الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والعقل والجامعة الإسلامية بغزة ويحيى رباح في صنعاء

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2012 / 7 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل حوالي سبعة عشر عاما تقدمت للعمل في الجامعة الإسلامية، التابعة لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بغزة، لوظيفة محاضر في قسم الصحافة والإعلام (كذا مسماه مع ما فيه من تكرار ، فالصحافة مجال من مجالات الإعلام). خلال مقابلة مع لجنة عينتها الجامعة لامتحان المتقدمين للوظيفة، طلب مني رئيس اللجنة، (نائب رئيس الجامعة حينها، إذا لم تخني الذاكرة)، قراءة ما تيسر من آيات القرآن، ثم سألني: كيف تدعو للإسلام؟
اعترتني الدهشة من السؤال، كما اعترتني من طلب تلاوة آيات القرآن.. "أنا متقدم لوظيفة محاضر في مادة التحرير الصحفي، ولست متقدما لوظيفة داعية إسلامي؟!"، قلت لنفسي.. ومع ذلك، تعاملت مع الموقف بسعة صدر.. ". أجبت بتلقائية: "هل أملك وسيلة غير العقل، لأدعو بها للإسلام"؟!"..
"عقل إيش اللي بتحكي عليه يا راجل؟.. العقول مختلفة ولا يمكن لها أن تتفق على شيء!" قال الشيخ الممتحن بنبرة غاضبة..
أنا اعرف ما هو الرد الذي كان سيرضى الشيخ.. "أفهم أنك تريد أن ندعو للإسلام بالاستناد إلى نصوص القرآن، ونصوص الأحاديث النبوية!".. قلت.. وأضفت: "إذا كان من حق المسلم أن يرتكز في دعوة الآخرين للإسلام، على نصوص يؤمن المسلم بصدقها المطلق، فهذا حق يجب أن يتمتع به كل أصحاب الديانات الأخرى، الذين يؤمنون أيضا بصدق معتقداتهم صدقا مطلقا!"..
اضفت: "عندما دعا النبي الناس للإيمان برسالته، فهل تعاملوا مع دعوته بوسيلة غير وسيلة العقل، بصورة الترجيح بين دعوة جديدة وأخرى قديمة، وأن قبولها جرى على قاعدة رجحانها العقلي لدي من قبلها، لا على قاعدة أخرى؟!".. صحيح أن النبي كان يستخدم نصوص القرآن لتبليغ دعوته، صحيج أيضا، أن القبول بها، تم لرجحانها بميزان العقل الذي كان يملكه المتلقي المستجيب لها، حتى ولو أن هذا العقل تلبس بصورة انفعالية، حيث الانفعال درجة أولى من درجات العقل، وليس نشاطا مختلفا بالكلية عنه.. والعقلية العربية، كانت ولا تزال عقلية انفعالية، بحكم عوامل البيئة، التي امتدت لتصبغ عوامل الحياة الاجتماعية والثقافية العربية..
العقل هو منهج تحرر الإنسان من حالة جمود تعيق التطور، والأخير هو قانون الحياة، الذي لا تنجو منه شاردة ولا واردة، فكيف يريدني شيخ صرح حركة حماس العلمي أن أنكره، وكيف له هو أن ينكره، وجامعته، إن لم تقم على منهج العقل، فلا قيام لها، إن هي شاءت أن تتحقق برسالة العقل المنفتح.. فإذا لم نمتلك عقلا منفتحا، فكيف يبقى لنا عندها، مساحة للتحرر من المعتقد الذي نؤمن به نحن، أو يؤمن به الآخرون، إذا ما كان هذا المعتقد باطلا؟!..
في الوقت الذي نسلم فيه، تسليما لا شك فيه، أن لكل مؤمن بمعتقد، أن يصدر عن إيمانه المطلق، أو، (بتعبير أدق: المغلق)، فكيف نقنع صاحب معتقد آخر ببطلان معتقده، إذا ارتكزنا لقاعدة إيماننا المطلق بصدق معتقدنا وبطلان معتقد الآخرين؟!، حيث المتوقع، صدور صاحب المعتقد الآخر عن نفس القاعدة..
بذلك، سيبقى أصحاب المعتقدات، كل منهم منغلقا في معتقده.. فكيف نبني عالما إنسانيا منفتحا إذن؟! أم أن بناء عالم إنساني منفتح بالعقل المحب ، خطيئة نرتكبها، في ميزان الجامعية الإسلامية بغزة؟!
وهل صحيح أن العقل يفرق ولا يجمع، وأن الدين يجمع ولا يفرق؟!
هل كان نائب رئيس الجامعة الإسلامية بغزة، لا يريد أن ينفتح المسلمون، على العالم؟! هل هو ما زال مخلصا للمقولة البارزة في الثقافة الإسلامية، أن العالم ينقسم إلى عالمين: دار الإسلام ودار الكفر.. فلا سبيل لاجتماعهما أبدا؟!..
هل نستطيع في زماننا الراهن، الواقع تحت هيمنة "دار الكفر" أن ننعزل عن العالم، ونحاصر أنفسنا، في ثقافتنا الدينية المغلقة ؟ هذا السؤال يتحدى القيادات العربية الجديدة، ذات الأيديولوجية الإسلامية، التي حملتها إلى السلطة، احتجاجات شعبية عارمة، ضد ما كان يسود بلدانها من فساد..
في غزة، نعيش حصار الأيديولوجيا الإسلامية.. المواطنون يدفعون ثمنا باهظا لوقوعهم تحت هيمنة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" من جهة، وتحت حصار لحكومة حماس.. المواطنون يدفعون الثمن الباهظ عنه.. هل تتكرر تجربة غزة، تحت سيطرة حكومة أيديولوجية إسلامية، في بلدان تحكمها، حكومات جديدة، بالأيديولوجية الإسلامية أيضا، مثل مصر وتونس وربما ليبيا وسوريا؟!
هل من مصلحة أمة، أن تحكمها أيديولوجيا منغلقة، في عالم بات واحدا، وتحت هيمنة انفتاح واسع وعميق؟!
وهل على المتدين، وهو يواجه عالما منفتحا، أن يبقى منغلقا على مفاهيم دينية جاوزها واقع الحال؟!
هل مقولة "العالم منقسم إلى دار إسلام ودار كفر" لا تزال صالحة؟
هل ما زال الإسلام، وبفهم مغلق، صالحا للعصر الراهن، عصر الانفتاح، تحت هيمنة الكفار؟!
هل كان رأيي، أن العقل هو وسلتي للدعوة إلى الإسلام، كان رأيا مجرما أو خطيرا، استحققت عليه، توقيع عقوبة ضدي، قضت بفصلي من الجامعة الإسلامية، بعد أشهر امتدت لفصل دراسي واحد فقط، وبدعوى ملفقة، وظالمة، ومغلقة؟!**
تألمت حينها، وزاد ألمي، من اضطهاد جامعة حركة حماس لي، في داخل وطني، بعد اضطهاد حركة فتح لي، خلا تواجدي في اليمن، عندما طلب سفير فتح (ولا أقول سفير فلسطين) حينها، يحيى رباح، من الحكومة اليمنية، فصلي من وظيفتي في وزارة الإعلام بصنعاء، بدعوى أنني مناهض لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولرئيسها السابق ياسر عرفات، ولاتفاقية أوسلو.. ووزارة الإعلام اليمينة، حينها، أنهت عقدي معها.. وتشردت في بلاد الأشقاء.. كما تشردت في بلدي بغزة، عندما فصلتني الجامعة الإسلامية بتهمة إيماني بمنهج العقل..
*الكاتب: إمام دعوة النورانية الروحي ومؤسسها.
•* اتهمتني الجامعة الإسلامية حينها، أن ارتكبت جريمة غش لصالح إحدى طالباتي، كنت منحتها، ومنحت زميلاتها كلهن، فرصة الاطلاع على مادة علمية كانت موضوع سؤال على طريقة "الكتاب المفتوح Open Book" المعمول بها في جامعات الدنيا كلها، وذلك خلال تأديتهم لامتحان عليه (20) درجة فقط من مائة.. سألت المحقق: هل تعرف نظام الامتحان بطريقة الكتاب المفتوح: أجاب: "أعرفها، لكننا لا نريد تطبيقها!" فهمت عندئذ، أن عقلي المفتوح هو غير المراد في الجامعة الإسلامية.. ومن باب الدفاع عن سلامة موقفي، قدمت للمحقق، كشفا بالدرجات لمجموعة الطالبات الممتحنات، الذي يؤكد أن الطالبة التي اتهمت بتغشيشها، كانت في أسفل سلم الدرجات، وأن فائدتها من إتاحة فرصة الاطلاع على المادة العلمية موضوع الامتحان كانت "درجة واحدة فقط من مائة"، وقلت حينها: هل تعتقد يا حضرة المحقق أني على درجة من الغباء، لأساعد طالبة عندي على الغش بطريقة واضحة وأمام الجميع.. ألم يكن في مقدوري اللجوء إلى طريقة أخرى، تمنح المعنية درجات أكثر من درجة واحدة؟!
جدير أن أقول، أن المحقق استدعاني، ولم أكن على علم بموضوع الاستدعاء، وعندما توجهت للقائه، كنت أحمل، ومن باب الصدفة، أوراقي الخاصة، ومنها كشف درجات الممتحنات!
وجدير أيضا، أن أذكر, وإن لم يكن مشرفا، أن إحدى طالباتي، وكانت تشكو من اضطراب نفسي، هي التي وشت بي لإدارة الجامعة، في تقرير رفعته ضدي!
المحقق لم يستمع لدفاعي.. كان قرار الجامعة الإسلامية بغزة، باغتيال عقل منفتح جاهزا وصارما، مثلما كان طلب سفير فتح في صنعاء، بفصلي من عملي، منهجا، واغتيالا لحرية الرأي والتعبير!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل


.. 52-An-Nisa




.. 53-An-Nisa