظر ماذا طلبوا المشركون من المعجزات: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا، أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا، أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا)الاسراء90-92
كل هذه الأمور التي كانت عبارة عن معجزات في الماضي، قد تحققت في هذا العصر، فهل ننظر إليها كمعجزات؟


6 - رد الكاتب
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 7 / 3 - 14:16 )
كل هذه الأمور التي كانت عبارة عن معجزات في الماضي، قد تحققت في هذا العصر، فهل ننظر إليها كمعجزات؟
أما بالنسبة لإحياء الموتى للمسيح عليه السلام، فقد ذهب كثير من العلماء ان هذا الأمر ليس على حقيقته، إنما المقصود بإحياء الموتى إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وهذه هي الحياة الحقيقية، فالله يقول: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ منها..}ويقول(يا أيها الذين امنوا استجيبوا لله والرسول اذا دعاكم لما يحييكم{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}


7 - رد الكاتب
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 7 / 3 - 14:17 )
ياسيد فيصل ربيع لا شك أن البراكين والزلازل تحدث في أماكن ليست فيها بشر، لكن هل تحدث بمفردها بدون علم الله؟ ليس معنى أنك تعرف اسباب الزلازل والبراكين يعني أنها ظاهرة طبيعية تحدث بتلقائية، إنما هناك مدبر وخالق حكيم وراء حدوث هذه الأشياء، لقد أصبح (العلم) في هذا الزمن هو ملة كثير من الناس، ويبدو أنهم سيعتبرونه (الملة الآخرة والأخيرة) وهذا سوف يوقعهم في الحيرة والضلال، حيث أنهم يبحثون عن تفسير كل شيء حسب هذه الملة الآخرة، وهذا ما أشار الله إليه القرآن الكريم في سورة ص، حيث يحكي على لسان المشركين قولهم:( ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) يعني كل شيء سمعوا به في الملة الأخيرة –ملة العلم- آمنوا به، وان لم يسمعوا به لم يؤمنوا به؟


8 - رد علي بعض الشبهات
Mawia ( 2017 / 1 / 6 - 18:59 )
إذا خلق الله السلام فلما تلك الحروب؟؟ مع إجابه الدكتور ذاكر .. علي الرابط :
https://youtu.be/RlnK2LHBbYs
لماذا لاتوجد معجزة أو دليل واضح حتى يصبح كل البشر مؤمنين بالله ؟؟ مع إجابه الدكتور راتب علي الرابط :
https://youtu.be/YMR1b-Sdhaw

اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح