الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثيوقراطية الدستور المقترح

داود روفائيل خشبة

2012 / 7 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين أصبح من الواضح أن الجمعية التأسيسية فى تشكيلها المعيب الثانى، الذى لم يختلف جوهريا عن التشكيل المعيب الأول الذى أبطله حكم القضاء، مهددة بدورها بالبطلان، أخذت تسابق الزمن لتضعنا أمام أمر واقع يتمثل فى دستور مقترح يحقق مقاصد تيار الإسلام السياسى. ويكفى أن نلقى نظرة على ما نـُشر عن الصياغات المقترحة لبعض المواد لنتبيّن ملامح الفاشية الدينية التى يصطبغ بها الدستور المقترح. وأكتفى هنا بهذه الملاحظات السريعة.
تتحدث المادة الأولى عن "ديمقراطية شورية"، ومع أن الإسلاميين أنفسهم يعترفون بأن كلمة "شورية" غير محددة المعنى إلا أن لنا أن نتوقع أن إقحامها يفتح الباب لتأويلات تفقد بها الديمقراطية مضمونها المدنى.
فى المادة الثانية أدخلوا عبارة تنص على أن "الأزهر الشريف هو المرجعية النهائية لتفسيرها"، وهذا عمليّا يجعل الأزهر سلطة تتجاوز سلطة المجلس التشريعى وتتجاوز سلطة المحاكم بما فيها المحكمة الدستورية العليا، وهذه ثيوقراطية صريحة سافرة. ثم إن السلفيين لا يزالون يعلنون أنهم لن يقبلوا بإبقاء النص على "مبادئ الشريعة الإسلامية"، ويطالبون إما بإحلال كلمة "أحكام" محل كلمة "مبادئ" وإما بإزالة الكلمة فتكون الشريعة الإسلامية على إطلاقها هى المصدر الرئيسى للتشريع.
يأبى السلفيون القول بأن السيادة للشعب ويريدون النص على أن "السيادة لله وحده وقد جعلها الله للأمة". فإلى جانب الإصرار على استدعاء الله بمناسبة وبغير مناسبة توكيدا لدينية الدولة، فإنهم يقررون أن الله حين أوكل ما له من سيادة إلى الناس قد جعلها "للأمة"، فأى أمة يقصدون؟ بموجب مصطلح الإسلاميين المعتاد لا شك أنها الأمة الإسلامية، وهكذا تنتقل سيادة الشعب وسيادة الوطن إلى أمة لا نعرف لها حدودا ولا نعلم ما معالمها.
عند الحديث عن حرية العقيدة يتحدثون عن "حق إقامة أماكن العبادة للديانات الثلاث وفقا لتقديرات الدولة السياسية". وهنا أمران جديران بالالتفات إليهما. أولا، إذا كانت حرية العقيدة حق للجميع فلماذا يقتصر حق إقامة أماكن العبادة على الديانات الثلاث؟ وحتى "الديانات الثلاث" تفسَّر تفسيرا منقوصا، فنحن نعلم أن السلطات المصرية، استنادا إلى مرجعية الأزهر، تنكر على المسلمين الشيعة حق إقامة أماكن عبادة لهم. ثانيا، تقييد حق إقامة أماكن العبادة، سواء قصرناها أو لم نقصرها على الديانات الثلاث، بجعله "وفقا لتقديرات الدولة السياسية" يفتح الباب لكل ألوان ودرجات الاستبداد والتمييز، إذ أن "تقديرات الدولة السياسية" عبارة هلامية لا ضوابط ولا معايير لها. (هامشيا: لماذا "أماكن العبادة" بدلا من تعبير "دور العبادة" المعتاد؟ هل نلمح مغزى دفينا هنا؟)
عند الحديث عن التعليم يريدون النص على "إلزام الدولة بالإشراف على جميع مستوياته وأنواعه"، ومع أن إشراف الدولة على التعليم مطلوب وضرورى إلا أن هذا النص يمكن أن يكون وسيلة لقمع حرية الفكر، خاصة حين تكون الدولة دينية، وخاصة أن النص يشير إلى التعليم بجميع مستوياته وأنواعه فيشمل الجامعات والمراكز البحثية والمدارس الخاصة بفئات أو طوائف معينة.
هذه ملاحظات عفوية سريعة حول بضع نقاط، ولكن من الواضح أن دستورا تضعه جمعية يسيطر عليها التيار الدينى لا يمكن أن يأتى دستورا ملائما لدولة مدنية تفتح المجال لحياة حرّة ولمجتمع يسعى للنهوض والتقدم. لا بد للقوى التقدمية من أن تناضل فى سبيل دستور يكفل الحريات على أوسع نطاق، ويبرأ من الخضوع لأى سلطة فوقية تلاشى سيادة الشعب وتصادر الاحتكام لمرجعية العقل.
القاهرة، 14 يولية 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran