الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السعادة كالنشوة ان لم تحقق ذاتيا لن تحقق

وسام غملوش

2012 / 8 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البحث عن السعادة كان لعنة لكل من اراد الوصول اليها وتحقيقها من خلال الاشياء، فهي السراب الذي يلامسه البصر ولا تدركه يد البشر، فلا يدركه الا صوفي يرى ما تحويه الاشياء من زيف برّاق يختفي حين تلامسه شمس المعرفة كما يختفي حينما تلامس الشمس زبد البحر .
يقضي الانسان عمره متوهما انه سيحصل على السعادة من خلال حصوله على مبتغاه من امور مادية او مراكز عملية او غيرها من محطات حياتية ظرفية ،ولكن كلما وصل الى احدى امنياته سرعان ما تبهت في نظره ليصبح شاخصا بنظره على اخرى ظانا انه اخطأ في المرة الاولى في امنيته، ليسعى جاهدا الى تحقيق الاخرى، وهكذا دوليك ،مكذبا يبقى ذاته ،ودائما يحمّل نفسه خطأ الامنية، لكنه في نهاية المطاف يدرك انه كان واهم يبحث عن سراب لا يمكنه ان يدركه ولا سيما في الاشياء ليعلن ان السعادة كانت في الرحلة، وهذه اكبر تعزية للنفس، وان السعادة الحقيقة غير موجودة على هذا الكوكب.
لكنه ايضا اضحى على خطأ لأن السعادة تدرك على هذا الكوكب (ولكن ليست السعادة المرجوة في مفهومها العام)، وان لم تدرك هنا لن تحصل على مايسمى جنة التي هي مرادف( لمفهوم السعادة)، بل ستعود الى ارض اخرى او كوكب اخر تفتش عن السعادة من جديد، وان لم تستطع ان تدرك ايضا انها ليست بالاشياء وانما الاشياء هي مكمل للسعادة اي هي الكماليات للسعادة حين تجد ينبوع السعادة الاساسي عندها لن تضطر ان تبقى في حالة سعي دائم وراء الاشياء بل ستكتفي بما يساعدك على العيش وبأقل رفاهية ممكنة لان السعادة هي من ستجعل الاشياء جسر للعبور وليس العكس والا ستبقى تدور في حلقة وجودية مفرغة الى ما لا نهاية ،وهذا طبعا ضمن فرضية خلود الانفس.
فالسعادة هي اشبه بالنشوة من السهل تحقيقها عندما نستعمل البصيرة لا البصر فقط لنرى خلف زيف الاشياء برمجة دماغية لا نعرف حتى الان الا القليل من مبتغاها بسبب كثرة الفرضيات، واقرب طريق للوصل اليها(السعادة ) هي المعرفة التي من خلالها تولد القناعة الحقة وليست القناعة الجبرية التي يتحاكى بها اغلب الناس عندما يصيبهم اليأس من شعورهم بالاحباط بأنهم لم يدركوا السعادة فيتقوقعوا داخل ذواتهم محاولين تقبل ما توصلوا اليه من رفاهيات حياتية ليصبحوا قانعيين ولكن ليس راضين.
فعندما نعرف حقيقة الاشياء ندرك ان الاشياء تُرى من خلالنا ولسنا نحن من نُرى من خلالها ،والقناعة التي يجب ان تولد الا وهي :ان كل الاشياء الموجودة هي مجرد وسيلة حياتية لسعادة ظرفية وليست للسعادة الدائمة لتصبح القيمة الذاتية والكينونة الذاتية اعلى واغلى من قيمة الاشياء.
فنحن من يصنع الاشياء لتسعدنا اي نحن اخبر بالسعادة ونحاول ان نجسدها بالاشياء ولكن من الصعب ان تعطينا الاشياء السعادة الحقة لأن السعادة هي اشبح بطائر روحي الشكل لا يمكن ان يسكن الاشياء وانما يمكن ان يترك عليها بعض من لمساته لذلك دائما نراها في الاشياء ولكن سرعان ما نكتشف انها كانت سراب لم تروي ظمأنا.
ولنعد قليلا الى النشوة ووهمها التي هي كالسعادة حينما نراها فقط في الاخر، فأغلب البشر حتى الان لم يدركوا ان النشوة التي يحصلون عليها هي داخلية ولا دخل للانثى بها، الانثى هي مجرد تحريك شهوة واثارة لهذه الشهوة التي توصل الى النشوة الخاصة من الداخل.
نحققها ذاتيا ونسعد بها ذاتيا، فإن لم نصل الى لحظة ( القذف) لن نحصل عليها اي (النشوة) ولو بقيت الانثى شهور بالغنج والدلع والمداعبة وحتى لو كانت اجمل و اكثر النساء اثارة في الوجود فلن نحصل على النشوة الا اذا تم القذف ذاتيا، فالسعادة هي كذلك ان لم تنبع من الداخل لن نحصل عليها الا بشكل مؤقت ووهمي.
وتبدأ رحلة البحث عن السعادة عند الانسان العادي في تجميع المال وشراء الاشياء، العقارارت، السيارات، الارتقاء في العمل من منصب الى منصب، مصاحبة اكثر النساء جمالا والزواج ايضا بإجملن، ولكنه لا يثبت في مكان لا في سيارة جميلة ولا في عمل يرضيه، حتى لو كان الرئيس صاحب المقام الاول، وتصبح المرأة الجميلة في منزله مجرد اثاث جميل يراه الناظر الجديد، اما هو اصبحت عيناه بالخارج من جديد.
اما النوع الثاني من الناس، يريد الوصول اليها في بحث معرفي وجودي صرف يأخذه الى حقائق خارج المفهوم المفرض عليه الذي يجبره ان يكون الة فقط ترى الجمال من خلال برمجة هو تحت تأثيرها تبدأ في حب الذات وتنتهي في كلمة اريد ولكنه يخطئ في تفسير معنى حب الذات ليراه في الاشياء، وكما قال (بوذا حين سأله احد الاشخاص كيف احصل على السعادة فأجابه بوذا: تخلى عن "انا" فذلك حب الذات ثم تخلى عن "اريد" فتلك رغبة وشهوة ) ولكن هذه الاشياء لا نستطيع التخلي عنها الا اذا خضنا غمار المعرفة دون توقف ودون خوف مما سنلاقيه من شك وكفر وتهديم افكار وتقاليد واعراف حتى تنجلي كل السحب التي تخفي ورائها جمال الحقيقة التي توصلنا الى التحرر وكما قال الانجيل: (الحقيقة تحرركم)، ولكن لا يستطيع تحملها (الحقيقة) الا من اصبح عقله وقلبه نورانيا عندها يمكن ان يلامس جمال السعادة خلف كل معاير هذا الكوكب الذي ما زال مقيدا بكل انواع الجمال الظاهري.
فالتناغم الذي سيحققه في الوصال الشاعري بين الروح والنفس والجسد الذين هم من عالمين مختلفين سيضفي لمسة من السحر والدفء يشعره بالامان و الارتياح توصل بالشخص الى الخروج من ضغوطات الحياة ومفروضاتها اليومية التي تشكل العبء الاساسي في مسيرة طويلة.
فالسعادة بشكل عام تختلف باختلاف الأعمار وهي ما يؤكد ان السعادة حتى الان ضائعة المفهوم ويقول المفكر جورج سواريز انها:
.( في العشرينات هي الحب , وفي الأربعينات هي الطموح , وفي الستينات هي المجد , وبعد ذلك الراحة , فالحياة منتظمة لدرجة أنك لا تجد شخصاً يسعى دائماً وراء نوع واحد من السعادة حتى مماتـه) .
وايضا نراها( عند الفقراء : الحصول على الثروة
وعند المرضى : الامتثال للشفاء
وعند العشاق : اللقاء و الوصال
وعند الغرباء : العودة للوطن
وعند السجناء : تحقيق الحرية
وعند المظلومين : الإنصاف والعدل)
ولكن هذه ليست السعادة انما هي تخلص من عبءما ليس الا ،وعند التخلص منه تبدأ الامنيات بتزايد مستمر وبشكل متنوع اكثر، لذلك ليست الاشياء والامنيات الا وهم براق وسعادة عقيمة لا تنجب الا وساوس واوهام، وكما قال المسيح (ملكوت الله في داخلكم )والملكوت هو الجنة والجنة هي مرادف للسعادة فحين تنضح السعادة من كأسها المخبأ بين حنايا الروح التي تحمل في ثناياها اريج من جنة مفقودة نرى من خلالها البشاشة على وجوهنا ونحن ربما نكون فقراء معوزين لاننا ندرك حينها اننا على كوكب ليس هو اهل للسعادة فنسعد بما نحصل عليه من نعم نستطيع بها ان نعبر هذه الحياة، فعبورنا من ضفة الى اخر غير محملين باشياء تجعلنا ايضا نستمتع اكثر بالمشاهدة الحقة لم حولنا، اما لو كنا مثقلين بالاشياء سيكون همنا الوحيد هو الحفاظ عليها وسنبقى مشوشي البصيرة لان بصرنا سيكون شاخصا على ما بين ايدينا وليس على حقيقة ما حولنا.
وايضا ان سعادة النفس الاولى هي عندما حلت بالجسد لتسعد، فالسعادة الاولى للنفس كانت هي التجسد وحتى نحصل على السعادة من الاشياء علينا اول الحصول على السعادة الذاتية التي ارادتها النفس من الجسد وبعدها تكون سعادة الاشياء هي مكمل للسعادة الاساسية، عندها مهما كانت الاشياء بسيطة وعادية يمكنها ان تشعر النفس بالسعادة لذلك علينا بالبحث عن السعادة من الداخل وصولا بها الى الخارج وهكذا نكون حظينا بسعادة هي اشبه بالقناعة ولكنها تريحنا ونقطع بها مسيرة الحياة بأقل تعب ممكن وباكثر سعادة ممكنة على هذا الكوكب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العقول الشيئية لن تفهمك
سامي بن بلعيد ( 2012 / 8 / 2 - 06:36 )
لقد اسمعت ان ناديت حيا @@ ولكن لا حياة لمن تنادي

جل العقول العربية صارت شيئية
والمادة عندهم أهم من الانسان
في زمننا الحالي


2 - رد
وسام غملوش ( 2012 / 8 / 2 - 10:36 )
شكرا اخ سامي على مرورك
وانا معك انو اكثر العقول العربية في حالة ثبات
ولكن المحاولة تبقى سيدة الموقف

اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran