الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نشوء القومية الدنماركية

زاردشت قاضي

2012 / 7 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يدور اليوم تلك النقاش الجاد والحاد , إن صح التعبير , بين الدنماركيين بغية معرفة الفترة التأريخية التي تكوّنت فيها الإحساس الوطني كشعب له مقوّماته القومية الخاصة , على أن البعض يرجع ذلك الشعور الجمعي المشترك إلى زمنٍ ليس بقريب , لكن وإعتماداً على المخلفات الأركيولوجية نجد هنالك مثالاً مادياً واضح المعالم متمثلاً بـ الحجر الكبير في مدينة يلينغ " Den store Jelling" , والتي ينسب إلى ملك الڤايكينغ هارلد بلوتاند"Harlad Blåtand " الذي أمر بنحت صورة للمسيح عليه بين سنتيّ (960- 985مـ) , ويعّد تراث مسيحي قدم في جميع الدول الإسكندنافية حيث كتب عليه الآتي : " لقد أمر بهذا النصب التذكاري الملك هارلد الذي خلف كورم " Gorm " والده , وتورا " Tyra" والدته , إنه هارلد , الذي حظيّ بالدنمارك والنرويج جميعها ونشر فيها المسيحية " .
في الحقيقة فإن إحساس الدنمارك بالهوية يعود إلى ماقبل القرن السابع عشرة للميلاد , ففي نهاية عام 1700, وبداية 1800 مـ تولد في أوربا إهتمام كبير بالقومية , على أن الشعوب ذات اللغة , الثقافة , والتاريخ المشترك اتحدوا معاً , و أصبح إدراك الشعب أكثر مركزية , لذلك توجه أنظار الشعراء , الرسامين , والمؤلفين الموسيقين نحو الأغاني التراثية , الشعر الشعبي , والموسيقا الشعبية , والتي يطلق عليهم في الوقت الحاضر الرومانسيين .
لقد بحث الكثير منهم في ماضي الدنمارك العتيق , وكذلك حقبة العصر الوسيط , بغية العثور على الماهية المشتركة بين الشعوب , وقرروا العودة إلى الخلفية المشتركة بين الأمم سالكيين مسار اللغة والثقافة والتاريخ , ليجدوا مادتهم الخصبة في القبور , الأحجار التي نقش عليها الحروف الرونيّة , المجوهرات أو الحليّ , والأسلحة وغير ذلك , لقد أعتقد هؤلاء أن العصر القديم كان أجمل من الحاضر لذلك نبشوه بشغف .
في سنة 1803مـ ظهر الشاعر الدنماركي القومي " آدم أولنشليغه " ليكتب قصيدةً تحت عنوان " Guldhornene " أي الأبواق الذهبية , يروي فيها قصة فتاةٍ شابة تعثر على كنزٍ من الذهب في أحد الحقول , والتي كانت عبارة عن بوقة ذهبية جميلة يعود إلى العصر القديم , وفي سنة 1734مـ تم العثور على بوقةٌ ذهبيةٌ أخرى بين المروج من قبل شابٍ, ولكنها سرقت فيما بعد وصهرت , كما كتب آدم قصيدةً سنة 1819 مـ بعنوان " Der er et yndigt land" أي , أنه وطنٌ جميل , وأضّحت أشهر قصيدة في الدنمارك بل أصبحت نشيد الدنماركي الوطني .
لقد أرتبطت ظهور القومية الدنماركية سنة 1800مـ بالعلاقة مع ألمانيا , ففي ذلك الدهر توّلد شعور وطني عدائي ضد الدولة الجارة , وذلك بالتزامن مع ظهور فكرة حق تقرير المصير بين الشعوب الأوربية , على أن أغلبية قاطني إقليم " Slesvig Holsten " الواقعة جنوب الدنمارك تحدثوا الألمانية في الوقت الذي كانوا يعيشون تحت تاج مملكة الدنمارك , على أن تلك الأقلية لم يكونوا راضيين من ذلك الحكم , وقاد شعورهم القومي إلى معركةٍ سنة 1848 مـ والتي انتصر فيها الدنمارك .
في الحقيقة وقعت معركة أخرى بين الطرفين سنة 1864مـ لكن الدنمارك انهزم فيها وخسر بذلك الإقليم , وبالتالي منطقة " Kongeåen " جنوب مدينة " Kolding " الحد الفاصل والجديد بين الطرفين , على أن جنوب جزيرة يولاند بقيت بطبيعة الحال المنطقة المتنازع عليها حيث فرض الألمان ثقافتهم فيها , وكان على أطفال الدنمارك التحدث بالألمانية في المدارس الحكومية بإستثناء بعض المدارس الريفية والتي درّس فيها بعض الساعات الدينية بالدنماركية , وذلك إلى جانب الخدمة العسكرية التي لُزِم بها رجال الدنمارك تحت العَلم الألماني, وكم تمنى آنذاك الكثير من الدنماركيين بغية استعادة جنوب جزيرة يولاند يوماً ما , وبدأ كفاحهم بالفعل من أجل إثبات الهوية الدنماركية , وترجموه على أرض الواقع بإنشاء المدارس الخاصة لكي يستطيع أطفال الدنمارك الحصول على التعليم بالدنماركية .
النزعة القومية في تلك الحقبة لم يشغل بال جميع الدنماركيين بل وجد في الفترة عينها أناس ليسوا بقليل ساهموا في النزعة العالمية , وفي ذلك الوقت , أي في سنة 1871مـ , أدت النزعة القومية في الدنمارك إلى تولد حركة عمالية ذات طابع اشتراكي, على أن ذلك الإنفعال كان وطنية وذلك لتضامن العمال مع بعضهم البعض بغية مواجهة الحدود القومية , والتي يحيّها الدنمارك إلى الوقت الحاضر .
مع بداية عام 1920 وبعد إنهزام الألمان في الحرب العالمية الأولى تم وضع حلٍ لمشكلة الحدود , وفي ذلك الحقبة الزمنية كان على الدنماركيين والألمان القاطنين في إقليم " Slesvig Holsten " والمقسّم إلى ثلاث مناطق التصوّيت , على أن الغالبية العظمى في المنطقة الأولى صوتوا لصالح الدنمارك , في حين صوّت أغلبية المواطنين في المنطقة الثانية والثالثة لصالح الألمان , فرُسِمت بالنتيجة حداً فاصلاً جديداً بين الطرفين والتي أتت إلى الشمال قليلاً من مدينة Flensborg" " .
لقد أحتل الألمان الدنمارك أثناء الحرب العالمية الثانية , وذلك بين عاميّ 1940-1945 مـ , على أن الدنمارك تجنب تلك الدمار التي هلك معظم دول أوربا , فلم تتواجد مقاومة شعبية فيها يذكر, بل عملت الحكومتان وتعاونتا معاً جنباً إلى جنب في السنوات الثلاثة الأولى من الحرب , وبالتالي حصلت الدنمارك على فرصة تاريخية بغية البقاء مسالماً تحت الإحتلال من دون إراقة دماء ,على أن النزعة القومية كانت تتغلغل آنذاك في عروق الدنماركيين , لذلك ترددوا المنتزهات والحدائق في المدن وغنوا الأغاني القومية بشكلٍ جماعي , وبالتالي أظهروا ضرورة تاريخية بأن يكونوا دنماركيين , على الرغم من أنهم أبدوا مقاومة سلبية ضد الإحتلال , لكن في واقع الأمر لم يخلوا من المقاومة الإيجابية متمثلاً بالذين عاشوا تحت الأرض , وهؤلاء طبعاً حذوا حذو اليهود آنذاك .
إن نزعة المقاومة تلك كانت ضد التعاون السياسي مع ألمانية , والتي تطورت إلى خلايا وفصائل مقاومة بغية خلق مضايقات للمحتلين , وعلى سبيل المثال لا الحصر قاموا بتدمير المصانع وسكك الحديد إلى جانب إصدار الجرائد السرية , لذلك تم القبض على الكثير منهم , وأُرسلوا إلى معسكرات الإعتقال , إلى جانب آخرين الذين قتلوا رمياً بالرصاص .
نتيجة لذلك تنازلت الحكومة الدنماركية , التي كانت محتلة من قبل الألمان , سنة 1943مـ عن السلطة , وفي السنوات الأخيرة حُكِم الدنمارك من قبل الألمان , وذلك حتى الرابعة من أيارلسنة 1945مـ , حينما أعلن آنذاك , وعبر راديوا الدنمارك في لندن BBC" " خبر استسلام الألمان , وأن الدنمارك أصبحت حرّة أبيّة , لقد هلل ذلك الخبر البهجة والحبور في طول البلاد وعرضها , وبدأ يظهرآنذاك شعور الإنتقام متمثلاً بقصّ شعر الفتيات أو النساء الدنماركيات الذين كانوا على علاقة مع الجنود الألمان .
اليوم يعتقد كلا الدولتان أن مشكلة الحدود حلّت سلمياً وبطريقة ديمقراطية يحتذى بها , حيث يعيش الأن أقلية ألمانية في " Sǿnderjylland" أي جنوب جزيرة يولاند , وكذلك أقلية دنماركية في شمال ألمانية , على أن الأقليات في حدود كلا الجانبين لهما الحق بغية فتح المدارس الخاص بهم , وكذالك النوادي والجمعيات ... الخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة