الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسقاط الشخصية على الآيات القرآنية

نافذ الشاعر

2012 / 7 / 31
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإسقاط غريزة فطرية في النفس الإنسانية، فأحيانا نتأمل الجدران الملطخة والأحجار المبقعة فنرى فيها صورا وأشكالا لبلدان متنوعة تزينها الجبال، وتجري فيها الأنهار، ونرى فيها الأحجار والأشجار والسهول الواسعة والتلال على اختلاف أشكالها. كما يمكننا أن نرى فيها معارك مختلفة وأفعالا متنوعة تقوم بها مخلوقات غريبة الأشكال، ونشاهد العديد من الوجوه والملابس وأشياء أخرى كثيرة لا يمكن حصرها هنا، ومن يتعامل مع تلك الجدران والأحجار، يشبه من ينصت إلى صوت الرياح فيسمع فيها كل اسم أو حرف أو كلمة يمكن أن يتخيلها"[1]

من هنا انبثقت الطرق الاسقاطية أو اختبارات إسقاط الشخصية.. فهي وسائل غير مباشرة لقياس شخصية الإنسان في شتى جوانبها السوية منها أو غير السوية، "وتتمحور هذه الفكرة حول عرض المواقف الغامضة والصور غير المكتملة بهدف دفع الإنسان لإيجاد التفسيرات والحلول على طريقته الخاصة. وهكذا يجد الإنسان نفسه مضطراً لاستعمال تجاربه، وخبراته، وخياله، ورغباته، وذاكرته وكافة عناصر لا وعيه.. وذلك بهدف إيجاد التفسيرات والحلول للمشاكل التي يطرحها الاختبار الإسقاطي. سواء كانت جملاً تعرض مشاكل محددة، أو صوراً تطلب إيجاد تفسيرات معقولة ومحتملة. وبهذه الطريقة يتيح لنا الاختبار أن نطلع على عناصر لا وعي الشخص، وأن نفهم شخصيته وميوله بشكل أعمق"[2]

والطرق الإسقاطية، مع تعددها، تعتمد على مفهوم الإسقاط الذي هو عملية دفاعية لا شعورية يعزو بها الفرد دوافعه وإحساساته ومشاعره إلى الآخرين، أو إلى العالم الخارجي. والإسقاط كما يستخدم في الطرق الإسقاطية يشير إلى منبه أو مثير غامض غير محدد يقدم إلى الفرد ويطلب منه تأويله وإعطاء معنى له، وتعكس إجابة الشخص، عند ذلك، دوافعه وحاجاته وميوله وذاته ونزعاته.. وهذه المنبهات الخارجية الغامضة أنواع متعددة مثل بقع الحبر، أو الكلمات، أو الجمل الناقصة، أو الصور، أو السحب.. الخ.
ويُفترض أن يكشف الشخص في استجابته لهذه المنبهات وأمثالها عن تركيب شخصيته وقيمه ومثله العليا ومشاعره ودوافعه[3]

من هذا المفهوم وضع ما يسمى "اختبار تفهم الموضوع" T.A.T الذي يعتبر وسيلة لفحص ديناميات الشخصية. ويحتوي هذا الاختبار على 31 صورة غامضة بعض الشيء، وتحمل كل منها تأويلات شتى، ثم يطلب من الشخص أن يقص علينا قصصاً عن كل صورة من هذه الصور. بمعنى أن القصص التي يقصها الشخص عن كل صورة تعتبر إسقاطات من الفرد أثارتها تلك الصور.
وهذه الصور، التي يحتويها هذا الاختبار، تتناول كل صورة منها جزءاً خاصاً من حياتنا نحن البشر. ومن مجموعها نكون صورة متكاملة عن حياة الشخص النفسية، لذلك من المفترض أن يتأثر كل إنسان بصورة واحدة من هذه الصور على الأقل. لأن كل صورة- وهذه أمنيتهم منذ البداية- وضعت على أساس أن تمس جانباً من جوانب النفس المختلفة، وعند ذلك نضع أيدينا على خفايا وسواتر الشخصية، كما يقولون!

هذه المقدمة عن الإسقاط سقناها لنقرر بعدها أن القرآن- بحسب هذا المفهوم- يعتبر اختباراً لإسقاط الشخصية، وقد سبق علماء النفس في هذا المضمار. ولا نقصد بالإسقاط ما يقصده النفسانيون تماماً، وإنما نقصد جانباً خاصاً في الإسقاط هو الاستجابة أو رد الفعل التي تصدر من شخص ما عند تعرضه لمثير ما.
فكل قارئ للقرآن تجده يتأثر بآية قد لا يتأثر بها غيره، وقد تستثير فيه انفعالات وأحاسيس لا تستثيرها فيمن سواه، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن الآية التي لا تستثير فينا أي انفعال في وقت من الأوقات.. فإن هذه الآية تزلزل كياننا النفسي برمته في أوقات بعينها.. وهذا بحسب التجربة التي نمر بها في تلك اللحظات. "عند ذلك ، تتفتح الآيات عن رصيدها المذخور، وتتفتح القلوب لإدراك مضامينها الكاملة. وهنا تتحول تلك النصوص من كلمات وسطور إلى قوى وطاقات، وتنتفض الأحداث والوقائع المصورة فيها. تنتفض خلائق حية، موحية، دافعة، دافقة، تعمل في واقع الحياة، وتدفع بها إلى حركة حقيقية، في عالم الواقع وعالم الضمير"[4]

ومن هنا، كانت فائدة قراءة المسلم جزءاً من القرآن يومياً على الأقل. لأن هذا الجزء لابد أن يصادف فيه القارئ، على الأقل، آية واحدة تمس جانباً مما حدث معه أثناء النهار، فتجعله يعيد حساباته، ويراجع أفعاله وتصرفاته!

وأضرب مثلا بنشأة النظرية الشيعية؛ فقد نتج عن توالي الإحباطات الشيعية لاسيما بعد مقتل الحسين في كربلاء، أن تقوقع آل الحسين على أنفسهم يتحسرون في الحجاز، وهنالك التف حولهم فلول من الأشياع درجت على ممارسة النقمة الصامتة، الأمر الذي تحول إلى مبالغة في التعصب يؤججها القهر والإحباط، وتؤجج هي بدورها لدى آل الحسين أشواقا دفينة للانتقام فضلا عن الوصول إلى حقهم المهضوم. ولكن الواقع كان شديدا وعاتيا، إلى درجة الإحساس باستحالة النيل منه، بل حتى التعامل معه، مما كرس في النهاية ذلك التوجه العجيب في إسقاط ما بداخل نفوسهم على فهم وتأويل آيات القرآن الكريم للتنفيس عن تلك الأشواق المكبوتة والتعصب المقموع..

وحين نمعن النظر في تأويلات الشيعة لآيات القرآن الكريم، نشعر كما لو كان إثبات الولاية لعلي وأبنائه هي قضية القرآن الكبرى؛ فأهل البيت هم "حبل الله" حين قال: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ). وهم الصادقون الذين عناهم الله بقوله (وكونوا مع الصادقين). وهم صراط الله المستقيم في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وهم "الهداة" الذين قال الله فيهم: (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }الرعد7،. بل هم المذكورون في فاتحة الكتاب، فالصراط المستقيم هو صراط محمد وآله. والمغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحا، لا تتحقق إلا بالاهتداء إلى ولايتهم؛ فذلك هو قول الله تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)؛ فاهتدى يعني اهتدى لولاية أهل بيته، وسوف يسأل الناس عن ولايتهم يوم القيامة؛ فذلك هو معنى قوله تعالى:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ }الصافات24 أي عن ولاية علي وأهل البيت، والمعنى أنهم مسئولون هل والوهم حق المولاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها فتكون عليه المطالبة والتبعية"[5]

------------------------------------------------------------------
[1] نظرية التصوير: ليوناردوادافنشي، ترجمة عادل السيوي، ص 100، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة
[2] إسقاط الشخصية في اختبار تفهم الموضوع: محمد أحمد نابلسي وسعاد موصللي، ص6، دار النهضة العربية.
[3] أصول الصحة النفسية: أحمد عبد الخالق، ص118، دار المعرفة الجامعية.
[4] في ظلال القرآن: سيد قطب، جـ5/ 3836
[5] السلطة في الإسلام: عبد الجواد ياسين، ص222، المركز الثقافي العربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف