الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رائف بدوي: شاب سعودي يواجه الظلام

سعيد ناشيد

2012 / 7 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قصة رائف بدوي هي قصة إنسان. لا، بل هي أكثر من مجرّد قصة، وأكثر من مجرّد إنسان؛ هي بالأولى وبالأحرى حكاية جيل سعودي يأبى العيش في الظلام ويحلم بمساحات ضوء خارج نفق النفاق الديني الجاثم على أنفاس البلاد والعباد، حكاية صراع أجيال في أقوى تجلياته، تشهده أرض الحرمين هذه الأيام، جيل آباء القدامة وجيل أبناء الحداثة.
كثيرة هي الأكاذيب المنفوثة مثل السموم عبر وسائل الإعلام، كثيرة أيضاً خفايا الصراع حول مراكز القرار في الدولة. لكن، يظل الصراع في الأول والأخير بين دولتين داخل دولة واحدة، داخل نفس الدولة، دولة الشريعة ( أي شريعة علماء الدين ) ودولة القانون ( أي دولة المؤسسات والحق المدني ).
حكاية رائف بدوي تختزل لحظة اصطدام دراماتيكي بين تاريخين مختلفين، التاريخ الهجري القادم من الصحراء إلى الماء، والتاريخ الميلادي القادم من الماء إلى الصحراء. التوقيت : الآن. المكان : أرض الحرمين. والتفاصيل :
بالتوقيت الميلادي، يوم 17/ 06/ 2012، وبالتوقيع الهجري، يوم 19/ 07/ 1433 هجرية، اجتمع أكثر من مئة من رجال الدين السعوديين فأصدروا بياناً تكفيريا ضدّ خمسة من الكتّاب والمثقفين الشباب.
لم يتورع البيان الشهير في التشهير بأسماء المغضوب عليهم، وهم على التوالي : الكاتب ومدير الشبكة الليبرالية السعودية الحرة رائف بدوي؛ الصحفي حمزة كشغري المعتقل أصلا بتهمة الإساءة إلى الإسلام؛ الكاتب عبد الله حميد الدين؛ الكاتبة حصة آل الشيخ؛ والروائية بدرية البشر. لم يكتف البيان بهذا القدر من التشهير، بل أطلق التهم وأصدر الأحكام وختم بالأختام (والعاقبة للمتقين) ! والأدهى، لم يتردّد في دعوة السلطات لإحالة هؤلاء "الزنادقة" إلى " القضاء الشرعي وتنفيذ أحكام الشريعة فيهم ". وهذا القول يعني ما يعنيه في عرف شريعة غابة رجال الدين.
بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، تم استدعاء رائف بدوي ليمثل أمام المحكمة. لم تجل بخاطره فكرة الهروب نحو الخارج، وإنما فضل أن ينتظر موعد المحكمة بحكمة ( الصابرين في البأساء ). لكن الشرطة الدينية بادرت إلى اعتقاله بنحو مهين يوم 17/ 06/ 2012، ودون توجيه أي تهمة محدّدة.
مؤسف أن يكون حس العدالة بهذا الضعف والوهن، ويكون القضاء في أوطاننا " قضاء وقدر "، لا سيما في دول تطبيق الشريعة مثل إيران والسعودية والسودان. وللتذكير، معلوم أن حمزة كشغري الذي استفاذ من العفو عقب "استتابته" المهينة والمجحفة لم يطلق سراحه بعد. ولا غرو، إذ إن الشرطة الدينية التي " تحتكم لضوابط الشريعة " هي هيأة "إلهية" خارج الدولة غالباً، وفوق الدولة أحيانا، (ولا غالب إلا الله).
قبل حوالي شهر عن اعتقاله، كان رائف بدوي قد اتصل بي هاتفيا وأخبرني بأن السلطات الدينية أقنعت "ولي أمر" زوجته برفع دعوى تطليق ضد "الزوج المرتد". وبسبب ما قد تتعرضت له زوجته وأبناؤه من مخاطر وإكراهات فإنه يفكر في إيجاد مأمن لهم خارج أرض الحرمين. فكر في الرباط أولا، ثم في القاهرة، ثم في بيروت حيث استقروا أخيرا. وبقي الزوج الممنوع من السفر معلقا بين شوق الأسرة وآمال الوطن، في انتظار أن يجعل الله مخرجاً أو يقضي أمراً كان مفعولا.
لم يشفعوا له شجاعته يوم طَالَب -قبل عامين- بإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي بمثابة شرطة دينية في أرض الحرمين. لم يشفعوا له جرأته عندما طالب بمحاكمة رئيس الهيئة، مؤكداً أن أغلبية أعضائها من أصحاب السوابق الأخلاقية.
بل، استعملوا ضده كل أسلحة شريعة الغاب : اتهموه بالردة، وبالإلحاد، وبالمثلية، وبالعمالة، وبالتشيع، وبالعقوق، ولم يتركوا تشنيعاً أو تشهيراً أو تشويهاً إلا استعملوه زوراً وبهتاناً. أغلقوا حسابه المصرفي ومنعوه من السفر، وشهروا بزوجته عبر الصور المفبركة، وحرضوا "ولي أمرها" على طلب تطليقها. بل، بلغت بهم الجرأة حد استدعاء والده إلى برامج تلفزيونية ليعلن أمام الملأ كفر ابنه وبراءته منه. ثم حرضوا الوالد في الأخير على رفع دعوى عقوق ضد الابن "الضال". وفي الأخير جمعوا عليه أزيد من مئة من علماء الدين ليصدروا فتوى تاريخية بتكفيره وأربعة من الكتّاب السعوديين، ليتم اعتقاله في انتظار المحاكمة.
داخل أرض الحرمين، ليس رائف بدوي نقطة الضوء الوحيدة والتي يحاولون إطفاءها بالترهيب والتشهير والتكفير، بل هو طليعة جيل يرفض العيش في نفق النفاق الديني وكنف الكهنوت الديني. هذا ما يكلفه الكثير أمام صمت الكثيرين.
قصة رائف بدوي في الأخير، تفضح حجم الصمت المريب لجل المثقفين العرب من الماء إلى الماء، والذين أغرتهم خزائن الصحراء، فنحروا العلم والمعرفة على مذبح الإكراميات والسفريات، بل ذبحوا حتى الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انه ظلام حقا ويجب التعاون على ازالته!!
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 7 / 22 - 08:37 )
ان سبب الخراب الجاري في العالمين العربي والاسلامي هو المال السعودي الحرام المشترى به ذمم من لا ذمم لهم وللاسف باسم الجهاد ـ وبالحقيقة هو ارهاب ـ خدمة للامبرالية والصهيونية العالمية وما يجري في سوريا الحبيبة هو خير دليل.ان العجب كل العجب كيف ترضى خير امة اخرجت للناس ـ كما يدعون ـ بان تدنس اقدس الاماكن المقدسة لدى المسلمين بالحكم السعودي الصهيوني مع علمهم بالمؤامرات والتحالفات للبيت السعودي مع اعداء الامة الاسلامية. هل هو الريال المكمم للافواه ام ان الدين هو حبكة سياسية بيد اولي الامر.؟؟؟.
اذا ارادات الامتين العربية و الاسلامية ان تنعما بالسلام فعليهما السعي الدؤوب لتفكيك مملكة الارهاب وضمها الى دول الجوار مع جعل الحجاز دولة مستقلة كـ الفتيكان.
اذا الشعب يوما اراد الحياة *** فلا بد ان يستجيب القدر
ولا بد لليل ان يجلي *** ولا بد للقيد ان ينكسر
عاش المناظلون الحجازبون والنجديون والخزي والعار للعائلة السعودية وموؤسساتها الدينية من الآمرين بالمنكر والناهين عن المعرف اصحاب لحى التيوس وفقهاء بلاطهم وعلى راسهم الشيطان الاكبر عبد العزيز آل الشيخ ومن لف لفه.


2 - الفاسدون والمفسدون
حائر ( 2012 / 7 / 22 - 10:21 )
هيئة الاوباش التي يعتقد افرادها بأن الارض مسطحة،وبأن ساحرة تطير،لا يمكن لهيئة المنكر هذه الا ان تنتج فرمانات كهذه.
لكن ورغم هذا الجهل ،فهي تعرف كيف تدافع عن مصالحها،انظر الى كمية محطات التجهيل والافساد والبورنو الديني!!!!!!!!!!!
وما يساعدها على سرعة الانتشار ،كالنار في الهشيم ،امية العرب والمسلمين ،وتقرير اليونسكو عن القراءة،فضح هذه الامة التي تجتر القمامة من مئات السنين.
ولا ننسى انضمام مواكب من -المثثقفين-الى قافلة او بالاحرى حظيرة -الثقافة- الوهابية عبر شاشاتها و-جوائزها-البترودولارية.
اكيد ،ان شر البلية ما يضحك ،فهذه الهيئة واسيادها يتصدرون المشهد السياسي -المنافح عن حرية الشعب السوري ،امام تلميذهم الاسد الصغير!!!!!!!!!!
رائف وغيره من الشباب المثقف والواعي سيحطمون الاصنام المعاصرة!!!!!!!!!!!!!-


3 - مطلوب تدخل امريكي لحماية حقوق الانسان في السعورية
جمال عبده ( 2012 / 7 / 22 - 12:32 )
اشكرك على هذه الاضاءة وأقترح تنظيم حملة اعلامية وحقوقية عالمية تطالب بحماية حقوق الانسان وحريات التعبير في السعودية ويمكنك من واقع وجودك في فرنسا ترويج الحملة عالميا
وقد كشفت نقطة جوهرية اخرى وهي تطلعات الجيل الجديد اللبرالي في السعودية مما يفسر استعار همجية المطاوعة وفتاويهم الوثنية
حتى لا تبقى الكلمات مجرد كلمات ولا يكتفي الكتاب بالمقالات المدبجة فرض عين.. دعوة لمزيد من الضغط العالمي الاعلامي السياسي
وقد طالبت حكومة اوباما ايران باطلاق سراح محكومين سياسيين فهل تستطيع مطالبة حكومة السعودية بمثلها أم أنه سينحني مرة اخرى


4 - خارج التاريخ
محمد بودواهي ( 2012 / 7 / 22 - 12:37 )
من يقرأ ما يقع في السعودية يخيل له أن الانسانية لا زالت لم تتخط العصور الوسطى .....حكام وقضاة وفقهاء جهلة لا زالوا يعيشون خارج التاريخ ...

اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah