الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصحيح المفاهيم المغلوطة: رياض الحبيب:

أنور نجم الدين حسن

2012 / 7 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رجاءً ، فلنكن موضوعيين ولنحترم أنفسنا ، وأن ندخل العراك أو الحوار الفكري بشجاعة وثقة في النفس ، إن كنا فعلاً نملك ناصية الحجة وقطعية الدليل ، وأتمنى أن أجدك (من خلال الحوار الهاديء الهادف) باحثاً عن الحقيقة وأن تجدني كذلك ،، وأعدك بأن أصبر على كل أسئلتك مهما بلغت من أذى ما دامت في إطار المجادلة التي توصل عادةً إلى الفهم الصحيح لا الجدل بالباطل لضحد الحق المبين ، فهو لا يقدم للمجادل شيئاً بل على العكس قد ينحدر به إلى أسفل سافلين فكرياً وإدراكاً ومصداقية وثقة ، أما إذا جانب الحوار الموضوعية وبان لنا أن هناك أجندة أخرى غير البحث عن الحقيقة وإحترام حقوق الآخرين فهذا "في منهجنا" يعني الدخول في متاهة الجدل الذي يفرق ولا يجمع ، ويوغر الصدور ولا يثلجها ،، حينئذ سأجد نفسي مضطراً إلى مغادرة ساحة الحوار (العابث) بهدوء دون إساءة أو تجريح لأحد حتى لو كان ذلك الرد "عادلاً" وتلك الإساءة مستحقة .

الكثيرون ممن دخلوا الإسلام - ليس قديماً ، ولكنهم في هذه الألفية الثالثة كانوا أكثر عداءً وكراهيةً للإسلام والمسلمين منك ، وقد خاضوا في الرسول الكريم أكثر مما خضت وذلك قبل أن تبلغهم الحقيقة التي كانوا يعارضونها عن جهل بالمصادر والمراجع الصحيحة ووقوعهم ضحية للكتاب والمؤرخين المغرضين الحاقدين الذين قادهم حقدهم وسوء طويتهم إلى تشويه الحقائق ودس الإفتراءات والأكاذيب ، فتركوا بذلك سواداً قاتماً يقع فيه ضحاياهم وهم لا يشعرون . على أية حال "كل نفس بما كسبت رهينة" والله سبحانه (خاالق كل شيء) هو رب الكل (يهودياً أو نصرانياً أو مسلما أو علمانياً أو يسارياً أو مجوسياً) فليكن محورنا ذلك الرب أعني (خالق السموات والأرض والخلق كله) ونحترم مراده ونلتزم تعاليمه فهو وحده خالق كل شيء .
أولاً: في أحدى مقالاتك تحدثت عن رسالة النبي محمد ص ، وبحثت عن من يتجرأ على الخوض في "الشخصية المحمدية" ، وما دام قد قدم لكم أحدهم هذا البرهان الكبير (من وجهة نظركم) فلا أقل من أن يكون (أديب العظماء وعظيم الأدباء) ، وقد تراءى لك فيها حينئذ مدخلاً ظننت أنه سيقوي إعتقادك بأن القرآن ليس وحياً وإنما هو من تأليف محمد بن عبد الله ، طبعاً هذا من حقك ما دمت تبحث عن الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة ليطمئن قلبك "إن كان هذا هو المقصد والهدف في الأصل" ، على أية حال ، دعنا نناقش كل هذه المعطيات التي نحمد لك فيها أنك قد جئت بالنص كما ينبغي "إلى حد ما مقبول" ، ولكن ، فلنناقش هذه الفكرة من كل جوانبها لنعطيها قوة الحجة المادية أو نسقطها عن برجها العالي إلى حيث مستواها اللائق بها إن كانت دون ذلك:
ثانياً إنك قلت في حديثك هذه العبارة: ((... وقد وقع في المُنزل ما هو على العكس من هذا ، أي ما لم يكن في أول الأمر قرآناً ثم جُعِلَ قرآناً ،) ،
1. ما هو المقصود من قولك "المُنزل" ؟ وما هو الذي جاء على عكسه ؟ فإن كنت تقصد بالمُنَزلِ هو "القرآن" ، وأن الذي جاء على عكسه هو "السنة النبوية" فإن هذا يؤكد جزماً بأن القرآن والسنة وجهان لعملة واحدة ، وأن محمداً لم يكن شخصاً عادياً بل كان رسولاً "مُشَرِعَاً" ، وأن تشريعه هو وحي يُوْحَيْ إليه من الله تعالى وبأمره وتدبيره ، والذي يريد الله أن يجعله من هذه السنة دستوراً دائماً ، جعله قرآناً يتلى إلى يوم الدين ، فلا تناقض في ذلك على الإطلاق . في ذلك يقول تعالى  وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 7  الحشر ، هذا أمر نافذ لا خيار فيه لأحد .
وبالله عليك ،، فقط كلمة حق بينك وبين نفسك ،، إذا كانت لهذا النبي الكريم هذه الملكة الفريدة العالية القدر في النظم ، بحيث إستطاع تأليف هذا القرآن المجيد "كما تقول" ، والذي أعجز الجن والإنس معاً "كما يقولون" ، فلماذا إذن في رأيك لم يستطع تأليف أحاديثه بنفس القدر والمستوى من النسق والإعجاز والبياني والتركيب اللغوي الذي ألف به ذلك القرآن ، الذي لا ولم ولن يستطع بشر أن يأتي به ؟ ولماذا في الأساس لا ينسب كل هذا الفضل والإبداع البلاغي المبين لنفسه بدلاً من أن ينسبه لغيره ،، أعني - كأن يدعي الألوهية مثلاً كما فعل فرعون والنمروز أو الكهانة أو الزعامة ,,, ؟ ولماذا لم يستفد "شخصياً" من هذا التفرد في العلم والفلك وعلم التشريح وخبايا النفس البشرية سرها وعلانيتها ، وشتى أنواع العلوم الحديثة وأعلن نفسه عالماً وفقيهاً ومبتكراً وهو جدير بكل ذلك بشهادة أعدائه ؟ ولكن حقيقة هذا النبي أنه كان دائماً يقول لأصحابه (إنما أنا بشر مثلكم ، يوحى إلي ، أنما إلاهكم إله واحد ...) ، لا أختلف عنكم إلا بهذا الوحي المكلف به من عند الله خالق كل شيء ، فلم يقل أعبدوني من دون الله أو أدفعوا لي أجراً أو إجمعوا لي خراجاً أو خصصوا لي راتباً ،،، الخ ، بل على العكس من ذلك كله ، كان يقول عن نفسه إنه (عبد الله ورسوله) ، ولم ينصب نفسه زعيماً أو رئيساً أو حاكماً أو إمبراطوراً أو ملكاً على الرغم من أن له كل المقومات والفرص التي تؤهله لقيادة الكون كله بعون الله تعالى ،
2. لقد قلت أيضاً: (... وذلك أن النبي أرسل دحية الكلبي بكتاب منه إلى قيصر ملك الروم بالشام ، وقلت أيضا إن هذا لم يكن في أول الأمر قرآناً ثم جُعِلَ قرآناً) ،، هنا لمحة تستحق منا وقفة تأمل وتحليل فنقول ،، هل لنا أن نسألك من أين أتيت بهذا التأكيد والجزم ؟ إن قولك هذا يناقض واقع موقفك الأساسي من أن هذا القرآن كله من تأليف "محمد" وليس وحياً من عند اله تعالى ، فإذا كان ذلك كذلك – فما أظنه يغير لديك من الحقيقة شيئاً أن يكون "الكتاب" منه إلى قيصر كان في الأول قرآناً أم أنه "جعل" فيما بعد قرآناً ما دام أنه في الحالتين "من تأليف النبي محمد" ؟ إلا إذا كنت صادقاً في معتقدك بأن "القرآن" إنما هو وحي من االله تعالى وأن "الكتاب" لقيصر كان من عند محمد اليس هذا التحليل فيه شي من المنطق مقبولاً لديك ؟؟ وفي نفس السياق نقول لك "من أدراك أن هذا في أول الأمر لم يكن قرآناً ثم جعل قرآناً بعد ذلك ؟) ، فإن كان كما قلت قد "جُعِلَ قرآناً) في الأول أو فيما بعد ، فالأمر سيان لأن الذي جعله كذلك هو الله تعالى ، فهو وحده لا شريك له الذي يجعل ويترك ، فهو لا يُسألُ عن ما يِفْعَلُ وهم يُسألون .
فإن حدث هذا وكان في الأول من عند محمد ، فهو أمر طبيعي وبديهي لا غضاضة فيه بأن يُشَرِعَ النبيُ محمدٌ تشريعات لم ترد تفاصيلها بالكامل بالقرآن ، على سبيل المثال لا الحصر ، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا...) ، فإذا صلى أي مسلم بوضوء كما جاء بهذه الآية دون إلتزام باقي شروط الوضوء وفق تشريع محمد فإن طهارته تكون ناقصة وبالتالي فإن صلاته غير مقبولة منه و"باطلة" ، وكما تلاحظ هنا في هذه الآية الكريمة أن الإغتسال من الجنابة ورد مجملاً وغير مفصل فيه كيفيه أداؤه ، وكما تعلم فإن للغسل من الجنابة شروطاً وأركاناً وسنن ومستحبات ومكروهات) فمن أين جاءت كل هذه التفاصيل إن لم يشرعها النبي الكريم بالصلاحية والتفويض الذي أعطاه له ربه ، ثم بالوحي الذي لم تنحصر مهمته في تنزيل القرآن فقط ؟ كما تلاحظ فالأمر لا شبهة فيه ، بل كثير من آيات وسور القرآن جاءت معالجة لإشكالات وأحداث وتصرفات وقعت من النبي نفسه أو بعض أصحابه أو حتى بعض أعداء الإسلام وقت التنزيل فينزل فيها قرآناً مثلاً قوله تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى ...) ، وقوله (يسألونك ماذا ينفقون قل العفو ...) ، وقوله عن من أخذ عظماً قديماً وفتته أمام الرسول الكريم قائلاً له "هلي يحيي ربك هذا العظم بعد أن صار رميماَ؟) فنزل بالقرآن قال الله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحيِي العِظام وَهِيَ رَمِيم * قُلْ يُحْييها الّذي أَنْشَأَها أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيم ﴾ ، وغيرها كثير كثير ،
3. هنا لي سؤال يحيرني: هل أبداً وجدت في كل سور وآيات القرآن الكريم أي ذكر أو تمجيد لغير (الله تعالى الواحد الأحد ، رب آدم ونوع وإبراهيم وداود وسليمان ، ويوسف ، وموسى وهارون ، عيسى بن مريم ومحمد ؟؟) هل رأيته أنه نسب القرآن أو الفضل أو العلم أو التورات أو الإنجيل لشخصه أو لأحد غيره سوى الله تعالى ؟ وهل رأيت فيه من هذا النبي أي تصغير أو تحقير أو تفريق بين أنبياء الله ورسله أو الإساءة إلى أي منهم (من لدن آدم إلى عيسى عليه السلام) ؟ يكفي هنا أن ترد على نفسك بنفسك وكفى ، لأن الإنسان يمكن أن يخدع كل الناس ولكنه لن يخدع نفسه إطلاقاً إلا إذا كان معذوراً بسفه أو جنون .

ثالثاً: نحمد لك كثيراً أنك جئت بنص رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم بالشام ، والملاحظ أنك حرصت كثيراً على أن تضع التشكيل على الحروف وهذا أمر مقدر بغض النظر عن نيتك وقصدك ، الذ نحسبه حسناً والله أعلم بك وبه ، وقد جاءت هكذا:
بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى. أمّا بعد، فإني أدعـوك بدعاية الإسلام . أسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤتِكَ اللهُ أجْرَكَ مرتين. فَإنْ تَوَليْتَ فإنما عليك إثْمُ الأريسيّينِ ، ويا أهْلَ الكِتَابِ تعالَوْا إلىْ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بيننا وبينَكُمْ أنْ لا نَعْبُدُ إلّا اللهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئَاً ولا يَتَخِذُ بعضَنَا بَعْضَاً أرباباً من دُوْنِ اللهِ، فإنْ تَوَلّوْا فقولوا اشْهَدُوْا بأنّا مُسْلِمُونَ)) ،
1. لعله قد فاتك أن تلاحظ أن الكتاب ألذي أرسله النبي الكريم لم يكن بإسم "محمد بن عبد الله" أو بإسم "رسول الله" ! ،، بل كان "بسم الله الرحمن الرحيم" ، رب محمد الذي كلف نبيه ورسوله بأن يقوم بدعوة قيصر إلى الإسلام في الزمان والمكان الذين أمر بهما الله تعالى وليس وفقاً لإختيار أحد غيره أو معه ، وحتى السفير الذي إختير لحمل الرسالة لعله لم يكن من إختيار محمد ، وحتى إن كان من إختياره فهذا لا يخرج عن دائرة إختصاصه وتفويضه ، إذ ليس كل ما جاء به الوحي للرسول الكريم "قرآناً" يتلى فقط ، فما دام أن الكتاب من الله تعالى ، وأن محمداً هو نبي الله ورسلوله فمِن البديهي أن يُرْسَلَ هذا الكتاب عنه "تكليفاً من الله" ولكنه في الأصل بإسم الله تعالى الذي بعثه رسولاً للعالمين ، سوءً أكان ذلك إلى قيصر أو إلى غيره ،
2. ولعلك لم تلاحظ الأسلوب المؤدب المهذب الراقي في مخاطبة النبي الكريم قيصراً ، إذ أنه لم يقدم نفسه لقيصر بأي ألقاب أو كنيات لشخصه ،،
• لم يقل له مثلاً (من عظيم العرب ، أو من ملك أو سيد العرب ، أو من إمبراطور قريش أو حتى من نبي الله ورسوله ،، ) ، لأنه لم يؤمن به بعد ومن ثم لا يليق أن يفرض لقبه عليه قبل قبول الدعوة والتصديق به ،
• كما أنه لم يخاطب قيصراً بإسمه فقط مجرداً ، كأن يقول له مثلاً (إلى قيصر أو إلى هرقل ، أو إلى ملك الروم أو إلى الكافر أو إلى عدو الله أو ...) ، بل على العكس من ذلك ، فقد خاطبه بكل ألقابه التي تميزه وترفع قدره وشأنه ، وحفظ له مقامه وكل ألقابه قائلاً له (إلى هرقل عظيم الروم) ،
• لكنه ، لم يداهن أو يجامل بالسلام ويطلقه دون ضوابط شرعية ، لأن السلام الذي يعنيه بالكتاب إنما هو "السلام من الله تعالى" وليس من عنده هو كَمُرْسِلٍ للكتاب ، فالسلام الذي يتعامل به حتى مع الوثنيين ناهيك عن أهل الكتاب والمؤمنين منهم هو سلام السِلْمِ والأمْنِ والمسَالمَةِ ، لذا كره أن تكون الرسالة بدون تحية ، ولكنه خشي أن يُبَلِغَ السلام من الله تعالى إلى من لا يستحقه ،، لذا كان قوله "سَلامٌ على من إتبع الهُدَىْ" ، والهُدَىْ الذي يقصده ليس هُدَىْ الإسلام لأتباعه فقط بل هُدَىْ الإسلام لجميع ولد آدم من أتباع الكتب السماوية المخلصين (توراة وإنجيل وفرقان) ، بحيث أن القيصر إن كان على أي هدى من ذلك بلغه سلام الله تعالى وإلا ، فتكون التحية المتوازنة قد وضعت في الإعتبار ولم ترسل الرسالة بدون تحية ،
• ألم تلحظ أسلوب الدعوة التي وجهها عبد الله ورسوله إلى قيصر كيف كانت ؟ هل لاحظت أن الذي يخاطب هرقم لم يكن محمداً بشخصه ولا من عند نفسه ، ولكنه نَقْلٌ أمِينٌ لخِطَابٍ مباشرٍ من اللهِ الذي أرسَلهُ به ،، كأن الله تعالى يقول له على لسان رسوله: إني ربك ، أعرض عليك فرصة عمرك إن كنت ممن إتبع الهدى (أسْلِمْ ...) ، بقبول الدين الخاتم الذي إرتضاه ربك ، (... تَسْلَمْ) من عذابه يوم الدين ، ليس ذلك فحسب ، بل و(... يُؤْتِكَ أجْرَكَ مَرتَيْنِ ...) مرة لنفسك على إيمانها وتخليصها ، ومرة أخرى على إيمان شعبك الذي لا شك في أنه سيسلم بعد إسلامك وبسببه ،، (... فإن تَوَليْتَ ...) ورفضت الدخول في دين الله وإرتضيت بما أنت عليه فهذا شأنُكَ وإختيارُكَ لنَفْسِكَ وأنت حر في ذلك الإختيار ، ولكن تذكر أنه ستكون عليك تبعة ذلك ، (... فَإنَ عَليْكَ إثْمُ الأريسيِيْنَ ...) من شعبك لأنك فوت عليهم فرصة الإيمان والهداية ، ذلك طبعاً بجانب إثمك عن نفسك ،، ثم يعمد "الكتاب" بعد ذلك إلى مخاطبة الصادقين من أهل الكتاب كافة قائلاً لهم : (... يا أهل الكتاب ...) من يهود ونصارى ، "يناديهم بلقبهم المحبب إليهم وإليه وإلى الله الذي أنزل عليهم ذلك الكتاب المقدس" ، ويعرض عليهم الإتفاق على الحد الأدنى من المسائل التي يستوون عندها كلهم وهي حق الله عليهم جميعاً ، ألا وهي "توحيد الله تعالى خالق السموات والأرضين وخالق كل شيء" ، "وعدم الإشراك به شيئاً" ، فيقول في ذلك: (... تَعَالَوْا إلى كلمةٍ سوآءٍ بيننا وبينكم ...) بِنِديَةٍ ، كلنا فيها مستوون ، إذ أن كل الكتب السماوية تعرف أن العبادة لله الواحد القهار وحده لا شريك له ، بهذا جاءت التوراة وجاء الإنجيل وكذلك القرآن ، ولهذ أرسل الله أنبيائه ورسله موسى وعيسى وغيرهم ممن جاء قبله ثم محمداً الخاتم ،، واستأنف قائلاً لهم مقترحاً (... أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ...) ، ليس ذلك فحسب ، بل (... ولا يتخِذَ بَعْضُناً بعضاً أرباباً من دون الله) ، كلنا عبيد لخالقنا وهو وحده سيدنا ومولانا – أرجوا أن تلاحظ معي أن هذا العرض خياري لا إكراه فيه ولا تضييق أو إحراج لأحد والمقصود منه إعطاء البشر أنفسهم فرصة لمراجعة النفس وإتقاء غضب الله وعذابه ،
• ألم تتدبر وتتفكر في خاتمة هذه الرسالة (الكتاب) بموضوعية لتعرف وتتيقن تماماً أن الكتاب لم يكن من تأليف وإعداد محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يقم بإختيار أي من كلماته ؟ وإنما كان دوره تبليغاً عن الله تعالى ، وهنا الخطاب واضح أنه من الله تعالى مخاطباً نبيه ورسوله والمؤمنين به مؤكداً لهم أن مهمتهم تنتهي عند هذا الحد "حد التبليغ فحسب" ، ولا سلطان لهم على أحد ، فإذا إستمع القيصر وأهله لكم وإستجابوا لنداء الله وأنقذوا أنفسهم من موارد الهلاك فهذه هي الغاية ، وإن تولوا عن الحق والإستجابة له فلا سلطان لكم عليهم ولا مؤاخذة عليكم من الله ، فقد أديتم ما طلب منكم ، فقط أنهوا المهمة بأن تُعْلِمُوْهُمْ وتُشْهِدُوْهُمْ بأنَكُم مُسْلِمُوْنَ لله ربكم وخالقكم ، وكفى ،، فيقول في ذلك: (... فإن تَوَلَوْا فقولوا أشْهَدُوْا بِأنَاْ مُسْلِمُوْنَ) ،
• هل لاحظت في هذا الكتاب الكريم أي تهديد أو وعيد أو سؤءَ أدبٍ في الخطابِ وفي العرض ، أو تَعَاْلِيَ وإسْتِكْبَارٍ أو إسْتِعْرَاضٍ للقوة أو السلطان ، أو تلويح بالحرب أو الإكراه أو العدوان ؟ لا والله حاشا أن يكون ذلك أبداً ،
• هل لاحظت أي تشنج أو إدعاء أو تكبر أو إرهاب بالقول أو الفعل أو التلميح أو فرض الدعوة بالإكراه ؟
• هل إدعى نبي الله محمد بن عبد الله أي لقب أو مجد أو أي مقابل مادي أو معنوي لنفسه أو على الأقل هل عرض نفسه عليهم نبياً أو رسولاً ؟ علماً بأن هذا هو لقبه الحقيقي ، ولكنه إحترم المخاطبين الذين لم يعترفوا له بذلك بعد ،
إذن الكتاب بدء "بإسم الله الرحمن الرحيم" ، فخاطبت "خلق الله" عارضاً عليهم صفقة العمر ثم ترك لهم الخيار في أن يقبلوا أو يتولوا بحرية كاملة وإختيار أصيل ، ثم إنتهت بأمر الله تعالى لرسوله وللمؤمنين بأن يشهدوا غيرهم بأنهم مسلمون وتنتهي القضية على ذلك . وبنفس المعايير عرض محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام على الناس كافة ودعاهم "إختياراً" لا إكراه فيه إلى الإستماع إلى ما أوحاه الله إليه لإنقاذ البشرية من ما ينتظرها من عقاب يوم القيامة ، يقول الله لنبيه الكريم فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ  - الغاشية ، وقوله  وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ  لا عليك مهما كانت ردود أفعالهم ، فقط أد مهمتك وأترك الباقي إلى ربهم . ويقول تعالى }...لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { .

رابعاً: إن مجرد السؤال عن فعل الله تعالى لشيء أو تركه له ، مثلاً كقولك: (لماذا لم يجعله قرآناً في أول الأمر ... الخ) هذا سؤال لا يليق بالصادقين من أهل الكتاب عموماً أن يسألوه لأنهم يعلمون يقيناً أن "الله تعالى لا يسأل عن ما يفعل وهم يسألون) ، فهذا السؤال لا يمكن أن يصدر من عاقل ، لذا سأتركك تراجع هذا الأمر وترد عليه بنفسك لنفسك ، وكفى .

أما سورة الصف ، التي نراك تقف عند بعض آياتها (5 ، 6 ، 7) ، أسمح لي أن أعرضها هنا بكاملها حتى يكون النقاش حولها على بينة كاملة ،، لأن كل سورة في القرآن لها موضوع متكامل تتحدث عنه وتبينه بكامله ، ومن ثم فإن النظر إلى آية واحدة يعطيك مدلولها وغايتها "كآية بينة" ولكنك ستقف على دورها في بنية وغاية السورة ككل في موقعها بين الآيات . وقد لاحظت أن سبب وقوفكم عند بعض الآيات التي ذكرتها لأنكم نظرتم إليها منفردة ،، على اية حال ، إليك بالسورة كاملة:
بسم الله الرحمن الرحيم
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿1﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴿3﴾ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ﴿4﴾ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿5﴾ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴿6﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿7﴾ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴿8﴾ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴿9﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿10﴾ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿11﴾ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿12﴾ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿13﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴿14﴾
لاحظ هنا أن السورة تتحدث عن "موسى وقومه" ، و "عيسى وبني إسرائيل والحواريين" وليس عن محمد وأتباعه !!!
أولاً ، وقبل كل شيء أود هنا أن أجدد لك إلتزامي بعدم الرد على الضعاف الذين لا حيلة لهم ولا عزم ، أولئك الذين يتفننون في سب الكرام قبل اللئام ولا يملكون سوى إرهاب الناس فكرياً وإقتصادياً وإجتماعياً وعقدياً ، فمثل هؤلاء أشحة على الخير يصفهم الله تعالى بقوله: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) ، إنني لن أدافع عن النبي الكريم محمد لأنني إن فعلت أكون قد إفتريت عليه وجعلت نفسي أقوى منه ولكنه ليس كذلك ، فالله وحده الذي يدافع عنه حياً أو ميتاً ، ألم تسمع قول الله تعالى: (... والله يعصمك من الناس) ، أما القرآن الكريم فيكفي قوله تعالى (إنا نحن نزلت الذكر وإنا له لحافظون) . ولكن حق الناس "كل الناس" علينا أن نبين لهم نور الحق ، ومزالق الباطل ، هذا واجبنا الذي كلفنا به الله تعالى ، ثم نترك لهم الخيار كاملاً لأن الله تعالى قد أعطى هذا الحق لكل إنسان ، "فمن يتجرأ على أخذ شيء من حق أعطاه الله تعالى له ؟ إلا أن يكون سفيهاً بين السفه" .
فيا أخي: العبارات الحاقدة مثل (قلة الحيلة المحمدية) و (التقصير في الدهاء المحمدي) ،، وغير ذلك من العبارات التي تفوح منها رائحة العبث بالآخرين سيكون ردها من الله قاسياً رهيباً مفحماً ،، لذا فلنعود إلى قاعدة الأداب العامة والسلوك الحضاري في طرح الأسئلة للتحليل الموضوعي بالتجرد والشفافية ، التي تشهد لمن تحلى بها بالحضارة والتمدين" ، ونحن من جانبنا مستزمون بذلك تأسياً بخلق محمد صلى اله عليه وسلم . يقول تعالى: (... ولا يَجْرِمَنكُمْ شَنَآنَ قَوْمٍ عَلَىْ أن لَاْ تَعْدِلُوْا ، إعْدِلُوْا هُوَ أقْرَبُ للتَقْوَىْ) .

قبل الدخول في سورة الصف أو غيرها ، واضح أن المحاورين لديهم إشكاليات منهجية لا بد من التعرض إليها بهدوء وروية حتى نصل إلى معايير متفق عليها بين كل الأطراف لنناقش بها القضايا الأساسية المتعلقة بها وما لحق بها من إشكالات فهم بيانية عند البعض الآخر .
في البدء : دعنا معاً نفرض على سبيل المثال أن إحدى القنوات العربية أزاعت خطاباً للرئيس الإسرائيلي باللغة العبرية على مشاهدين غالبيتهم من العرب الذين لا يعرفون العبرية ،، ما تقييمك لهذه القناة ؟ هل ترى أنها تؤدي دورها الإعلامي بهذه الطريقة بصورة صحيحة تحقق لها غايتها من إزاعة ذلك الخطاب ؟
فإذا أرادت توصيل ما بالخطاب لهؤلاء المشاهدين العرب بدقة كبيرة ، وكانت حريصةً على إيصال المعنى كاملاً ودقيقاً ، ما الذي ستفعله هذه القناة ؟ أهناك طريق أوثق من ترجمته للغة العربية حتى تضمن توصيلة لمشاهديها بالقدر من الشفافية والأمانة المهنية المطلوبين ؟
دعنا نفترض أن الترجمة لم تكن دقيقة بما يكفي لضعف قدرات المترجم أو عدم إيلاء القناة الأهمية الكافية لجودة الترجمة وإكتفت بإيراد المعنى العام دون التفاصيل البلاغية والصياغية والتراكيب البيانية ، هل ستكون الترجمة مقنعة للمشاهدين وكافية للنقاد والباحثين والمراقبين ، وإستخدامها كحجة ومرعج ؟
إذن الآن: ماذا يكون الحال لو كان المترجم خبيراً باللغتين العربية والعبرية وذو قدرات عالية في فهمهما وإفهامهما والتعامل بهما ومشهود له بها وموثوق من الجانبين العرب والعبرانيين ، كما يحدث في الترجمة الفورية مثلاً ، هل يشك المشاهدون في ما يسمعون من نص عربي أصله عبري ؟ وهل هذه الترجمة ستعكس غير الواقع الذي صوره الخطاب رغم إختلاف اللغة التي صيغ بها والتي قدم بها ؟
إذن لم يُنْكِرُ الناسُ على الله تعالى "علام الغيوب" أن ينقل قول موسى أو عيسى عليهما الصلاة والسلام باللغة التي يرتضيها ، ثم تبليغها بدقة لقوم من العرب معاندين بلغتهم العربية وتفويت الفرصة عليهم بالإدعاء بأنهم لم يفهموا قول موسى أو عيسى لأنهم ببساطة لا يفهمون اللغة العبرية أو غيرها ، خاصةً إذا كان الله سيقيم عليهم الحجة بتبليغهم رسالته بلغتهم التي يتقنونها ويفهمونها فيريهم تاريخ الأمم السابقة وما ألم بها نتيجة عنادها حتى يتعظوا ويعودوا إلى رشدهم ويتركون عبادة الحجارة الصماء الخرصاء البكماء ؟ إحتفظ بردك لنفسك ،
علماً بأنه لا ينبغي لأي نبي أو رسول أن يقول أو يفعل شيء إلا بوحي من عند ربه الذي أرسله للناس ليوصل لهم مراده وباللغة التي يفهمونها ويتقنونها ، فإن مُصَدِرَ المعلومة والقول أساسه الله تعالى ومن عنده مباشرةً ، لذا فلا غضاضة في أن يحكيه عليهم بالعربية ،، ومن أصدق من الله قيلاً ؟؟؟ .
إذن: ما قاله موسى عليه السلام لقومه بلغتهم التي يفهمونها هو بالضبط الذي كانت ترجمته بالعربية هكذا: (... يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين) ، ففهم قوم موسى ما قاله لهم بلغتهم ، كما فهم قوم الرسول محمد من الله مباشرة قول موسى لقومه "بالعربية التي يفهمونها" فإين الإشكال إذن مادام الخطاب في كل الأحوال من الله وليس من عند الرسل بذاتهم ؟
نفس الشي من قول عيسى ابن مريم عليه السلام لقومه بني إسرائيل بالعبرية هو نفس المعنى بالعربية في قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ 6﴾ - الصف ،
ففي كل الحالات والأحوال الذي يتولى صياغة النص العبري أو غيره هو الله نفسه ،، ومن أصدق من الله حديثاً ؟ فلا دخل لمحمد في أي من النصوص التي جاءت على لسان إخوانه من الأنبياء والرسل ولا حتى في النصوص التي جاءت على لسانه العربي المبين ، فكله وحي يوحى إليه من عند ربه .
أما بشارة موسى وعيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم فهي معترف بها من المخلصين الصادقين من أهل الكتاب ، ويجحدها الكافرون منهم وهم ألد أعداء موسى وعيسى وجميع الأنبياء والمرسلين والصالحين . قال عبد الله بن سلام بن الحارث (حين أسلم بعد أن كان يهودياً من بني قينقاع) رداً على من سأله عن محمد النبي الخاتم ، هل كنت تعرفه ؟ قال: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشد . وقال إنه قد يشك في نسبة ولده إليه , ولكنه لا يشك في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأه في كتبهم , فأبن سلام صحابي جليل وكنيته أبو يوسف ، هو من ذُرِّيـة يوسف عليه السلام وهو "الإمام الحَبْر، المشهود له بالجنة .
يقول الله تعالى في سورة البقرة: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 146 .
والآن لو إتفق أن جاءكم رسول الله محمد بن عبد الله النبي الأمين ، لعله يقول أيضاً ما معناه (... يا أهل الكتاب لم تؤذونني وقد علمتم أني رسول الله إليكم ، فإن زغتم أزاغ الله قلوبكم والله لا يهدي القوم الفاسقين) .
فبالله عليك أسمح لي بهذه الملاحظة المنطقية البسيطة: هل النبي محمد بهذه الدرجة من السذاجة بأن يعرض نفسه إلى أطياف من الهجوم والتكذيب لمجرد "إدعاء" ورود شيء في كتب خصومه التي لا يعرف عنها شيئاً قبل الرسالة فيدعي أن إسمه وارد في التوراة والإنجيل إن لم يكن ذلك وحياً يوحى إليه ؟ وبالمنطق البسيط ، لو فرضنا "جدلاً" أنه كان إدعاءً من عنده ، وأن السذاجة بلغت منه أقصاها لدرجة أنه لم يتحسب من العاقبة التي ستأتيه من أحبار أهل الكتاب ،، فلماذا "بالله عليك" لم يطلق على نفسه الإسم الذي إدعاه (أحمد بدلاً عن محمد) ، لماذا لم يسمي نفسه "نبي الله أحمد" بدلاً عن "رسول الله محمد" ؟؟؟ ، أو على الأقل لو فاتت عليه هذه الملاحظة "فرضاً" (فلماذا لم يتداركها عندما كتب القرآن من عنده "كما تقولون" وعدل البشارة بأن تكون مثلاً (.... ومبشراً برسول بأتي من بعدي اسمه "محمد)!!؟) ، لا أريد منك إجابة بل أترك لك الإجابة على نفسك بنفسك ، وكفى فأنت رجل "كاتب" ولعلك بباحثاً ، وقد تكون أديباً ،، فهذه الملكات كافية بأن توصلك إلى الحقيقة إن كنت تنشدها حقاً .
أما سورة الصف التي إعتبرتم بعض آياتها محور لمقالاتكم ، فهي بحق كلها تدور حول موقفكم وتصف حالكم جملةً وتفصيلاً ، لذا أنصح لكم كثيراً بأن تتفكروا بكل حرف ورد في جميع آياتها الأربعة عشر وستجدونها تلائمكم تماماً لأن فيها الإجابة على جميع إستفساراتكم ، وسترون مدى صدقها في كشف الحقائف ، وفضح خبايا وخفايا الصدور .

أما مماحكة أرض الموعد التي وعد الله بها أبرام أو إبراهيم فهذا جدل لا معنى له ، إذ أن وجود المسجد الحرام الذي سبق وجود المسجد الأقصى بأربعين سنة كما جاء في الحديث الشريف . ونسبة المسجد الحرام لنبي الله إبراهيم عليه السلام تنفي نفيا قاطعاً مزاعم هيكل سليمان وذلك لأسبقية إبراهيم التاريخية . ومعلوم أن اليهود ظلوا يحاجون في إبراهيم بالرغم من سبقه التاريخي للتوارة وبالتالي للإنجيل ، كما جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم إذ يقول الله تعالى في سورة آل عمران :  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ 65  هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 66  مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 67 إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ 68 . إذن فهذه الحجته داحضة لا معنى لها ولا وجود .
أما قولكم بأفواهكم عبارة: (... علماً بأن الكتاب المقدس قد إنتهت كتابته وإلى الأبد وأصبح منتشراً في سائر أرجاء المعمورة قبل ولادة رسول الإسلام قبل 600 سنة) ، نقول إن هذا قول يلزمه تأكيد والتأكيد يلزمه دليل مادي عليك بإيراد ذلك الدليل حتى نبدأ معك فيه حوارنا المنهجي المنطقي ليكون قائماً على دعائم موضوعية مقنعة لنا ولك وللمراقبين ، ولكن إلى ذلك الحين نطرح عليك سؤالاً بديهياً: أي من الكتب المقدسة التي "تعج بها الساحة اللآن" تقصد ؟ ذلك الكتاب الذي يجمع عليه كل أهل الكتاب بإعتباره المرجع الوحيد لهم والمتفق عليه تماماً من قبلهم ؟؟ في إنتظار ردكم الكريم .

يا أخي: معلوم في أدبيات الحوار الحضاري خاصة بين العلماء والمثقفين وأهل البيان أن اللجوء للتشنج والسب والإهانة والإدعاءات والإتهامات بلا دليل ولا برهان له ولا عليه إنما يعتبر مرفوضاً ، وتدل هذه الصفات الذميمة على الإفلاس الفكري وخواء الوجدان وعدم المقدرة على توصيل الفكرة بمقارعة الحجة بالحجة ، مما يجعل المسألة تدور في إطار السفه والجدل البغيض الذي يوغر الصدور ولا يوصل إلى شيء إلا الخراب والصغار . وما دام أن المحاور الكريم يعجب بالردود الهادئة والصائبة ، فلماذا إذن ينقلب على عقبيه ويلجأ إلى نقيض ما يحبه ويعجب به ؟ إن من يأتي بذلك إنما يحكم على نفسه بالهزيمة قبل النزال وبالضعف قبل أن يحمى الوطيس . يقول الشاعر (لا تَنْهِ عن خُلُقٍ وتَأتِ بمِثْلِهِ ، عَارٌ عَليْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيْمُ) ،

الآن ،، دعنا ننطلق إلى الأمام قليلاً في قضيتك الأساسية وهي (جرائم هذا النبي وأتباعه في حق البشرية جمعاء) كما تقول وتصف ، وطبعاً الجرائم التي تتحدث عنها إنما كانت في حقك بصفة خاصة وفي حق البشرية كلها بصفة عامة ، إذن فلنر معاً إن كان حقاً قد تجاهل السيد أحمد بصلافة حقوقك وحقوق الآخرين من البشر أم لا .
أولاً: أنت حتى الآن لم تعرف السيد أحمد بشخصك كما تقول ، بل أشرت إلى شريحة أو طائفة في وطنك سوءً أكانت أكثرية أم أقلية ، على أية حال:
1. يسعدنا أن تعرفنا بشخصيتك أكثر ثم الأكثرية في وطنك التي تنتمي إليها ،
2. ليتك تتفضل علينا بعرض خمسة جرائم فقط من آلاف الجرائم التي وقعت عليك من هذا النبي بصفة خاصة ومن أتباعه بصفة عامة ، فقط كن موضوعياً في طرحك وركز على الحدث لو تفضلت ،
3. ليتك أيضاً تذكرنا بغزوات المسلمين وجرائمهم في حق البشرية جمعاء في التاريخ القديم والحديث حتى نقف معك ضد هذه المظالم بمنتهى الشجاعة ونرد لك حقك بعد أخذه من الظالم ، وعلى فكرة لم يفرض الجهاد في الإسلام ضد الآخرين من غير المسلمين أتباع النبي محمد ، بل فرض للضرب على يد الظالم حتى لو كان ذلك الظالم "مسلماً من أتباع محمد" وإنصاف المظلوم حتى لو كان من أعداء الله بذاته ، يقول تعالى في ذلك وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9  - سورة الحجرات .
وذلك حتى نتحرك خطوة إلى الأمام في الحوار ، لعلنا نكتشف أنك على حق أو تكتشف أنت أن المسألة ليست كما تراها من زاويتك ، وفي حالة عدم تمكنك من تقديم مادة للحوار فستكون مشكلتك "في رأينا" وجدانية مفتعلة ومضخمة أكثر من اللازم ، ولا علاقة لها بالحق ولا بالباطل ، ولك ذلك طبعاً ، وأنت الذي سيقرر بحرية وإختيار أين تجد لنفسك القناعة .

أما في قولك إن الآية رقم 85 من سورة آل عمران في قوله تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85) ، بأنها قد نسخت الآية المكية (... لكم دينكم ولي دين) من سورة "الكافرون" ، نقول لك بأن هذه بلا شك نتيجة حتمية لعدم فهم سورة الكافرون إبتداءً ، ثم أيضاً عدم فهم هذه الآية من سورة آل عمران كذلك وإليك الدليل المادي على ما نقول وبالتفصيل الممل ،

أما عن سورة آل عمران تقول وبالله التوفيق:
إن أغلب العداءات والتشنجات التي يكنها الآخروين للإسلام ونبي الإسلام مبنية على مفاهيم خاطئة ومغلوطة لأن أصحابها يأخذون ظاهر الآيات ويبنون عليها إدعاءات ومفاهيم لا علاقة لها بتلك الآيات وكان الأجدر بهم أن يسألوا عنها الذين يفقهونها ليقفوا على حقيقتها ، وغالباً ما تكون هذه الآيات حقيقةً في صالح الذين فهموها خطأً وناصبوها العداء ، ومن هذه المفاهيم الخاطئة فهم كلمة الإسلام وإعتبارها "وهماً" بأنها تعني فقط "دين الإسلام الذي جاء به محمد".
أن مفهوم كلمة "الإسلام" له عمومية وخصوصية ، فهو يعني"في الشريعة الإسلامية" الاستسلام لله وحده والانقياد إليه والإخلاص له وحده ، فالإسلام هو دين الله ، ودين كل من أسلم وجهه وذاته وإرادته للخالق بغض النظر عن الكتاب السماوي الذي ينتمي إليه والنبي الذي يتبعه , والكلمة هنا "على الرغم من انها تشمل المسلمين اتباع الرسالة التي اتى بها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في خصوصيتها , إلا انها لاتقتصر عليهم فقط ، وإليك الآيات التي تؤيد وتؤكد ما نقول من رب موسى وعيسى ومحمد ، وهي قناعة كل أتباع محمد لأنها قرآن يتلى ويتعبد به ليل نهار يقول تعالى:
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ 83) ، كل من في السموات والأرض ، بشر بكافة أطيافهم وكتبهم ومذاهبهم ، وغيرهم من باقي الخلق الآخر ،
(قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 84) ، إذن على أتباع محمد أن يقرروا "شفاهةً" أنهم قد آمنوا بكل أنبياء الله ورسله دون تفريق بين أحد منهم من لدن آدم وحتى محمد ،
(ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ...) معناها من سلك طريقا سوى ما شرعه الله الذي نزل على كل من "موسى وعيسى ومحمد" وباقي الأنبياء والرسل فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ،
نوح وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام والحواريين كلّهم كانوا مسلمين، ودينهم الإسلام وإن تنوّعت شرائعهم بدليل الآيات التالية: في قوله عن إبراهيم:
(إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 131) ، (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 132) ، لله وحده لا شريك له ولا نظير ولا ند ،
(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 133 ) - البقرة ،
(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 67) - آل عمران ، (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِين 84) - يونس ،
وقوله عن بلقيس ملكة سبأ ، (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 44) - النمل ،
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ 114) - المائدة ،
فإذا كان دين الإسلام هو الدين المحمّدي فقط ، فكيف كان إبراهيم وبنوه والحواريون وغيرهم مسلمين ؟ وقد ظهروا جميعاً قبل الرسول محمد وشرائعهم تختلف عن الشريعة الإسلامية المحمدية ؟
إذن فهذه الآية تشمل أتباع كل رسول في زمانه ومكانه ، فنوح وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام والحواريون كلهم مسلمون ودينهم الإسلام وإن تنوعت شرائعهم ،
فالقاعدة العامة هي أن دين الإسلام مبنيّ على أصلين إثنين:
1. أن نعبد الله لا شريك له ،
2. وأنْ نعبده بما شرع من دينٍ جاء به آخر رسولٍ أرسله لذلك الوقت ، ناسخاً لما قبله ،
لذا كان أتباع موسى عليه السلام في دورته "قبل عيسى" ، العاملون بشريعته هم المسلمون ، حتى جاء عيسى عليه السلام فكان التابعون لشريعته في دورته "قبل محمد" هم المسلمون ، أما من بقي من أتباع موسى متمسكين بشريعته ولم يتبعوا عيسى عليه السلام انسلخ عنهم ذلك الوصف بأنهم مسلمون لعدم إتباعهم عيسى عليه السلام ، آخر خبي في ذلك الزمان ،
وهكذا لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، صار تابعوه هم المسلمون بالفعل وبالاسم معاً ، فأما كونهم مسلمين بالفعل ، لأنهم أتباع آخر رسول أرسل لذلك الوقت وعاملون بشريعته ، أما كونهم مسلمين بالاسم أيضاً لقوله تعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ 78) – الحج ،

أما مسألتكم مع سورة الكافرون نقول وبالله التوفيق:
أنها ليست كما ظننتم وإنما كانت حسماً لموقف طلت فيه اللجاجة والدوران في حلقة مفرغة ، وكان يلزمها قراراً حاسماً ينهي هذا الموقف الجدلي اليائي ، لذا جاءت هذه السورة الكريمة تيئيساً من الله تعالى لكل مشركي قريشٍ والمؤملين في تليين موقف النبي صلى الله عليه وسلم بعدم جدوى محاولاتهم الدؤوبة لصرف النبي محمد عن دينه فأكد الله لهم فيها تلك الإستحالة ووثق فيها تأصيلاً لحرية المعتقد للأفراد والجماعات بأن لهم أن يبقوا على دينهم ويستمروا في عبادة أوثانهم وأصنامهم إن آثروا ذلك ، ولكن بعد أن يعرفوا ويفقهوا مآلات إختياراتهم ونتيجة رفضهم الهدى وإستمرارهم في الضلال فهذا حقهم على النبي أن يبلغهم أمر ربهم ظاهراً بيناً ، وأكد لهم في نفس الوقت أنهم لم ولن يستطيعوا تغييره أو تغيير أتباعه عن دينهم الذي إرتضوه وإلتزموه ، فكل فريق حر في إختياره دون أدنى سلطان لأحدهما على الآخر بغض النظر أيهما على الحق وأيهما على الباطل ، فكلٌ له ما له وعليه ما عليه ، وهذا التيئيس يخفف من العدائيات إن لم يوقفها تماماً وهي إستراتيجية ذكية ثاقبة النظر .
والحيثيات: لم يترك مشركي قريش حيلة لم يفعلوها حتى يوقفوا تيار هذا الدين الجديد الذي سفه أحلامهم وهدد آلهتهم ومصالحهم التي يجنونها من تجارة الأوثان وخدمة الحجاج الذين يطوفون بالبيت ويتقربون للأصنام ليس ذلك فحسب ، بل قد ساوى بينهم وبين عبيدهم ، وحرم عليهم "وأد" بناتهم أحياءَ ، بل وحرم عليهم أكل الربا أضعافاً مضاعفة ومآكلته ، والزنا والخمر وأكل مال اليتيم ،،، الخ ، وقد حاولوا معه بالإغراءات فعرضوا عليه أن ينصبوه عليهم ملكاً ، وعرضوا عليه الزعامة المطلقة ، ثم الغنى حتى يكون أكثرهم مالاً ، ثم تزويجه بأفضل نساء العرب وأكرمهم نسباً وجاهاً ،،، فلم ينفع أو يُجْدِ كل ذلك معه شيئاً لان غايته واحدة لا تتغير وهي (إفراد الله بالعبادة دون سواه) ، ثم حاولوا معه التهديد والوعيد بالقتل والنفي وتأليب كل قبائل العرب ضده ،،، الخ فلم يجنوا من ذلك شيئاً . فكانت قولته المشهورة لعمه لما رأت قريش أن رسول الله يتزايد أمره ويقوى، ورأوا ما صنع أبو طالب به. مشوا إليه بعمارة بن الوليد. فقالوا : يا أبا طالب، هذا أنهد فتى في قريش وأجمله . فخذه وادفع إلينا هذا الذي خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل . فقال بئسما تسومونني، تعطوني ابنكم أربيه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل: يا أبا طالب قد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص منك بكل طريق . قال والله ما أنصفتموني ، ولكنك أجمعت على خذلاني . فاصنع ما بدا لك .
وقال أشراف مكة لأبي طالب إما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه . فإنك على مثل ما نحن عليه أو أجمع لحربنا . فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا ، حتى نهلكه أو يكف عنا ، فقد طلبنا التخلص من حربك بكل ما نظن أنه يخلص . فبعث أبو طالب إلى رسول الله فقال له يا ابن أخي ، إن قومك جاءوني ، وقالوا كذا وكذا، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني ما لا أطيق أنا ولا أنت . فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك . فقال والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه فقال أبو طالب:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وأبشر وقُر بذاك منك عيونا
ودعوتني، وعرفتُ أنك ناصحي ولقد صدقت، وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

الآن دعنا نستعرض سورة الكافرون فيما يلي كاملةً ليسهل علينا تحليلها ثم الحوار حولها:
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴿1﴾ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴿2﴾ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴿3﴾ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ﴿4﴾ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴿5﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴿6﴾ - صدق الله العظيم .

فقبل أن ندخل في التحليل هناك إشكالية لابد لنا من أن نتفق حولها ألا وهي كلمة "كافرون" .
سأسأل هنا سؤالاً مباشراً لكل من كان كتابياً (يهودياً أو نصرانياً) ، فأقول: بماذا تسمون كل من كان يعبد غيرالله "صنماً أو كوكباً أو حيواناً أو أي شيء آخر" من دون الله الواحد الأحد أو أشرك به غيره أو لم يعترف بوجود الله أصلا ؟ على العموم يسميه المسلم "كافراً بالله تعالى" أو "مشركاً" والشرك كفر ، فما بالكم أنتم ؟؟

هذه السورة الكريمة بإختصار قد حسمت أمر البراءة من الشرك والمشركين ، فهي تحدد الهوية وتؤسس وتمهد للنقاء من المخاطر المحدقة بالمؤمن . وهي إتفاق متوازن يحسم أمراً إستراتيجياً خطيراً ويقفل باب المماحكة واللف والدوران ، وقد نزلت هذه السورة في رهط من قريش قالوا‏ لرسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ "يا محمد هلم اتبع ديننا ونتبع دينك ، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فإن كان الذي جئت به خيراً مما بأيدينا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه ، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يدك قد شركت في أمرنا وأخذت بحظك فقال صلى الله ليه وسلم‏: (معاذ الله أن أشرك به غيره) فأنزل الله تعالى سورة الكافرون .
فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة فأيسوا منه عند ذلك‏ حيث جاءهم الرد حاسماً من الله تعالى بقوله للنبى صلى الله عليه وسلم:
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ 1﴾ ، ليس الخطاب للكافرين بدين محمد فحسب ، بل للكافرين بالله مطلقاً وبكل الكتب السماوية ، قال لهم: أنتم تعرفون جيداً أنني حالياً ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ 2﴾ ، فهذه حقيقة لا تحتاج منا إلى بيان ، وكذلك الحال بالنسبة لي فأنا أعلم يقيناً أنكم في الوقت الحالي لستم على ديني ، ﴿وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 3﴾ ، فهذه أيضاً حقيقة دامغة كل منا يعرفها عن الآخر ويتيقن منها . وما دام ذلك كذلك وكل منا عرف توجه الآخر وإصراره على موقفه ، إذن إعلموا منى يقيناً جازماً أبدياً "مؤصلاً" بأن هذه المواقف لن تتغير وسيظل كن منها على حاله حتى نهاية الدنيا ، ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ 4﴾ مستقبلاً ، ما حييت وإلى يوم القيامة ، ليس هذا فحسب بل ، ﴿وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ 5﴾ لأن الله قد ختم على قلوبكم لعنادكم وطردكم من رحمة الله إلى الأبد ، إذن لا تتعبوا أنفسكم وتتعبوا غيركم فيما لا طائل لكم منه ولا أمل فيه ، وتيقنوا من النتيجة الحتمية التي لا تستطيعون تغييرها إذن ، ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ 6﴾ ، وهذا هو حالنا وموقفنا من بعضنا البعض إلى أن نلقى الله تعالى عليه .
هذه السورة قد آيست المشركين من مجرد محاولة زحزحة المؤمنين عن دينهم وعقيدتهم . وبالتالي فهي بمثابة تحديد الهوية بصورة قطعية ، وهي كذلك تكون قد أبعدت أول خطر محدق بالمؤمن وهي طمع أهل الشرك والضلال في تغييره عن عقيدته الراسخة ودينه الحق .
• هل ترى هنا أي إرهاب أو سب أو إهانة أو فرض الدين بالقوة المادية أو بالخداع والمراوغة ؟
• هل هناك أرقى أو أعدل من أن تترك للشخص حرية المعتقد والإختيار حتى لو كان على باطل ظاهر ؟ ولكن بالطبع بعد أن توضح له كل تفاصيل الخيارات إيجابياتها وسلبياتها وتقيم له الدليل المادي على ذلك ، ثم تعرضها عليه عرضاً متوازناً أميناً ، ثم تترك له حرية الإختيار عن بينة وبشفافية بعيداً عن سلطان الهوى وعقد العصبية والتشنج ؟
• ألا ترى معي أن مفهوم كلمة "كافرون" ليس فيه إنتهاك لحقوق الإنسان أو التجني عليه أو إتهامه بما ليس فيه ؟ وأنها ليست مستخدمة من قبل محمد وأتباعه فقط ، وإنما مستخدمة أيضاً من قبل كل الصادقين من أهل الكتاب حيث يصفون بها واقع من إتخذ له إلآهاً آخر من دون الله تعالى أو أشرك معه غيره ؟
• هل لمحت هنا أي "نسخ" لسورة الكافرون بنزول الآية 85 من سورة آل عمران من قوله تعالى: (... ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ؟
الآن ،، وقد عرضنا عليك مدلولات كل من الآية 85 من سورة آل عمران ، ثم كامل سورة "الكافرون" ، أود سؤالك مباشرةً : إين حادثة "قتل أهلك وتشريدهم وتهجيرهم من وطنهم" كما تقول ؟ فإن كنت أنت وأهلك من أهل الكتاب المخلصين الصادقين (يهوداً أو نصارى) فإن الآية 85 من سورة آل عمران لك فيها ما لأتباع النبي محمد تماماً لأن الإسلام هو دين كل من "عبد الله وحده وأخلص له العبادة دون سواه" وإتبع أنبيائه ورسله دون تمييز ، وبالتالي لا يوجود هنا لحادثة قتل في الأساس ، ناهيك من وجود قتل أو تشريد لأحد حتى المشركين ،، أما إن عددت نفسك من الذين نزلت فيهم سورة "الكافرون" من عبدة الأصناب بمكة ، أيضاً لا وجود على الإطلاق بهذه السورة لحادثة "قتل أو تشريد أو تهجير لأحد من وطنه ، لأنها كفلت حرية المعتقد دون أن تكون هناك تبعة أو سلطان من أحد من البشر سوى (الله) وحده الذي بيده الثواب والعقاب . أما إن كان لديك مصدر أو مصادر أخرى غير هذها ليتك جئتنا به من آيات وسور فإننا نناشدك أن تأتينا به لأننا بحق نريد أن نريحك من هذا الإحتقان الشديد الذي خبرناه من موقفك . لذا أؤكد لك أن في شريعة أحمد حقيقةً أن: (الساكت عن الحق شيطان أخرس) ، ولكنن على ما أعتقد أن هذه ليست في عقيدة أحمد فحسب بل هي في عقيدة كل أنبياء الله ورسله ،، فإن كانت لك شريعة غير هذه فأتنا بها لندخلها في تحليلنا وحوارنا الهاديء .
خامساً: قولك بأنكم أنتم (الكتاب) لا تعرفون محمداً شخصياً وأنه قد مات ،، إن هذا القول لا يحتاج منك إلى تقرير أو دليل لأنه واضح من هجومك عليه بالسباب والغضب منه وكيل الإتهامات غير الكريمة لشخصه الكريم وأتباعه بكل ما يقدح به فكرك من الكلمات والعبارات التي تنضح كراهية وعدواناً رغم أنك "كما قلت" لا تعرفه ، ولم يشفع له عندك أنه قد مات قبل (1500) سنة خلت ، لا لشيء إلا لأنك قد كتبت الموجود في التراث الإسلامي ،، ولكن - أسمح لي أن أهمس في أذنك بسؤال بدهي (بالله عليك ، برب موسى وعيسى وهارون ومحمد – هل هذا مبرر كافٍ لكل هذا العدوان ضد هذا النبي الكريم ؟؟) ، الذي أنت بنفسك قلت بأنك لا تعرفه إلا من خلال ما وجدته مكتوباً في التراث الإسلامي .
سادساً: من حديثك علمت أنك إنما تحاور "بالحجة والدليل والبرهان" ، وهذا أمر جميل منك إذا إلتزمته بصدق ، وها أنت تتحدث عن الكاتب المحترم الذي يأتي بالمراجع "من القرآن ، وما قيل في كتب التراث، وسائر العنعنات" على حد تعبيرك . والجميل في الأمر كله أيضاً أنك إلتزمت "ككاتب شريف" وقررت بأنك لا تقاوم الشر الإسلامي بالشر" إلا "عند الضرورة ودفاعاً عن النفس" ، وقد إشترطت ذلك الإلتزام منك بهذه المباديء "إن كان المهاجم شريفاً ، وأتاك وجهاً لوجه" ، "شأن العرب الأشراف قبل الإسلام" ، "وليس بالغدر أو بالإغتيال المحمدي الجبان الذي بات شأن العرب بعد الإسلام" .
في البدء أود أن أشكرك جزيل الشكر لأنك أطرت في هذه الفقرة لحوار جاد ومثمر ، كما أشكرك على تحديد ضوابط "كريمة" للحوار ، لذا ، وتأكيداً على إمتناني سأعتبر مقالك هذا بكل كلماته المحور الأساسي للتحليل الممنهج بكل الصدق والشفافية ، خاصة وأنك مشكوراً قد حصرت مراجعك في (القرآن والسنة بعنعنتها والتراث الإسلامي) فلننطلق بهدوء ، ولنتحاور بسلام وإحترام متبادل فإلى الساحة .
1. إن إلتزامك "بالحجة والدليل والبرهان" نؤيدك فيه ونؤكد لك أن لا نحيد عنه قيد أنملة ، فقط نأمل أن يكون الإلتزام قائماً ، وبعيداً عن الهوى والشنآن ،
2. تشير في مقالك أن هناك شراً ما قد وقع عليك ، وآذاك كثيراً ، وها أنت ذا قد إتهمت به الإسلام "كدين" بكامله إتهاماً مباشراً دون تحفظ بعبارتك: "الشر الإسلامي" ،، فهذا إدعاء أو إتهام مشروع لك من حيث المبدأ ، ولكن الإتهام الذي يعجز صاحبه عن إقامة الدليل "المادي" عليه يصبح "قذفاً" مباشراً يوجب المؤاخذة القانونية عليه . فالقاعدة العامة تقول (البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر) وهذا كما تعلم مبدأ عدلي عام ، كما أن أخلاق أهل الكتاب ينبغي أن تسموا عن ذلك ، على كلٍ ، ليتك تحدد لنا نوع وحجم هذا الشر ، ومتى وكيف وقع عليك من "الدين الإسلامي" بالتحديد ،، وليتك أيضاً تعطناً بعضاً من النماذج المادية "للشر الإسلامي" الذي إختص به – في نظرك - دون سواه من الإيديلوجيات والأديان والمعتقدات والمعتقدين بها ،، على أية حال ، لا ترهق نفسك كثيراً بالبحث والتنقيب ، يكفينا منك ثلاث حالات فقط من بين ملايين حالات الشرور الإسلامية التي تعرفها أو سمعت عنها أو قرأت ،،، فهلا تكرمت لنا بها أو ببعضها مشكوراً ؟
3. ما هي الضرورة القصوى التي أشرت إليها ، فإن كانت دفاعاً على النفس كما تقول ، فمن الذي يهددك بالتحديد (من نبي مات قبل 1500 سنة ؟ ، أم من أتباع له يبلغ تعدادهم الآن أكثر من ملياري مسلم منتشرون في كل أرجاء البسيطة ؟ أم من الدين الإسلامي نفسه ، مثلاً من (قرآن وسنة نبوية وفقه ؟) ، أم من ممارسات هنا وهناك بإسم الدين الإسلامي ؟
4. أما حديثك عن "المهاجم الشريف" ، كما تقول ، فها أنا ذا آتيك ، "ليس مهاجماً أو مدافعاً" ، وإنما أخاً في "آدم" عليه السلام ، محاوراً لك "وجهاً لوجه" بالفكر والعلم والحجة الدامغة والبرهان والتحليل المنطقي العادل والدليل المادي المنصف وبأعلى درجات الشفافية ،، وأعدك بأن لا ترى مني غدراً أو خبثاً ، ولكن ليس كحال العرب قبل الإسلام لأن هذا المفهوم للأسق خاطئاً عن حال العرب قبل الإسلام ، لأنهم لم يكونوا كما تصورت ولم يتحلوا بأي صفة من تلك الصفات الحميدة التي عددتها وأسهبت فيها ، لأنهم:
• كانوا في جاهلية ووثنية وسوء خلق ، لا يعترفون بكل الأديان السماوية بل كان كل ولائهم لحجارة نحتوها بأيديهم ثم عبدوها من دون خالقهم ، فظلموا بها كثيراً ،
• كانوا يتعاملون بالربا ، يأكلونه أضعافاً مضاعفة ظالمين بذلك الضعفاء والمحتاجين الذين يضطرون للإقتراض منهم فيصبح ذلك الدين سيفاً مسلطاً على رقابهم لا مجال لتسديد أصل الدين لأن الفائدة عليه تأخذ منهم كل ما يملكون ،
• كانوا يسترقون غيرهم ومن البشر بإتخاذهم إياهم "عبيداً رقيقاً" يباعون ويشترون كالسوائم أو السلع ، فلا يجالسونهم ولا يآكلونهم ولا يعترفون بإنسانيتهم وأدنى حقوق لهم كبشر ،
• كانوا يمارسون الميسر ، ويتعاملون بالأنصاب والأزلام ، ويعتبرون المرأة نجس خاصة إذا حاضت ، ولا يورثونها أو يورثون صغار السن من الورثة ،
• كانوا يئدون بناتهم بدفنهن أحياء تحت التراب بغلظة وقسوة ، يقول تعالى: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ 57﴾ ، ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ 58﴾ ، ﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ 59﴾ لأنهم لم يكونوا مأمونين على أعراض الآخرين فيخشون أن يؤتون في أهل بيتهم من نسائهم وبناتهم فيتخلصون منهن حتى لا يعرضون أنفسهم للعار إن أتين أو أتهمن بأنهن أتين بفاحشة ،
• كانوا يشربون الخمر ويقطعون السبيل سلباً ونهباً للقوافل ، ويغيرون على القبائل لنهبها وإزلالها أهلها وقهر رجالها وسبي نسائها ،،، هل هذه هي الصور المثالية التي تمتدح بها العرب قبل الإسلام ؟ أما أن لديك صوراً كريمة أخرى وفاضلة لهم لم تسعفنا بها الذاكرة ولا المراجع ؟؟؟ أسعفنا بها من فضلك مشكوراً .
فإذا كان النبي محمد قد جاء بدين كان حرباً على كل هذه الممارسات الفظيعة المقذذة ، التي ليست تنتهك حقوق الإنسان فحسب ، بل تلغيها من قاموس المعاملات تماماً وتنسفها نسفاً ،، فأين "الغدر ، والإقتيال المحمدي الجبان" الذي تقول عنه بالله عليك ؟؟؟
يقول تعالى (وإذا الموؤْدَةُ سُؤِلَتْ ، بِأَيِ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) ، هل ذنبها أن الله خلقها أنثى ؟ أم ذنبها ما هم فيه من شبق جنسي وعدم أمانة ونخوة تكفي لحفظ أعراض الآخرين حتى يأمنوا عدم المساس بأعراضهم فيتخلصون من البنات البريئآت بدلا من التخلص من أمراضهم المزمنة ، وقد أوقف الإسلام هذه الممارسة الفظيعة الظالمة وقفاً تاماً ،
ويقول في الربا: (الذين يأكلون الربى أضعافاً مضاعفة لا يأكلون في بطونهم إلى ناراً وسيصلون سعيراً) ، حماية للضعفاء والمساكين والمغلوبين على أمرهم ،
وفي الحفاظ على كرامة الإنسان في السر والعلن حرك الرقابة الذاتية على السلوك الشخصي بأن ذكر الشخص بأن عليه رقابة الله التي لا تفتر ولا تخفى عليها خافية ، يقول في ذلك (... لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ، ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكن خيراً منهن ، ولا تنابذوا بالألقاب ، بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان،،،) ، فإن أردت سبر غور هذا الباب دخلنا فيه معك لترى بنفسه كيف صان هذا النبي الكريم كرامة الإنسان وحقوقه وحصنه تحصيناً متيناً وأوقف حمامات الدماء التي كانت تراق آنذاك لأتفه الأسباب بل أحيانا بدون أسباب .

يا أخي: أكاد أشعر بالإحباط من الأسلوب الذي تصر على تسميته حواراً وهو في القواقع تجني وسباب أجوف لن يوصلك إلى شيء سوى إدخال نفسك بنفسك في مستنقع "السفه" واللجاجة التي ستعود عليك في النهاية بالجنون أو الخبال وصرف الناس عنك ،، لقد علمناً وفهمنا وتيقناً أنك لا ترى في هذه الدنيا إلى أن تقوم الساعة شخصاً "أشر ، وأبغض إلى نفسك من هذا النبي الكريم محمد بن عبد الله خاتم الأنببياء والمرسلين" شاء من شاء وأبى من أبى ، وهذا للأسف حال من "غلبت عليك شقوته" والعياذ بالله تعالى ، وسلطه الله على نفسه ، وللأسف قد بلغ بك الظن والخيال أنك تستطيع بأظافرك إسقاط جبل أحد في الخليج العربي ، وحتى لو إتفق أنك أستطعت فعل ذلك المستحيل ، أؤكد لك جازماً بأنك لن تستطيع النيل من هذا النبي الكريم ،، ولأنك مغرم بالأدلة والبراهين والتراث ، أنظر إلى أدواتك وقدراتك وعلمك ومصادرك مقارنة بمن سبقك من علماء صهيون وأحبارهم ومن مستشرقين ينضحون علماً في شتى صروف العلم ، وقد جندوا كل تلك القدرات وكونوا فرقاً وأتياماً ، ومع ذلك عجزوا وفشلوا تماماً عن بلوغ شيء مما تحاول بلوغه ، فكان ما قاموا به في النهاية تأييداً ونصراً للإسلام رغم أنفهم ، فدخل عن طريقهم كثير من البشر في دين الإسلام طواعية وإقتناعاً ،، وصدقني أكاد أرى ببصيرتي ما سيئول إليه أمرك في هذه الدنيا قبل الآخرة من تبعات جراء هذا العدوان الذي تناصب الله تعالى ورسوله وحبيبه به بهذه الطريقة البشعة ، كأنك تستعجل غضب الله تعالى عليك لأن ينزل بك إنتقامه ، وسيكون ذلك إن شاء الله قريباً ،، فتربص إنا معك من المتربصين .

تصور معي – ما الذي سيفعله الله تعالى بأشداقك ثم بأناملك التي تكتب بها ، إنتقاماً وإنتصاراً لنبيه وأحب خلقه إليه ؟؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فلندع ما لله لله ، لعله يغير من حالك إلى المسار الذي يرتضيه لك إن شاء فهو المتصرف في عبيده كيف يشاء .
دعنا من الآن فصاعداً أن نناقش مفاهيمك والرداً على تساؤلاتك ، بعد أن أسقطت عن نفسك صفة المحاور وتخليت عن المباديء التي إلتزمتها وألزمت نفسك بها ، على أية حال ، عن معاملة الأسرى في الإسلام ، إليك فيما يلي قيضاً من فيض عارم نسوقه إليك هنا:
كما هو معروف أن الحروب عادةً عندما تشتعل نارها بين البشر ، ينتج عنها قتلى وأسرى ، فتختلف معاملة هؤلاء الأسرى من عصر لآخر ومن أمةٍ لأخرى ، وقد درجت الحضارات السابقة للإسلام على قتل الأسرى ، وجعلهم قبل القتل عرضةً للتعذيب والإيذاء والاضطهاد ، وكانوا يعدلون عن فكرة قتلهم إلى استرقاقهم ، وإهانتهم بتكليفهم بالأعمال الشاقَّة الصعبة التي تفوق طاقاتهم كثيراً .
 أما اليهود فكانوا يقومون بإسترقاق الأسرى وإستذلالهم إن هم سَلَّموا بلادَهم لهم بدون حرب ، أما إذا قاوموهم كان مصيرهم القتل .
 لم تعرف الأمم السابقة قانونًا لمعاملة الأسرى قبل الإسلام الذي ، وضع شروطاً لمن يقع في الأسر ، إذ لا ينبغي أن يقع في الأسر إلا المحارب ، وقد وضع فقهاء الإسلام أوصافًا لمن يجوز أسره ، وشروطاً لوقوع الأَسْرِ إبتداءً .
 كما نهى الإسلام عن تعذيبهم وامتهانهم ، وحرص على الإحسان إليهم ، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا 8) – الإنسان ، كما لهم أيضاً الحق في الكساء والحرية الدينية .
 أما مصيرهم فهو إما المنّ ، أو الفداء ، أو الاسترقاق الذي لا يكون إلا بأمر ولي الأمر .
 أما معاملة الصليبيين للأسرى ، تشهد عليها مجازر نصارى الأندلس ضدَّ الأسرى المسلمين ، والصهاينة والمعاملة الوحشية للأسرى ، وإنـزال أشـدِّ أنواع التعذيـب بالأسـرى العـراقيين كلها أمثلة على جرائم ضدّ الإنسانيَّة
 وضع فقهاء الإسلام أوصافًا لمن يجوز أسره ، وشروطًا لوقوع الأَسْرِ، حتى أصبح له نظام وحدود معروفة مدوَّنة في الشريعة الإسلاميَّة قبل أن يعرفها فقه القانون الدُّوَلي الحديث بقرون ، بل لما ظهرت تشريعات الأسرى في القانون الدُّوَلي كان للفقه الإسلامي نظرياته الخاصَّة به ، والتي يلتقي بها القانون الدُّوَلي أحيانًا ويختلف عنها أحيانًا أخرى .
 وقد شرع الله عز وجل الأَسْرَ فقال في كتابه الكريم بقوله (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا 4) – محمد ، والحرب ضروريَّة للضرب على أيد المعتدين على الدولة الإسلاميَّة، والمتربِّصين بها ، والأَسْرُ جزء من الحرب ونتيجة حتمية لها ، ولم يترك الإسلام قضيَّة الأَسْرِ بدون نظام ، بل وضع لها نظماً وقوانين تنظِّم حقوق الأسير وكيفيَّة معاملته .
 أصبحت قضيَّة الأسرى من القضايا المؤرِّقة لشعوب العالم الآن ؛ وذلك لما يُلاقيه الأسير من البطش والعدوان ممن أَسَرُوه ، ولا يخفى على أحد اليوم ما تفعله أمريكا في سجن أبو غريب وجونتناموا وغيرها من السجون البشعة ، وهذا التعامل ناتج من قوانينهم التي وضعوها بأيدهم ، والتي لا تحفظ لأحد حقَّه أو تؤمِّنه من العدوان على حرِّيَّاته ، وبنظرة إلى الحضارات التي سبقت الإسلام نجد أنها سنَّت قوانين لمعاملة الأسرى ، ولم تكن هناك أي حضارة من تلك الحضارات القديمة والحديثة ثبت أنها أحسنت تعامل الأسرى كما فعل الإسلام ، فقد وصل بهم الحدُّ إلى قتل الأسير، وتشويه جسده ، وتعذيبه بالنار، وكل ذلك انتقامًا من الدولة المحاربة .

انقسم العالم قبل الإسلام إلى قوَّتين عظميين الفرس والروم ، وكانت بينهما دائمًا حروب ومناورات ، وكان طبيعيًّا أن يكون بينهما أسرى ، ولكلٍّ من الدولتين قوانينُه في كيفيَّة معاملة الأسير ، فكانت دولة الرومان حتى أواخر عهدها تقتل الأسير ، ثم رأت بعد ذلك تشريع قوانينَ الهدف منها إبقاء الأسير حيًّا للاستفادة منه مع نزع كل حقوقه الإنسانيَّة ، وربما يُسَخَّر للعمل في الأعمال الشاقَّة ، والمهن الدنيَّة كما فعل الإسكندر في مصر إبَّان حروبه فيها .
ومن ذلك ما حدث - على سبيل المثال - في عهد الإمبراطوار الروماني (فسبسيان)، عندما حاصر الرومانُ اليهودَ في القدس لمدَّة خمسة أشهر، انتهت في سبتمبر سنة 70 ميلادية ، ثم سقطت المدينة في أشدِّ هزيمة مَهِينة عرفها التاريخ ؛ فأمر الرومان اليهودَ أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم ، وقد استجاب اليهود لهم من شدَّة الرعب ، طمعًا في النجاة ،، ثم رأى الرومان أن يُجْرُوا القُرْعَة بين كل إثنين من اليهود ، ومن يفوز بالقُرْعَة يقوم بقتل صاحبه ، حتى أُبِيد اليهود في القدس عن آخرهم ، وسقطت دولتهم ، ولم ينجُ منهم سوى الشريد ، وأولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة .

وفي الهند كان الأسير يقع ضمن الطبقة الرابعة والأخيرة في تقسيم طبقات المجتمع عندهم ، وهي طبقة شودر، وهم المنبوذون ، حيث يعتبرونهم أَحَطَّ من البهائم ، وأذلَّ من الكلاب ، ويُصَرِّح القانون بأنه من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة - طبقة الكهنة والحكام - دون أجر،، وكانت كفَّارة قتل الكلب أوالقطة ، أو الضفدعة ، أوالبومة تماماً مثل كفارة قتل الشودر سواء بسواءٍ .
لم يختلف الوضع في الفرس كثيرًا عن الرومان والهند ، فقد نكَّل الفرس بأسراهم ، وجعلوهم عرضة للتعذيب والإيذاء والاضطهاد والقتل ، ولكن رأوا بعد ذلك أنه من الممكن استخدامهم ، فعدلوا عن فكرة القتل واسترقُّوهم ، وباعوهم رقيقًا بعد أن كانوا أحرارًا ، واستخدموهم في الأعمال الشاقَّة الصعبة .

جاء الإسلام وغرضه إنصاف المظلوم ، وهداية الضالِّ ، وإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ونشر الرحمة والعدالة ، فقد استطاع الإسلام نقل البشريَّة من التعامل الهمجي الذي كان يُلاقيه الأسير إلى وضع كله رحمة ورأفة به وبحاله ، وكان للإسلام فضل السبق في ذلك ؛ فقد حرص الإسلام على الإحسان إلى الأسرى .
ووضع الإسلام تشريعات للأسرى ، وفي الوقت الذي كان يُنَكَّل بالأسير في الأمم السابقة فقد وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحثُّ على معاملة الأسرى معاملة حسنة تليق بهم كأناس ، يقول الله تعالى في سورة الأنفال: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 70) – الأنفال ، فإذا كان المولى سبحانه يَعِدُ الأسرى الذين في قلوبهم خيرٌ بالعفو والمغفرة ، فإنَّ المسلمين لا يملكون بعد هذا إلا معاملتهم بأقصى درجة ممكنة من الرحمة والإنسانيَّة .
لقد قرَّر الإسلام بسماحته أنه يجب على المسلمين إطعام الأسير وعدم تجويعه ، وأن يكون الطعام مماثلاً في الجودة والكَمِّيَّة لطعام المسلمين ، أو أفضل منه إذا كان ذلك ممكنًا ، استجابة لأمر الله تعالى . وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بحُسن معاملة الأسرى فقال صلى الله عليه وسلم (اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا) ، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تعذيب وامتهان الأسرى ، فقد رأى صلى الله عليه وسلم أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم (لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا) .
وامتثل الصحابة رضوان الله عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يحسنون إلى أسراهم ، والفضل ما شهد به الأسرى أنفسهم ، فيقول أبو عزيز بن عمير وكان في أسرى بدر (كُنْتُ مَعَ رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ قَفَلُوا، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا طَعَامًا خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ ، لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ بِنَا ، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ إلاَّ نَفَحَنِي بِهَا ، قَالَ: فَأَسْتَحِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا، فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا) والأمثلة في ذلك كثيرة ومتعدِّدة .
حقوق الأسرى في الإسلام – على الرغم من أنَّ هؤلاء الأسرى ما هم إلا محاربين للإسلام ؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإحسان إليهم ، وتلك صورة الإسلام الحقيقية أمامهم ، ويُدرِكون عندها أنه ما جاء إلا رحمة للعالمين ، ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولم يأمر الإسلام بالإحسان إلى الأسرى فقط ، بل وضع أسسًا في كيفيَّة معاملة الأسرى ، وقرَّر لهم واجبات وحقوقًا على المسلمين ؛ منها الحقُّ في الطعام ، والكسوة ، والمعاملة الحسنة ، وكلُّ ذلك له شواهد في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم .
أمر الإسلام بحُسن معاملة الأسرى والرفق بهم وعدم إيذائهم ، أو التعرُّض لما يجرح كرامتهم ، تعدت صور المعاملة الحسنة للأسرى فشملت العفو ، أو المعالجة من الأمراض ، أو غير ذلك من صور المعاملة الحسنة ، مما دفع بعضهم إلى أن يعتنق الإ سلام كثُمَامَةَ بن أُثَالٍ رضى الله عنه ، فقد رُوي أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ سَيِّدِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ: "مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟" قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ . فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ ، قَالَ لَهُ "مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟" قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ ، فَقَالَ": مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (انْطَلِقُوا بِثُمَامَةَ) ، فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَاغْتَسَلَ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ،، يَا مُحَمَّدُ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ ، وَوَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الأَدْيَانِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَيَّ ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي ، وَإِنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ ، فَمَاذَا تَرَى . فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ . لقد دفعت هذه المعاملة الحسنة ثُمَامة إلى الإسلام دفعًا قويًّا ، ولو أنه رأى جفاءً في المعاملة أو تعذيبًا ما فكَّر لحظة في أن يدخل في هذا الدين .
وأسلم كذلك الوليد بن أبي الوليد القرشي المخزومي الذي أُسِرَ في بدر، ورأى المعاملة الحسنة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، مع أنه قد قَدِمَ من مكة محارِبًا للمسلمين ، فدفعته هذه المعاملة الحسنة إلى الإسلام ، ولِصِدْقِ نيَّته أسلم بعد أن افتداه أهلُه من الأَسْرِ ، حتى لا يُقال إنه أسلم جزعًا من الأسر.
وقد بلغ أمر معاملة الأسرى إلى حد العفو عنهم ، فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسيرًا لأبي الهيثم بن التيهان وأوصاه به خيرًا فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني بك خيرًا ، فأنت حُرٌّ لوجه الله وفي رواية أخرى أنه قال له: أنت حرٌّ لوجه الله ، ولك سهم من مالي ،
وظلَّ الصحابة على هذه المعاملة الحسنة للأسرى حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُؤْثَر عنهم أنهم اضطهدوا أسيرًا أو آذَوْه أو عذَّبوه، حتى الهرمزان الذي نقض العهد مع المسلمين أكثر من مرَّة ، كما قتل مجزأة بن ثور ، والبراء بن مالك ،، ولما وقع في أيدي المسلمين أسيرًا لم يُعَذِّبوه ولم يضطهدوه ولم يُؤْذُوه جرَّاء ما فعله من جرائم في حقِّ المسلمين . وكذلك كان الحال مع كل الأسرى فلم يكن للأسرى غير المعاملة الحسنة ، ولم يكن يعاملهم المسلمون بمثل معاملاتهم.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كانَ إذا بعثَ جيشاً قال: (انطلقوا باسمِ اللهِ، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طِفلاً صغيراً، ولا امْرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضمُّوا غَنائمَكم، وأَصلِحُوا وأحْسِنُوا، إن اللَّهَ يُحِبُّ المحْسِنينَ ) ،
هذه النظرة الإسلامية السمحة مع أسرى الحرب تبدأ قبل الأسر، فإذا طلب الأمان جندي من الأعداء المحاربين يلزم المسلمين قبوله ، ويصبح المحارب بذلك آمناً ، ولا يجوز الاعتداء عليه بأي وجه من الوجوه ، وذلك بأمر من الله تعالى ، قال: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ 6﴾ - التوبة ،

كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يطعمون الأسير من أطيب طعامهم ، وعَدّ الإسلام منع الطعام عن الأسير من الكبائر ،، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عُذِّبت امرأة في هرَّةٍ سجنتْها حتى ماتت ، فدخَلتْ النَّار ، لا هيَ أَطْعَمتها وسقتها ، إِذ هي حَبسَتها ، ولا هي تَرَكَتها تَأكُل مِن خَشاشِ الأرض ) ،
ويروى أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه كان في جيش ، ففرق بين الصبيان وبين أمهاتهم من الأسرى ، فرآهم يبكون ، فرجع يرد الصبي إلى أمه ، ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ فَرَّقَ بين والدة وَوَلَدِهَا، فرَّق الله بينه وبين أحِبَّتِهِ يوم القيامة) .

أما حديثك عن بني قريظة: فإن العقاب من جنس العمل ، فالعين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم .
حقيقةً ، لقد جر بنو قريظة أنفسهم إلى هذا الحكم الذي حل بهم ؛ فأودى بحياة رجالهم وسلبت نسائهم وأولادهم نعمة الحرية ، ولو أنهم ثبتوا على عهدهم لما أصابهم ما أصابهم ، ولظلوا آمنين في ديارهم ، لكنها الأحقاد التي تدفع الناس إلى الهلاك وتسوقهم إلى الفناء .
إن الجزاء الذي حل ببني قريظة من جنس عملهم ، فلو قدر للأحزاب أن ينجحوا في اقتحام المدينة لصار المسلمون إلى نفس المصير الذي صار إليه بنو قريظة .
فهل كان في وسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يعامل بني قريظة كما عامل "بني قينقاع" و "بنى النضير" من قبل ؟ بأن يكتفي بإبعادهم عن المدينة كما أبعد أولئك؟ بالطبع لا ، لم يكن في إمكانه ذلك لأن التجربة أثبتت له أن الإبعاد لا يكفي ، لأنهم ببساطة قد يجيشون الجيوش فيما بعد ويستعدون القبائل على الرسول وأصحابه كما حدث في المرة السابقة ، فهم جبلوا على نقض العهود .
ثم إن طبيعة الجريمة التي اقترفها بنو قريظة تختلف عن جريمة كل من بنى قينقاع وبنى النضير ،، نعم إن الجرائم كلها كانت جرائم خيانة وغدر لا مبرر لها ، غير أن جريمة بنى قريظة كانت أشد خطرا من الجريمتين السابقتين ، لأن المسلمين كانوا في كل من الحالتين الأخريين في حال تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم ، أما موقفهم وقت جريمة بنى قريظة كان محفوفا بالخطر الداهم من جراء الحصار المحكم الذي ضربه جيش الأحزاب حول المدينة ، فلم يكن في إمكانهم أن يدافعوا عن أنفسهم ، ولولا عطف الله وعنايته بهم لأبيدوا عن آخرهم لا محالة .
لذلك لم يكن في الإمكان الإبقاء على هؤلاء ، حتى يرسموا خطة أحكم من سابقتها ، ويدبروا مكيدة أنكى يقضون بها على دولة الإسلام ، ويفتنون الناس عن دينهم ويعيدونها جاهلية كما كانت قبل ظهور النبي عليه الصلاة والسلام .
هؤلاء الذين عرضوا أنفسهم للقتل بخبثهم وغدرهم ، وأسلموا نسائهم وأولادهم للسبي ، وعرضوا أموالهم للضياع ، كان في وسعهم ألا يتعرضوا لما تعرضوا له إن حافظوا على عهدهم ، ولأمنهم الرسول عليه الصلاة والسلام على أنفسهم وأموالهم وأولادهم ، لكنه الغي المودى بأهله في النار والعناد المفضي بأصحابه إلى الدمار .
قال تعالى في سور الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا 9 إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا 10 هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا 11 .
إن قوانين الحرب وقوانين السلم على السواء تقر ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ببني قريظة ، لأنه عقاب عادل وإجراء وقائي سليم لحماية المسلمين من شرهم ووقايتهم من كيدهم ، حتى يتمكنوا من نشر دعوة الحق وإقرار الأمن والسلام على ربوع الأرض ، وإزالة الفحشاء والمنكر من جميع أصقاعها.
إن المسؤول الأول عما أصاب هؤلاء التعساء من كوارث ، وما حل بهم من نكبات هو حيى بن أخطب ، فهو الذي زين لهم الخيانة وأغراهم بالنكث وحملهم على الغدر، ولا يعفيه من المسؤولية أنه قتل معهم ، ذلك المجرم الذي كان سبب هلاكهم ومعول خرابهم ، كما أنه قد تسبب في إساءة الظن بمن بعده من اليهود - هذا ما صرح به سلام بن مشكم أحد بنى النضير عندما بلغه خبر بنى قريظة ، حيث قال: هذا كله عمل حيي بن اخطب ، لا قامت يهودية بالحجاز أبدا .
وما تنبأ به كعب بن أسد حينما دق عليه حيي بن أخطب بابه يغريه بنقض العهد ، فأجاب: ويحك يا حيي! إنك امرؤ مشئوم ، جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه .
فالمسألة ليست كما تصورها أنت بخيالك وهواك ،، وعليك أن تقارن ما حدث بما فعلته أمريكا في اليابان ، والعراق وأفغانستان ، وما فعلته إسرائيل بالفلسطينيين في مذبحة قانا وفي بشاعة عملية الرصاص المسكوب التي كان أغلب ضحاياها من النساء والأطفال والعجزة من الشيوخ والمرضى ، وغيرها كثير ،، وما فعله الصرب بالبوسنة والهرسك من مذابح إبادية عنصرية حاقدة ، بل وما فعله هتلر باليهود ،،، وما رأيك فيما فعلته وتفعله أمريكا وأوروبا كلها من حصار خانق وقاهر لكل المسلمين في العالم قاطبة إثر تحميله جريرة ما حدث لبرج التجارة العالمية في 11 سبتمبر والمضايقات التي تفرضها عليهم حتى الآن ولا ندري إلى متى ، بطريقة عنصرية ظاهرة أعلنها رئيسها حرباً صليبية ولكنه تراجع وسحب التصريح وأبقى عليها كما أعلنها فكان ضحايا بالعراق وحده حوالي ثلاثة ملايين قتيل وطبق أسوء وأبشع ما حكى عنه التاريخ من معاملات للأسرى ، بأكذوبة الأسلحة النووية التي لم تعثر لها على أثر حتى الآن ،، ومع ذلك لم تعتذر للشعب العراقي بل إستولت على بتروله عيني عينك بلا حياء ولا خجل ,

إن ما حدث لبني قريظة كان حكماً مباشراً قد صدر من الله خالقهم وخالق نبيه الكريم محمد بن عبد الله لا يملك إلا الإمتثال لأمر ربه ،، وإلا فما الفرق بينه وبين العصاة الذين ناصبوا الله وملائكته العداء جهاراً نهاراً ،، الذين منهم من قال (سمعنا وعصينا ، وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) ، ومنهم من قال (الهم إن كان هذا هو الحق منك فأمطر علينا حجارة من السماء ... ) ، ولكي نكون موضوعيين فلنرجع إلى الحقائق الربانية الموجودة في التوراة والإنجيل والفرقان) مباشرة من رب العالمين وليس من أحد من رسله بذاواتهم .

أولاً: ما قصة "الإبادة الجماعية" على حد تعبيركم ، والإستئصال الذي وقع لقوم نوح عليه السلام ؟ هل كان محمد موجوداً آنذاك وأمر بإغراقهم جميعاً "إلا من إستثناه الله تعالى من آل نوح ومن الذين آمنوا معه وأزواجاً من كل المخلوقات" ؟ أليس هؤلاء بشراً بينهم أطفالاً ونساءً وشيوخاً وبهائم وحيوانات كثيرة ؟ وهل بنوا قريظة أفضل من أولئك ولهم تميزاً عند الله حتى يستثنيهم من غضبه وعذابه ؟ وهل قام نوح بأغراق قومه بيده ؟ هل إستطاع أن ينقذ إبنه الذي كان من المغرقين بعد أن أوقع نفسه في دائرة غضب الله تعالى وإنتقامه ؟
علينا أن ننظر إلى الأحداث كيف كانت حين جاء الطوفان لهؤلاء الأشقياء أمراً نافذا من الله تعالى ، قال تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 1 قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ 2 أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ 3  يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 4 قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا 5  فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا 6  وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا 7  ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا 8  ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا 8 فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا 9 ،،، وهكذا:
إلى أن إستيأس نوح منهم بعد أن حاول كل وسيلة ممكنة لإغرائهم وتخويفهم ولكن هيهات ، بعد ذلك ، قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا 21 ،  وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا 22 ، وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا 23 ، وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا 24 ، مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا 25 ، وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا 26 ، إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا 27 ، رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا 28 ،
ألم يحكم الله على كل الخلق آنذاك بالفناء والدمار إلا من كان في السفينة فقط ؟ تذكر حيثيات الحكم عليهم في سورة المؤمنون: فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ 24 ، إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ 25 ، لا يكفي هذا التمرد المتصاعد سبباً كافياً لعذاب هؤلاء الأشقياء ؟ وحتى من دون هذا السبب ، فهل يستقيم عقلاً أن يحتج أحد أو يراجع الله تعالى في حكمه في خلقه وعبيده ؟ كأن يقول له مثلاً "ما ذنب الأطفال والرضع" ؟ أو ، "لماذا لم يستثنهم من الغرق" مثلاً ،، هل يعقل هذا ؟؟ - إن الله يحكم ما يُرِيْدُ ، بما يريد ومتى يريد ! ،، يقول تعالى (إن بطش ربك لشديد ، إنه هو يُبْدِءُ ويُعِيْد ، وهو الغفور الودود ، ذُو العَرْشِ المَجِيد ، فعالٌ لما يُرِيد..) . فهل "نوح" عليه السلام كان سفاحاً مجرماً قاتلاً ،،، الخ ؟ هل إستطاع رسول الله نوحاً أن يستثني إبنه من الغرق بعد أن إستحق ما استحقه قومه من العذاب ؟ ألم يقل الله لرسوله الكريم نوح في سورة المؤمنين: (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ 27) ؟ ألا تدل هذه الآية على أن الله تعالى قد قطع على نبي الله نوحاً الطريق إلى الإسترحام عليهم بقوله "ولا تخاطبني" ؟
وبالتالي ،، هل بنوا قريظة كانوا بأفضل حال من هؤلاء في إغضابهم لربهم وتعرضهم لعذابه ؟ علماً بأنهم أخف هؤلاء عذاباً من ربهم .
ثانياً: ما قصة "الإبادة الجماعية" على حد تعبيركم ، والإستئصال الذي وقع لقوم لوط عليه السلام ؟ هل كان رسول الله محمد طرفاً فيها ؟ وهل نبي الله "لوطاً" عليه السلام كانت له يد فيها ؟ ألم يستثنِ الله تعالى من العذاب فقط "آل لوط" إلا إمرأته كانت من الغابرين ؟؟ ألم يجعل الله عاليهاً سافلها وأمطر عليهم حجارةً من سجيل ؟؟ ، أنظر إلى قوله تعالى في سورة الحجر: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ 73 ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ 74 ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ 75 ، وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ 76 ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ 77 ، وقوله سبحانه في سورة الصافات: وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 133 ، إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ 134 ، إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ 135 ، ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ 136 ، وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ 137 ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138 ،
هل إستثنى الله تعالى من العذاب الأطفال أو النساء أو الشيوخ أو البهائم من بطشه ؟؟ وهل نفعت هؤلاء الأشقياء السفلة شفاعة إبراهيم الخليل وإسترحامه فيهم شيئاً بعد أن جاء أمر الله النافذ الذي لا يمكن أن يبدله أو يعترضه شيء في الأرض ولا في السماء ؟؟ وهل لديكم أي شك في عدل الله ورحمته ورأفته وحكمته وهو الذي قال في سورة الزمر ، وقوله الحق وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى 7  ، وهو القائل (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ، وهل بنوا قريظة كانوا بأفضل حال من هؤلاء في إغضابهم لربهم وتعرضهم لعذابه ؟
يقول تعالى في سورة النحل : )أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ 45) ، (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ 46 (
ويقول في سورة الأعراف: )أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ 97) ، (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ 98) ، (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ 99 (
ويقول تعالى في سورة الأنعام: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ 44) ، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 45) . كما يقول في سورة طه: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى 127) ،،،
ثالثاً: ما بالك بإغراق آل فرعون في اليم ، وقبلها حين عذبهم بصنوف العذاب (القمل ، والضفادع ، والجراد ، والدم ، والقحط ...) ، ألم يكن من بين هؤلاء الأشقياء أطفالاً ونساءَ وشيوخاً وبهائم ؟ فهل كان هناك من بين هؤلاء من يستحق الإستثناء من الغضب والعذاب ؟ أم أن هناك شك في علم الله تعالى وعدله ؟ (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ؟ وهل كان هذا حكم محمد عليهم أم له يد فيه ؟ وهل موسى بن عمران رسول الله هو الذي قام بتعذيبهم ؟ وهل كانوا يستحقون ذلك العذاب الذي وقع عليهم جراء ظلمهم وبطشهم ببني إسرائيل وإضطهادهم أياهم ، ألم يقل تعالى في سورة : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ 49) ، (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ 50) ؟ ألم يكن بني إسرائيل آنذاك أتباع نبي الله تعالى موسى ، فأنجاه من قوم نوح الظالمين وإنتصر لنبيه وأتباعه منهم ؟؟ وهل بنوا قريظة كانوا بأفضل حال من هؤلاء الفراعنة في إغضابهم لربهم وتعرضهم لعذابه نتيجة غدرهم لأتباع نبيه ورسوله محمد ؟ وهل يجرؤ أحد في أن يسأل الله تعالى لِمَ فَعَلْتَ هذا ولِمَ تَرَكْتَ ذَاكَ ؟؟؟
رابعاً: ما بالك بما فعله الله تعالى بقوم صالح عليه السلام ، حين "جاءتهم الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين" ، هل كان ذلك من الله تعالى عدلاً أم ظلماً ؟ علماً بأن قوم صالح أيضاً كان من بينهم أطفالاً ورضعاً ونساءٌ حمل وسوائم وبهائم وحيوانات وحشرات ودواب ، هل كان هناك أي إستثناء من هؤلاء الأشقياء التعساء إلا ما شاء الله وكان في علمه ؟ وهل بنوا قريظة كانوا بأفضل حال من هؤلاء في إغضابهم لربهم وتعرضهم لعذابه ؟
خامساً: ما بالك بما فعله الله تعالى بالأقوام التعيسة الشقية الأخرى التي إستحقت غضب الله وعذابه والتي ذكرها الله تعالى في كل الكتب السماوية (صحف إبراهيم وموسى ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان) منها عاد وثمود وقوم تبع وأهل مدين والمؤتفكات ، وأصحاب الأيكة ...) من الأمم الهالكة بمالها وعيالها ورجالها ونسائها) هل كان لمحمد بن عبد الله يد في الحكم على كل هؤلاء الذي صدر من الله تعالى خالقهم وخالق كل شيء ؟؟ وهل بنوا قريظة كانوا بأفضل حال من هؤلاء في إغضابهم لربهم وتعرضهم لعذابه ؟
ولكن ومع كل تفاصيل تلك الحالات التي دمر الله تعالى بها الظالمين والأرض التي كانوا عليها ، الملفت للنظر والجدير بالوقوف عنده أن الإستثناء الوحيد الذي تم في كل هذه الأمم الهالكة كان إكراماً للنبي محمد خاتم الأنبياء والمرسلين والذي بعث رحمةً للعالمين ،، كان ذلك الإستثناء لأطفال وصغار ونساء بني قريظة إكراماً له وإستجابةً لإستعطافه ، فلم يقل له الله تعالى (... ولا تخاطبني في الذين ظلموا ) كما قال لنبيه نوح أن لا يتشفع في قومه لانه واقع عليهم العذاب لا محالة ،، فكان ذلك الإستثناء كما يلي:
1. علم الله تعالى أن رجال بني قريظة كلهم دون إستثناء متآمرون ولا يمكن الثقة بهم أو الإطمئنان إليهم ، وكان همهم الوحيد هو القضاء على الإسلام والمسلمين ونبيهم بأي وسيلة ، فإن تركوا على قيد الحياة فسيعودون لمؤامراتهم وخيانتهم للعهد مرة ومرات أخرى وليس في وجدانهم خشية لله تردعهم عن تلك الغاية والمسعى الإستراتيجي بالنسبة لهم قال تعالى في سورة التوبة: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ 8) ،) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ 9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ 10) . والموقف الميداني العسكري حينئذ لا يتحمل المجازفة ، فلم يكن هناك بد من الخلاص منهم ومن شرهم وخطرهم إلا بالقتل ، وهذا أمر مشروع في مثل هذه المواقف ، ناهيك من أنه أمر من عند الله تعالى موحىً ،
2. أما الذكور الذين نبت شعر عانتهم فإنهم بتلك العلامة قد أصبحوا رجالاً "بالغين" مكلفين ، ومن ثم يعتبرون قوةً ضاربة بصورة أكبر بكثير من آبائهم ومشبعين بالأحقاد ومجهزين ومعدين للحرب ومدربين على فنون القتال ، وبالتالي كان الحكم عليهم بالموت لأنه لا أمل في تغيير مفاهيمهم تماماً مثل قوم نوح والأمم الهالكة الأخرى التي إستحقت الإستئصال بأمر الله تعالى وعلمه وحكمته ولفقدان الأمل في إصلاحها ، قال: (وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ 11) – هود ،، كذلك فقدان الأمل في إصلاح رجال بني قريظة .
3. إن التدقيق والتمحيص الشديد في عملية تحديد سن التكليف والمؤاخذة من بين صفوف العدو بهذه الطريقة الرائعة والممنهجة تعتبر بحق شهادة ووسام كريم على صدر خاتم الأنبياء والمرسلين وصحبه الميامين ، فما كان أسهل عليهم من أن يقتلوا كل الذكور دون إستثناء والتبرير موجود وقوي للغاية ومنطقي ، وأي قائد عسكري ميداني يعرف ذلك ، وذلك لأنهم أيضاً سيصبحون رجالاً قريباً ، وسيحملون أحقاداً إضافية وفكرة الثأر لآبائهم وإخوانهم وذويهم القتلى وأمهاتهم وأخواتهم السبايا ، فالفرق بين إنبات شعر العانة عند البعض وعدم إنباته قد يكون بضعة شهور أو سنة على أعلى تقدير ، ولكن الشرع هو الشرع ، لا هوى فيه ولا إنتقائية (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى) ، فالقاعدة الشرعية العامة تتجلى في قول محمد صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث – النائم حتى يستيقظ ، والمجنون حتى يفيق ، والصبي حتى يحلم) أو كما قال ،، فبلوغ الصبي يثبت بأحد أمرين ، إما بالإحتلام ، أو بنبت شعر العانة . وحيث أنه لا سبيل لمعرفة الإحتلام ، كان لا بد من إلتزام العلامة الثانية وهي مشاهدة شعر الهانة تجنباً للخطأ في التقدير فذلك هو العدل الإلاهي والخلق المحمدي الكريم ، وإلتزاماً بروح ومنهج الشرع ,, على فكرة "إن مشاهدة شعر العانة لا تكشف العورة فهي في منطقة المثانة التي تقع أسفل السرة مباشرةً " . فقد كانت هذه لفتة كريمة من ذلك النبي الذي بعث رحمةً للعالمين دون شك ، فصرف بذلك المؤاخذة عن أولئك الذكور الذين لم يبلغوا سن التكليف الشرعي بعد ، بغض النظر عن ما يحملون من وجدان وما يمثلونه مستقبلاً من خطر محتمل . وإلا ،، بالله عليك ما هي المؤاخذة التي كان يخشى منها نبي الله محمد إذا قضى على كل بني قريظة رجالاً ونساءً وأطفالاً ؟ هل من قرارات مجلس الأمن المجحفة أم من سطوة وغطرسة الغرب الظالمة ؟؟؟
4. إن ما حدث لذكور بني قريظة كان ضرورة أمنية إستراتيجية في ظروف حربية إستثنائية قاهرة إضطر إليها نبي الله محمد وكان ذلك منه تنفيذاً لأمر الله تعالى ، وكما تعلمون أن النبي لم يذهب إلى بني قريظة من فوره ولا من تلقاء نفسه ، ولكن جاءه الوحي "جبريل" عليه السلام عياناً بياناً يستحثه وبَلغَهُ مراد ربه وتكليفه له بالذهاب إلى بني قريظة ، وكما تعلمون فإن بطش الله يأتي هلاكاً كاملاً للأمة المغضوب عليها دون إستثناء إلا مع النبي محمداً فقد أكرمه الله بذلك الإستثناء الكريم العادل تأكيداً لقوله له (وإنك لعلى خلق عظيم) ، وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) ، فتتجلى الرحمة والتميز في معاملة النساء السبايا والزراري ، فقد تولى المسلمون أمرهن ومسئوليتهن ، وتعويضهن عن حقوقهن الطبيعية الإنسانية التي فقدنها بفقد الزوج ، وهذه أعلى درجات إحترام حقوق الإنسان ، فلم يُتْرَكْنَ عرضةً للبغاء والفساد والعبث بهن من كل حدب وصوب ، كما لم يُتْرَكْنَ بغير ولي وراعٍ يقوم بحمايتهن ويرعاهي وإتقاء الله تعالى فيهن .
5. هناك حقيقة تغيب عن الكثيرين من الضالين المضلين ألا وهي أن ما يتم عادةً بين أي إمرأة ورجل من علاقة طبيعية تكون في الأصل محرمة شرعاً في كل الكتب السماوية (تورات وإنجيل وفرقان) ، ما لم يسمح ويأذن بها الله تعالى في صورة عقد شرعي تحت سمح وبصر وشهادة الناس ، فالزواج علاقة طبيعية بين رجل وإمرأة ولكنها مأزون بها شرعاً بإذن الله ، لذا تتم في النور وهي في حقيقتها علاقة أساسها "كلمة" من الله تعالى تجعل الناس يشهدون بأنها علاقة شرعية سليمة سواءً أتمت في كنيسة أم في مسجد ، كذلك الحال بالنسبة للسبايا من النساء ، فالعلاقة الخاصة لهن لا يمكن أن تتم إلا مع مالكها بعينه لا أحد غيره ، وأيضاً تتم بإذن الله وكلمة منه "فقط ساقط عنها أمران الصداق وعقد النكاح" ، ولكن إن تمت مع غير سيدها كانت "زناً" صريحاً يوجب عليها نصف العقوبة وعلى الزاني بها العقاب كاملاً ، وفي ذلك تخفيف عليها ورحمة بها ،، وأم الولد منهن تصبح حرةً من الرق بميلادها ذلك الولد ، مثل هذه الحقائق لا يستوعبها كثير من الناس خاصة أولئك الذين باتت علاقاتهم الجنسية الفوضوية مفتوحةً على مصراعيها فصار الحرام كل الحرام أساساً لعلاقاتهم الحيوانية من (زنا مفتوح بالنوادي الليلية ومخادع الزوجية المنتهكة بل وبالمرافق العامة نهاراً جهاراً دون أدنى حياء ، حيث تؤتى المرأة فيه من كل منفذ يفضي إلى جوفها بل تؤتى أيضاً في كل جزء من جسدها العاري ، ومن زنا بالمحارم يعطى قدسية شرعية مفتراة ، لا تسلم فيه البنت من دناءة وخسة أخيها أو أبيها الذي هو ولدها بل ومن والدتها التي تستغل إبنتها الصغير "جنسياً" لتشبع منها غرائزها الحيوانية الشهوانية المريضة ، ومن الشذوذ والمثلية التي طغت وعمت أمماً كثيرة ، حيث تستمتع الأنثى بمثيلتها إستمتاعاً كاملاً وكذلك الذكر بمثيله ، وقد تبلغ هذه المثلية حد الزواج سخريةً بالشرع ، فيستمر الشبق المريض متخطياً البشر للحيوانات التي لم تسلم من شرهم حيث تقيم الأنثى علاقة مع كلبها وحمارها وحصانها ، فبلغت في حالات كثير حد عقد القران بالزواج ما بين تلك الأنثى البشرية وكلبها أو حمارها مع التمنى لها "رسمياً" بحياةٍ وزجيةٍ سعيدة ،، الخ ، فإذا تذكرنا سبب هلاك قوم لوط لتأكد لنا قطعا أن هلاك هؤلاء الزناة الفاسدين المفسدين بات وخيماً وسيكون بطش ربك بهم شديداً ، فليتربصوا إنا معهم متربصون .
فما دام أن الأمر أولاً وأخيراً هو "حكم الله تعالى" ، وأنه لم تشذ القاعدة إلا فيه بأن جاء مخففاً كثيراً قياساً بما حدث للأمم البائدة السابقة من لدن نوح عليه السلام إلى ما قبل بعثة محمد نبي الرحمة ، وأن التخفيف والإستثناء الوحيد الذي تم هو إكراماً لهذا النبي الذي جاء رحمةً للعالمين ، فلماذا كل هذه السفسطة والضجة التي يقوم بها هؤلاء الجهلاء البائسين الذين قد أعماهم الحقد والكراهية عن الحقائق الدامغة ؟ إن بني قريظة كانوا بحق محظوظين أن جاء الحكم عليهم من الله في عهد هذا النبي الكريم . فإن قتل هؤلاء المقاتلين الإستثنائيين ، فقد أبقى الله على بني قريظة ولم يستأصل شأفتهم من جزورها بل ترك منهم نساءهم وأبناءهم الذين لا يلبثون بعد بضع سنين إستعادة القبيلة بتكاثر وتذاوج من بقي منهم ، وقد بقوا كلهم ما عدا المقاتلين منهم . ولكن لا تجد أكثر الناس شاكرين .

هل تصدقني إذا قلت لك أنه قد يكون في الإمكان إسقاط قرص الشمس أو إذابته بمسدس ماء صغير ؟ ولكنك ومن في الأرض جميعاً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لن يستطيعوا أن يطفئوا نور الله بأفواهكم وبكل وسائلكم لأن (اللهُ مُتِمُ نُورِهَ ولو كَرِهَ المُشرِكُون) ، إن الذي تقوله أمر مضحك مبكي في آن معاً ،، إذ لو كان الأمر بهذه السهولة لما وجدت شيئاً باقياً من الدين الإسلامي حتى الآن لتحاربه وتقضي عليه ، لأن أعدائه من قِبَلِ بني قريظة وغيرهم قديماً وحديثاً ، قد جربوا كل الوسائل فكانت النتيجة عكسية تماماً حيث فرخت توسعاً هائلاً في أتباع هذا الدين العظيم ، والناس الآن يدخلون في دين الله أفواجاً ، فإذا كنت تتابع الإحصائيات يومياً لأزهلك أن هذا الدين هو الوحيد الذي في تزايد مستمر وبعجلة تزايدية ،، فماذا يعني لك كل هذا ؟ على أية حال ،، سأعطيك طريقة سريعة ووصفة أفضل قد تحقق لك مرادك بالقضاء على هذا الدين ، ليس ذلك فحسب ، بل وإثبات أن محمد بن عبد الله ليس من المرسلين ، وأعتقد أن هذه أقصى ما تصبوا إليها ،، أليس كذلك ؟ إذن:
إليك بسورة "يس" ، حيث الآية الأولى منها هي قوله تعالى: (يس ، والقرآن الحكيم ، إنك لمن المرسلين ...) فإذا إستطعت أن تصل إلى مدلول الحرفين (ي س) الذين يشيران إلى آيتين كونيتين معجزتين بداخل هذه السورة ، تحدى الله بهما كل الجن والإنس بأن يأتوا بنقيضهما ، فإن إستطاعوا ذلك فإن هذا يعني أن محمداً ليس من المرسلين ، أما إن لم يستطيعوا ولن يستطيعوا فإن هذا دليل قطعي على "أنهما" ، و "القرآن الحكيم" يؤكدان يا محمد (إنك لمن المرسلين) ، ذلك لأن هذا الإعجاز المعجز إنما هو دليل مادي على أن الذي جاء بهما هو (تنزيل العزيز الرحيم) لأن أسرار هاتين الآيتين لا يمكن أن يصيغهما بهذه الحبكة ويتحدى بهما إلا من خلقهما في الكون يوم خلق السماوات والأراضين ،، فإذا عجزت عن ذلك فهذا بالا شك يعني أنك تحاول محاربة طواحين الهواء يا صديقي .

يا أخي ،، بالله عليك لماذا لا تعطي نفسك فرصة كافية لإستيعاب النصوص التي تستشهد بها قبل أن تقحم نفسك في معترك الكلمة والنص والتركيب والبيان ؟ لماذا تتحدث عن جزء من آية بداخل سورة مريم التي تحتوي على ثمانية وتسعين آيةً كلها تهدف إلى غاية واحدة متكاملة الرد على ما تثيرونه أنتم الآن بعد 1500 سنة من نزول القرآن الكريم ؟ وهي بحق تعالج بمنهجية ثابتة تلك الإشكالية الفكرية والثقافية المغلوطة التي أنتم الآن بصددها وتدورون حولها ؟
1. الآية الأولى من سورة مريم مكونة من خمس حروف مقطعة هي (ك ه ي ع ص) من قوله تعالى (كهيعص 1) ،، بالله عليك ، أليس الأجدى بك أن تقف عند هذه الحروف المقطعة وتسأل عنها وعن المراد منها مع أنها بذاتها فقط تعتبر آية كاملة بهذه السورة ؟ فهي بذلك إما أن تكون ذات معنى ، وهذا المعنى مفهوم ومستساغ لك ، أو أنك تجهل معناها ، وبالمقابل ، إما أنها لا تحمل أي معنى ومع ذلك تجاوزتها ولم تقف عندها لعله ما مع إنك تستطيع أن تخوض فيها وتتشكك في صدق القرآن عبرها ، و قد يكفيك ذلك دليلا على أن هذا القرآن ليس وحياً من عند الله وتنتهي حربك عليه بالنصر المؤزر ،، إليس ذلك كذلك ؟ إذن راجع نفسك وأدواتك قبل إقحام نفسك في المعترك ، ونحن في الإنتظار ،
2. الآية التي تتحدث عنها وتجادل فيها بشراسة في الواقع هي الآية رقم 28 من سورة مريم من قوله تعالى: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28) ،، فهل من أدبيان ومعايير البحث أو النقد أن نتعرض لآية واحدة "منفصلة" وهي حقيقةً في نسيج مترابط لعدد ثمانية وعشرين آيةً بينة (كلها مجتمعة تهدف إلى حقيقة يقتضي تحقيقها ذلك التفصيل) ، ونحكم عليها مستقلة بذاتها ونتجاهل ما سبقتها من آيات يبلغ عددها سبعة وعشرون آية ؟ علماً بأن أول آيةً منها مكونة أيضاً من حروف مقطعة نحن لا نعرف مواقع مدلولاتها بداخل تلك السورة ؟ هل هذا يعقل منطقياً أو فكرياً ؟؟؟
3. ألم تلاحظ أي علاقة أو رابطة قوية ما بين سورة مريم هذه التي تبدأ بحروف مقطعة (ك ه ي ع ص) ، وسورة آل عمران التي تبدأ أيضاً بآية من حروف مقطعة هي (أ ل م) ؟
4. ألم تلاحظ أن الشخصيات التي تصور الأحداث بسورة مريم وهم (زكريا ، ومريم ، ويحي ، وعيسى ، والملائكة ، والروح القدس) ، بالإضافة إلى المحراب ، وحال زكريا وأمرأته الصحي المتدهور ،، الخ ، إليست هي ، هي نفسها واردة أيضا بسورة آل عمران بإستثناء "إمرأة عمران" ؟ ألا يحرك هذا سؤالاً بديهياً ومنطقياً لديك عن هذه المعلومات وتطابقها المعجز هنا وهناك بالسورتين الكريمتين ، وما علاقة الحروف المقطعة (أ ل م) التي في فاتحة سورة آل عمران بالحروف المقطعة (ك ه ي ع ص) التي بفاتحة سورة مريم ؟ ، فماذا تقول إذا علمت أن هذه الحروف من أسرار القرآن الكريم التي من ضمن أهم غاياتها إبطال كل حجة واهية متوقعة ؟ وسترى في الوقت المناسب صدق ذلك لاحقاً ، عند مقتضيات نتوقعها منكم تكون أنسب للتعرض لهاتين الآيتين المحكمتين المنيرتين .
5. أدعوك الآن للرجوع إلى السورتين الكريمتين سورة آل عمران وسورة مريم وتتفحصهما جيداً جيداً ، ثم أرجع البصر كرتين متفحصاً ،، هل يوجد أي ذكر أو إشارة إلى أي من النَبِيَيْنِ موسى أو هارون ؟ أو إي إشارة أو تلميح أو نص يقول إن عمران والد السيدة مريم هو نفسه والد موسى وهارون ؟ ،، ليس ذلك فحسب بل أدعوك لأن تتبع أي ذكر جاء بالقرآن الكريم عن ألسيدة الصديقة المصطفاة مريم ، أو عن نبيه موسى إبن عمران ، أو عيسى إبن مريم عليهما السلام ،، ثم جاوب على هذا السؤال المباشر التالي ،،، هل هناك أي إشارة أو ذكر يمكن أن يوهم أحداً ولو بالتلميح أو الترميز أو غيره بأن المقصود "بأخت هارون" هو نبي الله هارون بن عمران أخو نبي الله موسى عليهما الصلاة والسلام بالتحديد ؟ وأنه هو بذاته المقصود بقوله تعالى (يا أخت هارون) ، الذي يسبق ميلاد السيدة مريم بخمسة عشر قرناً (1500 سنة) ؟ فإن لم تجد ولن تجد فما الداعي إذن إلى السؤال واللجاجة فيه بهذه الشراسة ، التي قد تودي بصاحبها إلى قاع السفه والهرطقة heretic أو إلى حضيض السفسطة الأخرق البغيض ؟
6. واضح يا صديقي أنك إختلقت أو بالأحرى "أُخْتُلِقَتْ لك" قصة لا أصل لها وجعلتها قضية محورية كأنك تحارب العنقاء بسيق من ورق ، ثم صدقتها وبنيت عليها قصوراً من التخيلات والتصورات لأمور لا وجود لها في الأصل ، وإليك بيان ذلك فيما يلي.
لاحظ أن الله تعالى يقول في الآيتين 33 و 34 من سورة آل عمران (۞ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ 33) ، (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 34) ،، وبالتالي فإن هاتين الآيتين تحسمان أمر "رسالة رسل الله الكرام" بأنها لا يمكن أن تخرج من هذه الإصطفاءات الأربعة بأي حال من الأحوال ، بمعنى آخر لا يتوقع أحد أو يدعي بأن هناك أي نبي أو رسول لله تعالى يمكن أن يكون خارجاً عن هذه الإصطفاءات الأربعة ، وسيكون إمتداد كل من آل إبراهيم وآل عمران ذرياتهما إلى آخرهما من "الذكور" دون الإناث . لذا فقد إنتهى تسلسل آل إبراهيم عند محمد بن عبد الله ، فكان خاتم الأنبياء والمرسلين ، كما كان "والد مريم" أم المسيح عيسى عليه السلام هو آخر تسلسل في آل عمران من "الذكور" طبعاً ، لذا إقتضت الضرورة المنطقية أن تلد مريم عيسى عليه السلام عذراء بدون أب لأن هذا الأب حتماً ومنطقياً (سيكون خارج تسلسل آل عمران وبالتالي ينقطع نسب المسيح عن الإصطفاءات الأربع سالفة الذكر ، ولو لا نذر إمرأة عمران (أ ل م) "ما في بطنها لربها" على أمل أن يكون ذكراً ، فيصطفيه الله بالنبوة لأنتهى الإصطفاء بوالد مريم (عمران الحفيد) وليس عمران (الجد) والد كل من موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام .
فمثلاً: إذا كان نبي الله محمد هو حفيد سيدنا إسماعيل إبن سيدنا إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام ، رغم البعد الزمني الكبير الذي يباعد بينهم (والذي يفوق بكثير البعد الزمني بين نبي الله هارون بن عمران وبين الصديقة البتول مريم إبنة عمران "والدها") إلا أنه بمدلول الآيتين أعلاه أن محمداً هو إمتداد طبيعي لإصطفاء آل إبراهيم فهم ذريةً بعضها من بعض والله سميع عليم ، ومع ذلك سمى النبي محمد أحد أبنائه "إبراهيم" على إسم جده إبراهيم الخليل ، وهو بالطبع داخلاً في تسلسل آل إبراهيم ، فلو إتفق أن أنزل الله تعالى في السيدة فاطمة الزهراء إبنة رسول الله قرآناً لخاطبها بقوله (... يا أخت إبراهيم ...) ، فهل يعقل أن ينصرف الذهن إلى أن المخاطب المقصود هو جده إبراهيم الخليل أبو الأنبياء ؟؟ وهل يعتبر إبراهيم إبن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم المصطفين أم أن هناك إعتراض أيضاً على ذلك ؟؟؟
فإذا رجعنا الآن إلى الإصطفاء الرابع والأخير ، وهو آل عمران الذي يبدأ أولاً "بموسى وهارون" عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ،، الذين يبعدان عن زمن ميلاد مريم بحوالي (1500 سنة) ، فما الذي يمنع من أن يكون لمريم أخ إسمه "هارون" أيضاً ، على إسم جده هارون بن عمران أخو موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام ؟ وأن يكون هذا الأخ من عباد الله الصالحين الذين لم يشأ الله أن يصطفيهم رسلاً رغم أنه كان صالحاً ورعاً مشهوداً له بذلك ، وإنه بمدلول الآيتين أعلاه داخل في إصطفاءات آل عمران لقوله تعالى ذريةً بعضها من بعض ، وبالتالي هذا لا يمنع أن يناديها قومها بقولهم (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28) وبالفعل لم يكن أبوها (عمران الحفيد) أمرأ سوء لأنه من آلٍ صالحين مصطفين من ربهم ، كما أن أمها (إمرأة عمران) والدة الصديقة البتول مريم أيضاً لم تكن بالطلع "بغيةً" ، وإلا لما سمع لها الله تعالى ولما استجاب لرجائها (أ ل م) ، وبالتالي لما كانت مريم ولما كان عيسى عليه السلام ؟؟؟
أما قول موسى عليه السلام في سورة طه (هارون أخي) هذا أمر طبيعي لأنه بالفعل أخوه وقد طلب من الله تعالى أن يعضده بأخيه لميزات فيه ذكر تفصيلها في القرآن ، ولكنه لا يهمنا نبي الله هارون هنا في هذا المقام لأنه ليس هو المقصود بعبارة "يا أخت هارون" ، وحتى إن إتفق أنه كانت له أخت آنذاك إسمها "مريم" كما تقول الروايات أم لا فليس هناك أن تسمى تلك مريم وهذه أيضاً مريم !! ، وعلى أية حال ، فقد إعتاد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول: (رحم الله أخي داؤد فإنه كان يأكل من عمل يده) ، كما كان يقول عن باقي الأنبياء (أخي موسى ، أخي عيسى ، أخي سليمان ،،، الخ) .
يا أخي ليست هناك أغلاط بالقرآن ، فالقرآن محكم ، فأنت لم ولن تفهمه (إلا إن يشاء الله) لأنك لا تقرأه بغرض التدبر والمعرفة ولكنك تفعل ذلك بغرض اللغو والخوض فيه أو لعله قد أغلق دونك فحرمت من نوره جزاءً وفاقاً ، وسأثبت لك ذلك عندما نتطرق إلى الحروف المقطعة في فاتحتي سورة آل عمران (الم) وفي فاتحة سورة مريم (كهيعص) ، والوقوف على علاقة السورتين من خلال الحروف المقطعة ثم من خلال الأحداث التي تصورها أيات السورتين معاً ،، حينئذ سنعرف معاً قصة يحي بن زكريا وعيسى بن مريم من بدايتها وبالتفصيل الدقيق ، والله ولي التوفيق .
أما عن قولك بأنه لا يمكنك الدخول إلى المواقع الإسلامية على زعم أنها موبوءة بالفيروسات فإن هذا لا ولن يضيف شيئاً جديداً ، فنحن نعرف رأيك في القرآن ورب القرآن ونبيه وأمة محمد جميعاً ، فأنت قد بلغت أقصى ما تستطيعه ، فما تضيفه سيكون بمثابة الرجوع إلى المربع الأول ،، إذن ، يهمنا أن تبقى في مكانك حيث أنت وحيث النقاء والصفاء والطهارة ، وسنأتي إليك حيث كنت فلا داعي تعرض نفسك للخطر الإسلامي الإرهابي هناك .
فقط أسمح لي أن أقول لك ،، للأسف أظنك قد حبست نفسك في دائرة ضيقة قضت على ملكتك وقدرتك على المناظرة والحوار ، وذلك بعدم الإجتهاد بما فيه الكفاية لفهم المعطيات والحقائق بالمراجع والتاريخ ، حيث توهمت بأنك قد حققت إنتصارات باهرة وأنك قد ملكت ناصية المبادرة ، وواضح أنه قد إختلطت عليك الأمور وتشابكت عليك الخيوط فبات الإنتصار عندك هجوم فارغ من المحتوى والمضمون فبت تدور في حلقة السفسطائيين المفرغة بدايتها حيث النهاية وعند نهايتها تبتديء ، ليتك تتريث قليلاً حتى تقوي موقفك كثيرا بالحجة البالغة المعجزة ،، ثم بعد ذلك سيكون المجال أمامك أوسع للسباب والإهانات والقتال ، هذا مجرد إقتراح ، ولك أن لا تعمل به وتستمر في برنامجك كما هو . لأن الطريق أمامنا طويل ولا زلنا حتى الآن في بداية البداية ، لم نتوغل بعد في العمق المتوقع وذلك إذا لمسنا منك قدرة وإستعداد للحوار المثمر للإنسانية جمعاء .
يا أخي: من قال لك أن آل عمران بحسب القرآن هم من ذكرت ؟ ومن قال لك أصلاً إن القرآن لم يشرح من هو (عمران) ؟ ألا ترى أن الله تعالى قد خصص ثاني أكبر سور القرآن الكريم (سورة آل عمران) التي عدد آياتها (200 آية) ، وسماها بإسمهم (آل عمران) ، بالإضافة إلى سورة أخرى من السور الطوال بالقرآن تتكون من (98 آية) هي سورة خاصة لمريم (إبنة عمران) ، وسُمِيَتْ بإسمِهَا (سورة مريم) ، إذن كيف تريده أن يشرح لك أكثر من ذلك ؟؟؟ علماً بأن عمران "بذاته وشخصه"ليس له أي دور في الأحداث ولا في تصريف الآيات ولم يخصه الله تعالى بالذكر لشخصه ولا داعي لذلك أصلاً فهو والد موسى وهارون إوآله هم يمثلون رابع إصطفاء ، وكفى . كما نذكرك بأن أيات كثيرة أخرى جاءت بالقرآن الكريم يذكر الله تعالى فيها إشارات وأقوال لموسى وعيسى ومريم عليهم السلام في غير هاتين السورتين . يكفي أن تعلم أن "عيسى بن مريم" عليه السلام جاء ذكره بالقرآن خمسة وعشرون مرةً بيما لم يذكر نبي الله محمد إلا أربع مرات فقط ،، ألا يعني لك هذا شيئاً ؟
يا أخي ،، أقول لك مرةً أخرى - إرفق بنفسك قليلاً - من قال لك أن عمران عامل مشترك ما بين قوله (موسى إبن عمران) وقوله عن مريم أم عيسى (إبنة عمران) ؟ أين هذا الرابط بالله عليك (.. أين..) ؟؟ العمرانان لا علاقة لبعضهما ببعض إلا في سلسلة آل عمران المصطفاة لا أقل ولا أكثر أحدهما في أول السلسلة والآخر في آخرها وبينهما فترة خمسة عشر قرناً من الزمان ، "فعمران موسى وهارون" ذلك هو الجد ، أما "عمران مريم" فهذا هو الحفيد ولكن اتفق أن سُمِيَ الحفيد على إسم جَدِهِ ، فمسألة إختزال الفارق الزمني بينهما هذه إنما هي إبتكار من عند أنفسكم إبتدعها علماء "صهيون" تريدون بها إطالة أمد اللجاجة والسفسطة والمماحكة والمجاكرة لا أكثر ، أَمَاْ وقد أصبح هذا الكرت محروقاً لا فائدة ترجى منه ،، فعليكم ألآن البحث عن أغلاط أخرى غيره بالقرآن (إن استطعتم لذلك سبيلاً) ومغالطات أخرى تستحق الوقوف عندها . وكما وعدتك من قبل ، أعدك هنا الآن مرةً أخرى بكل هدوء وتجرد من العصبية والتعصب وبكل إتزان ، بأنني سأحاوركم "علمياً ومنطقياً" بكامل سورتي آل عمران ، ومريم ، لأن فيهما أسراراً لا بد من تهيئتكم إليها ، ولعلي أظنها وضعت لذلك بصفة خاصة ، فحينئذ فقط ستعرفون كل شيء عن عمران وموسى وهارون وإمرأة عمران وزكريا ويحيى ومريم ثم عيسى ، وستعرفون إن شاء الله تعالى لماذا لم يكن لعيسى أب في الأساس وما حتمية ذلك ومبرراته ، حينئذ ستعرفون لو قدر لكم ذلك مدى إحكام القرآن الكريم وآياته البينات المنيرات . فقط أرجعوا للكتب المقدسة الحقيقية التي لم تصلها يد التحريف (إن استطعتم لذلك سبيلاً) وستجدون أنها والقرآن من مشكاة واحدة لا تضارب بينها والقرآن .

في إنتظار المزيد منكم على عجل ،

أنور









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah