الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / ثانيا : الهجرة الى يثرب .

سلمان مجيد

2012 / 7 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ما انتهينا اليه في القسم الثاني ، اولا / من هذا الموضوع ، انه كيف ترك محمد (ص) مكة متجها الى يثرب ، وكان هذا بحد ذاته ، بداية التطبيق العملي للسياسة التي وضع اسسها من خلال المراحل التجريبية التي خبرها قبل ان تكون له دولة ،وما ستثبته الاحداث اللاحقة ، انه ليس بحاجة الى اعادة التجارب في محيطه الجديد ، بل بدا باتخاذ القرارات المباشرة لما تتطلبه المواقف ، ومن الامور التي واجهته حتى قبل دخوله يثرب ، هو مسلك المنافقين و الذي يعبر عنهم في يومنا هذا ( الرتل الخامس ) حيث لم يقارعهم بالحجة ، بل نسف القاعدة المادية التي يحتمون بها و المتمثلة بمسجد ( ضرار ) ، فامر بازالته حتى لايكون رمزا لاستقطاب الذين يعلنون شيئا ويضمرون شيئا اخر ، وتاكيدا لخطته في تاسيس الركائز المادية للدولة ، حيث انه وقبل ان يستريح من عناء السفر من مكة الى يثرب ، وما كان يحف به من مخاطر ، عمل على تحديد مكان المنشاة التي ستكون مقرا للدولة ، وهو المسجد ، وادراكا منه لاستقلالية هذا الصرح المؤمل اقامته ، فلم يترك لاحد ان يقرر مكانه ، وحتى هو لم يتدخل ، بل ترك لامر لما لايمكن الاختلاف عليه وهو ( الناقة ) التي تركها تسرح الى ان بركت في المكان ( المختار ) ، الذي اصبح مقرا للدين و الدولة ، وهذا الاسلوب بالاختيار لم يات عفويا ، او ابن لحظته ، بل جاء عن سابق علم من قبل محمد (ص) بشؤون يثرب ــ التي اصبحت من الان اسمها المدينة ــ وخاصة المجتمعية التي تحتاج الى الحرص و الروية بالتعامل ، وخاصة في الجانب السياسي ، الذي يقع خارج المحرمات الدينية ، حيث انه كان يعلم ان التركيبة المجتمعية للمدينة ، تتمثل بالاوس والخزرج والقبائل اليهودية من بني قريظة وبني قينقاع و بني النظير ، ولهذا عجز اهل يثرب من تاسيس دولة ، او قل كيان سياسي موحد ــ قبل مجئ محمد (ص) ــ بسبب هذا التنوع في الاجتماع و الاقتصاد وحتى العقيدة ،لان النشاط اليهودي يغلب علية الجانب المالي ( الربا ) ، اضافة الى التعدد القبلي الذي اقترن بالصراع الدامي بين الاوس والخزرج ، لذلك ما كان يحتاج الية الامر من جانب محمد (ص) ا لحيطة والحذر في العمل السياسي ــ كما ذكر اعلاه ــ وسط هذا المحيط المتحفزة اطرافه بعضها اتجاه بعض ، فكان له ما اراد ، بان استقطب رضا ، لا اقول الجميع ، بل الاعم الاغلب ، لانه كان هناك من كان يضمر شيئا ، لا من شئ سوى انهيار الطموح بالسيادة في المدينة ( كعبدالله بن سلول )مثلا ، وبعد ان هدات الانفس تلك تحت وطئة الجهد الجسدي من اجل استكمال المنشاة ( السياسية الدينية ) وهي المسجد ، برزت لمحمد (ص) مشكلة ــ لم يكن غافلا عنها ـ وهي مشكلة المهاجرين الذين سبقوه في المجئ الى المدينة ، ولم يكن لهم شئ من مال ليعتاشوا عليه ، فانهم تركوه وعوائلهم هناك في مكة نهبا من قبل عتاة قريش ،وان هذه المشكلة تكاد ان تميد بمشروع الدولة المنتظرة ، بل قل حتى الدين ، لان المدينة هي المآل الوحيد الذي ممكن ان يتحقق المشروع فيها ، ولكن سياسة محمد (ص) الانية وحتى القبلية المتمثلة بالمواثيق التي وثقها مع اهل يثرب و المعروفة ( ببيعة العقبة الاولى و الثانية ) كانت المثابة التي اجتمع حولها المتعاقدون دون نقض ، فثقة محمد (ص) بكل ما تقدم جعله اكثر جرآة في طرح مشروع المؤاخاة الذي لم يحدث مثيلا له ، لاقبل محمد ولابعده ، ولايمكن ان يحدث الى ماشاء الله ، وذلك لمضمونه الذي يعمل على صهر هذا الكم من المتناقضات ،في بودقة الحب الانساني ، قبل ان يكون حبا ايمانيا ، لانه لازال من اسلم ولم يدخل الايمان الى قلبه ، فكان له ما اراد بمشروعه ، بان غلف التكافل الاجتماعي باكثر الروابط الاجتماعية لحمة ، الا وهي الاخوة ، فكانت ( المؤاخاة )، ونحن نعلم عمق الاخوة في المجتمع القبلي .
ثم التفت محمد (ص) في سياسته الداخلية التنظيمية ليعطي صورة الافق الذي كان يحمله لمستقبل مشروعه ــ السياسي الاجتماعي ) ولا نقل الديني ، على اقل تقدير ، لان المشروع الديني ( اقرار ) و المشروع السياسي ــ الاجتماعي ( اختيار ) ، اذن كان عليه ان يختار ويخير ( بتشديد الياء الثانية ) وذلك بان يضع اول دستور ( ارضي ) ليجسد الوحدة السياسية ــ والذي عجزت عنه كثير من الكيانات السياسية العربية منها والاسلامية ، ولم يتحقق منه شئ ليومنا هذا ، فكانت ( وثيقة المدينة ) التي تضمنت اسمى ما يمكن ان تتضمنه وثيقة ( عقد اجتماعي ) في مثل تلك الظروف ( الزمكانية ) حيث تضمنت ، حسب ما اورده ( عزيز السيد جاسم )في كتابه ( محمد (ص) الحقيقة العظمى ) نقلا عن ( منهاج الصالحين ) للكاتب ( عز الدين بليق ) ، مبادئ المعاهدة التي كتبها محمد (ص) بين المهاجرين والانصار و اليهود ، وهذه هي :
1 / وحدة الامة المسلمة من غير تفرقة بينها . 2 / تساوي ابناء الامة جميعا في الحقوق و الكرامة . 3 / تكاتف الامة كلها دون الظلم والاثم و العدوان و الفساد ، كائنا من كان المفسد . 4 / اشتراك الامة في تقرير العلاقات مع اعدائها .... 5 / تاسيس المجتمع على احسن النظم و اهداها و اقومها . 6 / مكافحة الخارجين على الدولة ونظامها العام ............. 7 / حماية من اراد العيش مع المسلمين ..... 8 / لغير المسلمين دينهم و اموالهم لايجبرون على دين المسلمين ، ولا تؤخذ اموالهم . 9 / على غير المسلمين ان يساهموا في نفقات الدولة . 10 / على غير المسلمين في الدولة الاسلامية ، ان يتعاونوا معهم لدرء الخطر عن كيان الدولة ..... 11 / على الدولة ان تنصر من يظلم ( بظم الياء ) .12 / على المسلمين وغيرهم ان يمتنعوا عن حماية اعداء الدولة ....13 / اذا كان مصلحة الامة في الصلح ، وجب على جميع ابنائها ........ ان يقبلواالصلح .... 14 / لايؤاخذ انسان بذنب غيره ..... 15 / حرية الانتقال في داخل الدولة و الى خارجها .16 / لا حمية لآثم ولا ظالم .... 17 / المحتمع يقوم على اساس التعاون .... 18 / هذه المبادئ تحميها قوتان : معنوية ومادية ، الايمان بالله ، ورئاسة الدولة التي يمثلها محمد (ص) .اذن كما نلاحظ ، انه دستور مدني يراعي التنوع الذي كانت عليه المدينة ، وهذا الامر يعطينا الحق بالرد على الذين يدعون ان محمد (ص) كان يكتفي ( بالوحي ) كقاعدة لتسير شؤون الدولة و المجتمع ، غافلين عن المبدا الذي اتبعه : وهو مبدا الشورى ، والذي يعبر عن مفهوم الديمقراطية في عصرنا الحاضر ، حيث كانت الشورى مبدا اصيلا من مبادئ تجربته السياسية ــ وخاصة الداخلية منها ــ منذ الوهلة الاولى لقيام دولته ، وحتى قبل ذلك وهو في مكة ، فكان احيانا يتخلى عن رايه مراعاة لاراء اصحابه ، معطيا لواقعية الراي والراي الاخر المكانة الاعلى في الواقعية السياسية ، ومن كان يرى غير ذلك ، فانما يقيس الامور على المراحل الاحقة لوفاته ، بعد ان نشات الازدواجية في الحكم ، والتفريط بالحرية ، وسبب هذه النظرة من قبل البعض ، انما تعود الى احادية النظرة ، والعمل على تعميم هذه النظرة الاحادية ، مجانبين في ذلك مبدا الموضوعية في تناول الحدث التاريخي ، ضمن اطاره ( الزمكاني ).وتاكيدا لسياسة محمد (ص) الواقعية ، لابد من اختبارها من خلال الممارسة العملية التي تعتبر المحك الحقيقي لمصداقيته في التعبير عن ايمانه في المبادئ التي كان يدعو اليها وهو لازال بدون دولة ، ومن تلك الممارسات التي تاكد مصداقيته تلك ، هي ادارة الدولة بصورة غير مباشرة ، وذلك بتكليف بعض اصحابه في ان يكونوا نوابا عنه في ادارة شؤون الدولة ، ــ وهذه الممارسة تستهدف امورا منها : تدريب اصحابه على ادارة شؤون الدولة ، في حالة غيابه عن مركز الدولة ( المدينة ) لسبب ما ، وحتى لو تعرض الى الموت الطبيعي او القتل ، وهذا ما اشار اليه القرآن الكريم لمثل هذا الاحتمال : ( فان مات او قتل ..... ) ، وهناك غاية اخرى ، لم ينتبه اليها الكثيرون في هذه الممارسة ( اي استخلافه لبعض اصحابه ) وذلك باعطائه معنى مفاده : ( ان السياسة ليست مقدسة كقدسية ( النبوة ) والا كان قد استخلف احدا للقيام بشؤون ( النبوة ) ، وهذا غير ممكن لتعلق الامر ( بالتكليف الالهي )، ان هذه الملاحظة ــ لااقول ــ انه فصل الدين عن السياسة ، بل جعلهما يسيران بشكل يوازي احدهما الاخر ــ ولكن بدون تقاطع ــ اذن من الممكن ان تتعايش السياسة مع الدين ــ في عهده على اقل تقدير ــ الا ان تقاطع السياسة مع الدين و الدعوة الى الفصل بينهما ، ما ظهرت الا بعد ان طرآ ما طرآ على السياسة من انحراف ، وكذلك ما تعرض اليه الدين من انحراف عن الاصول الصحيحة وليست المدعاة ، التي تعد ضرورة اجتماعية ، حسب معاير علم الاجتماع ، في انه لايخلو مجتمع من معتقد ديني ، مهما كان شكله . وان هذا الانحراف في جانبيه السياسي و الديني ظهر بالعالم الاسلامي بشكل واضح ، بعد تلك التجربة المحمدية في الحكم ، لانها كانت ــ فعلا ــ خاصة به ، حيث انتكست التجربة بعد موته مباشرة ، فاصبحت سياسة اهل ( الحل والعقد ) هي المسيطرة ، فتداعى هؤلاء بعضهم بعضا ــ ولازال جسد محمد (ص) لم يبرد ــ الى السقيفة ، وتمت عملية ارضاء هؤلاء بعضهم بعضا ، دون الاخرين خارج السقيفة المنشغلين بتجهيز جسد محمد (ص) للدفن ، ثم تحولت ( السياسة ) الى التعين ، دون الالتفات الى مبدا ( الشورى ) ، ثم مرة ثالثةالى النخبة المختارة التي تم تحديد مسارها باحكام لتوجيه الحكم وجهة محددة وبدقة ، ثم الت الامور الى ما يشبه ــ في يومنا ــ ( ساحات تحرير الربيع العربي ) وذلك باختيار ( علي بن ابي طالب ) اختيارا عفويا وذلك لدرء المخاطر التي احاطت بالامة بعد مقتل ( عثمان ) ، ليعود الامر الى الارستقراطية التجارية و المالية ، لتقبض على الاوضاع السياسية ، وليصبح الحكم عضوضا ، في عهد الاموين و العباسين ، وحتى يونا هذا ، عند البعض .
وهناك بعض الممارسات الاخرى التي تاكد مبدا الواقعية السياسية ــ في عهد محمد (ص) ــ منها وباختصار : ما يتمثل بموقفه من بعض الامور الحياتية الاجتماعية و الاقتصادية وحتى النفسية ، الخاصة بالمحيطين به ، فعندما طلب منه ان يصلي على ( عبدالله بن ابي ) بعد موته ، قام ( عمر بن الخطاب ) في صدره ،محاولا منعه ، ومحمد يبتسم ، فعندما اكثر ( عمر ) قال له : ( يا عمر اخر عني اني خيرت فاخترت ) ، وهناك بعض اقوال محمد (ص) التي تترجم المبدا السياسي ــ موضوع البحث ــ فمثلا من اقواله ( الناس سواسية كاسنان المشط ) و ( تفكير ساعة واحدة خير من عبادة سنة ) و ( الدين المعاملة ) و ( الانسان اخو الانسان احب ام كره ) .
واريد ان اختم بما يمكن ان يعد صرخة مدوية ، من ان محمد (ص) سيد الواقعية السياسية ، التي لم نقتد بها ، وتلك تتعلق بمسالة اقراره لما عرف ب ( بصلح الحديبية ) حيث دعى ( علي بن ابي طالب ) للكتابة ، فقال له : اكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال ( سهيل بن عمرو ) مفاوض قريش ، لانعرف هذا ، ولكن اكتب ( باسمك اللهم ) فكتبها ، ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ( سهيل بن عمرو ) فقال ( سهيل ) : لو نعلم انك رسول الله لم نقاتلك ، ولكن اكتب اسمك و اسم ابيك ، فقال لعلي اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرسنين ، يامن الناس ..... الخ ، وتكيدا لالتزام محمد (ص) بهذا الصلح ، معطيا في ذلك نموذجا ، لم نجد في التاريخ مثيلا له ، حيث انه وبمجرد الانتهاء من عقد الصلح ، استغل ( سهيل بن عمرو ) بنود الصلح ابشع استغلال ، فعندما وجد ( ابا جندل ) اخذه من تلابيبه ، لارجاعه الى قريش ( حسب شروط الصلح ) مما دعى (ابا جندل) يستصرخ المسلمين قائلا : ( يا معشر المسلمين آآرد الى قريش ... ) فقال محمد (ص) ( يا ابا جندل ، اصبر واحتسب .... انا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا و اعطيناهم على ذلك ، واعطونا عهد الله ، وانا لا نغدر بهم ) .
هذا ما يسع ، وللحديث صلة ، حيث الواقعية السياسية / داخليا ، والعودة الى مكة .






















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نبى الرحمه
shahad ( 2012 / 7 / 22 - 13:16 )
اللهم بارك فى الاسلام و المسلمين امين يارب العالمين


2 - انا مسلمة
شهد ( 2012 / 8 / 6 - 12:22 )
انا مسلمة وبحب الاسلام ولكنى كنت احب المسحيين واخف عليهم فكنت اود النصيحة لهم ليس اكثلر ولكن همونى خطاء

اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-