الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قانون النشيد الوطني العراقي

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2012 / 7 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



نقلت الأنباء بعض ما يدور من نقاشات سواء في مجلس النواب العراقي أو اللجنة التي شكلها المجلس لوضع مسودة قانون النشيد الوطني العراقي . تواترت الأنباء أن النقاشات كانت مركزة بصورة أو بأخرى بنص النشيد الوطني ( أي كلماته ) ، وقد طرحت على اللجنة قصائدُ ثلاثة من كبار الشعراء ، وتوجهت الأذهان أن تكون قصيدة شاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري صاحبة الحظ الأوفر في هذا المجال . ثم جاءت في الأنباء مقترحات ( أو بالأصح : مطالب ) ان ينتهي النشيد الوطني ببيت من الشعر باللغة الكردية وبيت آخر باللغة التركمانية !!

لا أدري ، كيف تتحجّر العقول إلى هذه الدرجة التي يصعب فيها توصيف حاملها ؟ تُرى ؟ ألا يكفي الفرد شرفاً أن يوصف كونه عراقيّاً ، وهل يحتاج بعد هذا الشرف أن يُستكمل بهوية كونه عربياً أو كردياً أو تركمانياً ؟ الفخر بالنسب شرفٌ والدفاع عنه حق لا نزاع عليه ، ولكن تبقى الهوية العراقية الشرف الأسمى الذي لا يسمو عليه شيئ .

لقد أبتلينا من يوم سقوط النظام السابق بإستشراء الدعوات التي أدت إلى شق الشعب إلى طوائف ومكونات ، ولم تكن الأغراض من وراء كل ذلك خافية : البنية الطفيلية للنظام الذي أنشأه الإحتلال ، وسلّم مقاليده إلى حفنة من النفعيين إنما كان لتكريس مبدأ ( فرّق تسُد ) . لقد أصبح التعكز على التفرقة ديدن المتسلطين على السلطة ، وليس لديهم لغة يتفاهمون أو يعبرون عن أفكارهم بها إلاّ بإفتراض كونها حقيقة يجب إدامتها . إن الجهات التي طالبت أن يكون هناك بيت من الشعر باللغة الكردية في النشيد الوطني أو الذين طلبوا إضافة بيت شعر باللغة التركمانية إليه إنما كانوا سطحيين في تفكيرهم لحد الجهالة . ففي الوقت الذي يتظاهرون أنهم يدافعون عن هويتهم القومية ، ينسون أنهم يضعون مرتبة قوميتهم أعلى من مرتبة الوطنية ، وكذا ينسون حقوق الأقليات القومية الأخرى في حق يرونه لأنفسهم ويسفهون حقوق الآخرين .

ما بالنا لا نستفيد من تجارب الشعوب والأمم الأخرى ، والتي سبقتنا في إرساء حقوق كاملة لأبنائها بدون تعارض حق فئة مع فئة أخرى ؟ ما بالنا نحاول أن نجرّب حتى قضايانا المصيرية على طريقة تجربة الخطأ والصواب ، ونتحمل تكاليف المحاولات الفاشلة مرات عديدة حتى نصل إلى حلول خديجة غير كاملة أو معيبة في كثير من الأحيان . هذه الطريقة في تناول القضايا للوصول إلى قرارات قد كلفتنا الكثير دون أن يعتبر أولي الأمر بما إقترفوه . مثال ذلك : يعتبر الدستور الأعلى مرتبة في قوانين جميع بلدان العالم ، و يعتبر المرجع والوثيقة الأسمى لديها ، ولكن لدينا ، ورغم أن التغيير الذي حدث في عام 2003 قد أزاح عن كاهل الشعب العراقي أعتى نظام دكتاتوري ظالم فإن دستورنا قد خلّد إسم صدام في إحدى موادّه لا لسبب إلاّ لإشباع رغبة آنية لجهة إشتهت ذلك !!

يا ناس .. ليس النشيد الوطني لأيّ دولة كلمات نظمها شاعر أو فيلسوف أو قائد فحسب ، إنما النشيد الوطني حتى يكون نشيداً ينشده الشعب يجب أن يكون له لحن وموسيقى . إن إقتصار النقاش على نصوص النشيد الوطني يعتبر مبتوراً . كما أن المطالب الإضافية المطروحة تخرج النص من كونه جامعاً لصفوف الشعب ، بل تجعله أداة لتكريس التفرقة ، بالإضافة إلى صعوبة تطبيقه . تُرى إذا تم الإتفاق على إضافة بيت من الشعر الكردي إلى النشيد الوطني فبأيّ كردية يكون هذا البيت الشعري : هل يكون السورانية أم البهدينانية أم الفيلية ، وكذا البيت الشعري المقترح الآخر هل يكون باللغة التركمانية باللكنة المستعملة في كركوك أ و أربيل أواللغة التركية الإسطنبولية ؟

تجارب الشعوب الأخرى تعلمنا أن البلد يكون لديه نشيد وطني واحد بلحن وموسيقىً موحدة ، وأما النص فيمكن أن يصدر قانون لتحديده باللغة الأشمل في البلد ، وترجمات للنص المذكور إلى كافة اللغات التي ينطق بها أبناء البلد . فيكون كل فرد ينشد النشيد باللغة التي يريدها والتي تشمل نفس معانيه في اللغات الأخرى ويوحد النشيد جماعياً اللحن والموسيقى .

كثيرة هذه الممارسة لدى الشعوب الأخرى ، وعندما يتم تطبيقها في بلد مثل العراق ، فكم جميلٌ أن نرى مجاميع من الشعب العراقي تنشد النشيد الوطني العراقي باللغة العربية ، ومجاميع أخرى باللغة الكردية بشتى لكناتها والتركمانية كذا بلكناتها المتنوعة وكذا السرياني والكلداني والمندائي والأرمني وحتى العبري ، يعلو صوتهم إلى عنان السماء موحداً بلحن وموسيقىً موحدة .

في إحدى المناسبات ، ظهر رئيس الوزراء الكندي ( جون كرتيان ) في برنامج تلفزيوني ، وفي مجرى حديثه عن تاريخ نشأته وتقلده الوظائف ذكر أنه عندما كان رئيساً للوزراء صادفت زيارة الملكة أليزابيث إلى كندا ، وعندما عزفت الفرقة الموسيقية السلام الوطني الكندي ، وكان هو آنئذ واقفاً على يسار الملكة ، فإنه أنشد النشيد الوطني الكندي باللغة الفرنسية ( وهي اللغة الرسمية الثانية في كندا ) و كان الآخرون ينشدونه أيضاً كل باللغة التي يراها !!

عسى أن نتعلّم من تجارب الغير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر على تعليقكم
ييلماز جاويد ( 2012 / 7 / 23 - 04:51 )
شكراً جزيلاً على تعليقكم . وعجبي من الذين يقترحون إضافة بيت من الشعر باللغة الكردية وبيتاً آخر باللغة التركمانية إلى النشيد الوطني ويفترض أن ينشده العراقيون جميعاً . لا تتحمل عقول أولئك أن تلك اللغتين تختلفان عن اللغة العربية وعن بعضهما إلى درجة عدم إستطاعة أحدهم من الحديث بلغة الآخر دون أن يرتكب خطأ لفظياً قد يقلب معناه إلى العكس أو ربما إلى شتيمة
ندعو الله أن يهديهم ليستقيم عملهم

اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط