الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دمج المقدس بالحداثي في برامج رمضان

مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)

2012 / 7 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(البرامج الدينية في شهر رمضان) هذا العنوان يستحثنا لاستخراج سيمياء المقدس وغير المقدس فيه، فنجد أن هناك مفردة (الدينية) و (رمضان) كمفردتين لهما (بارادايم) مقدَّس في ذهن المتلقي، ويبقى هناك مفردة محايدة ذات دلالة زمانية هي (شهر) ومفردة ذات طابع حداثي هي (البرامج).
وعليه فمن حقنا أن نتساءل عن نتائج استدماج الزماني بالمقدس بالحداثي في عنوان واحد، وهل لذلك تأثير على المقدس من حيث المصداقيََّة؟، وهل الحداثي باعتباره متغيراً يتحول إلى ثابت لمجرد تماسه مع الثوابت المقدسة، أم العكس؟ وهل في هذا إعادة للسؤال القديم الجديد: هل تم أسلمة الحداثة أم الذي حصل هو العكس من تحديثٍ للإسلام؟!.
قبل أن أواصل الحفر والتنقيب، لا بد من طرح مثال يوضح الحالة الدينية، عندما تتماس بالحداثة القائمة على أرضية علمانية، لنفاجأ أن أي محاولة لصبغ الدين بمفهوم علماني سيرتطم بواقع الدين كحالة روحية متسامية، والعكس، والمثال المطروح هو في ذلك الواعظ الذي يحكي عن عظمة الدين الإسلامي مثلاً في مسألة الوضوء وكيف أن النظافة من خلال الوضوء خمس مرَّات يومياً سبقت الغرب في اهتمامه بالنظافة وما يستتبع ذلك من توعية صحية تجاه الأمراض والعدوى.... الخ من اجترار يرتطم فوراً بحقيقة أن الدين ليس مشغولاً بالنظافة، والدين ليس مشروع رعاية صحية..... الحقيقة أن الدين يتجه دائماً للإشباع الروحي، ولهذا فالوضوء كحالة من حالات الاستفتاح الروحاني مع الله عند الصلاة، لا يعتني بقضية النظافة (الماديّة)، ولهذا نجد في الديانة تفاصيل عن الوضوء، وأنواع الماء، تُوضح أن القضية تكمن في هدف واحد، ليس له علاقة البتة لا من قريب ولا من بعيد بالنظافة، إنه يختص بمفردة اسمها (الطهارة)، فالمهم في الدين الطهارة وليس النظافة، ولهذا فعندما يفقد المسلم الماء، فإنه يتجه إلى التيمم بالتراب، والتيمم عكس مفهوم النظافة تماماً، لكنه يسير مع معطى (الطهارة) ويتناغم معها.
وعليه نعود إلى موضوعنا وهو (البرامج الدينية في شهر رمضان) هل هي في حقيقتها نوع من (نظافة) الإعلام الفضائي خلال شهر رمضان يقوم به الُمرسِل/ الإعلام؟ وهذا ما أراه، وأحاول توضيحه، أم أنها نوع من (الطهارة) المتوجهة لروح المستقبل؟ وهذا ما لا اعتقده وأحاول توضيحه أيضاً.
(النظافة) معطى يتناسق مع السياق الحداثي للإعلام، فهو معطى مادي يمكن التفاوض معه على أرض الواقع، ومن خلاله يمكن أيضاً استدماج أحد أهداف الإعلام وهو (الترفيه)، ولهذا نجد أحد (المسلسلات الدينية) يعتبر مسلسلاً نظيفاً مقارنة بمسلسل (الحب الممنوع)، رغم أن هذا المسلسل الديني يحكي عن سيرة (الحجاج بن يوسف الثقفي!!) فهل وجود العمامة واللحية في وجه الحجاج مثلاً، كافٍ لإسباغ مفردة الديني على هذا المسلسل؟!.
في التراث، وقبل ظهور وسائل الإعلام يمكن استظهار تحول الحالة الروحية للدين، من حالة فطرية تلقائية، كتلقائية الشعر قبل بحور الخليل بن أحمد، وكتلقائية اللغة قبل صنعة النحو، أقول يمكن استظهار تحول الحالة الروحية للدين إلى صناعة، مع ظهور التصوف في المدن العريقة، وما استتبع ذلك من طقوس خاصة تتجلى مثلاً في مدرسة جلال الدين الرومي الصوفية.
كانت هذه ــ كما أظن ــ إحدى دلالات التحول من التلقائي إلى الصناعي في الحالة الدينية، فكما أن التصوف في مدرسة جلال الدين يستعين بالموسيقى ليستحضر الروحانية الدينية كصنعة خاصة لها فلكلورها الخاص، وتقاليدها الخاصة، فإن الإعلام الحديث لم يستطع أن يواكب هذا المستوى من الصنعة البريئة، التي تستطيع صناعة الشرط الوجودي للتسامي الروحي، بخلاف الإعلام الحديث لالتباسه بشرط رأسمالي يختص به، وهو (السوق)، بخلاف الشرط الصوفي المعتمد على (الشوق) كأساس روحي يحلق بعيداً عن أوساخ هذا العالم ــ بخلاف شرط (السوق) ــ وهنا نصل إلى مخرجات التسويق الإعلامي، التي لا تعتني بإبراز الطاهر فعلاً، بقدر اهتمامها بإبراز النظيف، لأن الطهارة مسألة متسامية، وليست مسألة إعلامية يمكن الإمساك بها، بينما النظافة ممكنة، ولهذا لا يعني الإعلام كثيراً سوى ما يتمتع به ضيوف البرامج الدينية من خطاب ديماغوجي، ومهارات ميلودرامية، وكاريزما، فهذا تقريباً كل ما يعني الإعلام، بشروطه التسويقية الصعبة والتنافسية.
الإعلام لا يعنيه الطهارة، بقدر ما يعنيه إيصال رسالة دعوى الطهارة، لا الطهارة نفسها، وهذا ليس عيباً في الإعلاميين أبداً، ولكنه الشرط الوجودي الذي نشأت معه صنعة الإعلام، ومن يحاول غير ذلك، فهو يصنع إعلام موجه، يعيد على ذاكرتنا بعض تفاصيل رواية جورج أورويل (1984) مع صبغها بصبغة دينية!!.
كنت أحذر أحد أصدقائي من الظهور في الإعلام، وأقول له إن الحالة الجميلة في الشعر أنه يؤنسن الأشياء من حولنا، فيصبح البحر واقفاً أمامي، بدلاً من حقيقة وقوفي أمامه، والخطير في الإعلام أنه يقوم بالعكس فيحيل الإنسان إلى شئ، وعليه فكل ما يعني الإنسان من دلالات روحية تصبح أشياء أيضاً، فيتوسع في الذهن الجمعي قاموس المقدس، من خلال سرقة المعنى وإضفاءه على الصورة، وهذا ما نلاحظه في نشأة (الكركتر الديني) مثلاً في اللحية، بخلاف دلالتها البريئة والعامة في التراث العربي، حيث نجد الجاحظ مثلاً يكتب عن اللحية بسخرية وخصوصاً إذا طالت، لكن الإعلام يصنع الصورة، محاولاً بذلك سرقة المعنى، وقد نجح في ذلك كثيراً كواقع جماهيري، تجاوز فيه مهارات القُصَّاص والوعاظ في التراث العربي، الذين خلطوا حابل النص الديني بنابل أشعارهم وعاداتهم وقصصهم، ولنا في كتاب شهاب الدين محمد الأبشيهي " ت 850 هـ " (المستطرف في كل فن مستظرف) خير مرجع يجمع بين الحكاية الأدبية، والموعظة الدينية، وعوالم الجواري الحسان، وكما استمتعت بقراءته بكل تلقائية دون أي حرج، فأنا استمتع بالإعلام العربي في شهر رمضان دون الدخول (في التفاصيل حيث يكمن الشيطان).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج