الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبينوزا و أنا سيرة شخصية للعذاب

أسعد البصري

2012 / 8 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


 
ما أجمل أن تكون إلهاً
لا يخلق عبيداً ولا يحب الإزعاج
أجلس على صخرة سوداء في الجبل الممنوع
جبل لم يقف عليه نبيّ ولم تُسمع فيه موعظة
جبل مسحور كل مَن فوّق سهماً إليّ
يرتدّ عليه و يخترقُ نحره
المسافة بين فهم الشيء و تغييره
بين قول الأفكار و تطبيقها
الثقافة الثورية تعني صراعاً و ألماً
لكنها أيضاً عزلة لأن الوعي يظل فردياً
خصوم الثقافة يفضحون عقولهم بالمقاومة
لا يمكن مقاومة الثقافة بالثقافة هذا مستحيل
هذا ما يُسوِّد الوجوه و يجلب الخزي لهم
لستُ فكرة أو نظرية مجرد تحريض و غواية
عدم ارتياح التاريخ و صيرورة انقلاب
يحاصر الوطنيون في الأزمات والإنحطاط الثقافي
ولا يرفع الحصار إلا بخيانة وطنية
ولأن تاريخي نظيف سيخترعون القذارة اختراعاً ويلصقونها باسمي
لقد حول اليهود الفيلسوف سبينوزا ( 1632 - 1677 ) إلى نجس
لا يمكن الإقتراب منه لأكثر من متر
كان المتصدقون يرمون الطعام على بابه ويفرون من نجاسته
بعد أن دبر الحاخامات تهمة الزندقة وألصقوها به
لم تؤد تلك التهمة الإرهابية إلى حرمانه من الميراث فقط
بل كان لزاماً عليه مغادرة مسقط رأسه
أمستردام ( أكثر المدن تسامحاً في عصره ) حين أطلقت طائفته
اليهودية الفتوى بتكفيره عام 1656م حدث أمر ذو مغزى كبير
وهو تحالف رجالات الكنيسة مع الحاخامات في تحويل سبينوزا
إلى طريد يتلفت و منفي . تحالفات عجيبة لا تخطر على بال تحدث
لوأد صوت مستنير و متمرد
ضريبة الحقيقة كبيرة حين كنت أدافع عن هادي المهدي
أرسلت لي سيدة رسالة من أقاربه تقول إن المحققين
يتعاملون مع الشهيد كمتهم ويريدون إلصاق تهمة الزنى به
بل يدعون أن الجريمة كانت قضية شرف و غسل عار.
أبو ذر الغفاري و سبينوزا و هادي المهدي
هؤلاء فضائح صارخة لعصورهم و ربما مشرد مثلي
يتشرف اللحاق بهذا الركب . بعد وفاة سبينوزا ب خمسين سنة
كتب احد اللاهوتيين المسيحيين العبارة
التالية لكي توضع كشاهدة
على الضريح: (( هنا يرقد سبينوزا
ابصقوا على قبره ))
إن رغبتك بفعل شيء ليس في الواقع
بل في الثقافة تدفعك إلى حماقات قديمة
يقولون لي كيف تضحي بنشر نصوص
و أفكار بأسماء مستعارة ما هي الغاية ؟؟
وما هي الغاية صديقي من نشر سبينوزا
كتابه الشهير (( مقالة في اللاهوت السياسي )) بلا توقيع وباسم
مزور ( الكتاب المصنف أكثر إلحاداً في عصره )) ، بل
غير سكنه بعد نشره من ( لايدن ) الى ( لاهاي ) من الخوف
إن الضيق الذي نتعرض له أحياناً هو دليل آخر على أننا نعيش
في عصر مظلم يشبه القرن السابع عشر الذي عاش فيه سبينوزا .
تخيل التلاحم والحب العاطفي في القرن السابع عشر
التماسك العائلي و التضحية والتجارب الروحية الكبيرة
المدارس الموسيقية في الكنيسة والرقص المحتشم في الأعياد
كل ذلك كان قائماً على حب الله و تفاني القساوسة والرهبان و صلواتهم
تلك العناية الإلهية في القرون الوسطى التي تشفي من الأمراض و تجلب البركة
تخيل في ذلك الزمان يظهر رجل غاضب مثل سبينوزا
ويكتب بأن الدين يحتقر العقل ، وكذلك العقل يحتقر الدين
يكتب بأن كل معجزات القديسين والإيقونات والكنائس لم تحدث حقاً
وأنها مجرد أكاذيب لا يعول عليها ولا تصمد أمام الفحص المنطقي
ألا يبدو هذا الرجل كريهاً و حقيراً و مسكوناً بأرواح شريرة ؟؟؟
ألن يعتقد الجميع حينها بأنه يريد تفرقة الناس وزرع الشر والفتنة ؟؟؟
هل هناك من يقرأ كلاما كهذا حينها أو يسمح لأبنائه جلب كلام نجس كهذا
الى المنزل ؟؟؟؟ أريد فقط أن نتخيل الحالة والظروف
نفس الشيء حين تكتب أنت أو أنا ضد النفاق والكذب والفساد العراقي
نبدو أشراراً و مثيري فتن و مشاكل و لا نبعث على الإرتياح
بينما المنافقون والموزرون هم المحبة والروح والنقاء والجمال و السكينة والأمل
هذا هو الإنحطاط الثقافي العراقي العار الأكبر أم الكبائر
في اللحظات المظلمة من حياة سبينوزا
دعم قليل جاءه من أصدقاء و علماء على أصابع اليد الواحدة
هذا الدعم في تلك الفترة التي كان فيها ملعوناً و نجساً و زنديقا
كان يعني له الكثير و ساعده على الإستمرار
ولكن طبعا مثل كل الرؤيويين الكبار لم يعش الرجل الفيلسوف
الذي تأثر أول ما تأثر باليهودي العربي ( ابن ميمون )
سوى 44 عاماً قضى نصفها هارباً جائعاً
متنقلاً بين مدن أوربا من الخوف
أبو ذر الغفاري يمثل مقاومة الفساد والدفاع عن الفقراء
سبينوزا يمثل الحرية الفكرية و كرامة الإنسان
هادي المهدي يمثل حق التعبير . كل كاتب
و مفكر يجب أن يمثل فكرة أو موقفاً ليستحق القراءة
السؤال هنا : كيف استطاع أدونيس أو سعدي يوسف
أن ينالا شهرتيهما
رغم أنهما كانا يمارسان نوعاً من التمرد الثقافي
كيف كان لهما ذلك الترحيب الذي نعرفه ؟؟
الإجابة على هذا السؤال تكمن في وجود
قوى متكافئة و متصارعة بشرف في خمسينات القرن الماضي
فترة حركات التحرر والأمل القومي و ما تلا ذلك
الذي عاشه سبينوزا هو ما نعيشه اليوم
فترة انحطاط و فساد واتفاق ظلامي من جميع القوى على التنوير
وعلى هذا المنوال يصبح الأمل بكلمة يزرعها راهب
ثم يعثر عليها صبية يلعبون تحت سفح جبل

لَعَمْرُكَ، ما بالأرض ضيقٌ على أمرئٍ
سَرَى راغباً أو راهباً، وهو يعقلُ
الشنفرى
 
 
 
 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طلب صداقة
أسعد البصري ( 2012 / 8 / 2 - 23:09 )
الكاتب المبدع والمفكر التنويري أحمد الناصري
أرسلت لك طلب صداقة على فيس بوك مع الإعتزاز

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah