الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا وصدام والكويت

علي بداي

2012 / 8 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


علي بداي

في (3) كانون الثاني 1979 تجاوزت الحدود الكويتية متسللاً رافضاً إعلان الولاء والطاعة لصدام. قمت بهذه المغامرة الصعبة قبل (11) سنة من تجاوز صدام المسلح لحدود الكويت، لكي لاأضع نفسي بخدمته جندياً مطيعاً، يهاجم إيران مرة ، والأكراد ثانية، والكويت ثالثة ،والأهوار رابعة . لم ينجح تسللي، فبعد ليال من المشي المهلك في الصحراء داهمتني مسلحات الحدود الكويتية ورغم أنني كنت مطارداً ورغم تأكيدي على أن تسليمي للسلطات العراقية قد يعني إعدامي، ورغم طلبي من الشرطة تركي على الحدود أعود بنفسي الى العراق، أعادتني السلطات الكويتية الى عراق صدام مسلّماً الى مديرية أمن البصرة .
اليوم هو 2 أب 1990، الذي تجاوز حدود العراق داخلاً الكويت هذه المرة بصورة غير شرعية كان " صدام حسين " ولم أكن أنا..دخلها صدام محولاً أياها الى محافظة عراقية جديدة وسط ذهول العالم ، وكان عليّ كمواطن أن أحاسبه على تجاوزه، وأذكره أنه طاردني قبل عشرة أعوام ،أنا المواطن البسيط المجرد من كل سلاح لأني تجاوزت الحدود بإتجاه الكويت. كان عليّ أن أقول "لا" ضد الغزو وضد من خرج لتأييد الغزو بدون أن يعني هذا تأييدي بأي شكل لسياسة دول الخليج ولا لرغبة أمريكا الخفية بتدمير العراق.
نعم تجاوزت الحدود قبل سنوات من تجاوز صدام المسلح لحدود الكويت لكي لاأضع نفسي بخدمته جندياً مطيعاً ، خانعاً، يهتف لمجده الزائف.. فما الذي دفع بصدام الى التشبه بفعلتي؟ ومن الذي يحاسبه؟
قبيل أن يغزو صدام الكويت، وفي وقت تبادل الإتهامات بين صدام ودول الخليج ، جمعتني الصدفة مع تاجرين كويتيين في براتسلافا، تحدثا بحنق عن صدام وكيف ذبح العراقيين على مدى 20 سنة .. قلت لهما يعني هذا أن ماكان صدام يفعله كان معروفاً ومستهجناً من قبلكم؟
قالوا: نعم والله! ها نحن نعود ثانية لقصة شعوبنا التي لاتحس الظلم الأ إذا وقع عليها مباشرة..
طيلة ثماني سنوات عجاف كانت سعاد الصباح تتغزل بصدام ، وففي لقاء جمعها وصدام بثه التلفزيون العراقي قالت قصيدة طويلة تقول في بعض مقاطعها:
أنا البحر والشمس واللؤلؤة، مزاجي ان اتزوج سيفا، فكيف أقيم علاقة حب،إذا لم تعمّد بماء البطولة،وكيف تحب النساء رجالاً بغير رجولة

وتستمر وهي تحرض صدام على الإستمرار بالقتال وتشتم كل اهل الخليج
لماذا تقاتل بغداد عن ارضنا بالوكالة؟ وتحرس ابوابنا بالوكالة؟وتحرس اعراضنا بالوكالة؟وتحفظ اموالنا بالوكالة؟ لماذا يموت العراقي حتى يؤدي الرسالة؟ واهل الصحارى سكارى وما هم بسكارى؟
لماذا يموت العراقي والمترفون بحانات باريس يستنطقون الديارا؟ ولولا العراق لكانوا عبيدا،ًولولا العراق لكانوا غبارا؟
وبعد أن تغنت بمجد قادسية صدام حسين التي التهمت مليوني انسان وقدمت لخراب العراق والكويت وايران ، وساهمت مثل غيرها من مثقفي الأمة بتحطيم العراق مدفوعة بالحس الخاطئ ، وبوهم الشعور برد الإعتبار للكرامة العربية المهدورة بالخسارات والهزائم المتلاحقة امام اسرائيل، إنبهرت سعاد امام المشهد المرعب للمستنقع الذي كانت تسكب فيه قصائدها.
لقد وصل صدام الآن الى أن يتم تطبيق برنامجه الذي بدأه منذ عام 1959 ..ضحاياه من البشر بلغت الملايين لكن المهة مازالت لم تكتمل بعد..مازال أمام صدام متسع من الوقت ليعبث ويخرب في خارطة الشرق الأوسط الى أن تتم اللوحة كاملة ويستلمها أصحابها.. لوحة هي بعمر صدام نفسه منذ سنته الرابعة عشرة حين إرتكب أولى جرائم القتل والى أن يبلغ السبعين.. عمر كامل من التخريب والقتل والعبث المطلق. كنا نقول هذا وكان الكل يزوَر عنا مشيحاً بوجهه، كنا نحذر الجميع ولم يكن أحد يصغي الينا ، والآن ها هو صدام قد إجتاح الكويت وهو عمل بكل المقاييس متهور، ومغامر، ولا إنساني. حتى إذا كانت الكويت جزءاً من العراق فخير لهذا الجزء أن يبقى بعيداً عن الأصل الملّوث ، خير لهذا الجزء أن لايقع تحت أقدام ساديين، ومنحرفين، يقتلون البشر بلإذنب ولاحساب ولا وخزة ضمير، لكن الغزو كان كما قلتها مراراً في حساب التأريخ بضعة خطوط في اللوحة التي تسير الآن في طريقها لأن تكتمل.
في الصباح التالي، وكنت وقت الغزو في براغ ، جمعنا جمعاً من العراقيين وتوجهنا صوب السفارة الكويتية التي كانت تجاور السفارة العراقية. القيت بيان إدانة وإستنكار لجريمة الغزو ..كان الموجودون كلهم عراقيون معارضون بإستثناء إمرأة وشاب كويتيان التحقا لاحقاً وأمير من عائلة "الصباح" كان يقيم في براغ .
خرج السفيرالكويتي ( البهبهاني) والقى كلمة عن الكويت ودورها وعطاياها وتطرق لكل شئ ولم يشكر ولا حتى بكلمة واحدة العراقيين الذين جازفوا وساندوا بلاده ونظموا هذا التجمع ....بلاده التي كانت حتى الأمس القريب تدفع المال السخي لقتل آباء وإخوان هؤلاء المساندين. إنتبهت المرأة الكويتية الى هذا الخلل الأخلاقي الفادح فشكرت المتضامنين العراقيين ودعاني الأمير اليه وهمس بإذني:
ياعلي ألا تخافون؟ والله إنكم شجعان، السفارة العراقية قريبة يارجل! قلت: "من يفكّر بالخوف يخاف ولكننا لانفكّر به" وأتذكر إنه سألني إن كان لدينا مقر فقلت له كلا.. ولا أدري إن كان الرجل يعتقد إن ما فعلناه أو ما قوبلنا به يستوجب الرد ... مثلاً من قبل السفير الذي عاد لمكتبه دون كلمة واحدة معنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لماذا العراق...
أحمد التاوتي ( 2012 / 8 / 2 - 03:29 )
يبدو أن اللوحات الباقية في طريق الاكتمال ، واحدة عقب الأخرى.. و لا عزاء لمن لم يكن يهمه الأمر الا بعد التسليم
تحياتي سيد علي


2 - شكر
جمشيد ابراهيم ( 2012 / 8 / 2 - 22:11 )
شكرا اخي العزيز علي على هذا المقابل لنشارك ما عشته انت و اني اعتقد هذه الخبرات الشخصية مهمة جدا لانها تفتح لنا نوافذ اخرى وتضيف على تأريخ العراق الحقيقي
اجمل التحيات

اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون