الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعات الاهلية وطفيليات العقل البائد

ماجد فيادي

2012 / 7 / 5
التربية والتعليم والبحث العلمي


مقدمة تاريخية
ظهرت المدارس الاهلية في العراق منذ العهد الملكي واخذت سمعة جيدة من حيث المستوى التعليمي، مثال المدرسة الجعفرية وكلية بغداد، كانت المدارس الاعدادية تمثل قمة التحصيل الدراسي، حتى جاء الوقت الذي انفتح فيه العراق على العالم بشكل واسع، فنشأت المعاهد والجامعات التي تمنح شهادات تخصصية عليا، وفق منهاج دراسي متطور، ونظام تعليمي يحاكي ما موجود في العالم المتقدم، فكسبت جامعة بغداد مثلاً احترام العالم، ونال خريجوها التقدير العلمي والاعتراف بهم، نتيجة مستوى برنامجها ومكانة أساتذتها ونوعية المختبرات وأهمية البحوث التي تقدمها.
هذا التطور جاء بدعم واضح من قبل حكومة ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، التي رفعت من شأن العلم والعلماء، وزادت من عدد البعثات الدراسية، في جو من انتعاش قوى اليسار في تلك الفترة، الذي ساهم في نشر الوعي بتنظيم حملات محو الامية كمجهود مجتمعي طوعي، وفي هذا المجال يذكر لرابطة المرأة العراقية ريادتها كمنظمة مجتمع مدني تعمل وسط النساء لتعليمهن القراءة والكتابة.
بعد إنقلاب شباط الاسود وصعود القوميون الشوفينيون الى السلطة، راح منحنى التطور العلمي نحو الاسفل، بإنشغال المجتمع في سلسلة من الحروب الداخلية والخارجية، جعلت الشهادة العلمية غير ذي جدوى مادام الخريجون سيذهبون الى دوامة الحرب، وسيسحقون بآلتها، ففي مرحلة الثمانينات صار طلبة الكليات يلجوؤن الى مد سنين الدراسة بالرسوب المتعمد، للهروب من مصيرهم المحتوم في جبهات القتال، وفي التسعينات أفرغت الكليات من أهدافها العلمية، عندما إفتقرت الى أبسط مقومات التعليم والتعلم، نتيجة الحصار الاقتصادي وسياسة النظام الدكتاتوري. من هنا بدء العالم لا يعترف بالخريجين العراقيين، وصارت الجامعات في تراجع مستمر في التسلسل العالمي.

في عهد النظام الدكتاتوري
رغم تراجع مكانة الشهادات العليا بسبب غياب فرص العمل ارتفاع البطالة، قفزت ظاهرة الجامعات الاهلية الى السطح، واستقطبت عدد كبير من خريجي طلبة الاعداية، تُفَسَر هذه الظاهرة، أن مرحلة ما بعد الحرب العراقية الايرانية، واجه النظام الدكتاتوري مشكلة البطالة، وقد عمد لتأخير تسريح المكلفين من الجيش العراقي رغم عدم الحاجة له، لكن هذا الحل لم يكن كافياً في ظروف ضعف شديد لقطاع التجارة الخاص، فالنظام ضرب التجار وقدمهم للاعدام خوفا من تعاظم دورهم أمام هيمنة العائلة الحاكمة، كما تراجع قطاع التجارة العام بحكم الانفاق الكبير على آلة الحرب، ناهيكم عن غياب نظام اقتصادي بمفهومه العالمي، لهذا جاءت الجامعات الاهلية لتمتص البطالة وتشغل الشباب عن التفكير بمستقبلهم أو حتى تنظيم أنفسهم في تجمعات مناوئة للسلطة، لحيني يتمكن النظام من الدخول في حرب جديدة تعيد الشباب الى ساحات القتال، فالدكتاتوري كان يعمل على إبقاء الشباب في دوامة لا يخرجوا منها، خوفاً من التفرغ له لاسقاطه.
رغم سوء الاوضاع والاهداف اللاعلمية التي نشأت من اجلها الجامعات الاهلية في عهد الدكتاتور، فقد حصل توازن بين الاختصاصات العلمية والانسانية، حيث وصلت نسبة الجامعات التي تمنح شهادات ذات طابع هندسي وطبي 50% من مجموع الكليات الاهلية، ما يعكس تأثير مرحلة السبعينات على الكفاءات العلمية التي أنشأت هذه الجامعات.

ما بعد السقوط والاحتلال
يبقى المجتمع العراقي رغم كل ما مر به من حروب ومآسي وإهانة للشهادة الجامعية، يبقى مجتمعاً يشجع بناته وأبنائه للحصول على الشهادة العليا، ولان الامل قد عاد بسقوط الصنم، رجع المجتمع يشجع على مواصلة التعليم، ظنناً منه أن الامور ستسير في الطريق السليم، وستعود الشهادة الى مكانتها الحقيقية، لكن الارهاب والسياسة المتعمدة من قبل الاحتلال في تردي الاوضاع، بالاضافة الى سياسة الاحزاب الحاكمة في تصعيد المشاكل فيما بينها، تراجع الامل في توفير فرص العمل مع تعطيل إعمار المعامل والمصانع وعدم تشجيع المشاريع الصغيرة وصعوبة دخول الاستثمار العراقي والاجنبي لسوق العمل، هذه الحالة رفعت من معدل البطالة وسط الشباب العراقي، فعادت طفيليات العقل البائد، تنصح وتخطط لنفس الفكرة القديمة، في إنشاء جامعات أهلية جديدة، تستوعب آلاف الطلبة بدل إضافتهم الى جيش العاطلين عن العمل، وفي نفس الوقت إتصفت الجامعات الجديدة بتغذيتها للفكر الطائفي (يمكن العودة لموقع الوزارة للتعرف على أسماء الجامعات الاهلية المعترف بها)، بحملها أسماء الائمة والمدن الدينية ومناهج طائفية، خاصة وإن التخصصات التي تقدمها الجامعات الجديدة 80% علوم إنسانية، تختص باللغة والفقه والمحامات والمحاسبة، أي أنها بعيدة عن تدريب الخريجين على مهن إنتاجية، تفتح فرص عمل لاختصاصات أخرى (عامل صناعة السيارات في أميركا يخلق خمسة فرص عمل)، هذا وقد جاءت الفكرة كوسيلة كسب مادي كبير، في تلاعبها بطموح الشباب العراقي الذي لم يحصل على فرصة دراسة في الجامعات الحكومية لقلة المقاعد الدراسية أو لضعف المعدل الدراسي.
عدد الكليات الاهلية التي فتحت قبل السقوط كانت عشرة، لكنها في الحقيقة تحمل إسم كلية مع مفردة الجامعة، لكي تتمكن من فتح أقسام جديدة في اختصاصات متنوعة (كلية الامام الجامعة/قضاء بلد)، وقد استمر هذا الاسلوب بعد السقوط، لتفتح سبعة عشر جامعة جديدة بقرار من مجلس الوزراء، بعد أن وفرت الشروط اللازمة، وهي شروط سهلة، تطلبت توفر المنشأة كالمختبرات والمكتبات والصفوف الدراسية، كادر تدريسي لا يشترط فيه أن يكون الاستاذ مستمر في إجراء البحوث العلمية، كما الحال في الجامعات المتقدمة عالمياً، القدرات المالية لضمان دفع رواتب الموظفين والكادر التدريسي، لكن ليس هناك من مانع لمنح الرخص لنفس النوع من الجامعات مهما ازداد عددها، ومدى توالمها مع حاجة السوق العراقية لما تخرجه من كفاءات علمية، هذا يفسر أن 20% فقط من الكليات الاهلية تمنح شهادات المجموعة الهندسية والطبية، من مجموع الكليات الاهلية منذ زمن الدكتاتور لليوم، لان معظم قاصدي الجامعات الاهلية ممن لم يحصلوا على معدل دراسي عالي، وهذا يقلل من أعداد الطلبة القادرة على دخول اختصاصات المجموعة الهندسية والطبية.

لمن يبحث عن الجامعات الاهلية عبر الانترنيت، خاصة التي أسست بعد السقوط، يفاجئ أن عدداً منها يصعب العثور عليها، وتشترك جميعها بضعف شكل الموقع وتخلفه في تقديم المعلومات، لن يتمكن أحد من العثور على إحصائية لعدد الطلاب المتخرجين في مواقع الجامعات أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، نسبة 100% من الجامعات الاهلية تفتقر الى مرافق البحث العلمي التي تنتج بحوث تغذي السوق العراقية بالاختراعات.

فلسفة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
يجد الباحث على موقع الوزارة ضمن فلسفتها في فقرة ”الركائز الاساسية داخل منظومة التعليم العالي، المادة (6:. التعليم الخاص) ــ متابعة ترصين مساهمة الجامعات والكليات الاهلية في تأكيد انسجام متطلباتها بما يتوافق مع سياسات وتوجهات الوزارة وحاجة سوق العمل. وفي نفس المادة ــ التأكيد على أن تنحى الجامعات والكليات الاهلية منحى التكامل وليس التشابه في الاختصاصات العلمية والانسانية في الجامعات الرسمية“. لكن الحقيقة أن الجامعات الاهلية لا تنسجم مع متطلبات السوق، لان خريجيها وخريجي الجامعات الرسمية بلا فرص عمل، وهي لا تتكامل مع الجامعات الرسمية لانها استنساخ متكرر لما موجود من قبلها، والكلية الوحيدة التي لم تمنح رخصة من قبل مجلس الوزراء منذ عام 2005 هي كلية الشيخ محمد الكسنزان الجامعة/ بغداد. ما يعني أن فلسفة الوزارة مجرد حبر على ورق.

الخلاصة
صرف في عهد الدكتاتور مبالغ مالية كبيرة لانشاء جامعات أهلية، تطرقنا لاهدافها، ثم أنفقت أموال أكبر بعد السقوط لانشاء جامعات أهلية جديدة لاهداف مماثلة لسابقتها مع أهداف طائفية، بالوقت الذي لا يحتاج العراق الى هذا العدد من حملة الشهادات في ظل غياب فرص العمل. في حين لو أستغلت هذه الاموال في إنشاء مشاريع إنتاجية، توفر فرص عمل حقيقية، وتخلق فرص عمل جديدة ترتبط بها، وتكون نموذج محفز لاقامة مشاريع أخرى، لكانت الفائدة حقيقية.
ليس هنالك بلد في العالم يسمح لكل خريجي الاعداديات أن يدخلوا الجامعات، إن كانت رسمية أو أهلية، لان اقتصاد البلدان لا يمكن أن يسير بمجهود حملة الشهادات العليا فقط، إنما تظافر كل الاختصاصات والمهارات وعلى مختلف المستويات. بدل أن تفتح جامعات تخرج كفاءات لا تتوالم وما توصل اليه العالم في ظروف سوق محلية متخلفة، العراق بحاجة الى إبتعاث كفاءات للدول المتقدمة تحصل على تدريب عالي، ثم تعود لانشاء معاهد تقيم دورات لمهن حرفية، على مستوى يحاكي التطور العالمي في مجال التكنلوجيا، تؤهلها أن تكون أيدي عاملة لمشاريع تقيمها شركات عالمية قريباً في العراق، بالاضافة الى خلق مهارات قادرة على إقامة مشاريع إنتاجية صغيرة، خاصة وإنها توفر فرص عمل أكثر من المشاريع الكبيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهد ممتاز
علي فهد ياسين ( 2012 / 7 / 5 - 15:51 )
جهد ممتاز لموضوع كبير وخطير هو مايسمى بالتعليم الاهلي الذي تحول الى تجارة وهو متمدد الى جميع مراحل التعليم وليس في الجامعات فقط وهو جزء من الفوضى التي تضرب كل مجالات الحياة في العراق
شكرا للعزيز ماجد الذي عودنا على هكذا التقاطات مفيدة

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا