الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / اولا : مكة قبل الهجرة

سلمان مجيد

2012 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في القسم الاول من الموضوع ، لم اتطرق الى السياسة كمفهوم فكري ، بقدر ما اشرت الى اهم عنصر من عناصر السياسة ، الا وهو البشر ، كان ذلك البشر فردا او جماعة ، حاكما او محكوما ، وخاصة الحاكم ( القائد ) الذي تعطيه خصائصه هذا الدور ، الذي تختزل السياسة ــ بانواعها ــ به ، والذي يجسد تلك السياسة بذلك القائد ، هي الجماعة المستجيبة له ، وما يؤكد هذا المعنى مفهوم السياسة كما جاء في الموسوعة الفلسفية ، باعتبارها ، اي السياسة هي : ( المشاركة في شؤون الدولة و توجيهها ، وتتضمن السياسة مشكلات بنية الدولة و ادارة البلاد ، وانها تعكس المصالح الاساسية للطبقات ، والعلاقة بين الطبقات في السياسة ، كذلك تعبر السياسة عن العلاقات بين الامم ) وحتى تكون هذه المعاني حقيقية ، لابد ان تكون واقعية ، اي تكون موجودة كشئ مقابل لعدم وجودها ، وهذا طبعا محال ، فلابد ان تكون السياسة واقعية، حتى تكون موجودة ، والا ستبقى خيالا غير قابل لملامسة الواقع ، كما هو عند افلاطون في جمهوريته ، لا اريد ان اطيل في هذا التنظير ، حتى لانخرج عن العنوان الاساس لهذا الموضوع ، ولنذهب مباشرة الى الغاية ، وهي اكتشاف طبيعة سياسة محمد (ص) الداخلية ، ان سياسة محمد (ص) الداخلية مرت بثلاث مراحل : اولاها / في مكة قبل الهجرة الى يثرب ، وثانيها / في يثرب بعد الهجرة اليها ، وثالثها / في مكة بعد الفتح ، وقد يعترض البعض على هذا التصنيف ، وخاصة في مكة قبل الهجرة ، باعتبار ان محمدا لم تكن له دولة وهو في مكة ، فكيف تكون له سياسة ،والذي يمكن ان يقال ، ان هذا هو التميز ، الذي اعطى لهذه الشخصية ذلك الافق الواسع ، الذي اثار ذلك الجدل ، ما بين مؤيد ومعارض ، حيث انه مارس السياسة بمعزل عن الاقطاب المهيمنة على شؤون مكة ، باعتبارها كيان متكامل سياسيا واقتصاديا ،بل انه اصبح قطبا فاعلا في تغير موازين القوى في مكة لصالحه ، وعجزت تلك القوى من ممارسة مؤهلاتها الاقتصادية و السياسية و العسكرية ، وحتى العقدية المتمثلة بادارتها للمواسم الدينية حول الكعبة ، ومن ابرز هذه الندية موقفه من المستضعفين الذين استجابوا لدعوته ، حيث تعامل معهم باتجاهين ، اولهما : تثقيفي من خلال اللقاءات السرية التي كان يحققها معهم في دار ( الارقم ) والتي كانت لاتقتصر على التبليغ العقائدي ، بل البناء التنظيمي الضروري لقيام الكيان السياسي المنتظر ، وهذا الاسلوب نجده قائما حتى يومنا هذا ، اما الاسلوب الاخر الذي تعامل به محمد (ص) مع المستضعفين هو الاسلوب المادي ــ ان جاز ان نسميه هكذا ــ واقصد في ذلك العمل على فدائهم من اسيادهم بالمال ، لفك طوق العبودية عنهم ، والذي كان ياسرهم جسديا وفكريا ، وان هذا الاسلوب يعتبر يداية المواجهة المكشوفة بين محمد (ص) و قريش ، وطبعا هذه المواجهة لم تكن عفوية ، وانما كانت منسجمة مع تطور الاحداث التي ادركت قريش من خلالها ، ان ميزان القوى بدا يميل الى جانب صاحب الدعوة الجديدة ، مما دفعها ( اي قريش ) ان تسلك سياسة المخادعة و اللين ، والتي تمثلت بمحاولة اغراء محمد (ص) بالسلطة و المال ، على ان يتخلى عن دعوته ، وذلك عن طريق عمه ( ابو طالب ) ولكن طبيعة السياسة التي اتبعها محمد (ص) اتجاه قريش وما الت اليه جعلته يرفض هذا العرض ، فاستغربت قريش هذا الموقف ، لان هذا بالنسبة لارستقراطية قريش يعد شيئا يتعارض مع مبدا الربح والخسارة ، الذي يؤمن به تجار قريش ، مما ادى هذا الى ان تكشف قريش عن حنقها وغضبها ، الذي دفعها الى استخدام ستراتيجية سياسية جديدة ، تمثلت بالتهديد وحياكة الموامرات ، ومن مظاهر هذه السياسة ، التي تنم عن جهل لمعنى دعوة محمد (ص) من قبل قريش ، وذلك بان عرضت على ( ابو طالب ) عمه ، بان تعطيه شابا من قريش يتبناه ، على ان يسلمهم محمدا ليقتلوه ،فكان ذلك طريق اللاعودة بالنسبة لقريش ، حيث وسعت مواجهتها ، بان اعتبرت الامر ليس مسالة شخصا ، وانما اصبحت قضية حشد من المستضعفين الذين لايخسرون في مواجهتهم لقريش سوى قيودهم ، وان خسران قريش لهذا الجمع ، يعني انهيار الركيزة المادية للمنظومة الاقتصادية لارستقراطية قريش ، فسلكت طريق المقاطعة بكل اشكالها لمحمد وعشيرته ، متاملة في ذلك من الانفراد بالمستضفين ثم الانقضاض عليهم ، مما سيساعد على انحسار الدعوة ثم موتها ، وما عزز هذه القناعة لدى قريش ، بان اضفت على هذه المقاطعة لمسة دينية ، بان علقت وثيقة المقاطعة في جوف الكعبة لاعطائها الصفة الالزامية للجميع ، ولكن فهم محمد (ص) لطبيعة الواقع الاجتماعي لمجتمع الجزيرة ــ انذاك ــ جعله يعمل على تفعيل القيم الايجابية للمجتمع القبلي ، الذي كان سائدا ومن اهمها ( المروءة ) وكان نتيجة ذلك بان اول من ثارة على المقاطعة وعمل على تمزيقها ،بعض الذين عملوا على اقرارها ن متاثرين بتلك المبادئ الايجابية ، وكا ن تاثير ذلك بان عمل على اختراق وحدة موقف قريش اتجاه محمد (ص) وفشل الحصار والمقاطعة ، حيث اصبحت الامور تتطلب اجراءات سياسية اخرى من جانب قريش ومحمد على حد سواء ، لانه اصبح الامر لايطاق لكليهما ، فبالنسبة لمحمد و المستضعفين اصبح التنكيل سياسة منهجية من قبل قريش اتجاههم ، ، واصبحت قريش لاتطيق هذه الدعوة ، وطبعا كل العنف والمواجهة العنيفة تلك ظهرت بعد ان اصبحت الدعوة علنية ، وكان اعلان علانيتها ، ليس كرد انفعالي لموقف قريش من الدعوة ، بل كان يمثل مرحلة موضوعية تعبيرا عن فهم محمد (ص) للتطور الذي طرا على كل اطراف الصراع ، ومن اخطر ما كانت تشعر به قريش هو سياسة محمد (ص) في استمالة بعض زعماء قريش ، فاصبح استجابة بعضهم بمثابة زلزلا هز اركان المنظومة المجتمعية لقريش ، وهذا طبعا اوصل الصراع الى ذروته ، ومما عزز هذا الزلزال وزاد من عنفه ، تمكن محمد (ص) من العمل على مد تاثيره الى خارج مكة ، وذلك بعقد اكثر من ( بيعة ) مع اهل يثرب ، مستهدفا من ذلك تجريد قريش من حلفائها في الخارج ، والاكثر اهمية بالنسبة لمستقبل الدعوة ، تامينه عمقا وركيزة قوية لهذا الكيان الذي يريد بناءه ، و عموما مما عزز نجاح سياسته هذه هو تعامله مع افراد المجتمع ليس على اساس طبقي ، معطيا لهذا التعامل مفهوما شاملا ــ كما يعرف في يومنا الان ــ بالوطنية ــ فكثير ممن تصدوا للمساهمة في انجاح الدعوة ممن كان في نهاية السلم الاجتماعي ، وهم من يعرفون بالموالي ، وهناك من كان ضمن الصفوة الارستقراطية ، بعد ان جرد نفسه من كل مظاهر هذا الانتماء الطبقي مضطرا لا مختارا ، كل هذه الامور وتتابع الاحداث الدراماتيكية ، دفعت محمد (ص) الى اتخاذ القرار المصيري بالهجرة الى يثرب ، ليس هربا او خوفا مما كان قد يصيبه من اذى ، خاصة بعد علمه بالموامرة ( القبلية ) لاغتياله ، ولكن من اجل تدشين مرحلة جديدة ، تتمثل باقامة او دولة عل اسس جديدة ، عكس الذي كان قائما انذاك والذي اشرنا اليه في القسم الاول من هذا الموضوع ، وحتى هجرته الى يثرب متخفيا ، لم تكن عملية عشوائية ، بل كانت تعد من اكثر العمليات السرية دقة ، من ناحية التوقيت او الاسلوب ، وحتى العناصر البشرية الضرورية لانجاح الخطة ، كمبيت علي بن ابي طالب (ع) في فراشه ، او اصطحابه لابي بكر (رض) في مسيرته الى يثرب ، وان ابقائه لعلي في مكة لم يكن للتمويه فقط ، بل لتجسيد مبدا من اهم المبادئ السامية التي عرف عنه بها ، حتى قبل الدعوة ، الاوهي : الايفاء بالعهود و الامانة ، حيث كلفه برد الامانات الى اهلها ، كذلك الايفاء بالديون التي كانت عليه الى اصحابها .
هذه ملامح من سياسة محمد (ص) الداخلية في مكة قبل الهجرة ، وهو بدون دولة ، فما هي سياسته الداخلية ، وهو رئيس لدولة غير نمطية ، دولة بطراز جديد ، هذا ما سناتي عليه في القسم القادم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها