الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين.. والدراسة / 2

وديع العبيدي

2012 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التعدد اللغوي والثقافي لكتاب القرآن يلزم دارسه بحيازة خلفية ثقافية ولغوية واسعة من ثقافات جنوبي غرب آسيا القديمة. وفيما يخصّ اللغة العربية يلزم الدارس الالمام بتاريخ نمو اللغة وصيرورتها، وتطور فن الخط العربي ومراحله. فالمشكلة الأساسية هنا، أن اللغة العربية تشكلت وترتبت وتثبتت قواعدها ونحوها وفقهها بعد القرآن، وكانت من قبله مجرد لغات شفاهية لا يجمعها شيء غير العموميات. وهذه العموميات تتصل بعائلة لغات سريانية/ آرامية/ عبرية. وقد أورد القرآن أنه (لسان عربي مبين)، وذلك يدخل في مجال التأسيس القومي العربي، أكثر منه التعبير عن حالة أو ثقافة قائمة.
ان لفظة عرب، ليست دالة قومية على العروبة، بقدر ما هي كناية عن حياة الترحّل والبداوة المعتمدة على قطع طرق القوافل والسلب والنهب. وفي هذا المجال يرى المؤرخ فيليب حتي* أن العرب لم يؤثر عنهم احتراف القتل، ولكنهم اشتهروا بالقرصنة والسلب فحسب. فالمشكلة الرئيسة في حياة العرب وكثير من مجتمعات الشرق القديم هي القوت ومواد المعيشة. وكانت مجتمعات الخصوبة والوفرة ضحايا دائمة للجماعات البدائية. ويورد التاريخ ان مصر القديمة كانت عرضة مستمرة لغزوات الهكسوس من البحر والبدو من الشرق. وفي نصوص أشورية فرعونية وعبرانية ورد لفظ (عربي/اعرابي) بمعنى متربص/ متوحش/ أجنبي.
لقد كانت القبائل تعرف باسمها، أسد، تغلب، تميم، طيء، أكثر من وصفها بشيء آخر. وإذا كان لفظ (عرب) ينطوي على معنى البداوة، فليس لأهل المدن والحواضر من ذلك في شيء. وقد وردت عدّة مسميات لسكان الساحل الشرقي للبحر الأحمر، منها تيماء، أدوم، عسير، حجاز. وكلمة (حجاز) دالة فصل بين جماعتين أو بيئتين مختلفتين، كما في وصف نجد وحجاز، وهما بيئتان مختلفتان، ومتفاوتتان، في الجغرافيا والسكان والثقافة والحياة. فوصف لغة حاضرة مكة بالعربية، يتضمن عبنا ثقافيا وتاريخيا، يسحب التصحر على المدينة. فيما المؤمل حسب المعطى الواقعي، سحب نمط الحاضرة على التصحر.
ولكن.. هذه السياسة هي التي سادت لاحقا عندما تعرضت حضارات الشمال لهجوم البداوة، مما يخفي حقيقة ماورائيات ذلك، ويتناق البتة، مع نسبة الاسلام لمكة والمدينة. ويسند افتراض كون الاسلام حركة من داخل البدو اتجهت غربا لاحتلال عاصمة الحجاز مكة ومنها شمالا وغربا. لكن الجذور الأصلية للحركة تم تدميرها جيدا بحيث أتاحت/ أباحت للمتأخرين نسبة الحركة لمركز قريش لاشباع غرورها المتعارف، واستمر مثل غيره من الأخطاء.
ويبدو أن تعميم وصف (عرب) على غير أهل نجد (وسط شبه الجزيرة) جاء متأخرا، وفي إطار التقعيد القومي أو التحول من مفهوم القبيلة/ القبائل إلى وحدة قومية ثقافية.
وقد لعب القرآن دورا أيديولوجيا رئيسا في حركة الوعي القومي الأموي، وولادة أمة ودولة.
لكن فكرة (كتاب) في وسط - أمي- يعتمد الشفاهية ولا تتعارف في أوساطه الكتابة وطبقة الكتاب، تبقى غريبة وتحتاج مزيدا من تمحيص. واقع الجهالة والشفاهية يضعف الأصل الكتابي ويدعم نسبته إلى فترة متأخرة إلى مرحلة (أنتلجنسيا) حاضرة البصرة.
كثير من المؤرخين، مستشرقين وعربا، غير متفقين في فهم الخلفية التاريخية.. الحضارية والسياسية وراء ظهور حركة (الاسلام) أو كتاب (القرآن). ولا تزال الدراسات الاركيولوجية والتاريخية حديثة في هذا المجال. نفس الأمر ينطبق على مجال تاريخ الكتاب وتاريخ التدوين وعدد المدوّنين أو الكتاب المساهمين ودور كلّ منهم في الكتاب. وكلّ هذه حيثيات إشكالية تصطدم بشحة المصادر الاسلامية أو الخارجية.
هذه الإشكاليات عموما تنطبق وتواجه دراسات أخرى بخصوص الحديث، السنّة، السيرة النبوية، تفاسير الكتاب، تاريخ الرموز الاسلامية والعلاقة بين الدولة والدين.
فإذا ما أمكن التوصل لخلاصات بدائية في هذه الأصعدة، يجد الدارس نفسه في مواجهات الانقسامات الدينية والمذاهبية والسياسية منذ القرن الرابع الهجري.
فالحديث عن الاسلام دون تدقيق وتخصيص يبقى تهويما في الضباب. يزيد من صعوبته غلواء العصبية والتعنت الديني، ورفض أي مساس خارجي بكيانه ورموزه.
*
- دراسة الدين لا تكون وافية إن لم تسبقها مقدمة عامة في أصول الديانات ومفاهيمها وظروفها التاريخية والانثروبولوجية، هذا من جهة؛
- ومن جهة أخرى، لا تكتمل دراسة الدين بدون الالمام والتعرف على الديانات السابقة له.
والملحوظ، أنّ بعض الديانات، تسم ما سبقها زمنيا سمة نقضية، كالشرك عند اليهودية، والوثنية عند المسيحية، والجاهلية عند الاسلام.
يمكن أن يفهم ذلك في العموم باعتبار الدين الجديد ثورة تصحيحية لها ما يبرّرها؛ لكن القراءة الأخرى تكشف عن طريقة تقليدية لتعمية المصادر وتغشيش الباحث. فهذه الديانات ، على العموم، لم تنقض ما سبقها، وانما تولى نسخه نسخا مبرمجا وفنيا، ثم اضفاء اللمسات الفنية لغويا واعلاميا، للتمايز عن السابق والامتياز بتسمية جديدة.
يقول أحد الباحثين* ان الاسلام لا يعترف بالبهائية، رغم أن البهائية تعترف بالاسلام ورموزه. ويحتج بعض المسلمين لماذا لا تعترف المسيحية بهم، وهم يعترفون بالمسيح وكتبه. ويقول نفس الباحث، أن اليهود لم يعترفوا بالمسيح، رغم اعتراف المسيح بهم، والمسيحية لم تعترف بالاسلام، فكل دين لا يعترف بما يأتي بعده. وبالمقابل كلّ دين يعتاش ويبتني على تراث الديانات السابقة له.
*
إذا كانت اشكالية الدين الرئيسة مع العقل، فأن أشكاليته مع التاريخ لا تقل عن ذلك شأوا. الدين لا يعترف بالتاريخ، رغم أنه يعتمد حيثيات تاريخية لتسويق منظوره الخاص. والمنظور الديني أن (الله) هو الذي يصنع التاريخ، وأن التاريخ بدون الله ميت!. ولكن.. هل يصلح الدين أن يكون تاريخا، أو بديلا للتاريخ. يتساءل أحد الباحثين قي هذا المجال، إذا جردنا قصص الكتاب الديني من الخرافات والمعجزات.. هل نحصل على كتاب تاريخ؟.. هل يمكن الاستفادة من كتب الدين في كتابة تاريخ العالم القديم بروح عصرية؟.. على الدين أن يؤكد مصداقيته التاريخية.. ليمكن اعتباره من منظور علمي. لكن العلماء حتى الآن لم يتأكدوا من تاريخية شخوص ابراهيم ويوسف وموسى ويشوع وداود وعزرا ويسوع، إضافة إلى محمد وعلي والمهدي..
في ضوء كلّ ذلك، هل هناك دراسة دينية متكاملة؟..
هل هناك دراسة دينية لم تسقط في هوة الدين؟..
بدون تفكيك آليات الدين وقواعده..
بدون تفكيك آليات الخطاب الديني وسردياته ومبادئه وأغراضه..
بدون غوص في أعماق الميثولوجيا القديمة واستحالاتها الجغرافية ورصد خرائط حركتها الزلزالية المتموجة،
لا يمكن قراءة السطور المخفية في النص الديني..
الدين.. هو حلبة مواجهة فنون السحر والكهانة ولغتهم الرمزية مع فنون العقل والفلسفة السببية ولغة المنطق. وعندما نستمر في الألفية الثالثة، في محاولة فهم أو تفكيك رقم ديني كهنوتي مسحور، ندرك أننا ما زلنا في عصر طفولة العقل الأولى. ورغم اختراق العلم للفيزياء الفضائية وكيمياء البيولوجيا.. فما زال سرّ الانسان منغلقا على نفسه.. وما زال سفر الدين معقدا ومطلسما.. وما زال.. للحديث بقية!..
"ورأيتُ على يمينِ الجالسِ على العرشِ سفراً مكتوباً من داخل ومن وراء، مختوماً بسبعة ختوم. ورأيتُ ملاكاً قوياً ينادي بصوتٍ عظيمٍ: مَنْ هوَ مستحقٌ أن يفتحَ السفرَ ويفكّ ختومَهُ. فلم يستطعْ أحدٌ في السماءِ ولا في الأرضِ ولا تحتَ الأرضِ، أن يفتحَ السفرَ، ولا أن ينظرَ إليه. فصرتُ أنا أبكي كثيراً، لأنّه لم يوجدْ أحدٌ مستحقاً أن يفتحَ السفرَ ويقرأهُ، ولا أن ينظرَ إليه."/ (رؤيا يوحنا اللاهوتي 5: 1- 4).
ـــــــــــــــــــــــــــ
* الكنيسة القبطية في مصر..
* عرابيا- مصطلح استخدمه الراحل هادي العلوي للدلالة على شبه جزيرة العرب.
* تناخ- مصطلح يعتبر عن الكتاب المقدس الخاص باليهود والمتعارف خطأ باسم التوراة. وهي توراة موسى أي الكتب الخمسة الأولى من الكتاب. وهي الجزء الأول من أصل ثلاثة أجزاء (توراه، نيفييم، كتفيم)، جمعت حروفها الأولى لنحت مصطلح (تناخ).
* Philip K. Hittitti, History of Arab, Ed. 10, 2003
* رياض حسن محرم- حدبث عن البهائية والدستور- الحوار المتمدن- ع 3797- 23 يوليو 2012.
* Thomas L. Thompson, The Messiah Myth, Pub. Pimlico, 2007, London.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري


.. 166-An-Nisa




.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر


.. 165-An-Nisa




.. مشاهد توثّق مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة في المسجد الحرام