الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة العقل – عندما كان آدم مجنونا

رياض حمادي

2012 / 7 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كبسولة : الحنين إلى الجنة هو حنين إلى الجنون . الجنون هو الدخول المبكر إلى الجنة .

***

قصة آدم وحواء والشجرة حكاية رمزية تلخص في أسلوب بدائي بسيط تطور العقل البشري من الطفولة إلى النضج والوعي . سقوط آدم أو هبوطه وحواء من الجنة ليس سوى تعبير عن فقدانهما للحرية التي كانا ينعمان بها في ظل غياب قيود العقل . والجنة ليست سوى الراحة التي يولدها عدم الشعور بالمسئولية وعمل ما يحلو للمرء دون حسيب أو رقيب . والقصة بتعبير آخر تلخيص للفضول الإنساني وللرغبة في معرفة ما لا ينبغي أن يُعرف. رغبة الأبناء في التمرد على سلطة الآباء , رغبة الجديد في التفوق على القديم .
رغبة الأبناء في المعرفة تعبير عن الرغبة في الاستقلال المعرفي وبالتالي الخروج على سلطة الأب أو اضمحلال وزوال هذه السلطة ببروز سلطة الأبناء أنفسهم والمستقاة من معرفتهم الذاتية. خوف الأب من المعرفة الجديدة المتمثلة في معرفة الأبناء معناه موت الأب بموت سلطته المعرفية .

هذه القصة ما زالت تتكرر مرارا مع حياة كل شخص منا بدءا بمرحلة الطفولة حيث يمكن للطفل أن يتعرى أو يرتكب أشياء لا يعتبرها عيبا أو حراما . يعقبها مرحلة السقوط من جنة الطفولة والتي تبدأ بتلقينه تعليمات الحلال والحرام من قبل الأب والأم اللذان يقومان مقام الرب أو الله في النسخة الإنسانية المتكررة . الشيطان ليس سوى رغباتنا المكبوتة اللذيذة . والنهي عن الأكل من شجرة العقل رمز إلى التهلكة التي وقع بها الإنسان عندما قرر أن يكون عاقلا أو عارفا . القصة الحكاية إعادة تفسير لما حدث للإنسان – آدم - بعدما أصبح عاقلاً.

فُسرت الشجرة التي أكل منها آدم وحواء بأنها شجرة المعرفة . دليلهم في ذلك أن آدم وحواء لم يكونا يدركان عريهما ولا يعتبرانه شيئا معيبا أو حراما وبأكلهم من الشجرة بدت لهما سوآتهما وبدآ بالخصف من أوراق الجنة لستر تلك السوءة العورة . من هنا نعلم أن آدم كان طفلاً مجنونا وكذلك حواء في مرحلة ما قبل الأكل/التطور . آدم هنا ليس بالضرورة أن يكون اسم لشخص بل قد يكون رمزا لفترة أو لجماعة بشرية طفولية أو مجنونة قبل أن تأتي مرحلة العقل المعرفة بقيودها وتعليماتها المقيدة للحرية والتي هبطت بهم من جنة الجنون إلى جحيم العقل والمعرفة .

الانتقال من اللا معرفة – الجهل – إلى المعرفة – العلم – أو من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج أو من مرحلة الجنون إلى مرحلة العقل هذا هو ملخص قصة آدم في أسلوب قصصي حكائي بسيط .

وعليه يكون العقل نقمة لا نعمة دليل ذلك أن مخرجات العقل في الواقع المعاش تتمثل في سيادة وشيوع الشر , والشر أحد منتجات العقل الرئيسية . سيقال بأن العقل أداة محايدة أو سلاح ذو حدين . وهو كذلك , لكن الحديث هنا عن المنتج النهائي للعقل أو مخرجاته , ولو اعتبرنا العقل كأي آلة أخرى يستخدمها الإنسان لكانت الأولوية تكمن في التخلص منها بالنظر إلى ما تنتجه هذه الآلة من مشاكل وشرور أو بطغيانه على جانب الخير.

العقل ليس معطى فطري وإنما منجز مكتسب . لو كان العقل معطى فطري لكان بإمكان الطفل التفريق بين النار والماء على سبيل المثال . العقل هو نتاج للخبرة المتراكمة عبر أجيال وقرون. لكن العقل البدائي لم يكن قادراً على تفسير هذا التطور والتراكم إلا بالصور القصصية التي نقرأها اليوم عن آدم وحواء .
الانتقال من العقل إلى الجنون هو عودة لحالة الإنسان الأولى – الحالة الآدمية – عودة إلى حالته الفطرية قبل تكون أو تطور العقل وبالتالي هو عودة إلى الجنة. والحنين إلى الجنة هو حنين إلى الجنون والعكس صحيح .

" الإنسان في الجنة لم يكن قد صار إنساناً بعد . وبطريقة أصح , لم يكن الإنسان قد قُذف بعد إلى مدار الإنسان. أما نحن الذين قذفنا منذ زمن بعيد فلا تزال في داخلنا بقية من خيط رفيع يشدنا إلى الجنة البعيدة المغبشة .. الحنين إلى الجنة إذاً هو رغبة الإنسان في ألا يكون إنساناً . " (*) أو رغبته في أن يكون مجنوناً .

الجنون هو الدخول المبكر إلى الجنة . حيث يتخلص المجنون من كل قيود العقل وكوابحه . والحنين إلى الطفولة هو حنين إلى آدم الطفل العريان عندما كان يسكن الجنة قبل أن يأتي الأب بقوانينه وتعليماته التي أجبرته على ستر عريه .

كبسولة الختام : الطفولة و الجنون , مرحلتان مر بهما آدم وحواء , وتتاح للبعض اختبارهما مرة أخرى في حال طفولة الشيخوخة و فقدان العقل أو الجنون .
______________________________
(*) ميلان كونديرا – كائن لا تحتمل خفته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى الأستاذ رياض حمادي
لطفي قاسم ( 2012 / 7 / 27 - 16:23 )
تقول أن قصة آدم و حواء هي رمزية ,, و هذا لعمري محاولة لتبرير سذاجة القصة و عدم تماسكها , فكنت كمفسّري القرآن إن وجدوا تناقضا فيه طوّعوا اللغة تطويعا بل يذهبون أحيانا إلى خلقها من جديد لتلائم القرآن ,,, و لبيّن لك أن القرآن لا يعتبرها قصة رمزية كحكايات كليلة و دمنة على سبيل المثال علينا أن ننظر في مفهوم الخطاب و القص القرآني ,, القرآن يعتبر أن خطابه كلّه خطاب الحقيقة و الحق فكل القاصيص القرآنية إنما يوردها القرآن على سبيل أنها واقعية بل هي الحق و الحقيقة ( نحن نقص عليك بالحق ) , و يؤكد القرآن على حقيقة قصة آدم و حواء و ما والاها من أحداث بقوله ( و اذكر نبأ ابني آدم بالحق ) ,,,إذن القصة ليست رمزية وأيضا ليست في أسلوب يداثي و موجهة لشعوب لم يكتمل تطوّرها العقلي كما تقول و إلا فهي لا تعنينا أو أن الله لم يكن يعرف أن في القرن الواحد و العشرين سيتطوّر العقل البشري ليقف على بساطة و سذاجة هذه القصة


2 - الشجره المؤامره
محمد الشمري ( 2012 / 7 / 27 - 17:53 )
ان شجره التفاحه هي مؤامره لعقل لم يكتمل نضوجه وهي تربيه جان جاك رسو في ترك الحبل على الغارب فان ادم الغض الرعيع لم يمكنه عقله من مخاطر تناول الثمره المغريه بحلاوتها بالرغم من انه قد نبه لذلك ---بينما جان جاك رسوا اعتبر النار عندما تكوي الطفل وتحت رعايتنا تعططيه الخبره بالابتعاد لكن الله لم يعط هذه الرعايه فسقط ادم في المحظور


3 - رؤيتي
رياض حمادي ( 2012 / 7 / 27 - 18:05 )
أخ لطفي هذه رؤيتي لقصة آدم كما وردت في الكتب المقدسة .. يعني أنا لا أقدم أو أقرأ القصة من منظور قرآني او ديني


4 - إلى الأستاذ رياض حمادي
لطفي قاسم ( 2012 / 7 / 27 - 18:15 )
ملاحظتي ليست في القصة في حد ذاتها بل في تأويلك على أساس أنها قصة رمزية ,, و الكتب المقدّسة لا تذكرها على اعتبارها قصة رمزية بل بل هي من باب الحقيقة و الييقن


5 - رد
رياض حمادي ( 2012 / 7 / 28 - 19:14 )
للكتب المقدسة أن تراها قصة تاريخية حقيقية ولي أن أراها قصة رمزية كما رأى البعض في الأساطير قصص رمزية

اخر الافلام

.. 31-An-Nisa


.. 34-An-Nisa




.. 36-An-Nisa


.. 37-An-Nisa




.. 39-An-Nisa