الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية (( الفقر ))

سلمان مجيد

2012 / 7 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اني ارى الفقر ( كالعقرب ) منظر بشع وطبع سئ ، حيث تحمل على ظهرها عقارب تنهشها لتميتها ، لتعيش تلك ، وهذا لايعني موت الاولى ، بقدر ما يعتبر تجديد و انتشار ، مع اتساع حالة التصحر ، التي تعم الارض على سعتها ، وتتزايد الانفاق المظلمة التي تسكنها ارواح الشياطين ، لتحريك ذلك الكائن ( الفقر ) الذي يتوالد ، حسب القاعدة الهندسية لا العددية ، بالمفهوم ( الرياضي ، الجبري ) ، فاذن هذا الفقر ( اشكالية ) ، ولو كان ( مشكلة ) لامكن حلها ، لابل اماتتها وبلا عودة ، لكنها باقية ، لان اسبابها هي ( الاشكالية ) وليست هي . من هذه المقدمة التي تعد عند البعض ، مدخلا غير مناسب لدراسة من هذا النوع ، حيث تعتبر ظاهرة اجتماعية من اكثر الظواهر تعقيدا ، بسبب ترابطها ــ بين جذب وشد ــ بكامل جوانب المجتمع وزواياه ، وتعبيرا عن فضاعة ( الفقر ) ، فقد شبهه (( الامام علي بن ابي طالب ـ ع ـ )) بالرجل حيث قال : ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) ، تامل هذا الحكم ، مع ان الفقر ــ في حينه ــ لم يكن بتلك الفضاعة التي هو عليه الان ، فكان هناك حد ادنى من القيم و المثل الاجتماعية التي تعمل على حفظ حياة الانسان من العوز و الحاجة ، وذلك بواسطة ما يسمى ( الكرم ) الذي اعتبره كايداع الاموال في البنوك والمصارف في عصرنا الحالي ، فالرجل ( الكريم ) ما كان يبذل ماله للغير ( المحتاج ) ، الا ليضمن استرجاعها ( بتكرم ) الاخرين عليه هو او ابناء عشيرته ، في حالة العوز و الحاجة ، على قاعدة تلك القيم التي اصبح هو ( كريم ) بموجبها ، وسط تلك البيئة القاسية ، اذن كان هناك ضمان من الافلات من قبضة الفقر في ذلك الزمان ، ولكن ماذا تقول ( لفقر ) هذا الزمان الذي لم يترك اي ثغرة للافلات من قبضته ، فاي حكم يتطلب له ؟ وان كانت تلك ــ اعلاه ــ تمثل حالات فردية ، فهناك ايضا حالات عامة جماعية ، ومنها ما حدث في ( مكة ) ، في واحدة من سنينها ، حيث الجدب و الجوع ، فانبرى لها ( هاشما ) مغيثا ( ليهشم الثريد ) ، حتى اصبح ذلك الفعل ( كنية ) له و لاهله من بعده ، فذهب الفقر بعيدا دون ان ( يقتل ) ، وهذه ( مصر ) وسنينها ( السبع ) العجاف ، حيث عم القحط وبرز الفقر ، غارزا سنابكه في بطون الجياع ، فكانت هنا الاغاثة ( سماوية ) بيد ( ارضية ) فكان لها ( يوسف ـ ع ـ ) ، فنظم و وزع توزيعا عادلا للخير ، فكان لكل فرد ( حمل بعير ) ، اذن كان ــ حينها ــ الفقر موجودا و بقسوة ، الا انه هناك من يتصدى له ، افرادا او جماعات ، ولكن اليوم غير البارحة ، فالفقر اصبح وحشا ، ابوه انظمة الظلم و الظالمين وامه السياسة ، و القابعين بين دواليب المصانع الحربية ، وداخل المكاتب ( البيضاوية ) في اعالي ناطحات السحاب . ماهو الفقر / لا اعتقد بان ( الفقر ) كمفهوم معرفي متفق عليه ، بين من يهتم بهذا الموضوع ، كالدول و المنظمات الدولية المختصة او المراكز البحثية او منظمات المجتمع المدني ، اضافة الى المختصين من الكتاب و الصحفين ، وسبب عدم الاتفاق هذا انما يعود الى طبيعة ( الفقر ) المتشعبة من الاسباب و النتائج ، التي تتسم بالتوالد المستمر ، فالسبب هو نتيجة في ذات الوقت ، و العكس صحيح ، لذلك نرى ان من ينظر الى ( الفقر ) باعتباره ظاهرة اجتماعية ، ومنهم من يرى انها ظاهرة تتعلق بمستوى الصحة او طبيعة التغذية للاطفال و العائلة ، ومنهم من يراها ظاهرة اقتصادية ، وما يتبعها من امور مالية ، والبعض يعتبرها ظاهرة اخلاقية ، الى غير ذلك ، ( فالبنك الدولي ) قد عرف ( الفقر ) بموجب معايير ( مالية ) وذلك بان وضع حدا معينا من الدخل السنوي للفرد ، ليكون الفيصل بين ( الفقير ) من عدمه ، وطبعا هذا المعيار لا تتوفر له المصداقية الكافية ، لان معدل متوسط دخل الفرد ، هو عبارة عن تقسيم حاصل الدخل القومي الكلي على عدد افراد المجتمع ، وهذه الطريقة الحسابية لا تعطينا الدخل الحقيقي للافراد ، و المتمثل بكمية السلع و الخدمات التي يحصلون عليها بذلك الدخل النقدي ، و نتيجة لتاثير التضخم على كمية الدخل الحقيقي ، لذلك نجد البعض الذي يعتبر خارج دائرة ( الفقر ) ، بموجب المعيار هذا ، انما هو ضمن دائرة ( الفقر ) ، عندما تحصل حالة التضخم ، التي تجعل الفرد غير قادر على الحصول على السلع و الخدمات التي كان يحصل عليها قبل التضخم ، وحتى لو اعتمدنا على هذا المعيار الذي يتبناه ( البنك الدولي ) فاننا نجد ان مساحة ( الفقر ) دولا و افرادا ، تمثل تحديا خطيرا لمستقبل البشرية ،تحت ظل النسب المتزايدة لاعداد السكان ، وخاصا في افريقيا ودول شرق اسيا و الشرق الاوسط وبعض دول امريكا الاتينية ، التي تعاني دول تلك المناطق باكثر نسبة من ( الفقر ) ، مع ان هناك بعض من دول هذه المناطق قد تخطى عتبة ( الفقر ) نتيجة لنجاح خططهاالتنموية ، كالصين و الهند و ماليزيا و كوريا الجنوبية و البرازيل . مع كل ذلك هناك معايير اخرى قد تم تبنيها من جهات متعددة ، تصلح ان تكون مؤشرا لتبيان مساحة الفقر ، ( كالافتقار ) الى الاحتياجات الطبيعية و الاجتماعية و حتى النفسية ، التي تساعد على تحديد ملامح ( الفقر ) لدى الافراد و الجماعات ، فاني ارى ان الحد الفاصل بين ( الفقر ) من عدمه ، هو اشباع تلك الحاجات الطبيعية ، من ماكل و ملبس و مسكن و صحة ــ وبدون افراط ــ هو ذلك الحد الذي اذا متى ما انخفض عن ذلك الحد ، فقد نكون دخلنا في دائرة ( الفقر ) ، لانه كما قلت ، بان الفقر هو : ( افتقار ) لذلك الشئ الذي يعطي للفرد ( انسانيته ) ، وهذا الافتقار لا يقتصر على الحرمان او النقص في الحاجات الطبيعية ، بل يتسع ليشمل كل الاحتياجات الاجتماعية و النفسية ، اللتان تكملان صورة الانسان ، الذي يجب ان يحتل المكانة الائقة ، باعتباره انسانا ، والا فانه يعد خارج ذلك ، لان ( الافتقار و الفقر ) يمسخان الانسان الى شئ ما دون ذلك . اثار الفقر و اسبابه // ان اوضح الاثار التي يتركها الفقر هي اثار مادية ، كانتشار الامراض و سوء التغذية ، نتيجة لعدم توفر الخدمات من قبل الدولة ، كذلك لعدم تمكن ( الفقير ) من توفير مستلزمات ذلك ، لامر يتعلق بانخفاض ( الدخل ) او لانعدامه ، بسبب انتشار البطالة في المجتمعات ( الفقيرة ) ، وان تلك الاثار وغيرها ، كعدم توفر السكن الصحي ، لا يقتصر على فئة عمرية معينة ، بل تشمل جميع الفئات العمرية ، ولكن حصة الاطفال و صغار المواليد تكون اكثر وضوحا ، لذلك نجد بان نسبة الوفيات عند حديثي الولادة ، ذات معدلات عالية ، وهناك اثار اخرى ( للفقر ) تتمثل بالجوانب الاجتماعية و النفسية ، كان ذلك بين الفئات الفقيرة نفسها ، او بينها و بين الفئات الاخرى ، فنرى ان بعض الفئات الفقيرة تعيش في مجتمعات ليست فقيرة ، و قد تكون غنية وحتى مترفة في معيشتها ، مما يجعل نوع من التنافر والصراع ، نتيجة للنظرة الدونية التي ينظر بها ( الاغنياء و المترفون ) لهؤلاء ، مما قد يدفع الى رد فعل معاكس ، قد يتمثل بحالتين ، الاولى سلبية ، وذلك بانزواء الفقراء في حياتهم العامة و الانكفاء في مساكنهم ، مما قد يتولد عنه حالات نفسية ( مرضية ) كالكابة ، ا وان يكون رد فعل عنيفا ، يتجسد من خلال عصابات السطو و الاغتصاب ، وخاصة بين فئات الشباب ، و ان كل ذلك قد ينعكس حتى على البيئة السياسية للمجتمع ، وهذا ما حصل فعلا في بعض بلدان اوربا وامريكا ، كفرنسا و ايطاليا مثلا ، وان اسوء الاثار النفسية التي يتعرض لها مجتمع ( الفقراء ) هو نظرة الفقراء لانفسهم ، حيث ينظر ( الفقير ) الى نفسه و الى الاخر من الفقراء نظرة ازدراء ، وقد تصل حد الكره ، وان سبب ذلك ــ حتما ــ يعود ليس الى ( كره ) الانسان في داخله ، بل كره ( الفقر ) في هذا الانسان . اسباب الفقر / ما اشير اليه هنا ، الاسباب التقليدية للفقر ، و المتعارف عليها بين المختصين ، اضافة الى اني اريد ان اورد ( نظرة ) خاصة في تحليل اسباب الفقر بعد ذلك ، فمن الاسباب التقليدية للفقر ، حيث تقسم الى قسمين ، اسباب داخلية : كسوء توزيع الثروة ، وسوء التنظيم على المستوى الخاص و العام ، و التقاعس عن العمل وعدم التكافل بين افراد المجتمع ، اضافة الى العادات و التقاليد الاجتماعية المتخلفة ، وقد تكون حصيلة كل ذلك هو شحة الثروات الطبيعية ، وفوق ذلك كله ضعف الدولة و مؤسساتها في الاطلاع بمسولياتها في معالجة الفقر و اسبابه . اما الاسباب الخارجية ، فمن اخطرها الحروب وما تتركه من اثار سيئة ــ في هذا المجال ــ حتى للدول التي قد تنتصر في تلك الحروب ، فما بالك بالمنهزمة ، ومن الاسباب الخارجية الاخرى ، التبعية الاقتصادية للخارج ، وذلك بالخضوع لشروط المنظمات الاقتصادية والمالية الدولية القاسية ، كشروط ( صندوق النقد الدولي ) . وبعد ذلك كله اورد ( نظرتي الخاصة ) في تصنيف ( الفقر ) الذي اعتبره ايضا احد اسباب هذه الظاهرة المسماة ( الفقر ) فاني ارى هناك صنفين من الفقر ( الموضوعي ) و ( الذاتي ) ، فالفقر الموضوعي هو : حالة العوز التي يعاني منها بلد ما نتيجة لحرمانه من الموارد الطبيعية ، التي تجعل ذلك البلد غنيا او فقيرا ، ولكن هذا العامل و اثره في حتمية الفقر في حالة شحة الموارد الطبيعية ، اصبح مقدورا عليه ، لانه هنالك مصدر اخر للثروة ، قادر على تلافي النقص في الموارد الطبيعية ، والمتمثل ( بالعقل العلمي ) والذي قد يكون قادرا على مشاركة الامم في ثرواتها ، بل من الممكن فرض السيادة عليها ، و لنا في اليابان مثالا على ذلك ، فاليابان فقيرة في مواردها الطبيعية ، الا ان تفعيلها ( للعقل العلمي ) جعل منها تنافس الصف الاول من الامم المالكة لاوسع الثروات الطبيعية . اما ( الفقر الذاتي ) فهو حالة العوز الذي يعاني منه ( الفرد ) وذلك بسبب فقدان ذلك الفرد للموارد و الوسائل التي ـ حتما ـ ستخرجه من دائرة الفقر ، الى حالة الكفاية المعقولة ، لاشباع احتياجاته الطبيعية و الاجتماعية و النفسية ، وان هذا النوع من الفقر ( على مستوى الفرد ) ليس شرطا ان يكون نتيجة طبيعية لفقر البلد الذي يعيش فيه ، بسبب شحة موارد العيش ، بل بالعكس احيانا قد يكون هذا ( الفقر ) يحصل في اغنى بلاد العلم ، وذلك يعود الى طبيعة النظام الاقتصادي السائد ، وطريقة توزيع الثروة على المجتمع ، فقد تستحوذ ( 5 % ) من السكان على ( 95 % ) من الثروة ، وتبقى ال ( 5 % ) من الثروة يتقاسمها ال ( 95 % ) من السكان الباقين ، و حتى هذه ال (5 % )من الثروة لايتم تقسيمها بشكل عادل ــ على قلتها ــ بل تتعرض الى النهب و السطو من قبل جماعات داخل هذه الفئة الواسعة من السكان ، نتيجة للامراض الاجتماعية التي تعاني منها ، كالغش و الاحتيال و السرقة و الفساد بشكله الواسع ، الذي يتيح لفئة طفيلية داخل هذه الفئة الواسعة من الفقراء ، شبيهة بتلك الفئة الطفيلية المتمثلة ب ال ( 5 % ) ، ولكن الفئة الاولى تكون اكثر قسوة من الثانية في تحقيق اهدافها ، لكن ليس بالاسلوب ذاته ، فالفئة الطفيلية عند فئة ال ( 95 % ) تمارس فعلها بصورة مباشرة ، لانها لا تمتلك من وسائل سوى ذاتها ، اما الفئة الطفيلية عند ال ( 5 % ) تمارس فعلها بصورة غير مباشرة ، لما تمتلكه من وسائل و ادوات مادية وغير مادية ، واخطر تلك الوسائل ( السلطة ) بنوعيها السياسي و الاقتصادي . وقد يكون الفقر بالنسبة للدولة او المجتمع ( ذاتيا ) وذلك عندما يتاح لدولة ما ، ما لايتاح لدولة اخرى من الثروات الطبيعية ( كمآ ) و ( نوعآ ) ، الا ان سكان تلك الدولة ــ الكل تقريبا ــ يعاني من الفقر ، الذي لا يوازي فقر اي دولة من تلك التي لا تمتلك اي من الموارد الطبيعية ، وان سبب ذلك في معظم الاحيان ، يعود الى عوامل خارجية ، كالاحتلال المباشر من قبل دول اخرى ، تقوم بالاستيلاء على كل الثروة الطبيعية ، والتي تكون غير قادرة على السيطرة عليها تعمل على تدميرها ، حتى لو كانت تلك الثروة معنوية لا مادية ، كما حصل لبغداد بعد ان احتلها ( هولاكو ) ، الذي عمل على اتلاف ( المنجز العلمي ) المتمثل بالكتب التي حرقها و القى بها في نهر دجلة ، و طبعا هذا النوع من الفقر غير موجود بالشمولية التي كان عليها سابقا ــ بالظرف المشار اليه اعلاه ــ لسببين : الاول / احتلال وغزو الامم في عصرنا الحالي ، يحدث بصورة غير مباشرة ، حتى لو بدا بشكل مباشر ، كما حصل في ( 2003 ) في العراق ، وقبلها في افغانستان ، وما قد يحدث في دول اخرى لاحقا ، علمه عند الله . ثانيا / وجود فئة ( داخل المجتمع و الدولة ) مؤهلة للتعاون مع الخارج ، على حساب مصالح البلد ، مما يجعلها تخرج من دائرة ( الفقر ) لتلقي ابناء الامة في ( اتونه ) .
اخيرا اود ان اقول ، اشكالية من هذا النوع وبهذا الحجم و التعقيد ، هل تامل الانسانية بحلها . موضوع بهذا التواضع غير قادر على الاجابة على هذا التساؤل ، فقط الذي اود قوله ، لابد من ( ستراتيجية شاملة ) ــ ليس للقضاء على الفقر ــ بل الحد منه ، وذلك بوضع هذه ( الستراتيجية ) ضمن مرحلتين زمنيتين ، الاولى / على الامد القريب ، و الثانية / على المدى البعيد ، والامر موكول الى من بيده الامر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق بين مفاوضات الهدنة ومعركة رفح| #غرفة_الأخبار


.. حرب غزة.. مفاوضات الهدنة بين إسرائيل وحماس| #غرفة_الأخبار




.. قراءة عسكرية.. معارك ضارية في شمال القطاع ووسطه


.. جماعة أنصار الله تبث مشاهد توثق لحظة استهداف طائرة مسيرة للس




.. أمريكا.. الشرطة تنزع حجاب فتاة مناصرة لفلسطين بعد اعتقالها