الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي الليبي والافيون المصري

رعد حميد الجبوري

2012 / 7 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أدهشنا رقي اختيار الشعب العربي ألليبي ، لشكل والمضمون السياسي والفكري لمن سيمثله في قبة البرلمان و بالتالي من سيحكمه . فكان بحق يعبر عن نهضة قوية ، يستحق ان نصفق له بكل حرارة واحترام وتقدير ، من ركام اكثر من أربعين عام من حكم عبثي ، لا يستطيع المرء معه ان يفهم ما هي ماهيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، فقد كان أشبه ما يكون بألوان لوحة سريالية تفترش ثوب حاكم مهرج . تمكن هذا الشعب من القول كفى لمهزلة الحاكم وعبثه وطغيانه، وحينها بدا الفعل يأخذ مجراه ، فقام الشعب بالثورة فكان له ما راد في نهاية المطاف.
اذن ، حسم الجدل الدائر حول من سيحكم ليبيا ، فكان جليا وقاطعا ، انها التيارات التي تؤمن بالمجتمع المدني الليبي ،حينما تقدم فكرة المواطن والمواطنة على اية افكارا أخرى، وان الوطن للجميع ، لا يتميز فيه مواطن على مواطن بسب انتمائه الديني والمذهبي او الاثني ، ولا توجد نية للقفز الى الوراء المجهول والمظلم ، كي تعاد قراءة بعض من الخلافات السياسية والعقائدية والفقهية ، العقيمة والمريرة والمخجلة ، للتاريخ الاسلامي . ويا مواطن ،الالفية الثالثة المسكين ، الذي لا يجد حل لا بسط مشاكله المعيشية التي تواجهه هو وعائلته يوميا ، سدد ثمن الفاتورة من دمك ومالك وعيالك عن تلك الخلافات التي تجاوز عمرها اكثر من الف وخمسمائة سنة .
يكمن رقي الشعب الليبي في اختياره لنخبه السياسية بانه قطع الطريق على من يريد ان يدخل المجتمع الليبي بنقاشات عقيمة وليست هي التي ما يعاني منها في الوقت الحاضر ، من قبيل طرح الإشكاليات التالية : هل نطبق الشريعة كلها ام نصفها ، هل نطلق اللحية لمنتسبي الجيش والشرطة ، هل نمنع المخالطة بين النساء والرجال وبين الطماطة والخيار ،هل نبصق من اليمين ام الشمال هل نمنع الغناء والمسرح والنحت والرسم والنوادي الاجتماعية لان ذلك حرام، هل يكون رجالات الدين هم من يرسم لنا شكل بناء المجتمع والدولة وختيار القوانين والتشريعات المناسبة لهم ،كطبقة لها مصالحها المالية والسلطوية الخاصة ، وليس لنا!!
لقد اتضح ان الخطر الحقيقي على الربيع الثورة العربي ،هو ما بعد الثورة ، او تحديدا ، ذلك السارق المتفرج الذي يحاول سرقة ثمارها و مكاسبها . ولكي تتم سرقتها بوضح النهار ، ومن دون اي خجل او حياء ، سيخرج من من يجعجعون هنا وهناك بأنهم هم من قام في الثورة ، والجميع يعلم انهم كانوا في حينها بعدين كل البعد عن النزول الى ميادين الثورة والتحرير وعن تطلعات وانتماءات الفكرية المدنية المتنورة لشابات و شباب قادة الثورة. ولكي تنجح عملية سرقتها ، لا بد من خلط اهدافها وشعاراتها ، لارباك حقيقة المشهد السياسي للثورة في الميدان والشوارع، وتغير مسارها من المسار السياسي المدني الى المسار السياسي الديني ، بكل دهاء ومكر ،فتم دس الاسلام السياسي ، لاسيما المتشدد منه ، كما يدس السم بالشهد . واتضحى ان البعض منه يقتات على الانتفاضات والثورات المضرجة بدماء الأجساد والأرواح الزكية لشهداء الثورة التي تفوح منها عبق ياسمين وقداح الحرية. هؤلاء الشهداء الذين قدموا ارواحهم قرباننا على مذبح الحرية، والعيش بكرامة تليق بالانسان العربي . فالحرية والكرامة التي ضحوا من اجلها هي حرية العيش والفكر وممارسة الطقوس والشعائر ،من دون ازعاج او تعدي على حقوق الاخرين ، حرية ان اشرب واكل والبس ما يحلو لي ، وليس ما يفرضه علي الاخرين ،حرية العيش في الالفية الثالثة ، بثرائها العلمي وتقدمها التكنولوجي والمعلوماتي، بما توفره من رفاهية العيش للانسان المتحضر . حرية ان اكون كما انا ، لا ، ان اكون كما يريد لي مرشد الجماعة او اميرها ، فانا مرشد نفسي وانا اميرها ولا مرشد على ولا امير الا ذاتي ، وهذا لا يعني اني لا اصغي للرأي الاخر و لا احاوره ، بل احيانا قد يعجني الراي المخالف لي. وهذا، ايضا ، لا يعني اني اخالف مخالفة تامة لجميع الاعرف والتقاليد الاجتماعية منها والدينية .
لقد شكل الاسلام السياسي، في الوطن العربي، اثناء وبعد ثورات الربيع ،هاجس من الخوف ، لكل من يؤمن بمجتمع مدني متحضر ومتنور ينظر الى المستقبل لا الى الماضي ، حينما تحول الى مهنة لكسب الجاه والسلطة والمال باسم الدين وليس للدين . فترى البعض منهم الان يمرحون على موائد السلطة العامرة بما لذة وطاب ، ماسحين لحاهم بالشهد و أنيابهم واضراسهم تلوك لحم الغزال و الضآن، مجددين فراشهم الناعم الوفير بمثنى وثلاث ورباع لتعاد الكرة من جديد مثنى و.. وهكذا ، ولتنفذ حبوب الفياكرا من السوق المحلية والعالمية !!
مثلما ادهش الجميع ، اختيار الشعب الليبي للمدنية كشكل ومضمون لنظام الحكم السياسي للدولة، فقد كان اختيار الشعب المصري لشكل ومضمون لنظام الحكم السياسي مفاجأة ، من العيار الثقيل ، بإعطاء الإسلام السياسي (الباسورد ) لباب الدخول للقصر الرئاسي في مصر ، مصر التي نكن لها كل الإعجاب والتقدير والاندهاش من عظمة شعبها ذو الحضارة العريقة والمبدعة ، مصر تعني ، للكثير من شعوب العالم ،بأنها الفكر والأدب الفن والإبداع الإنساني الرفيع ، مصر حلاوة الروح وخفة الدم والمرح والنكتة ، يكاد ان يجزم المرء، ان مصر هي من علمت شقيقاتها العربية معنى ان تبتسم وانت تبكي وان تبتسم وانت جائع ، وان تبتسم وانت في قمت الياس والتعب والحرمان والجوع ، تبتسم وانت تحاول ان تشق الصخر بأصابع يدك وتتحدى الصعاب ، كي ،لا ، تفقد الامل بالانتصار في معركة الحياة من اجل الحرية والعيش الكريم وتحقق ما تصبو اليه ، فقد كانت هناك نكسة وفاجعة الخامس من حزيران عام 1967وكيف نهض الشعب المصري وتغلب عليها وانتصر وسجل ملحمة العبور حينما حطم عنجهية أسطورة خط بارليف أكتوبر سنة 1973 .
هذا هو شعب مصر ، وهذا هو قلب ثورتها النبض بفلسفة ابتسامة الامل في قمة الياس وكيف تكون ، مع الايمان والعزيمة والعمل الدؤوب من اجل الخير والرفعة لمصر ، سلاحا للانتصار على الهزيمة الى جانب الصبر وتحدي الصعاب التي تواجهها والتغلب عليها . فشعب مصر معروف عنه انه شعب ظريف صاحب نكتة وصاحب كيف ومزاج ، لانه فهم ان الشعب من دون امل وابتسام وفرح وابداع علمي وادبي وفني،بكافة اشكاله وانواعه واساليبه ، لن يتمكن من ان يبني دولة متحضرة ، بعكس البعض من الشعوب العربية ، فهي تميل الى البكاء والتجهم والحزن والاسوداوية في طرح مشاعرها وافكارها . الثورة في مصر قام بها المتمدنون وسقوها بدمائهم وحينما أينعت ثمارها وحان قطافها ، انقضوا عليها المتدينون وسرقوها ، وسرقة حرام شرعا !!!
اما الشعب الليبي فقد اتحفنا بصبره ووعيه وحداثته ، لن يسمح للسراق وللطفيليين ان يسرقوا ثورتهم . فوقفوا لهم بالمرصاد ،وأعطوا صوتهم للتمدن ، أعطوا صوتهم للألفية الثالثة ، لا للقرون الوسطى ! فكانت صناديق الاقتراع هي الفيصل وهي الحكم ، وانتصرت الحقيقة على الوهم ، وانتصر الوعي على الافيون ، وقال الشعب الليبي كلمته ... الدين لله والوطن للجميع ... فالف مرحى لك يا شعبي يا شعب ليبيا الكبيـر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد / رعد حميد الجبورى
هشام حتاته ( 2012 / 7 / 15 - 03:46 )
( مثلما ادهش الجميع ، اختيار الشعب الليبي للمدنية كشكل ومضمون لنظام الحكم السياسي للدولة، فقد كان اختيار الشعب المصري لشكل ومضمون لنظام الحكم السياسي مفاجأة ، من العيار الثقيل ، بإعطاء الإسلام السياسي (الباسورد ) لباب الدخول للقصر الرئاسي في مصر ، مصر التي نكن لها كل الإعجاب والتقدير والاندهاش من عظمة شعبها ذو الحضارة العريقة والمبدعة )
ـ من يراقب الحالة المصرية منذ اكثر من ثلاثين عاما كان يتوقع حكم الاسلاميين لمصر ، وقد ذكرت انا فى كتابى الصدر عام 2007 ( الاسلام بين التشدد البدوى والتسامح الزراعى ) ان الاخوان المسلمين سيحكمون مصر خلال خمس سنوات ، وقد حدث هذا بالفعل وبالتوقيت المحدد .
- ياسيدى مملكة آل سعود ركزت كل جهودها واموالها لوهبنة مصر او لنقل سعودة مصر نظرا لتأثير الحالة المصرية على الدول العربية ، وهزية 1967 كانت دفعا للرجعية الدينية بعد هزيمة الناصرية التقدمية.
اشكر لك اهتمامك بالحالة المصرية وتاكد ان التيار المدنى فى مصر فى تقدم والتيار الدينى فى تراجع بعد ان عرفهم الناس فى مجلس الشعب . تحياتى


2 - تحية للشعب الليبي الشقيق
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 7 / 15 - 13:15 )
الف تحية من القلب الى الشعب الليبي الشقيق وفي مقدمته الامراة الليبية الواعية على اختيار اللبراليين لحكمهم والعزاء من القلب الى الشعب المصري وعظم الله اجره على المصاب الذي اختاره لنفسه والفاتحة لموتى القبور الاحياء من الشعب السعودي المخدر بافيون الارهاب السلفي الوهابي والفخر لآل سعود و أل الشيخ على دهائهم لمنحهم الجنسية السعودية للمقدسات الاسلامية وكذالك الصحابة والتبابعين حتى اصبح الاسلام واركانه سعوديين والخزي والعار للمسلمين العرب الخانعين والمتواطئين مع آل سعود والعطف للمسلمين الاعاجم الملعوب على عقولهم واقول لهم ـ اي الاعاجم ـ لماذا لم يرسل لكم رسول من انفسكم كما ارسل رسول من نفس العرب وتكون لكم كعبة في ايران او باكستان او افغانستان؟؟؟. اعتقد ان ليس فيكم من يجيد اللعبة.
تحية للشعب الليبي.


3 - JUafuJgGdQGPsjIYWn
Mar ( 2012 / 9 / 18 - 12:17 )
I might be beating a dead horse, but thank you for potsing this!

اخر الافلام

.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي


.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ




.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها