الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سفسطة إخوانية

داود روفائيل خشبة

2012 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



كنت أقرأ كوميديا "الطيور" لـ أريستوفانيس. فى القسم الأول من المسرحية يقدم أريستوفانيس صورة ساخرة للخطابة الديماجوجية، إذ يطرح أحدهم مقولة ما ويشرع يدلى بالحجج لإثبات مقولته فيسترسل فى طنطنة ليس لها أى صلة بالمقولة التى يزعم إثباتها، لكنه مع ذلك ينجح فى إيهام مستمعيه بأنه قدم الحجج الدامغة لدعم دعواه. وأنا أقرأ كانت ترتسم فى مخيلتى صورة متحدث من أحد أحزاب الإسلام السياسى يدافع عن حشرهم لكلمة ‘شورى’ بجانب كلمة ‘ديمقراطية’ فى نصّهم المقترح للمادة الأولى من الدستور بعد أن اضطروا لرفع كلمة ‘شورية’ من نص المادة الثانية. يقولون إن ‘الديمقراطية’ لا تكفى لتعريف النظام السياسى لأنها تتعلق بالدولة لا بالمجتمع وأنها تترك الآليات والاختصاصات دون تحديد، وأن كلمة ‘الشورى’ هى التى تهدينا إلى ضرورة إقامة المجالس المحلية والبلدية وما إليها بالانتخاب. وهذ حديث مراوغ يراد به إخفاء الغرض الحقيقى من الإصرار على إدخال كلمة ‘الشورى’ فى دستور يريدونه دستورا إسلاميا إن قصر عن أن يرسى أسس الخلافة فإنه يكون خطوة على الطريق إليها.
إذا كان الإخوان المسلمون بما اكتسبوه من دهاء سياسى يحاولون ستر أهدافهم البعيدة فإن حلفاءهم فى تيار الإسلام السياسى يتعجلون، لكنهم جميعا فى منتهى الأمر يريدون أسلمة الدولة، وإذا كان السلفيون وغيرهم يحرجون أحيانا الإخوان المسلمين، فليس ذلك لأى اختلاف فى القصد والهدف، وإنما لأن الإخوان يريدون الاستفادة مرحليّا من محالفة قوى فى الداخل والخارج ما كانت لترضى بمسايرتهم لو أنهم كشفوا عن غايتهم صراحة.
حاول الإسلاميون تبديل النص فى الدستور على أن السيادة للشعب بالنص على أن السيادة لله وحده وأنه يجعلها للأمة، والمقصود طبعا بـ ‘الأمة’ ‘أمة الإسلام’، فإذا ما مضينا مع منطق هذا النص فإن غير المسلمين من أهل البلد لا يكون لهم نصيب من تلك السيادة، وإذا أردنا الالتزام بالمنطق (ولو أن المنطق بدعة من بدع الكفار) فإنه لا يمكن أن يكون لهم حق المواطنة. بعد أن رؤى استبعاد نص "السيادة لله وحده" رأينا اقتراحا بمادة فى الدستور تنص على أن الذات الإلهية مصونة. ما الذات الإلهية؟ ما حدود مفهوم الذات الإلهية؟ ما معنى أن تكون الذات الإلهية مصونة؟ هذه الأسئلة يمكن أن تكون بالطبع مجالا لجدل لا ينتهى أبدا، لكن المؤكد فى كل الأحوال أن نصا كهذا يتناقض تناقضا جذريا مع مبدأ حرية الفكر. فمن حقى بمقتضى مبدأ حرية الفكر أن أبحث فى الحقيقة القصوى أو الحقيقة النهائية. فإذا رأيت مثلا أن الحقيقة النهائية هى المادة بمعنى ما (فالعلماء لم يعودوا يعرفون شيئا اسمه المادة) فإن ذلك سيُعدّ اجتراء على الذات الإلهية. وإذا قلت إن الشر موجود فى العالم، فلا بدّ أن له أصلا فى الحقيقة النهائية، كان معنى ذلك أن الشر مصدره النهائى الله، ويكون هذا اجتراء على الذات الإلهية. وإذا قلت إن فكرة الخلق من عدم فكرة غير مستساغة عقليّا، وأن الحقيقة النهائية لا بد أنها أنشأت الكون من ذاتها، فهذا القول قد يُعدّ تكذيبا لما أوحت به الذات الإلهية. وحتى إن قلت إن الإنسان لا يمكنه أن يصل إلى يقين عن الحقيقة الإلهية، فإن هذا سيُعدّ إنكارا لحقيقة الذات الإلهية. أىّ تكريس لفحوى عقيدة دينية فى الدستور يناقض النص على حرية الفكر وحرية العقيدة. يجب أن يكون مبدأ حرية الفكر مطلقا، لا يقيّده قيد ولا تحدّه حدود.
يجب أن يكون الدستور خاليا من كل إشارة للدين وخالصا من كل النصوص والمفاهيم والعقائد الدينية. الدستور إطار للحياة الإنسانية المدنية ويجب أن يقتصر على ما ينظم تلك الحياة الإنسانية فى حدودها المدنية، ولا يقترب بأى حال من الروحانيات والعقائد، فهذه تخص الإنسان الفرد فى حياته الخاصة التى ليس للقانون شأن بها.
القاهرة، 19 يولية 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 1-Ali-Imran


.. 2-Ali-Imran




.. 3-Ali-Imran


.. 4-Ali-Imran




.. 5-Ali-Imran