الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصنيف وتقييم الفرق الإسلامية عند الاشعري

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2012 / 7 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن البحث عن الحقيقة المجردة هي الغاية النهائية من العلم. كما أنها الملجأ الأمين للثقافة من الوقوع في شرك الابتذال والخيانة. وهي محطات الاستراحة المتكررة في مسار الإبداع. فالحقيقة المجردة هي ليست ثباتا وسكونا، بل قلقا دائما يقوّمه منطق الاعتدال ويجعل منه قوة قادرة على خوض مغامرات البحث عن المجهول. وهي الظاهرة التي ميزت إبداع الثقافة الإسلامية في مجرى تأصيلها لمعنى الحق في "الفرقة الناجية" ومعنى الحقيقة في تمثيلها.
لهذا لم تنزل حتى الأحكام العقائدية والدينية المشبوبة بملامح التعصب، إلى مستوى الاتهام المباشر. فقد ظلت تحمل حتى في اشد أنواعها قسوة على ملامح السعي الباحث عن تأسيس للصلات والتشابه بين هذه الفرقة أو تلك وبين غيرها من الفرق والمدارس. كما هو واضح في فكرة "أن القدرية هم مجوس هذه الأمة". إذ يمكن فهمها على أساس أنها حكم تقييمي هو بحد ذاته نتاج لتطور دراسة الأديان والمدارس الفكرية. إذ ليس الاتهام الظاهري فيها سوى الصيغة الحادة للمقارنة العقائدية. ويمكن اعتبار الأشعري أحد المصادر الأولية الأساسية بهذا الصدد. فقد تطابقت موضوعيته ودقته وصدقه مع المثالية النموذجية في مرحلة اتسمت بصراع فكري ـ عقائدي حاد. حيث شكلت مواقفه وأحكامه مقدمة ضرورية للتقسيمات المجردة اللاحقة، وذلك لأنه لم يجمع ويقسم الاتجاهات على أساس انتمائها العقائدي ـ السياسي. فهو يدخل في تقسيمه للفرق الإسلامية كل اتجاهات الشيعة، مثل الغلاة والرافضة والزيدية بمختلف فرقهم. وطبق الشيء نفسه على الفرق الكبرى الأخرى مثل الخوارج والمرجئة والمعتزلة. وبعد ذلك حاول الكشف "عما اتفقوا عليه واختلفوا فيه".
وشكلت آراء الاشعري هذه الدرجة الضرورية الأولى لتطور العلم وتصنيفه وتقييمه للفرق والأفكار، لأنها لم تقف عند جمع الإخبار وروايتها، بل وأخذت تقارن بين الفرق المختلفة ضمن التيار العام، وبين التيارات الكبرى وفرقها بصدد مختلف القضايا المميزة آنذاك لعلم الكلام والفلسفة مثل قضايا الجسم والجوهر والعرض، والجزء الذي لا يتجزأ، والطفرة ، والحركة والسكون، الكمون والطبائع، والبقاء والفناء، وخلق العالم، والتولد، والأسماء والصفات، والنفس والروح، والحواس والإدراك، والأضداد ، والمحال والتناقض، والمعلوم والمجهول، والحسن والقبيح، والإرادة والقدرة، والعلل والمعاني، والحياة والموت، والرؤيا، والجن والشياطين، والنبوة، والطاعة والمعصية، والإمامة وكذلك القضايا الاجتماعية والسياسية مثل الموقف من الصراعات التي لازمت ظهور الخلافة والخروج على السلطان، والقرآن والناسخ والمنسوخ وغيرها من القضايا. بحيث شكلت مواقفه هذه مقدمة مهدت لاحقا لتصنيف المدارس وموضوعات اهتمامها. حيث نعثر على الاتجاه الأول عند البغدادي، بينما اهتم ابن حزم بمناقشة الأفكار كما هي، في حين آلف الشهرستاني بينهما.
فقد تتبع الأشعري في تصنيفه وجود الفرق وتعايشها وظهورها وانقساماتها كما هي. ذلك يعني أن منهجه يستغني عن "آلية" الحديث المشهور حول انقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها أهل السنة والجماعة. من هنا كان عدد الفرق التي تناولها يتعدى كثيرا الرقم المشهور، بحيث بلغ أربع وتسعين فرقة دون المعتزلة وأهل السنة والجماعة، التي دعاها الاشعري بأصحاب الحديث وأهل السنة والجماعة. وهي تسمية تعكس ثقل الفقه وعلم الحديث. فنراه يقسم الخوارج إلى ثلاث وثلاثين فرقة، والشيعة إلى خمس وأربعين فرقة، والمرجئة إلى أثني عشرة فرقة. في حين تناول المعتزلة كفرقة واحدة متنوعة عند أئمتها الكبار. والتقييم الوحيد الذي أطلقه على الفرق هو اسم الغالية من فرق الشيعة. ذلك يعني انه نظر إليها نظرته إلى فرقة إسلامية. أما تقييمها بالغلو فقد استند إلى قولها في الإمام علي بن أبي طالب "قولا عظميا".
مما سبق يتضح، بان اهتمام الأشعري لم يكن موجها صوب تقييم الاتجاهات وتصنيفها تصنيفا دقيقا. لهذا لا نراه يفرّق ولا يقارن بين الشيعة والخوارج والمرجئة. بل يقارب بينهم في المواقف بحيث توحي مقارناته بإمكانية إرجاع اغلبها إلى اتجاه واحد. من هنا غياب ترتيبها الدقيق. غير أن أحكامه ومواقفه العامة التي سجلها في استعراضه الموضوعي، وكذلك النظر إلى اختلافاتها دون تعصب وتحزب، يجعل من كتابه "مقالات واختلافات" المسلمين أحد افضل الكتب العلمية في تاريخ علم الفلسفات والاديان (علم الملل والنحل).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء