الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين.. والسيرة (2-3)

وديع العبيدي

2012 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"الكتاب المقدس هو سيرة الاله!"
ليست الخرافات والخزعبلات الدينية والشعبية قصرا على جماعة دون غيرها، فهي منتشرة في الغرب كما في الشرق، وفي الشمال كما هي في بلاد الجنوب، بل المتشابه منها يضاهي المتفاوت. لكن عرب القرن السابع الميلادي كانوا يقرون بجهلهم وتخلفهم الحضاري، كما هي النظرة إليهم حتى اليوم من قبل الشرق أو الغرب، وهو ما جاء الاعتراف به في لغة القرآن (الذي بعث في الأميين ريولا منهم)/ الجمعة 2. ولم تكن لهم كتابة أو تدوين أو خط أو أبجدية، وأغلب الظن أنهم كانوا يستخدمون العبرية أو السريانية/ الآرامية للتدوين النادر، وكان الخط الحيري أو المسند، المأخوذ عن العبرية أقدم خطوطهم المستعملة.
وفي رأيي أن التخلف والأمية ليست بنمط المعيشة أو القراءة والكتابة، وانما هي بالعقلية ونمط اتفكير وطبيعة المنطق. فقد تعلم العرب وأسرفوا في الألقاب العلمية وأعداد الجامعات ولكن أنماط تفكيرهم التقليدية لم تتغير، وزادت نسبة التخلف (الثقافي) في صفوفهم رغم انتشار مظاهر التكنولوجيا الحديثة بينهم. لعلّ الردّة الفكرية الثقافية التي جعلت الفكر الديني الغوغائي الرجعي يتصدر المجتمع والسياسة والدولة والدستور دليل مفجع على ذلك.
ويبدو أن مصطلح الدين أو الفكر الديني عرضة لسوء الفهم اليوم. ان دعاوى الدين/ (التدين) والدعوة لتطبيق الشريعة أو (الاسلام)، يختلف المقصود بها اليوم، عما كان عليه الأمر قبل نصف قرن/ قرن/ أو قرنين وفوق ذلك. فالمعنى يرتبط بثقافة الزمن ومستوى الحضارة. وإذا كانت الفوضى والانحطاط هي ملامح حياة العرب اليوم، فلا يمكن الاطمئنان إلى ما يخرج من تلك الفوضى والانحطاط أو ما يمثلها. بعبارة أوضح أن علماء الدين ومشايخه في زمن الانحطاط ليسوا علماء ومشايخ لو كانت الأمور في خير. ويكفي أن نجوم الفضائيات الاعلامية ينظر إلهم باعتبارهم علماء ومشايخ في لغة رخيصة تبتذل الألقاب والعلوم. بينما يستخدم مهرجو الاعلام مختلف تقنيات البطل الشعبي (popstar) للاستحواذ على عواطف الناس واستقطاب مشاعرهم وتوجيه رغائبهم. وازدياد القنوات الدينية (اسلامية أو مسيحية) هي من علائم الفوضى والتجارة الدينية التي تركز على نجوم شاشة ومهرجين جدد حسب رغبات الجمهور ورواد الاتصالات الفضائية المتلفزة.
ويرى الباحث ابراهيم فوزي* أن ثمة خطأ في فهم الشريعة بين اتجاهات الفقه التقليدي والفقه الحديث. ويؤكد على أهمية الفصل بين العبادات والمعاملات. ويرى ان الشريعة تتحدد بالعبادات المنصوص عليها أما المعاملات فهي متحركة متغيرة بحركة الزمن وتغيره. ويقول أن المعاملات الواردة في القرآن نفسه خضعت للتغيير عند اختلاف الظروف من خلال ما يدعى بالناسخ والمنسوخ، مستشهدا بالقول .. (وما ننسخ من آية أو ننسِها، نأتِ بخير منها أو مثلها)/ البقرة 106. وثمة.. فلابد من التكيف مع حياة العصر، ولا يليق اتباع نهج الأولين في أمور دنيانا اليوم.
أما الأمر الآخر الذي يشير إليه فهو مدى مصداقية المرويات الاسلامية سواء في الحديث أو السنّة أو تواريخ الأولين. ويتوقف لدى أشخاص الرواة والمدونين، وما تذكره المصادر عنهم، مؤشرا على أمرين، العدد المبالغ فيه للروايات والأحاديث التي لا تناسب سن الراوي أو علاقته بالمروي عنه، وكذلك التفاوت والتناقض في الروايات والأحاديث. ويمكن القول، أن خضوع الاسلام للدولة من جهة، والصراعات السياسية المستمرة، كان لها أثر رئيس في كثرة المرويات وتناقضها، كلّ بما يخدم مصالحه واتجاهه، وهو ما يدعى بالروايات المختلقة والأحاديث الأكاذيب.
فالمروجون للشريعة يخلطون بين كل ذلك، مضافا إليه تاريخ الافتاء الرسمي عبر القرون وباختلاف المذاهب، مما ينفي وجود نسخة مدونة واضحة وثابتة من الاسلام (الشريعة)، وانما هو نسخة انتقائية تتحدد بمدى معرفة الزعيم الديني أو يقوده إليه عقله واجتهاده، في ظل مرحلة الفوضى والانحطاط الراهن.
يقول الدكتور صادق جلال العظم، (أن الفكر الديني بهذا المعنى ليس إلا الصعيد العلوي الواعي لكتلة هلامية شاملة غير محددة الجوانب من الأفكار والتصوّرات والمعتقدات والغايات والعادات التي نطلق عليها أسماء عديدة..)*، ويحدد في دراسته المرتبطة بدراسة أسباب هزيمة 1967 (أن الأيديولوجية الدينية على مستوييها الواعي والعفوي، هي السلاح "النظري" الأساس والصريح بيد الرجعية العربية (وحلفائها العالميين) في حربها المفتوحة ومناوراتها الخفية على القوى الثورية والتقدمية في الوطن)*.
والسيرة الدينية – في هذا المجال- هي ركن أساس من أركان الفكر الديني غير المعلنة رسميا. ولها يرجع الفضل في تسويق وتسويغ الخطاب الأيديولوجي بطرق ووسائل ديماغوجية تتخذ طابع البراءة (المسمومة). أهمية (خطورة) الخطاب الشعبي السردي لا تقتصر على توصيل الفكر الوعظي التوجيهي والرسائل الظرفية المشفرة للجماهير العريضة، وانما في طبيعة جمهورها المفتوح بدون محددات أدلجية. فجمهور السواليف والأساطير هذه لا يقتصر على أتباع الدين، وانما المجتمع على سعته، وطبقاته بغير تحديد. فهي بذلك تتخذ مكانها كجزء من الثقافة العامة واللاوعي الجمعي للجميع بما فيهم الانتلجنسيا وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى. ورغم طابعها السطحي والساذج (harmless)، فهي سلاح متعدد الأغراض والتأثيرات. ورغم ذلك فأنها عادت وانتشرت بشكل يندر مثيله في عصر تجاوزت فيه الحداثة كل أطرها التقليدية، وبدل الانتقال لما بعد الحداثة (الأوربية)، وجد المجتمع العربي نفسه في مرحلة ما قبل القرون الوسطى، مما يعيد للأذهان القول (مع أن كون الفكر الديني سلاحا نظريا بيد الرجعية العربية وحلفائها العالميين كان معروفا (..) لم تهتم حركة التحرر العربي أبداً بواجبات التصدي الفكري والعملي لهذا السلاح، عن طريق التحليل العلمي النقدي، لفضح أنواع التزييف والاستلاب التي تفرضها الأيديولوجية الدينية على الانسان العربي)*.
*
(هل أتاك حديث الجنود.فرعون وثمود.)/ البروج 17، 18.
(ان هذا لفي الصحف الأولى. صحف ابراهيم وموسى.)/ الأعلى 18، 19.
(ألم ترَ كيف فعل ربّك بعاد. إرمِ ذات العماد. التي لم يخلقْ مثلُها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالوادِ. وفرعون ذي الأوتاد.)/ الفجر 6- 10.
(ألم ترَ كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل. ألم يجعل كيدهم في تضليل. وأرسل عليهم طيرا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل. فجعلهم كعصف مأكول.)/ الفيل 1- 5.
(كنزا ربّا) كتاب المندائية المقدس يشير إلى عدّة كتب قديمة، منسوبة إلى آدم، ادريس (أخنوخ)، نوح، يوحنا المعمدان. كما كشفت العثريات المصرية عن كمية من الأدبيات المسيحية غير المذكورة بين دفتي البايبل، ومنها أناجيل توما، يهوذا، مريم المجدلية، ورسائل رعوية من الرسل والآباء. وبما يفيد عمق الرغبة/ الحاجة البشرية أو الدينية لكتابة سير شخصية وقصص أحداث تندرج في خط ديني معين، يتفق مع الخط العام أو يختلف عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 167-An-Nisa


.. رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود أولمرت: نتنياهو لا يري




.. 166-An-Nisa


.. موكب الطرق الصوفية يصل مسجد الحسين احتفالا برا?س السنة الهجر




.. 165-An-Nisa