الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسلام بين الأصولية والحداثة

عامر الأمير

2005 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعد الديانة البوذية من أكثر الديانات ( سماوية كانت أم أرضية !) تسامحا و حثا على السلم الأجتماعي وربما هي الديانة الوحيدة التي لا تجبر معتنقيها على الأعتقاد أو عدم الأعتقاد بتعاليم بوذا ولا تكفر من يهجر البوذية الى ديانة أخرى كما لاتمانع في من يعتنق البوذية من الديانات الأخرى في التخلي عن معتقداته .. وتحث البوذية على أحترام كافة العقائد و لايدخل في منظورها مفهوم التكفير أو أحتكار الحقيقة والأيمان ونبذ الآخر !!
ان من يدخل الى معبد بوذي يحس بجو من التسامح وبهالة من الروحانية المسالمة لاتدانيها في ذلك سوى تلك الروحانية والشعور بالسلام في معابد الديانات الآسيوية الأخرى كالتاوية والشنتو والهندوسية ...أو في كنائس مسيحية ( مابعد الحداثة ) والتكيات الصوفية والمراقد الشيعية المقدسة !!
يعد موقف الديانة البوذية هذا موقفا حداثويا بالرغم من عدم تعرض البوذية الى النقد العلمي والتأريخي كما حصل للديانة المسيحية ...
أن التاريخ البشري شهد صراعا مريرا على ما يسمى في الفلسفة الحديثة بالرأسمال الرمزي وهو الحقيقة الدينية التي يعتقد بها مجموعة من الناس و يقدسونها ومن ثم يضعون من حولهم اطارا فكريا لا يستطيعون الا النظر من خلاله الى الحقيقة والتي تعني لهم الحقيقة المطلقة وماعداها هو الكفر والهرطقة والضلال !!!
ويطلق المفكر الكبير محمد أركون مصطلح السياج الدوغمائي المغلق على ذلك الأطار الفكري الذي يضعه البشر من حيث لايشعرون حول عقولهم تحت ضغط البيئة الأجتماعية التي نشأوا فيها والذي يعني أن كل عقيدة من العقائد تبني حولها سياجا دوغمائيا يمنعها من رؤية الجوانب الأخرى من الحقيقة أو الأيمان .. أي ان المؤمن المسيحي مثلا مسجون داخل عقائده الايمانية التي يعتبرها مطلقة وكل ماعداها خطأ و ضلال .. والأمر ذاته ينطبق على المؤمن المسلم أو اليهودي !! وحتى داخل الديانة الواحدة هناك أسيجة دوغمائية مغلقة فمثلا هناك الأسيجة السنية والشيعية والأباضية في الديانة الأسلامية .. وهناك الأسيجة الكاثوليكية والبروستانتية والأرثوذوكسية في الديانة المسيحية ... بل هناك أيضا الأسيجة الفكرية كالماركسية والليبرالية ...الخ
لقد أستطاعت الكنيسة الغربية في أوربا أن تتحرر من سياجها الدوغمائي وذلك بعد سلسلة من الهزات الفكرية والصراع المرير والحروب الدموية التي شهدتها الساحة الأوربية حتى تحررت الى الأبد من ظلامية القرون الوسطى والتي كانت فيها الكنيسة تتحكم بكل تفاصيل الحياة الأجتماعية والأقتصادية والسياسية .. فهي وحدها من يمتلك الحق الألهي ويمنح المشروعية لكل نشاط أنساني ابتداءا من نظام الحكم وحتى أبسط التفاصيل اليومية الصغيرة لسلوك الأفراد في المجتمع ...
واستمرت عملية تحرر الفرد البشري يوما بعد يوم بفضل الحرب الفكرية الشعواء التي شنها المفكرون الأوربيون على سلطة الكنيسة حتى أستسلمت في النهاية و دخلت آفاق الحداثة وقد بلغت عملية التحرير تلك أوجها في الثورة الفرنسية التي أحدثت القطيعة الكبرى والنهائية مع العقل الظلامي للقرون الوسطى .. و تحرر الأنسان من هيمنة رجال الدين لأول مرة في التاريخ الحديث ...
ولم تكتفي أوربا بأحداث تلك القطيعة التاريخية بل أستمرت شعوبها تطالب بالمزيد من التحرر والأنعتاق و بدأ المفكرون التنويريون والفلاسفة يوجهون سهام النقد التأريخي والعلمي الى القداسة والمقدس الى أن حدث أنقلاب جديد ومهم في تاريخ الكنيسة عندما أعلنت في العام 1962 بأعترافها بالديانات الأخرى و عدم تكفير من لا يعتقد بالمسيح أو من يخرج من الأيمان المسيحي الى أعتقاد أو عدم أعتقاد آخر !!!
أما من الناحية الأسلامية فلازال المقدس الأسلامي يتحكم بالكائن البشري الى درجة لاتطاق ولا زال الأسلام يمر بمرحلة من الجمود العقائدي والفكري منذ مايزيد على ألف عام .. حيث هيمن العقل التقليدي السكوني والتكراري على الشعوب الأسلامية و أوقعها في السجن الدوغمائي المغلق وفقا لتعبير أركون !!!
ان تحرير الفكر الأسلامي من دوغمائيته هي عملية صعبة و معقدة وتحتاج الى هزات فكرية عنيفة .. ولا زال المفكرون التنويريون على الساحة الأسلامية مهمشين الى درجة كبيرة بفضل هيمنة رجال الدين الذين يتلاعبون بعقول الجمهور الواقع تحت تأثير سلطتهم الأيديولوجية وبالتالي من الصعب عليه ( أي الجمهور ) أن يتواصل مع المفكرين النقديين الأحرار .. ويرى هاشم صالح مترجم فكر أركون بأن الجمهور لا يستطيع حتى أن يفهم الفكر التنويري النقدي الحر ولا يستطيع أن يفهم لغته ومصطلحاته ورؤياه الجديدة للعالم .. لأنه لايمتلك الأدوات المعرفية الكافية التي تمكنه من ذلك .. لأنه لايزال أسير الرؤية التقليدية او الايديولوجية للتراث !!!
أن عملية التحرير الفكري في ارض الأسلام لن تتم الا بعد تفكيك العقيدة ( أو العقيدة الصحيحة المطلقة ) من الداخل وبدون ذلك فان التحرير يبقى امرا مستحيلا ...
ويعتقد أركون أن التحرير الفكري سوف يبتدأ حتما بتطبيق المنهج التاريخي على دراسة النص القرآني والذي هو موجود الان فقط في اللغات الأستشراقية .. و هذا لايكفي الا اذا حصل باللغة العربية من خلال الترجمة لهذه الدراسات أو تأسيس المنهج التأريخي في اللغة العربية ذاتها : لغة القرآن ... أو الأثنان معا ...
فالرؤية التقليدية اللاتأريخية للنص القرآني هي المهيمنة والمسيطرة على الوعي الأسلامي سواءا على الجمهور أو حتى على عقول المثقفين ...
ويرى أركون ان الحداثة أو العولمة سوف تكتسح كل البلدان والشعوب عاجلا أم آجلا وبالتالي لا يصبح للنقاش حول الأصولية والتزمت الدائر الآن أي معنى بعد فترة من الزمن حيث ستبدو تلك المواضيع بالية وقديمة بالنسبة للأجيال القادمة التي سوف تغطس في الحداثة المادية والتكنولوجية والمصرفية والأستهلاكية من أعلى رأسها الى أخمص قدميها .. وكما يرى هاشم صالح فأن ذلك لن يتم بسهولة ويسر .. فالصراع بين الأصولية والعولمة ( الحداثة و مابعدها ) سوف يكون طويلا و ضاريا ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا