الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة أنتروبولوجيا وسوسيولوجيا

نورالدين لشكر
باحث

(Noureddine Lachgar)

2012 / 7 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1.1- الثقافة وإشكالية التعريف...
وضعت تعاريف كثيرة لكلمة ثقافة منها مايهتم بمحتوى الكلمة ومنها يهتم بالجانب الرمزي لها وهناك تعاريف أخرى تهتم بالثقافة كأنماط فعل وسلوك، ...
في كتابه "الثقافة البدائية" يعرف (ادوارد تايلورtaylour1832/1917) مفهوم الثقافة بأنه: "المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف والعادات وسائر القدرات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع"¹.
وقد كانت الثقافة هي السمة الأساسية التي تميز الإنسان عموما عن باقي الكائنات الحية، وبالتالي فإن هذه الأخيرة لم ترق الى مستوى الإنسان من حيث أنماط التفكير والتدبير والإنتاج التي هي نتاج لهذا التراكم المعرفي من علوم ومعارف وعادات وتقاليد وفنون، إلخ ...
لم يعرف لسان العرب كلمة ثقافة طبعا بمفاهيمها الفلسفية والأنتروبولوجية، بل عرف العرب الأوائل فقط الأفعال والمصادر المشتقة من جذر"ثقف" والتي أخذت دلالاتها عند هم بمعنى الحذق والفهم وسرعة التعلم، وقالوا: التثقيف تقويم الإعوجاج... ².
وحديثا فقد فاقت التعريفات لمفهوم الثقافة العشرات، وأكثر من اهتم بها من الأنتروبولوجيين (فرانزبواز1858/1942bois) وتلميذه (ألفريد كروبيرkrobir 1876/1970 )و (كلايد كلاكهونclyde kluckhohn ) وغيرهم، هذان الأخيران صنفا قبل ربع قرن ما لا يقل عن 160 تعريفا للثقافة ، واعتبر (بواز) مثلا أن مفهوم الكلمة يختلف عند الباحثين في لندن عنهم عند رجل أعمال عملاق في اليابان أو عند فلاح في غينيا أو رجل دين في الفاتيكان... أو كما يراها (صامويل هنتكتون Samuel Phillips Huntington. 1927 - 2008) " الذي اعتبر أن الثقافة ستكون سبب أكبر صراع بين الحضارات بسبب الفروق الثقافية بين الشعوب"3
1. 2- سوسيولوجيا الثقافة
تعني الثقافة في نظر علماء الاجتماع حسب (أنتوني غدنزAnthony Giddens, 1938)4 "جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان لا بالوراثة. ويشترك أعضاء المجتمع بعناصر الثقافة تلك التي تتيح لهم مجالات التعاون والتواصل. وتمثل هذه العناصر السياق الذي يعيش فيه أفراد المجتمع."5
ويتعلم البشر حسب غدنز دائما خصائص الثقافة ومدلولاتها عبر عملية التنشئة الاجتماعية. "وتنشئة الطفل هي التي يصبح فيها الطفل العاجز –تدريجيا- ومن خلال اتصاله بالآخرين كائنا بشريا مدركا لذاته وعارفا ملما بالأساليب وأنماط السلوك المتبعة". نفس المرجع السابق.
وفي تحليل سوسيولوجي جيد يعتبر الطاهر لبيب أن الصورة العامة لوقتنا الحاضر هو ثقافة بلامثقفين 6 فيقول: " ...هكذا إذا، يجد الإنسان نفسه، ومعه الحركات الإجتماعية، في حضرة ثقافة سائدة بلا مثقفين، مجردة –تعميما أو تفتيتا- تحمل أفكارا بلا فكر، دلالتها معلقة، بلا مرجعية، ولأنها كذلك فهي يمكن أن تنشر مفاهيم مجتمع بلا بشر ومجتمع مدني بلا مدنية وحقوق إنسان بلا إنسان، وقس على ذلك الكثير... فهي ثقافة المتخيل، ثقافة غير الواقعي(virtuel) الذي لم يعد فيه ربط ممكن بين الذات والموضوع. هي "ثقافة الناس جميعا" أي ثقافة لاأحد. إنها ثقافة خفية الإسم(anonyme)، لا باعتبار منتجها فحسب، وإنما أيضا لأنها لامكانية ولازمانية، إنها أكثر فأكثر، ثقافة بلاذاكرة: كل مشهد ينسيك ماقبله، كما هو حالها في التلفزيون."
وبإيجاز يمكن تعريف الثقافة سوسيولوجيا "أنها تحليل طبيعة العلاقة الموجودة بين أنماط الإنتاج الفكري ومعطيات البنية الإجتماعية وتحديد وظائف هذا الإنتاج في المجتمعات ذات التركيب التنضيدي أو الطبقي"7.
1. 3- الثقافة عند الانتروبولوجيين
كانت الثقافة من خصوصيات الأنترروبولوجيا منذ نشأتها(كمصطلح في ق 16مرتبط بالعلوم الطبيعية أما في العلوم الاجتماعية فلم تظهر إلا في القرن19)، وقد اعتبرت أنها الفيصل والمميز بين الإنسان والحيوان ، وميزت أمما عن أمم أخرى وذلك ليس بفعل الوراثة البيولوجية لكن بفض التعلم والاكتساب ، وأن مايطبع الحضارة ليس هو العرق بل هو الثقافة التي تتشبع بها كل مجموعة، وإن وجود قواسم مشتركة بين العديد من الحضارات هو عائد لطبيعة الإنسان أو مايمكن الاصطلاح عليه بعملية "التبادل الثقافي". وعلى المستوى النظري فقد كانت الثقافة سببا لمد جسر مهم بين الأنترروبولوجيا وعلم النفس.
يعتقد الأنتروبولوجيين أن هناك علاقة سببية بين الثقافة والشخصية ، بل إن أفراد المجتمع يشتركون في عدة قسمات ثقافية ثم التجارب والتنشئة الاجتماعية مما يجعلهم منصهرين في شخصية واحدة "نموذجية"، وتعتبر( روتر بندت 1887/1948) وكانت من مساعدات (بواز)، أن الثقافة هي المحدد لشخصية الفرد.
إن طبيعة المجتمع الأمريكي المتعدد الإثنيات هو ماجعل رواد الأنترروبولوجيا الأوائل يبحثون عن تفسيرات أخرى خارج المدارس السابقة عليهم كالتطورية مثلا، وذلك من أجل التأكيد على التنوع الإثني والاعتراف بوجود الآخر وذلك درءا لكل انفجار اجتماعي محتمل يهدد المجتمع ككل. وقد اعتبر مفهوم الثقافة بمعناه العلمي الأنتروبولوجي" أحد المفاهيم الأساسية في الفكر الأمريكي المعاصر"8. إن (ألفريد كروبر وكلايد كلاكهون) كانا على ثقة بأن الثقافة بمعناها العلمي هي فكرة علمية واعدة على نحو هائل لاحدود له وأنها حجر أساس للعلوم الاجتماعية. وبعد عملية فحص واستقصاء مفصل للأدبيات عثرا على ما يقصد بكلمة ثقافة، " واتفقا في آخر الأمر على أن بارسونز وقع على التعريف الصحيح للثقافة حيث الغرض العلمي ، وكان رمزيا جامعا. فقد بني على المعرفة والمعتقدات والقيم..."9. فالبشر عند بارسونز لايبنون عالما من الرموز بل يعيشون فيه هو مستخلص من الأفكار المتلقاة وتفرض تلك الأفكار على عالمهم الواقعي، وللعودة إلى أصل الرموز والجذور الثقافية لابد من استبعاد المنطق والعقل الصارم، وقد فاجأ (ليفي ستراوس 1908/2009 Claude Lévi-Strauss ) المشاركين في أحدى المؤتمرات التي تعنى بنفس الموضوع قائلا:"أن هناك ضيفا غير مدعو وهو جالس بجوارنا في المؤتمر، وهو العقل البشري"10.
ومن جهة أخرى فقد اعتبرت التعاريف التي تقدمها النظريات الثقافية الفرنسية والألمانية وحتى البريطانية على أنها تعاريف فضفاضة وتصنيفات جاهزة ضمن الخطابات الرومانسية و التنويرية والكلاسيكية (فهي تفكك ويعاد تشكيلها في انساق جديدة بانتظام، فتتبنى، ويعلن موتها، ويعاد إحياؤها، وتعاد تسميتها، ويعاد تجديدها...)11








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة