الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهلاً بالمنشقّين دوماً

إيمان البغدادي

2012 / 7 / 7
المجتمع المدني


في بداية الثورة السورية كنّا جميعنا نتأمل أن يزداد نطاق المظاهرات و المشاركين بها لأن هذا كفيل باستمرار الحراك، كنّا نشعر بأنّ الحياة عادت إلى صدورنا حين نشاهد مظاهرة جديدة انطلقت من مكان ما مهما كان عدد المشاركين بها قليلاً. و اليوم عمّت المظاهرات كلّ المدن و الأحياء السورية، و ربما لم يعد هناك من عائلة سورية إلاّ و فقدت شهيداً أو لديها معتقل في أحد الأقبية الأسدية. مع ذلك ما زال هناك تخاذلاً سورياً سورياً من أولئك الذين ينتمون للنظام و ما زالوا يؤيدونه رغم كل ما يحدث من مجازر و عنف، كما أنّ الكل يعرف أن هناك تخاذلاً دولياً و عدم وجود نية حقيقية للآن في دعمنا كما يجب. ولليوم مازلنا نعوّل على أنفسنا فقط و كلما تكاتفت أيدينا بشكل أفضل سنكون قادرين على إسقاط هذا النظام البربري و سنعجّل بإيقاف شلالات الدم التي باتت تنافس شلالات نياغارا.

في نظرة سريعة لتركيبة النظام نجد أنها تركيبة عنكبوتية خيوطها متشابكة بعناية و دقة في شبكة واحدة، حيث تتحكم هذه العصابة بكل مفاصل الدولة على كل المستويات العسكرية و الأمنية و الاقتصادية و القضائية...الخ. وهذا ما عملت عليه هذه العصابة لتضمن بقاءها و لتضمن التحكم و السيطرة بكل شيء و بكل أحد. كل فرد من هذه العصابة أو من مؤيديها و داعميها هو خيط من خيوط هذه الشبكة العنكبوتية و كلما انقطع أحد هذه الخيوط ستصبح الشبكة مهترأة و مهلهلة و سيكون من الأسهل الإطاحة بها.
لذا يجب أن نرحّب بكل انشقاق من صفوف هذا النظام لأنه سيكون بمثابة إسفين جديد يُدقّ في نعشه.
لكن ما يحدث أنّ بعضنا ما زال يفكّر بقلبه بدل أن يستعمل دماغه و ما زال يعترض على انشقاق فلان و يرفض انشقاق علتان. البارحة على سبيل المثال كان خبر انشقاق مناف طلاس، حيث استُقبل من قبل الكثيرين بالرفض و بدأ الهجوم على هذا الانشقاق ، والبعض شطح بخياله أبعد من ذلك و اعتبر هذا الانشقاق بمثابة مؤامرة أمريكية على هذا الشعب!
هذا الانشقاق برأي خطوة جيدة ستزيد الخناق على هذا النظام و أتمنى أن يليه المزيد من الانشقاقات.

وهنا أريد أن أسأل أليس كل الأشخاص الذين كنا ندعوهم للانشقاق كالسفراء و الوزراء و الإعلاميين و البرلمانيين و الضباط وغيرهم، أليس بعضهم أو ربما غالبيتهم كان شريكاً ببعض الجرائم و بفسادٍ دام لعقود؟ الجواب هو: نعم. إذن مالذي نفكّر به و نريده الآن؟ هل نظن أن العاملين مع هذا النظام هم ملائكة منزلّة من السماء لا تعرف إلاّ الفضيلة و الجمال؟ هل نريد أن ينشقّ فقط الرائعيين و المذهلين و أصحاب السيرة الذاتية و المهنية النظيفة؟
هذا هراء لأنه حينها لن ينشق أحد، لأنه ببساطة لا يوجد أحد بهذه المواصفات التي نرسمها بخيالاتنا.

بصراحة لا يوجد أحد عمل مع هذا النظام إلا و تلوثّت يداه من حيث يدري أو لا يدري. لا شكّ بأن البعض منهم ليس لديه الحد الأدنى من الأخلاق أو جزءاً من ضمير فأعجبهم أن يسرقوا و ينهبوا و يتحكموا بحياة الناس. وكل ما فعلوه أنهم أكمل مسيرتهم برشاقة على تلك السكة البائسة التي أمنتها لهم هذه العصابة. أمّا البعض الآخر فلقد تورّط بدائرة الجريمة و الفساد و لم يعرف كيف يخرج منها لأنه إذا وقف بوجههم فسيدوسونه بأقدامهم كحشرة حقيرة. أمّا إذا لجأ إلى القانون فهو سيعود إليهم. لأنهم هم القانون و الشرطي و السجان و القاضي و الحاكم و كل شيء.

الذين ينتمون للنظام و باتوا يفكرون بالانشقاق هم كلص كان يسرق من خزينة الشركة التي كان يعمل بها على مدى سنوات، بدأ بسرقة مبالغ صغيرة ولم ينتبه له أحد فبدأ يسرق أكثر ولم يسائله أحد. ثم اكتشف أنّ من كان يُسهّل له هذه السرقات هو المدير العام للشركة الذي كان حريصاً على أن يصبح جميع العاملين في هذه الشركة لصوص و مجرمون. في هذه الشركة كل العاملين يعرفون أن الكلّ لصوص حتى أصبحوا يشعرون أن السرقة و النهب و الفساد هي أشياء عادية يقوم بها الموظف بشكل يومي كجزء أساسي من مهامه في العمل. كما أنّ الكل يعرف أنه إذا وشى عن فلان فإن هذا الفلان سيتكلّم عنه أيضاً، كل واحد منهم يمسك الثاني من اليد التي تؤلمه. التطور الذي حدث خلال هذه الثورة أن بعض هؤلاء الموظفين أدركوا أنّ هذه الشركة ستنهار وأن مدير هذه الشركة سيتغير و بأنه بات مطلوباً للمحاكمة على جرائم لا حصر و لا حد لها، لذلك هم يفكرون بأن يتركوا هذه الشركة، البعض لا يعرف كيف والبعض الآخر متردد و لا يعرف ماذا سيحصل له إذا اتخذ هذا القرار؟

و الحقيقة أنهم بحاجتنا و نحن بحاجتهم فنحن نريد أن تتفكك هذه العصابة المحصنة بالأسلحة و الفساد و كلما انشق منها واحداً سيعجّل بانهيارها فهم الأعلم بملفات الفساد و الجريمة لهذا النظام و انفصالهم عنه يعني تعريته بالكامل و كشف المستور و تركه يواجه الريح وحيداً. النظام سيصاب بإرهاق شديد إن تركوه لأنه لن يكون قادراً حينها أن يقوم بكل شيء بيديه حتى وإن امتلك المال و السلاح. فعندما ينشق الإعلاميين و العاملين في هذا المجال على سبيل المثال لن يكون النظام حينها قادراً على إدارة قنواته الإعلامية ونقل نشرات الأخبار بنفسه، كما لن يكون قادراً على قصف المدن بالدبابات ولا على قنص الناس من على الأسطح في حال ازدادت الانشقاقات في صفوف الجيش. و أعتقد أنه سيكون من الصعب على شخص مهلهل كبشار أن يخرج للشوارع و البيوت ليعتقل الناس بنفسه و يزجهم في أقبيته المعتمة. كما أنه حتى لو أجلس شخصاً بحجم وليد المعلم في مجلس الشعب حين يلقي خطاباً سخيفاً فلن يكون حينها المعلم كافياً لسد الفراغ الذي من الممكن أن يخلقه أعضاء هذا المجلس في حال انشقوا عنه. باختصار هذا النظام بحاجة لأفراد ليدعموه و كلما تركه واحداً منهم سيكون هذا من صالحنا و صالح الثورة.

بعد أن نُسقط هذا النظام سنأتي بلا شك للخطوة التالية و هي إقامة العدل و الامتثال للقانون. و هذا القانون من المفترض أننا سنحرص أن يكون قانوناً يتساوى أمامه الجميع، قانوناً ليس لديه عينٌ ترى البعض خيار والبعض الآخر فقوس. لذلك أي شخص تثبت عليه جريمة من أي نوع سيُحاكم بالطبع وسنكون حريصين كلنا على هذا الجانب. لكننا اليوم يجب أن نرتّب أولوياتنا و لا نحيد عن بوصلتنا. و أولويتنا هي إسقاط النظام و إيقاف القتل لذلك لن نبحث بملفات بعضنا البعض كما أنه من الخطأ أن نقول لهؤلاء المنشقين أو الذين يفكرون بالانشقاق نحن لا نريدكم لأنكم عملتم في السابق مع هذا النظام. فإذا لم نقبلهم فإلى أين سيذهبون حينها؟ سيعودون حينها إلى حضن هذا النظام من جديد لأننا أغلقنا الباب في وجههم. وبهذا نكون قد وقفنا ضد أنفسنا و مع النظام عن دون قصد و هذا ما لا يجب أن نسمح بحدوثه.
منذ البداية و نحن نقول أن الذي يقف مع النظام يقف في المكان الخطأ، لكن أليس من الغريب أن نغلق الباب بوجهه حين يترك هذا النظام و يأتي إلينا؟ إذا فعلنا هذا سنكون نطبّق المثل السوري القائل: "مقسوم لا تاكل و صحيح لا تقسم و كول حتى تشبع"

قد يكون البعض منّا متخوّفاً من أن يصل هؤلاء المنشقين للقيادات العليا في المعارضة أو الجيش الحر و يسبب لنا الضرر. و هنا يأتي دور هذه المجالس لتكون حذرة و متيقظة فالحذر مطلوب وواجب وليس لدينا اعتراض على هذا. من الممكن الاستفادة من المنشقين دون تسليمهم أي مناصب قيادية ودون إطلاعهم على التفاصيل الحساسة و دون أن يتم التعامل معهم و كأنهم ما زالوا أشخاص مهمين يمتلكون سلطة. فليس للمنشق شروط علينا كي ينشق لكن لديه ضمانات لدينا بالقبول والأمان كأي مواطن سوري عادي.

في النهاية أعيد و أكرر بأنّ دورنا أن نرحّب بأي انشقاق و نشجّع الذين يفكرون بهذه الخطوة لا أن نصيبهم بمزيد من الخوف و التردد. كم أنّنا يجب أن نُؤمّن لهم طريقاً يمضون من خلاله مكاناً بيننا. الذي ارتكب جريمة سواءً كان من الموالين أم من المعارضين سيُحاكم و بعدها سيعيش بيننا كأي مواطن عادي. فسوريا الجديدة ستكون لجميع أبنائها و ستُبنى و تزدهر من جديد بأيدي الجميع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تدابير جديدة من بايدن لتسهيل أوضاع آلاف المهاجرين


.. نشرة الخامسة | مباحثات لمنع حرب بين إسرائيل ولبنان.. وبايدن




.. تصاريح إقامة وعمل للمهاجرين المتزوجين.. تدابير جديدة من بايد


.. المتحدث باسم اليونيسف: أهل غزة صامدون وهناك روح لم أرها من ق




.. غرق عشرات المهاجرين بعد تحطم سفينتين قبالة إيطاليا