الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكولوجيا الحرف – 2

سامي فريدي

2012 / 7 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


سايكولوجيا الحرف – 2
الانسان هو ابن بيئته، وكروموساماته تحمل الصفات الوراثية لدائرته الاجتماعية.
وفي مجتمعاتنا (الشرقية/ العربية) يعيش المرء بحواسه الخارجية، أكثر من حواسه الداخلية. ويشكل (التقليد) المظهر العام للأهلية الاجتماعية. وعلى قدر نجاح الشخص في تقليد النسخة الشائعة من السائد في المجتمع، يتحدد نجاحه ومكانته. فالتقليد معيار ثابت، ولكن طبيعة المعيارية قد تتغير بحسب الظروف، والتي يتحكم بها العامل السياسي.
وإذا كان السياسي يحتفظ بدور القيادة والزعامة والتوجيه وصنع القرار، فالتقليد هو آلية (الاستجابة) الاجتماعية غير المباشرة التي ينتظرها السياسي من المجتمع، لتدعيم نفوذه ومشروعه السياسي. ولما كان التقليد يقتضي وجود (مثال) يقلده، يلتزم النظام السياسي بتقديم (بطل/ نجم) في كل ظرف لتوجيه الناس بواسطته، أو توصيل رسالته السياسية.
في هذا السياق (صناعة النجم) تلعب وسائل الاعلام دورا تقنيا رئيسا في ترجمة رؤية الحاكم للمحكوم. اهمية الاعلام في لعبة السياسة، تتمثل في مدى اهتمام الانظمة بجهاز الاعلام وبرامجه التكتيكية، إلى حدّ استيراد قدرات بشرية وتقنية من وراء الحدود لدعم عملية الاعلام (التعبوية/ السياسية). الدولة العثمانية اعتمدت على قدرات فرنسية ومواهب بعض الأوربيين الداخلين في الاسلام مثل (جلبي باشا)، واعتمدت دولة محمد علي على متنوري بلاد الشام لقيادة وتوجيه عجلة الاعلام المصري، واعتمد نظام بغداد على الفلسطينيين وبعض العرب، واعتمدت بلدان الخليج على المصريين والفلسطينيين.
حاجة الدولة للخبرة الخارجية في مجال الاعلام، تقابل حاجتها للخبرات الخارجية في مجال الأمن والعسكر. وأساس الاعتماد على الخارج في مجال الاعلام والعسكر، يتجاوز مجال الخبرات والتقنيات المتقدمة، إلى وجود عنصر غير محلي يقود المحلي. وفي تاريخ الدول، كان يجري استخدام العبيد و(الموالي) في قوات الأمن أو الأجنحة الحساسة في الجيش، كما في مؤسسات الادارة.
هل لهذا صلة باستخدام غير -العرب والمسلمين- في مجال التدوين الرسمي والثقافة الرسمية في صدر الدولة العربية (العباسية)؟!.
فاختلاف عامل اللغة والعنصر يزيد من صعوبة المجادلة أو التمنع أو المحسوبية. فيما تلعب الممالأة والنفاق الاجتماعي دورا تخريبيا في سياسة الادارة. ناهيك عن الاصطفافات والثارات القبلية لمجتمع ما زال بعيدا عن وعي التمدن.
مجال الاعلام ومفهومه ليس هو مجال الثقافة ومفهومها. فالثقافة هي أكثر التصاقا بالمجتمع، بينما الاعلام أكثر ارتباطا بالحكومة. والكاتب هو الذي يحدّد قراره واتجاهه لأي منهما. ولا بدّ لكلّ كاتب من وعي الفرق والتمييز بين مجالي الاعلام والثقافة. وفي فترة سابقة كان يجري التمييز في العنوان الأدبي، فالعامل في مجال (الاعلام) هو (كاتب)، والمشتغل في مجال (الثقافة) هو (أديب). لكن التساهل والاستسهال واختلاط المعايير أطاح بالتصنيف التقليدي.
الكتابة في مجال الاعلام (مهنة) يتقاضى صاحبها مرتبا ماديا، هو محدد عمله. وبانتفاء الراتب (التعيين) تختفي كتاباته أو ممارسته لعمل الكتابة. أما الأديب فهو شخص حرّ لا يعمل في مهنة الأدب لقاء (راتب وتكليف) يحدد له سقف الكتابة واغراضها. وجراء هذا كان الأديب يتمتع بمكانة أدبية (شعبية) أفضل من مكانة الكاتب الأجير.
وفي دولة العراق جرت عمليات هيكلة ادارية متعددة، تارة بجمع وزارتي الثقافة والاعلام وتارة بالفصل بينهما. وبعد الغزو الأمريكي والغاء مؤسسات الدولة، جرى -لاحقا- إعادة وزارة الثقافة دون وزارة الاعلام. ولكن وجود وزارة الثقافة لا يتعدى الشكليات دون دور ومجال حقيقي لها، غير توفير (حقيبة) وزارة في جداول المحاصصة وتوفير عناوين وظائف مقنعة.
واقع الحال شهد انفجارا في مجال الاعلام ووسائله تمثل في مئات الصحف والمجلات وقنوات التلفزة الفضائية ناهيك عن الاعلام والصحافة والترويج الالكتروني. ثم ظهرت مؤسسة (لغزية)تحمل عنوان – شبكة الاعلام العراقي- تتصل بدائرة رئيس الوزراء، تتولى الرقابة والتوجيه وفرض العقوبات الصحفية.
ترى ما الذي يمنع تشكيل وزارة (اعلام) تعنى بتنظيم شؤون الصحافة والاعلام؟.. لأن قطاع الاعلام لا بدّ له من دائرة تعنى بشؤونه، ووجود (شبكة الاعلام) لا ينبغي أن يكون بديلا عن وزارة الاعلام من جهة، فيما وجودها يطرح أسئلة تتعلق بحقيقة دورها.
وجود - شبكة الاعلام- يخدم غرضين:
- أداة مباشرة بيد رئيس الوزراء لاحكام قبضته على الاعلام ولأغراضه الشخصية.
- ترسيخ استفراد (شيعة) الحكم بمقدرات الاعلام والدولة، خارج نظام المحاصصة أو تدخل جهات أخرى في مجالهم.
ان تعدد وسائل الاعلام في العراق لا علاقة له بتقاليد الدمقراطية، في ظلّ هيمنة الأصابع السرّيّة وحركة الاغتيالات المنظمة ضد المعارضين والمنتقدين. أما الانتقادات وشكاوى المواطنين التي تنقلها بعض القنوات أو الصحف، فهي صرخات – في وادٍ-.
في ظل وجود (وزارة ثقافة) تراجعت حركة الثقافة العراقية وخسرت الكثير من مضامينها الجوهرية ورموزها الأصيلة، فيما شهد قطاع الاعلام توسعا انفجاريا رغم انعدام (وزارة اعلام). والتوسع الكمي الاعلامي ينقصه النوع والتنوع والجرأة والمجازفة. فالاعلام العراقي اليوم لا يختلف في حقيقته عن نظام المحاصصة (الطائفية). وأمام جيش العاملين في مجال الاعلام -فقط- بكلّ ما يمثله عملهم من مسخ فكري واجتماعي لهم، يلحظ مبلغ الضرر التاريخي الملحق بالعقل العراقي. وطالما كان كل فرد من العاملين يتصل بعائلة لا تقل عن أربعة أشخاص - مثلا- ، يشكل الصحفي معيلا أو مربيا لهم، فأثر المسخ الفكري والاجتماعي سوف يتعدى هذه المرحلة التاريخية، ويطبع قطاعا واسعا من مساحة مستقبل البلاد الاجتماعي والسياسي والثقافي، بما يتجاوز كلّ الآثار السيئة لما سبقها.
الاعلام هو السلطة.. والسلطة هي المال والجاه والجنس. والكاتب.. (الصحفي) شخص لا يريد أن يبقى متفرجا أو أداة ثانوية في لعبة المال. وقد كان الكاتب اللبناني من أوائل من أدركوا لعبة المال وتسليع الكلمة، جريا على طريقة ديباجات الارتزاق والتكسّب المشهور في الأدب العربي. ثم أتبعهم المصريون، واليوم يتشكل في العراق جيش مرتزق بالكلمة المسلّعة، والكاتب التاجر، وخبراء السياسة والاقتصاد المرتزقة.
دخول تقاليد الاعلام في بلادنا يتم من الخلف. هذا هو اتجاه رأس المال الاعلامي. والمقابلات المتلفزة مع السياسيين صارت تتم بأجر معلوم وخيالي. وبعض مقدمي/ مقدمات البرامج يتقاضين أجور (مرتبات) خيالية لقاء تقديم برنامج.
المال ليس بدعة.. وحبّ المال ليس جريمة.. ولكن العهارة على حساب الآخر تحتاج وقفة!..
سامي فريدي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور وبانين ستارز.. أسئلة الجمهور المحرجة وأجوبة جريئة وصدمة


.. ما العقبات التي تقف في طريق الطائرات المروحية في ظل الظروف ا




.. شخصيات رفيعة كانت على متن مروحية الرئيس الإيراني


.. كتائب القسام تستهدف دبابتين إسرائيليتين بقذائف -الياسين 105-




.. جوامع إيران تصدح بالدعاء للرئيس الإيراني والوفد المرافق له