الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يترقى الإنسان روحيا مع الزمن؟

نافذ الشاعر

2012 / 7 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثيرا ما يدور الحديث عن ترقي الإنسان وتطوره من الهمجية إلى التحضر، ومن طور البداوة إلى طور الحضارة، ومن الكهف إلى القصر..
لكن الكون لا يلتزم بالقواعد الساذجة التي نود أن نفرضها عليه، لأن الإنسان منذ أن خلقه الله كان فيه كل مميزات التحضر والترقي. أما الحديث عن ترقي الإنسان روحيا مع الزمن فهو محض خطأ لا أساس له من التاريخ.
لاشك أن الإنسان يترقى روحيا مع تقدم عمره الخاص، من الطفولة إلى المراهقة والشباب والكهولة.. أما أن يترقى جنسُ الإنسان مع تقدم عمر الكون، فهذه هي الفكرة الساذجة التي وقع فيها البشر قديما ولا يزالون، بسبب بدأ التقويم وإضافة رقم إلى التاريخ عند طلوع كل شمس. فظن الناس أن التاريخ يسير في خط زمني متدرج ومستقيم؛ كما تسير المسطرة الهندسية المقسمة إلى سنتيمترات..
وهذا خلاف ما ذهب إليه المفكرون المعاصرون أخيرا بأن الأحداث التاريخية تكشف عن نفسها في صورة أنماط أو دورات منتظمة تظهر عبر الزمن، على عكس الرأي السائد بأن أحداث الكون والتاريخ تسير إلى الأمام على شكل خط مستقيم، وهذا ما ألمع إليه ابن خلدون في مقدته.

فالزمن يسير في شكل دوري في صورة دورات كلما انتهت دورة حلت مكانها أخرى؛ وهكذا.. فعلى سبيل المثال عندما ننظر إلى عصر الإلحاد أو عصر التكنولوجيا فليس هذا تطورا إنما هذه دورات تتعاقب على الكون وتستمر في الهيمنة والسيطرة عليه مدة من الزمن ثم تنزاح وتحل محلها دورة أخرى غيرها، فهذه العصور قد مر أشباهها في الماضي.
فعلى السبيل كما ظهر في التاريخ الحديث ملحدون هيمنوا على الكون ردحا من الزمن، حتى وُصف عصرهم بأنه عصر الإلحاد؛ كذلك ظهر في القديم أمثال هؤلاء الملحدون الذين قدموا مفاهيم الحادية حسب ثقافتهم وعصرهم القديم الذي كان يعيشون فيه..
وهكذا قل في عصر الثورات وفي عصر الالكترونيات، فقد ظهرت هذه الدورات قديما. فعلى سبيل المثال هيمنت مفاهيم الالكترونيات على الكون فترة من الزمن من خلال السحرة. لأن السحر هو تكنولوجيا العصر القديم؛ والسحرة هم علماء العصر القديم، ومن خلال السحر كان يمكن فعل ما تفعله التكنولوجيا في العصر الحديث، فمن خلال السحر كان يمكن رصد أخبار شخص ما، ومن خلال السحر كان يمكن الانتقال من مكان إلى مكان والطيران في الهواء، ومن خلال السحر كان يمكن الغوص في البحار، ومن خلال السحر كان يمكن هزيمة الأعداء، وكلما تمكن ملك من الملوك من السيطرة على السحرة كلما تمكن من السيطرة على الناس، فالسحرة هم علماء العصر القديم.

أما ترقي جنس الإنسان روحيا عبر تقدم الزمن، فهذا خطأ شنيع، روّج له بعض من ادعوا النبوة زاعمين أن الأنبياء القدامى جاءوا لفئة ساذجة من الناس، وأن دياناتهم اللاتي جاءوا به آنذاك لا تناسب الإنسان في عصر العلم الحديث!
إننا لو نظرنا إلى الهمجية والتحضر لتبين لنا أنهما سمتان إنسانيتان وجدتا قديما وحديثا جنبا إلى جنب في نفوس البشر، وهما نزعتان فطريتان من صميم تكوين الإنسان، فمن الناس من فطر على التحضر، ومن الناس من فطر على الهمجية في كل العصور وكل الأزمان، ولا فرق بين القديم والحديث، فلا نقول إن الإنسان في القرون الأولى كان همجيا بعكس الإنسان في العصر الحديث، لأن هناك من الناس من كانوا متحضرين جنبا إلى جنب مع الهمجيين، بالرغم من معيشتهم في الكهوف وامتهانهم الصيد والقنص، فبالرغم من هذه المعيشة البدائية إلا أننا نجده متحضرا في أخلاقة وعاداته وروحه وشعوره، ولا يهم إن كان يأكل الطعام بلا ملعقة أو سكين، أو كان يجلس على الأرض يتناول طعامه بغير ورد وريحان، أو من غير موسيقى وألحان، أو أضواء حمراء وزرقاء تلف المكان!.
هناك من يخلط بين الترقي الصناعي وبين الترقي الأخلاقي، ويظنهما مرتبطان، أو تابعان إتباع العلة للمعلول، والمخترعات الحديثة لم تخرج الإنسان من طور الهمجية إلى طور التحضر، ولم تساعده على النمو الروحاني والأخلاقي، اللهم إلا في الظاهر فقط، أما جوهر الإنسان فلم تمسه بشيء، والمخترعات الحديثة إنما ساعدت فقط في انحصار المظاهر الهمجية من أمام أعين الناظرين، وجعلتها تستقر في النفوس وبين الضلوع والصدور، وأكسبت البشر الحيل المتعددة لإخفاء تلك المظاهر كي لا يلمحونها في سلوك بعضهم البعض.
ولقد وجد ولا زال يوجد من بين القبائل البدائية الزعيم الذكي اللبق، الذي يفوق قبيلته ذكاء ولباقة وكياسة دون تعليم من أحد، ووجد في القبائل البدائية من هم ذوو جاذبية ووسامة، لو جدوا في هذا العصر الحديث لمالت إليهم النساء والفتيات، وأحبتهم بالرغم من بداوتهم وجهلهم بهذه الحضارة الحديثة. وكذلك الهمجية لا تزال في نفوس كثير من البشر بالرغم من الحلل البديعة التي يتزينون بها، والمركبات الحديثة التي يركبونها، وبالرغم من اللغات العديدة التي يرطنونها، وبالرغم من الثقافات المختلفة التي يلمونها، وبالرغم من أصباغ الشعر والأظافر، وفنون الكوافير والماكياج.. لأن الروح هي الروح لم تتغير ولم تتبدل منذ أن خلق الله الإنسان وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأن الشعور والروح ينموان بمعزل عن الاختراعات ولا تأثير لأحدهما على الآخر، فالشعور ينمو نموا ذاتيا دون تعليم من أحد، ويتفتح كما تتفتح براعم الأزهار عندما يحين الأجل. فالأزهار لم يعلمها أحد كيف تتفتح، وإنما هو شيء مركوز في صميم الزهرة دون تأثير من البيئة المحيطة بها، فمتى جاء الأجل تفتحت كما هو مقدر لها من قبل، وصدق الله العظيم: "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" "ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - وماذا عن الجو ؟
حكيم فارس ( 2012 / 7 / 13 - 13:21 )
السيد الكاتب المحترم
عجبا وانت في القرن الواحد والعشرون وما زلت مؤمن بوجود السحر واعاجيب السحر
لقد اصبح معروف بالعالم انه العاب سحرية او خدع بصرية وكشف الكثير من الالعاب السحرية وكيف يتم بها المخادعة البصرية والتي تجعل المشاهد يندهش
وبنفس الوقت ذكرت الاية
-ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا-. اليس هذا دليل قاطع على بشرية النص
اين الحمل بالجو بواسطة الطائرات لماذا لم تذكر؟
الملايين من الناس تنقل بواسطة الجو الان واكثر مما ينقل بواسطة السفن وعبور البحر
هذه وحدها كافية ليدرك من يريد التوصل للحقيقة
انها نصوص بشرية
تحياتي


2 - السحر
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 7 / 13 - 15:23 )
يا سيد حكيم هل لم يثير اهتمامك في المقال غير السحر؟
سانشر قريبا مقالا عن السحر معناه وسوف يزيل كل اللبس الموجود لديك عن هذا الموضوع..
كان القصد من المقال الرد على ثلبهائيين الذين يقولون ان الانسان يتطور روحيا مع الزمن.. اما موضوع السحر فيصعب ان اجيب عليه الان في تعليق بسيط وسافرد له بحث كامل قريبا
تحياتي لك


3 - لماذا لم ترد يا سيدي
فيصل ربيع ( 2012 / 7 / 13 - 19:18 )
سيدي الكاتب في ردك على السيد حكيم فارس تجاهلت الرد حول الاية التي ذكرتها في المقال وهي
-ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا-. الا تلاحظ انها مشكلة كبيرة
اين هو حمل بني ادم بالجو
هل هو من تكريم شخص اخر لبني ادم غير الله
اعتقد جوابها صعب لذلك تجاهلتها


4 - رد الكاتب
د.نافذ الشاعر ( 2012 / 7 / 14 - 03:50 )
يا سيد فيصل ربيع، عندما قال الله عز وجل (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
فإن هذه الآية لا تشير إلى وسائل الموصلات!
الآية تشير إلى أن الله ذلل الصعاب للإنسان وسلطه على هذا الكون جميعا؛ فلا يقف أمامه بر أو بحر، فهو سوف يسيطر على هذا الكون حتى يجعل منه قرية صغيرة.. فمعنى الآية: ولقد كرمنا بني آدم بان حملناهم عبر البر والبحر إلى أي مكان يريدون سواء بالدواب أو بالسيارات أو بالطائرات.. لأن الحمل في الجو ليس غاية إنما وسيلة، وليس الحمل في الجو هو المقصود لذاته، إنما المقصود أن الله جعل الإنسان يتمكن من اجتياز البر والبحر؛ ويذهب إلى مكان يريده وبأي وسيلة يريدها؛ سواء بالطائرة أو بالدابة أو بالسيارة أو حتى سيرا على الأقدام..

اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا