الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب - الإسلام وأصول الحكم - للشيخ علي عبد الرازق

سميح مسعود

2012 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتاب " الإسلام وأصول الحكم " للشيخ علي عبد الرازق
بقلم : الدكتور سميح مسعود
صدر هذا الكتاب في عام 1925 بعد الغاء الخلافة العثمانية، في وقت كان يتنازع فيه بعض ملوك العرب ومنهم الملك فؤاد ملك مصر على لقب خليفة المسلمين ، ومؤلفه الشيخ علي عبدالرازق ، من خريجي الازهر ، حصل منه على درجة العالمية ، وبعدها التحق بجامعة أوكسفورد البريطانية لدراسة الاقتصاد ، وعند اندلاع الحرب العالمية الاولى عاد الى بلده مصر ، وتم تعيينه قاضيا شرعيا في محكمة المنصورة الشرعية .
عند صدور هذا الكتاب ظهرت ضجة بسبب أرائه حول موقف الإسلام من الخلافة ، واثباته بصحيح الدين على عدم وجود دليل على شكل معين للدولة في الاسلام ، وأن للمسلمين الحق في بناء " قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على احدث ما انتجت العقول البشرية وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم ” ...ما يعني ان الإسلام لم يفرض على المسلمين نظاما سياسيا معينا ، بل جعل لهم الحق في اختيار نظامهم وحكومتهم، وهذا هو المعنى الصحيح لقول الرسول للمسلمين " أنتم أعلم بشؤون دنياكم " .
ينقسم الكتاب الى ثلاثة أجزاء ، يغطي الجزء الاول منها موضوع الخلافة والاسلام ، والجزء الثاني الحكومة والاسلام ، والجزءالثالث الخلافة في التاريخ ، ويؤكد الكتاب في مضمونه بأنه لا يوجد ذكر أو اشارة للخلافة في القراّن أوفي السنة النبوية ، كما أنه لم ينعقد الاجماع عليها ، ولإبراز هذه النتيجة بكلمات واضحة وإضفاء مزيد من الإثارة عليها أكد الكتاب في نفس السياق على ان " الإسلام بريء من الخلافة لانها سياسية ، والخليفة ليس نائبا عن الرسول ولا يقوم مقامه " ، وبهذا نفى وجوب الحكم الذي ارتبط تاريخيا بفكرة الخلافة.
وهكذا توصل الشيخ علي عبد الرازق مؤلف الكتاب الى نتيجة أساسية مفادها " إن ضياع الخلافة لم يؤثر بشيء على أركان الدين واوضاع المسلمين ومصالحهم ... “ويضيف في هذا السياق مؤكدا في أخر فقرة من فقرات كتابه “ والحق أن الدين الاسلامي بريء من تلك الخلافة التي يتعارفها المسلمون ، وبريء من كل ما هيئوا حولها من رغبة ورهبة ومن عزة وقوة ، والخلافة ليست في
شيء من الخطط الدينية ، كلا ، ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة ، وانما ذلك كله خطط سياسية صرفة لا شأن للدين بها ، فهو لم يعرفها ولم ينكرها ، ولا أمر بها ، ولا نهى عنها ، انما تركها لنا لنرجع فيها الى أحكام العقل وتجارب الامم وقواعد السياسة "

في هذا المنحى من التحليل وضح مؤلف الكتاب الشيخ علي عبد الرازق قناعاته ، بأن " الإسلام دين فقط لا علاقة له بالدولة ، ولا علاقة له في جوهره وموروثه العقائدي والفكري بالدولة والسياسة ، و أن النبي كان رسولا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها سلطة او رغبة في تأسيس حكومة ، كما وأنه لم يؤسس مملكة … وكل ما شرعه الإسلام غير كاف لما يلزم الدولة المدنية من أصول سياسية وقوانين ... كل ما شرعه ديني خالص لمصلحة البشر الدينية لا غير … "

ساهمت هذه الافكار التي صاغها الشيخ علي عبد الرازق في كتابه ، بظهور حملة ضخمة من الهجوم عليه ، تم ادانته وادانة أفكاره، وعقدت هيئة كبار العلماء في الازهر جلسة خاصة لمحاكمته، رصدت سبع تهم ضده، شملت جعله الشريعة الاسلامية روحية محضة لا علاقة لها بالحكم والتنفيذ وحكمت الهيئة بالاجماع باخراجه من زمرة العلماء ، وتجريده من شهادة العالمية الازهرية ، وفصله من وظيفته كقاضي شرعي ، كما ترتب على هذا الحكم " محو اسمه من سجلات الجامع الازهر ، والمعاهد الاخرى ، وطرده من كل وظيفة ، وقطع مرتباته في اي جهة كانت ، وعدم أهليته باي وظيفة عمومية دينية كانت أوغير دينية . “

كما صدرت عدة كتب ومقالات كثيرة كرد على مضمون كتابه أثارت عاصفة هائجة مؤثرة في الحياة الفكرية والسياسية المصرية وقتذاك ، منها كتاب بعنوان "حقيقة الإسلام وأصول الحكم " للشيخ محمد بخيت ، وكتاب أخر بعنوان " نقد الاسلام وأصول الحكم " للشيخ محمد الخضر حسين ،تم فيهما نقد أفكار الشيخ علي عبد الرازق ، وثمة أدلة كثيرة في صحافة ذلك الزمان تؤكد انه لم يقف ساكنا امام منتقديه ، بل خاض معهم معركة على صفحات الجرائد ، دافع فيها عن كتابه وافكاره ، وتحولت قضيته الى قضية تتعلق بحرية الفكر والتعبير ، ووقف الى جانبه بعض الكتاب دفاعا عن الحرية والفكر ، في مقدمتهم عباس محمود العقاد ، ومحمد حسين هيكل ، وسلامة موسى ، كما سانده حزب الاحرار الدستوريين ، ودافع عنه كتاب كثر في مجلتي المقتطف والهلال ، وجريدتي كوكب الشرق ( الناطقة بلسان حزب الوفد ) والسياسة ( الناطقة بلسان حزب الاحرارالدستوريين ) ، واعتمدوا في دفاعهم عن افكار الشيخ علي عبد الرازق على نصوص للإمام المجدد محمد عبده ذكرها في كتابه المعروف " الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية " و بين فيها " أن الحاكم الذي تختاره الأمة كالخليفة يمثل حاكما مدنيا من جميع الوجوه ... سلطةالحاكم مدنية ... السلطان في الاسلام فرد تسري عليه كافة الأمور التي تسري على الاخرين ، فإذا ارتكب خطأ فانه يجب ان يتعرض للمساءلة والحساب ... وليس في الاسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة والدعوة الى الخير … وعلماء الدين ليس لهم سلطان ديني على الافراد في نطاق التوجيه والارشاد دون حق في السيطرة على إيمان الافراد ...”

وعل الرغم من تأييد البعض لافكار الشيخ علي عبد الرازق ، إلا أنه عاش منعزلا بعيدا عن الاضواء لفترة طويلة من الزمن ، وبعد أن تغيرت الظروف السياسية في مصر بانتهاء عهد الملك فؤاد الذي كان له تأثيره الكبير على قرار محاكمة الازهر السابق ذكرها ، أعيد الاعتبار للشيخ علي عبد الرازق ثانية … أرجع له الأزهر مؤهله العلمي , وأرجعه لزمرة العلماء ، واكتملت في مسيرته سلسلة من الانجازات السياسية والعلمية المهمة ... اختير عضوا في مجلس النواب وفي مجلس الشيوخ وفي مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، واختير وزيرا للاوقاف في عام 1948 … تغيرت أحواله ، لكنه بقي حتى وفاته وفيا لأفكاره وقناعاته ، وبقي كتابه الذي عمت شهرته الدول العربية في التداول حتى وقتنا الحاضر .

أذكر الان كتاب " الإسلام وأصول الحكم " في ظل صعود الحركات الاسلامية الى السلطة في عدد من الدول العربية ، لتسليط الضوء على موروث الشيخ علي عبد الرازق ... على أفكاره التي ضرب فيها قصب السبق في توضيح المفهوم الصحيح لاصول الحكم في الاسلام ، وبين فيها أن الحاكم ليس ظل الله على الارض ، وأنه لا أحد سلطانا على عقيدة أحد ولا سيطرة على إيمانه وان المسلمين كغيرهم من بني البشر أدرى بشؤون دنياهم،
عليهم بناء السلطة المدنية الخاصة بهم ، على أسس تحقق لهم العدل والحرية والتقدم واحترام الانسان ، وتحقيق المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، دون تمييز على أي اساس ديني او عرقي او قبلي او طائفي … الجميع في الدولة المدنية سواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت


.. 81-Ali-Imran




.. 82-Ali-Imran


.. 83-Ali-Imran




.. 85-Ali-Imran