الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب المخادع علامة فارقة للإسلام السياسي - القسم الثاني

صادق إطيمش

2012 / 7 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تناولنا في القسم الأول من هذا الموضوع ثلاثة محاور من هذا الخطاب يحاول الإسلام السياسي من خلالها خداع الجماهير بشعارات زائفة حول " الخلافة الإسلامية " وشعار "الإسلام هو الحل" والموقف من الغير المخالف . ولإكمال الصورة حول هذا الخطاب لابد لنا من التطرق إلى محاور أخرى من محتوياته التي نضعها في موقع التلاعب بالمشاعر الدينية لكثير من المسلمين الذين ينظرون إلى مثل هذه الشعارات من خلال إرتباطهم الفطري العاطفي بالدين لا من خلال ألإمكانيات الفعلية ، الذاتية منها والموضوعية ، لتحقيق الشعارات او من خلال التعمق في الأصول اللغوية والفقهية وما يترتب على ذلك من تفسير او تأويل هذه الأصول ، حيث تمارس بعض التيارات الإسلامية منهجاً ملتوياً ومخادعاً في طرحها لبعض نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . هذه التيارات التي تتستر بستار الدين هدفها لا علاقة له بالدين , هدفها سياسي بحت , إنها منظمات سياسية تفتقد إلى البرنامج السياسي والحجة المٌقنعة , فتلجأ إلى لغة الثواب والعقاب والوعد والوعيد مستخدمة بعض النصوص الدينية التي تفسرها حسب هواها وإستنادآ إلى ما تريد تحقيقه بواسطتها غير آبهة بالنتائج التي يأتي بها مثل هذا الإستغلال للدين لتحقيق اهداف سياسية لا غير. وحينما نتطرق إلى محور آخر من محاور الخداع التي يمارسها خطاب الإسلام السياسي والمتعلق بالحكم أو ما يسميه هذا الخطاب حاكمية الله ، فلا يسعنا إلا ان نستشهد في هذا المجال بواحد من أعلام الفكر الإسلامي والباحث في العلوم الإسلامية المستشار محمد سعيد العشماوي وكتابه الموسوم : الإسلام السياسي بطبعته الرابعة الصادرة عن مكتبة مدبولي الصغير في القاهرة عام 1996 . يتطرق الكاتب في هذا المجال إلى مناقشة موضوع الحاكمية في الإسلام وكيف يجري تشويهها واستغلالها من قِبَل هذه التيارات فيقول:

" والمقولات الأساسية التي يرفعها بناء تسييس الدين ـ بالتطرف والعنف والإرهاب ـ تنادي فيما يلي : إن الحاكمية لله وحده ولا حكم لغيره , فله وحده حق التشريع والقضاء ومن يقل بغير ذلك او يفعل على خلافه فهو كافر." ثم يذكرالكاتب المسوغات الدينية التي يتمسك بها هؤلاء عن جهل والأساس التاريخي لهذه المقولة التي جاء بها الخوارج والتي وصفها الإمام علي بن أبي طالب (رض) بأنها " قولة حق يراد بها باطل" شارحآ بإسهاب ما معنى ذلك من وجهة النظر الإسلامية الحقة قائلآ: " فجملة , لاحكم إلا لله , او ان , الحاكمية لله , جملة براقة لا يستطيع احد ان يعارضها أو يناقضها , ومن الذي يستطيع ـ خاصة مع وجود خلاف سياسي او تيار متطرف أو إتجاه عنيف ـ أن يناقش مثل هذا القول أو أن يفند ما وراءه من مغالطات ؟ لقد قال علي بن أبي طالب إن هذا القول الحق لا يراد به إلا باطل , وصدق فيما قاله , لأن القول لم يُستعمل ولا يُستعمل إلا كشعار سياسي يُعِْرض عن الحق ويشيح عن المنطق ويجنح إلى التلاعب بالألفاظ ويرمي إلى التماحك بالكلمات, وهذا بعينه هو أسلوب الطغاة منذ فجر التاريخ وحتى أيامنا هذه . إن الحكم لله أبدآ , والحاكمية لله دومآ , ولكن ليس بالفهم الذي يدعيه الخوارج , ولا بالمنطق الذي يزعمونه , ولا بالأسلوب الذي يريدون فرضه , لأن مثل هذا الأسلوب وذلك المنطق وذاك الفهم يسقط التكليف الإلهي ويلغي الإرادة ألإنسانية , ويجعل من عقاب البغاة عبثآ , كما يجعل من حساب الآخرة لغوآ , وفيم يكون العقاب ولِمَ يكون الحساب , إذا كان ألإنسان سليب ألإرادة لا يفعل أو كان عديم الفعل لا يحكم ؟ "
رافعوا هذا الشعار بمناسبة وبدون مناسبة لا يستطيعون ألتستر على إنتهازيتهم وإستغلالهم لكل الظروف سعيآ وراء الحصول على موقع قدم على الواقع السياسي الذي لا يستوعبونه فكريآ ومبدئيآ وتنظيميآ فيلجأون إلى هذه الأساليب بترديد الشعارات التي لا يبتغون من وراءها إلا باطلآ والتاريخ على ذلك خير شهيد فلقد " رُفع شعار , إن الحكم إلا لله , في مجال خصومة سياسية وبنهج الساسة وأسلوب الطغاة . وهو إن يُرفع بعد ذلك , سواء بنفس صيغته القديمة ام بصيغة أخرى تُردد ان , الحاكمية لله , وحده , فهو يُرفع في ذات المجال وبنفس المنهج ونفس ألأسلوب , كجدل سياسي وشعار حزبي وأسلوب للمعارضة وطريق للوصول إلى الحكم ."
ويؤكد الكاتب العشماوي من خلال بحثه عن تطور هذه المقولة تاريخيآ على عدم وجود أية علاقة فكرية بينها وبين الفكر الإسلامي ويقول: " وإن مقولة , إن الحكم إلا لله , او أن , الحاكمية لله , وحده , بالصورة السياسية التي تُرفع بها , وبالمنطق الأعوج الذي تُقال به , وبالفهم ألأعرج الذي تُشاع على أساسه , مقولة غير إسلامية , لا يعرفها القرآن الكريم ولا السنة النبوية , وهي فكرة نشأت اصلآ في مصر القديمة , ثم إنتشرت في مجتمعات مسيحية في القرون الوسطى ." وبعد أن يشرح الكاتب تبني فراعنة مصر القدماء لهذه الفكرة لإعطاء حكمهم صفة إلهية وبالتالي إستبدادهم بالحكم دون منازع , ثم نفاذ هذه النظرية بالحكم السياسي إلى أوربا لأول مرة عندما حضر يوليوس قيصر (120 ـ 44 ق.م ) إلى مصر وأعتنقها ليضفي هالة من القداسة على حكمه , حيث إنتقلت بعدئذ إلى بقية مناطق أوربا في العصور الوسطى . " لهذا فإنه لا القرآن الكريم ولا السنة النبوية تناولت بالتنظيم أية سلطة سياسية , فلم ترد آية واحدة ولم يرد حديث واحد صحيح , يرتب نظام الحكم في ألأمة الإسلامية أو يحدد حقوق الحكام (خلفاء كانوا أم أئمة أم رؤساء ) كما لم ترد أى آية اوحديث لوضع نظام للكهانة أوتحديد إختصاص لمن يُسمون رجال الدين . لأن ألإسلام ـ على بينة شديدة ـ من أن إستناد أي سلطة سياسية إلى زعم ديني وإرتكان اي عالم على حق ديني , لابد ان يؤدي ـ لزومآ ـ إلى نشوء إستبداد سياسي باسم الدين او ظهور إستعباد روحي بسلطان الشريعة , يخرج بالناس من عبادة الله الواحد ألأحد إلى عبادة الحاكم ـ أيآ من كان ـ والإستعباد لرجل الدين, تحت اي إسم يكون . ومن عجب أن دعاة تيار تسييس الدين ـ بالعنف والإرهاب ـ بفرقهم المختلفة ـ يُقرّون ذلك , ويعتبرونه مأثرة الإسلام الأولى (وهو قول حق) , لكنهم ينحرفون في الفهم وينحدرون بالأسلوب ليطلبوا من أتباعهم واشياعهم ـ ومن كل الناس تباعآ ـ أن يُسَلِّموا أمرهم لهم هم , وان يتبعوهم وحدهم , وان يأتمروا بامرهم دون امر غيرهم , وان يقبلوا تفسير مرشديهم وأمرائهم دون أي تفسير آخر, ( وهو ما يُراد به باطل ), لأنه ينحرف بالقول الحق وينحدر بالفهم المستقيم, ليجعل من الناس ـ بالفعل والواقع ـ عبيدآ لغير ألله , يستعبدهم فِهم خاطئ , وأمر فاسد , وتفسير مغالط , وعبد من عباد ألله يدعي أنه المرشد او الإمام أو ألأمير او ما إلى ذلك ."
ثم يتطرق الكاتب المستشار العشماوي إلى تفسير مفردة " الحكم " في الإسلام فيقول :

" ولفظ الحكم لا يعني في القرآن الكريم السلطة السياسية على المعنى الذي يٌقصد من اللفظ في لغة العصر الحالي . وإستعمال اللفظ في غير المعنى الذي ورد به في القرآن الكريم , وبعيدآ عن مفرداته , وخلافآ لوقائعه البيانية , هو إمالة لمعاني القرآن وتبديل لمقاصد الجلالة . إن لفظ " الحكم " يعني ـ في لغة القرآن ومفرداتها ووقائعها ـ ألقضاء بين ألناس , او الفصل في الخصومات , أو ألرشد والحكمة . فهو يعني القضاء بين الناس: { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } (ألنساء 4 : 58) . وهو يعني الفصل في الخلافات: { إن ألله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون }(الزمر 39 : 3) . وهو يعني ألرشد والحكمة , فقد جاء في القرآن عن يوسف عليه ألسلام : { ولما بلغ أشده آتيناه حكمآ وعلما }(يوسف 12 : 22). وجاء فيه على لسان موسى : { ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكمآ وجعلني من المرسلين }(ألشعراء 26 : 21). وفي القرآن عن بني إسرائيل: { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكمة والنبوة }(الجاثية 45 : 16) أي وهبهم التوراة والحكمة وكان منهم انبياء . وكذلك جاء في القرآن عن ألأنبياء جميعآ : { أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكمة والنبوة} (الأنعام 6 : 89) وأغلب هؤلاء الأنبياء لم يحكم ـ بالمعنى السياسي ـ وإنما المقصود بالحكم أنهم أوتوا الحكمة . إن السلطة السياسية بالمعنى الذي يسمى في العصر الحالي : الحكومة , عبَّر عنها القرآن الكريم بلفظ ( ألامر) ومن هذا اللفظ جاء لفظ ألأمير , أي الشخص الذي يتولى الحكم والسلطة , ولذلك لقَّب عمر بن ألخطاب نفسه , ولُقِّب الخلفاء من بعده بلقب أمير المؤمنين لا حاكمهم . وفي القرآن الكريم : { وشاورهم في ألأمر }(آل عمران 3 : 159) . { وأمرهم شورى بينهم }(الشورى 42 : 38) . وفيه { حتى إذا فشلتم وتنازعتم في ألأمر }(آل عمران 3 : 152) . { يقولون هل لنا من الأمر من شيئ }(آل عمران 3 : 154). "

ثم يتطرق المؤلِف إلى نصوص أخرى في القرآن الكريم والتي ورد فيها لفظ الحكم حيث يستشهد الطغاة بها لتمرير مآربهم من وراء ذلك ولإعطاء توجهاتهم السياسية صبغة دينية , فيعري أباطيلهم ويفند مزاعمهم بحجج علمية وأدلة منطقية ويقول:

" إن تيار تسييس الدين ـ بالعنف والتطرف ـ يستشهد دائمآ في هدا المجال بآيتين من القرآن الكريم { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجآ مما قضيت ويسلموا تسليما }(النساء 4 : 65) . { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله }(النساء 4 : 105) . وهذا الإستشهاد خطأ وخطر, فضلآ عن أنه يكشف عن طوية القادة وطبيعة عقليتهم ونفسيتهم . فهاتان الآيتان من الآيات التي تخاطب النبي (صلعم) وحده , وتختص به دون غيره. فاولاهما تنفي صفة الإيمان عمن لا يُحكّم النبي في اي شجار بينه وبين آخرثم يرتضي حكمه , وهذا أمر واجب بالنسبة للنبي نفسه حتى تستقر الأمور في مجتمع المؤمنين, ولما كان له من حفظ بالوحي , اما ان تنتفي صفة الإيمان عمن لا يلجأ إلى بشر ـ مهما كان وضعه ـ وكيفما كان علمه ـ ليُحكّمه في اموره ويرتضي حكمه طائعآ مختارآ , أي أن يلقي بين يديه ـ بخضوع شديد وتسليم كامل ـ كل اموره وشئونه وضميره ومصيره , فهو نفي للإيمان عمن لا يمكن ولا يجوز نفي الإيمان عنه , وهو تحكّم غريب في شئون الناس ومصائرهم , وربما كان ـ وفي الغالب ما يكون ـ ممن لا يفهم في شئون القضاء والحكم او يُدَرّب عليها , هذا فضلآ عن انه إستلاب لولاية خَصّ بها الله النبي وحده , بصريح نص الآية وبيان سبب نزولها. أما الآية الثانية فهي ـ كذلك ـ من الآيات التي تخاطب النبي (صلعم) وحده , وتختص به دون غيره , وهذا واضح أيضآ من الفاظ الآية ذاتها , فهي خطاب للنبي , فضلآ عن انها تفيد أن حكمه ـ أو قضاءه ـ هو بالرؤية التي وهبها الله له , والتي لا يمكن ان يدعي عاقل أن الرؤية الواردة في ألآية هي رؤيته كذلك, أو ان ألآية تخصه هو شخصيآ وتشير إليه صراحة . "

يرينا الباحث العشماوي كيف يحاول قادة وامراء ومرشدو تيار الإسلام السياسي أن يفلسفوا توجههم العدائي الذي طالما يتخذ طابع العنف ضد معارضيهم كأسلوب من أساليبهم فيما يعتقدون بانه دفاع عن الدين وتحقيقآ لمبادئ العقيدة حيث يوظفون الدين كما يحلوا لهم أن يفهموه من خلال تأويلهم في تفسير النصوص الدينية للوصول إلى مآربهم السياسية .

الدكتور صادق إطيمش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تمنع أطفالا من الدخول إلى المسجد الأقصى


.. رئاسيات إيران 2024 | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامي




.. 164-An-Nisa


.. العراقيّ يتبغدد حين يكون بابلياً .. ويكون جبّاراً حين يصبح آ




.. بالحبر الجديد | مسعود بزشكيان رئيساً للجمهورية الإسلامية الإ