الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى وفاة عالم الاجتماع د. علي الوردي - الوردي وهذا المزيج الانتقائي من النظريات-

عصام عبد العزيز المعموري

2012 / 7 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



في ذكرى وفاة عالم الاجتماع د.علي الوردي
الوردي وهذا المزيج الانتقائي من النظريات

يقول الباحث د.فالح عبد الجبار : ( ان الباحث عن فكر بلا نقائض ، ومناهج بلا تلاقح ، فلن يجد مسراته الا في مقابر التاريخ ، حيث السكون المطبق ) ، فهل استطاع الوردي أن يؤسس لمدرسة عراقية في علم الاجتماع وهو الذي يتّهم بأنه قد اقتبس فرضية ( صراع البداوة والحضارة ) من ( مكايفر) وفرضية ( ازدواج الشخصية ) من ( ابن خلدون ) وفرضية (التناشز الاجتماعي ) من ( اوغبرن) ؟
لقد استطاع د.علي الوردي أن يختط لنفسه منهجا" في علم الاجتماع في العراق ربما يحق لنا أن نسميه ( المنهج الوردي ) وانتقل بعلم الاجتماع من البرج العاجي في أروقة الجامعات الى البحث الميداني البحت فكان لا يتردد بالذهاب الى دور المومسات مثلا" لدراسة استقصائية لسلوك هذه الشريحة فصادف أن رآه يوما" أحد أقربائه في مبغى فسأله عن سر تواجده في هذا المكان فأخبره بأنه جاء للقيام بدراسة ميدانية كلّف بها من قبل الكلية لدراسة هذه الشريحة فبادره قريبه بالقول : ( هذه كلية لو كلجية ) ! واستطاع أن يقف على مسافة واحدة من كل التيارات الفكرية والسياسية في العراق في وقت كانت فيه الأفكار اليسارية والقومية والدينية هي المهيمنة وكانت فلسفته في علم الاجتماع تقوم على التبسيط والموضوعية ( التجرد عن الذات أو الهوى ) فلذلك كان يحضى بجمهور لا نظير له كما" ونوعا" فلم يعهد جمهورنا أن يرى أكاديميا" متخصصا" يبسّط أكثر المفاهيم صعوبة بشكل يستوعبه الجميع ويصاحب ذلك سرد للكثير من الطرائف التي تدعم طرحه ، وقد قسّم ( نبيل العطية ) طرائف الدكتور علي الوردي في كتاباته الى ثلاثة أنواع هي طرفة المشاركة ( التي يكون الوردي هو نفسه جزءا" من مشهدها الطريف ) والطرفة المروية ( المنقولة شفاها" من الناس ) والطرفة المقتبسة ( من المراجع التي اعتمد عليها) ، وقد شكّك د.حسين علي محفوظ بمدى صحة حدوث هذه الطرائف حيث قال : ( كل الطرائف التي يرويها الوردي هي من تأليفه وتلحينه ) !
لقد كان الوردي يسبح ضد التيار فخالف كل ما هو مألوف لا لشهرة أو حب للظهور وانما كان يدرك أن مهمته تنويرية حسب اعتقاده على الرغم من الحملة التي شنها ضده الكثيرون من مختلف الاتجاهات الفكرية فقال عنه أحد أئمة الجمعة في بغداد : ( ان أسباب الفساد في البلاد ثلاثة هي الخمر والميسر وعلي الوردي ) وقال عنه استاذ اللغة العربية في جامعة بغداد وقريبه د.عبد الأمير الورد : ( الوردي ليس شاعرا" ولا فنانا" ولا سياسيا" ولكنه ملأ الدنيا وشغل الناس بأوسع مما فعله أي شاعر أو فنان أو ذو فكر سياسي ) حيث اختلف الكثيرون في تصنيف توجهاته الفكرية فمنهم من وصمه بأنه عميل أمريكي لأنه يدعو الى منهجية علمية محضة تعلمها في الولايات المتحدة ومنهم من اتهمه بالماسونية ومنهم من حسبه شيوعيا" لأنه لم يبجّل المتدينين ورجال الدين ولم يعطهم هالة من التقديس وكانت له آراء في الفقه أثارت سخط الكثيرين منها أنه كان يعتقد أن تناول كوب من الخمر غير ذات ضرر بل كما يقول الوردي بأنها منعشة للذهن ومحفزة على الكتابة والانجاز ! اضافة الى أن للوردي صلاته الخاصة به والتي لم يعهدها الكثير من المسلمين ان لم يكن جميعهم وهي التي يسميها ( صلاة الصوفية ) والتي يؤديها وهو يمشي على جسر الأئمة عند الغروب حيث يقول الوردي : (( اني أميل الى طريقة المتصوفة في عبادة الله ومخاطبته وهذا هو الذي جعلني أصلي لربي على جسر الأئمة عند الغروب في بعض الأيام وخاصة عندما تكون في السماء بعض السحب المتناثرة التي تنعكس عليها أشعة الشمس الغاربة ، فاني أجد في ذلك منظرا" رائعا" يقربني الى الله ويحفزني الى الدعاء اليه والاستعانة به .. ومن المؤسف أن أقول أن هذا النوع من الصلاة لا يرضى عنه بعض الناس ، ولاسيما اولئك المتزمتون ، وقد حدث لي ذات مرة أن شاهدني أحدهم وأنا في تلك الحالة الصوفية فصرخ في وجهي شاتما" ونطق بكلمة بذيئة شتمني بها وشتم صلاتي ولم أجد جوابا" سوى الحوقلة )) وأين نضعه في التصنيف الفكري وهو ينتقد كلا" من الملحدين والمؤمنين بقوله : (( ان الملحد والمؤمن لا يصلحان للبحث العلمي ولا للحكم أيضا" ، فالحاكم الملحد يكره المتدينين من أبناء شعبه ويقسو عليهم ويحاول أن يخرجهم من الايمان الذي هو أثمن شيئ لديهم ، هذا بينما نجد الحاكم المؤمن من الجهة الاخرى يقسو على من هم على غير دينه وربما عدهم حثالات لا حق لهم في الحياة )) ، ففي أية خانة فكرية أو سياسية نضع الوردي وهو يخضع الجميع لدائرة الشك ، ففي علم النفس التحليلي هنالك مبدأ يقول : ( لا سلوك بدون دافع ) فكل سلوك يقوم به السياسيون وغيرهم استنادا" لهذا المبدأ وراءه دافع ما ويقول الوردي : ( ان ما يميز العلم عن العقيدة هو وجود الشك فان وجد الشك وجد العلم ) وما يقصده الوردي بالشك هنا هو الشك العلمي .
باختصار كان الوردي ورديا" وخارج كل التصنيفات الفكرية والسياسية وما أحوجنا اليوم الى سياسي يذهب الى المفكر أو المثقف أو الأكاديمي بدلا" من أن يسعى كل هؤلاء اليه .
لقد ظل الوردي مثيرا" للجدل في حياته وبعد مماته حيث صدر (12) كتابا" في الرد على آرائه وتحليلاته وهذا دليل حيوية أفكاره .
ان دراسة سيرة حياة الوردي تكتسب أهمية استثنائية لأنه شاهد على قرن من الزمان بكل تقلباته الفكرية والسياسية والاجتماعية وكانت تشن ضده حملة شعواء بعد كل كتاب يصدره وكان الناس يشكونه لدى والده حتى أنهم ذهبوا اليه مرة قائلين : سيدنا من المؤكد أن ابنك لا يقول هذا الكلام أمامك فكان يجيبهم : الناس أنواع فمنهم من له وجه واحد ومنهم من له وجهان أما ابني علي فمثل ساعة الصحن له أربعة وجوه ) والوجوه الأربعة لساعة الصحن الكاظمي هي لأنها ترى من جميع الجهات .
لقد كان للصحفي سلام الشماع كل الفضل في ابراز ما خفي من شخصية عالم الاجتماع الكبير د.علي الوردي حيث رافقه لسنين طويلة وأتحف القراء بجوانب لم تكن معروفة عن الوردي فله كل التقدير في جهوده هذه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة